إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

قصص القرآن ج3 (قصَّة بيئة الأبرَار )

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #11
    و يُلاحَظ أنّ القصة صاغت ثلاثة نماذج من المُعدمين: المسكين و اليتيم و الأسير ، فيما يطبع كلاّ منهم ميسمٌ خاص من حيث العوز المادي و اقترانه بالسمات النفسية لكلّ واحد منهم .فالمسكين هو المُعدم بعامّة ، فيما لا يملك شيئاً .أمّا اليتيم فتطبعه سمة نفسية ، هي فقدانه للوالد الذي يحيطه بالرعاية النفسية و المادّية .و أمّا الأسير فتطبعه سمة نفسية اُخرى ، هي غربته الاجتماعية بعامّة .و القصة حينما تختار هذه النماذج على اختلاف سماتها النفسية مع خضوعها لطابع موحّد هو الفقر ، إنّما تشدّد ـ فنّياً ـ على أهمية الإطعام و مساهمته المتنوّعة لمختلف أنماط الإشباع لهم ، و مصاحبة هذا الإشباع للسرور الذي يخلّفه الإطعامُ لكلّ واحد من هذه النماذج الفقيرة .ثمّ انسحاب هذا السرور على المُطعمين في اليوم الآخر ، فيما يُكافَؤون بطعام الجنّة التي خُصّصت القصةُ لسرد تفصيلاته .و بكلمة اُخرى: ينبغي أن نلتفت إلى الموازنة الفنّية في القصة بين الإشباع الذي يحقّقه المُطعمون للجوعى و تنوّع طبقات هؤلاء الجوعى و بين الإشباع الذي تحقّقه السماء للمطعمين ، و تنوّع أشكال الشبع الذي ينتظر هؤلاء الأبطال .هذه الموازنة الفنّية أو الهندسية بين المُطعمين و الجائعين في الدنيا ، و بين المكافأة في النعيم الاُخروي ، . . . يظلّ واحداً من السمات الفنّية التي ينبغي ألاّ تغرب عن بالنا .و المهمّ أنّ القصة حينما تلفت انتباهنا إلى أهمية الإطعام ، فإنّها في الآن ذاته تطرح مفهوماً خاصاً عن الإطعام ، هو: أن يكون الإطعامُ لوجه اللّه و ليس من أجل طلب السمعة ، أو الشكر من الآخرين .و هذه هي الممارسة الرابعة و الأخيرة من الممارسات التي طرحتها القصة ، لكنّها تشكّل أهميةً خطيرةً كلّ الخطورة في ميدان التدريب على نبذ الذات و لذلك أولتها القصةُ عناية خاصة ، و جعلتها وحدها معياراً لصواب السلوك ، و استحقاق صاحبها مكافأة في اليوم الآخر ، فيما تطبق عليه سمةُ الأبرار الذين خُصّصت القصةُ لهم ، كما سنرى مفصلا .* * *هناك نماذج بشريةٌ كثيرة ممّن يُطعم الطعامَ ، و ينثر الأموال على الفقراء ، بيد أنّ مجرّد الإطعام لا يكشف عن أنّ الشخصية ذات طابع سويّ في سلوكها .إنّ الإطعام و الإنفاق بعامّة قد يُصبح مؤشّراً إلى أنّ صاحبه مريضٌ حينما يستهدف من الإطعام جلْبَ السمعة ، أو انتزاع الشكر من الآخرين ، أي أ نّه يبحث عن تقدير لـ ذاته و حومان عليها ، و إشباع لرغباتها .ومَثَلُ هذا المُطعم أو المُنفق ـ في مثل هذه الحالة ـ مَثَل البخيل أيضاً حينما يمسك أمواله عن الإنفاق .فالبخيلُ يبحث عن إشباعِ ذاته و يحوم عليها ، محاولا اجتلابَ كلّ ما يحقّق فائدة لذاته ، ممّا يُعدّ مثل هذا السلوك سمةً مَرَضية .المنفق أمواله من أجل المكانة الاجتماعية أو انتزاع الشكر ، تطبعه أيضاً نفسُ السمةِ المَرَضيّة ، لأ نّه مثل البخيل تماماً في البحث عن إشباع ذاته و اجتلاب الفائدة لها . . . كلاهما إذن يحوم على الذات ، كلّ ما في الأمر أنّ المُنفق يبحث عن الحاجات النفسية لذاته ، و البخيل يبحث عن الحاجات المادّية لذاته .من هنا ، فإنّ القصة التي نحن في صدد الحديث عنها ، لم تطرح قضية الإطعاممنفصلةً عن السمة الصحية لها ، بل تحدّثت عن إطعام المسكين و اليتيم و الأسير ، مقترناً بهذا الحوار الذي تحدّث به أبطال القصة مع أنفسهم ، قائلين:﴿إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً

    تعليق


    • #12
      السمة الفنّية الثانية التي طبعت هذا الجزء من القصة ، هي: أنّ القصة استخدمت عنصر التكرار فيما يتصل بالخوف من شدائد اليوم الآخر ، فقالت على لسان أبطالها ، بعد الحديث عن إطعامهم لوجه اللّه:﴿إِنّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً فالملاحَظ أنّ أبطال القصة ، سبق أن تحدّثت القصةُ عنهم عند قضية وفائهم بالنذر ، قائلةً:﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراًو هذا يعني أنّ كلّ ممارسة من سلوكهم تقترن بالتخوّف من الحساب في اليوم الآخر ، ممّا يُعزّز الذهابَ إلى أنّ الإطعام يظلّ من أجل اللّه فحسب إلى الدرجة التي يُخشى من خلالها أن تُحاسَبَ الشخصية على كلّ حركة تفوح برائحة الذات .غير أنّ هناك سمة فنّية ثالثة تستدعي تأمّلا كبيراً ، هي عنصر الحوار الذي استخدمته القصة في قضية الإطعام من أجل اللّه لا من أجل الآخرين . . .ففي قضية الوفاء بالنذر استخدمت القصةُ عنصر السرد ، لكنها في قضية الإطعام
      استخدمت القصةُ عنصر الحوار .
      في قضية الوفاء بالنذر ، قالت القصةُ حاكيةً عن تخّوف الأبرار من يوم الحساب:﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً أمّا في قضية الإطعام ، فقد جعلت القصةُ أبطالها يتحدّثون بأنفسهم ، لا أنّ القصة تُخبر عنهم:﴿إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً﴿إِنّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراًإنّ طرح مثل هذا السؤال له أهميته الكبيرة دون أدنى شك ، من حيث صِلته بالدلالات الفكرية التي تستهدفها القصة .فما هو السرّ الفنّي لهذه السمة ؟* * *قد يقول القائل: إنّ أبطال القصة حينما نذروا للّه ، فإنّ قضية الإيفاء بالنذر تظلّ مقتصرة على العلاقة بينهم و بين اللّه دون أن تمتد إلى الآخرين . فالقضيةُ قضية صيام ثلاثة أيام . . . و قد تمّت بشكلها المطلوب ، فيما لا تحتاج إلى حوار و شخوص .أمّا قضية الإطعام ، فإنّها تـتصل بآخرين تمّ تقديمُ الطعام إليهم و هم: المسكين و اليتيم و الأسير ، حيث اقترن تقديمُ مِثل هذا الطعام بتوجيه خطاب مباشر للفقراء ، أو بتوجيه خطاب لأنفسهم ، قائلين بصمت . . . أو بلغة مفكّرة:﴿إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً﴿إِنّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا . . .إنّ النصوص المفسّرة تُلقي إنارة واضحةً على هذا الجانب . فبعضها يذهب إلى أنّ أحد الأبطال و هو الإمام عليٌّ (عليه السلام) توجّه بحواره إلى اللّه ، قائلا: «اللهم بدّلنا بما فاتنا من طعامنا هذا ما هو خيرٌ منه» . بيد أنّ هذه الإجابة ـ مع افتراض صحة مثل هذا التفسير ـ تحدّد صلة الحوار باللّه و ليس بالفقراء الذين قيل لهم: «إنّما نطعمكم لوجه اللّه . . .» إلى آخره .لكن نصوصاً اُخرى تحدّد الأمر بوضوح حين يقول بعضها: إنّ عليّاً (عليه السلام) لم يقل في موضع: ﴿إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً ، و لكن اللّه علم أنّ في قلبه إنّ ما أطعَم للّه ، فأخبره بما يعلم من قلبه من غير أن ينطق به .و في نصٍّ تفسيريٍّ آخر: و اللّه ما قالوا هذا ، و لكنهم أضمروا في أنفسهم ، فأخبر اللّه عن إضمارهم .إنّ هذين النصين المفسّرين ، يُلقيان إنارة كاملةً على الموضوع في ذهابهما إلى أنّ الأبطال لم يوجّهوا خطاباً للفقراء ، بل و حتّى لأنفسهم ، بل أضمروا ذلك إضماراً ، فعلم اللّه ما في نفوسهم ، فأخبر عنه .و السؤال هو: ما هو التفسير الفنّي لمثل هذا الحوار الداخلي ؟

      تعليق


      • #13
        إنّ أهمية الفنّ القصصي تـتّضح بجلاء ، حينما نُدرك أنّ القصة بعيداً عن نصوص التفسير ، تُعلن عن سماتِها الفنّية من خلال الصياغة الخاصة للأبطال و طريقة تفكيرهم على نحو يستطيع القارئ أن يستخلص أكثر من دلالة حتّى لو لم يرجع إلى نصوص التفسير . . . و هذه هي سمة الفنّ العظيم .إنّ أيّ قارئ خَبُرَ تَذوُّق القصة بمقدوره أن يستنتج دون تأمّل طويل ، أنّ الأبطال لم يتحدّثوا بمثل هذا الكلام ﴿إِنَّما نُطْعِمُكُمْ . . .﴿إِنّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا . . .
        إلى آخره ، لعدم وجود مسوّغ له . فالفقراء الثلاثة كانوا منفردين ، و ليسوا مجتمعين في آن واحد حتّى يوجّه إليهم مثلُ هذا الخطاب ، أو يوجّه ثلاث مرات في أيّام ثلاثة: كلاّ منهم على حِدة ، كما أنّ الأبطال ليسوا في صدد إلقاء مثل هذه العظة على مسامع مُعدمين لا يملكون ما يُطعمون به الآخرين ، بل هم مفتقرون إلى الطعام . . .
        لهذه الأسباب و سواها يتعيّن من الزاوية الفنّية أن يكون الخطاب مجرّد حوار داخلي ، و ليس حواراً خارجياً مع المسكين و اليتيم و الأسير .لكنّ السؤال هو: لماذا استخدمت القصةُ عنصر الحوار هنا ، و لم تستخدمه في قضية الإيفاء بالنذر ، مادام في الحالين يحكم الموقفَ طابعٌ واحدٌ ، هو أنّ الأبطال قد اقتصرت علاقتهم باللّه ، دون أن تمتدّ إلى الآخرين ؟* * *في تصوّرنا أنّ القصة حينما تستهدف لَفتَ انتباهنا إلى أهمية الإطعام أو مطلق السلوك الذي يحقق فائدة للآخرين من أجل اللّه و ليس من أجل التقدير أو السمعة . . . حينئذ فإنّ مثل هذا العمل يتطلّب إظماراً في داخل الشخصية ، لا إعلاناً عنه ، لكنه إضمارٌ حيّ متحرّك في نطاق المشاعر .مضافاً لذلك فإنّ مشاعر الأبطال عندما تعرضها القصةُ بلُغتهم أنفسهم ، حينئذ تكون القصةُ قد تركت تأثيراً كبيراً على القارئ ، يفيد منه في تعديل سلوكه و التدريب على معايشة مثل هذه الحقيقة التي سيردّدها في أعماقه كلّما أنفقَ أو عمل خيراً للآخرين ، متحاوراً مع نفسه: عملتُ هذا للّه ، أو موجهاً أفكاره إلى الآخرين من دون نطق: عملتُ هذا للّه لا لكم . . .إنّ في تجاربنا اليومية آلاف الأفكار التي نحياها مع أنفسنا ، دون أن نحدّث بها أحداً ، بل إنّ الفكرَ نفسَه لغةٌ غير منطوق بها . . . و أهمية نقل الأفكار إلى الآخرين من خلال الحوار الداخلي يعرفها جيّداً قرّاءُ القصة النفسية الحديثة التي انبثقت مع العقد الثالث من هذا القرن ، فيما أولت الحوار الداخلي أهمية كبيرة إلى الدرجة التي قد تقوم من خلاله روايةٌ كاملةٌ على العنصر المذكور .و المهمّ أنّ القصة القرآنية الكريمة ، حينما نقلت لنا على لسان الأبطال كلاماً لم ينطقوا به ، بل أفكاراً أضمروها ، فنقلتها إلى لغة حيّة بالنحو الذي لحظناه ، إنّما تكون القصة القرآنيةُ بهذا المنحى ، قد استخدمت اللغة النفسية في مُنحنياتها التي نُضطر إلى الوقوف عندها مليّاً ، لاكتشاف أهميتها الفنّية و انسحاب ذلك على الأفكارالتي تستهدفُ القصةُ توصيلها إلينا في غمار الوظيفة الاختبارية التي أوكلتها السماءُ إلينا في هذه الأرض .* * *قلنا: إنّ الأبرار أو أبطالَ أهل البيت (عليهم السلام) الذين أطعموا المسكين و اليتيم و الأسير ، عندما قالوا:﴿إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً﴿إِنّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً هذا القول لم ينطقوا به ـ كما ذكرت النصوص المفسّرة ـ بل عرفَ اللّه ذلكَ في قلوبهم ، فنقلتها القصةُ على النحو المذكور .و نحن بعد أن لَمّحنا عابراً بعض معطيات هذا النمط من الحوارالداخلي ، يجدر بنا أن نفصّل فيه نظراً لأهمية هذا الاُسلوب الذي انطوت عليه القصةُ القرآنية ، فيما لم يُدرك البلاغيّون و النقّادُ القدامى خصائصه الفنّية ، مادام القصورُ العلمي عصرئذ يحتجزهم عن إدراك مثل هذه الأسرار .إنّ النقّادَ المُحدثين ـ نظراً لانتشار المعرفة النفسية التي بدأت مع إطلالة هذا القرن ـ قد أدركوا أهمية العمليات النفسية و أسرارها داخل الأفكار و طريقة تنظيمها و خضوعها للوعي حيناً و لللاوعي حيناً آخر من خلال ما يُسمّى في اللغة النفسية بــ : تداعي الأفكار ، . . . فضلا عن إدراكهم لطبيعة الأفكار وصلتها بــ اللغة المنطوقة ، أو اللغة غير المنطوقة فيما تعني نفس الأفكار التي تـتّخذ شكلا خاصاً من التنظيم ، و لكن دون أن تصحبه حركة الجهاز الصوتي .و من الواضح أنّ نقل الأفكار ـ كما هي ـ إلى الآخرين ، يُعدّ عمليةً من الصعب تحقّقها بدقة ، نظراً لفوضى التفكير و عدم خضوعه لنطام رتيب ، فقد يفكّر الإنسان بضمير الغائب ، و ينتقل فجأة إلى المخاطب ، ثمّ يعود إلى المتكلّم و هكذا .و عملية تداعي الأفكار فيما حاول بعضُ القصصين المُحدثين أن يترجمها إلى عمل قصصيٍّ من خلال حوار داخلي مطوّل يفتقد روابطه المنطقية ، . . . هذه العملية لعلّها واحدة من المحاولات التي تُترجم طريقة التفكير في حركته بمختلف الضمائر ، و قفزاته من موضوع لآخر تفرضه عملية التداعي ، لكنها في نهاية المطاف تظلّ دون أدنى شك عملية ذات فائدة كبيرة في الكشف عن أعماق الإنسان ، و طبيعة مشاعره ، فيما لا يمكن لسواها أن تحقّق هذا الكشف ، مادام الإنسان مفكراً بلغة غير منطوقة .و نحن يهمّنا من ذلك كلّه ، أن نلفت الانتباه إلى أنّ القصة القرآنية حينما عرضت لنا أفكار الأبطال بهذا النحو الذي لم ينطقوا به و نعني بذلك قولهم: ﴿إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً إنّما عرضته بهذا النحو ، فلأ نّه إحدى الحقائق المتّصلة بالعمليات النفسية التي تنطوي على أسرار لا مناص من التعريف بها ، بغية الإفادة منها في ميدان السلوك .

        تعليق


        • #14
          قد يتحدّث الإنسانُ مع نفسه ـ و لكن دون أن ينطق ـ قائلاً :أطعمتُ هذا الفقير لوجه اللّه .وقد يوجّه حديثه إلى الفقير ـ و لكن دون أن ينطق أو يُسمعَ الفقير ـ قائلا:أطعمتُك لوجه اللّه .و قد يُمارس عمليّة تفكير مبهمة غير محدّدة ، لكنها تحوم على معنىً خاص ، هو: إطعام الفقير لوجه اللّه ، من دون أن يتحدّد في لفظ خاص ، بل في معنى يماثل آلاف المعاني أو الأفكار التي تمرّ على ذاكرته طوال يقظته و وعيه بما يدور من حوله . . .و السؤال هو: هل إنّ أبطال أهل البيت (عليهم السلام) ـ و قد أطعموا الفقراء ـ حينما حام تفكيرهم بلغة المخاطب :﴿إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً ، هل إنّ هؤلاء الأبطال حينما فكّروا بلُغة الخطاب ، كان تفكيرهم يحمل دلالة خاصة بحيث أبرزتها القصة على النحو المذكور ، بغية أن نفيد منها نحن القرّاء في تلوين سلوكنا و تعديله عند كلّ ممارسة عبادية ننهض بها ؟لا شك أنّ المخاطبين: المسكين و اليتيم و الأسير ، لم يصل إلى مسامعهم هذا الخطابُ غير الملفوظ به ، ممّا يعني أنّ التفكير بلغة المخاطب له أهميتُه في مثل هذه الحالة من حيث حجم العمل العبادي عند الإنسان .و في تصوّرنا ، أنّ الأهمية الفنّية لمثل هذا الحوار الداخلي الموجّه إلى المعدمين ، تـتمثّل في أنّ الأبطال ـ و هم حريصون على مساعدة الآخرين ـ إنّما يتوجّهون إليهم في مستوى التفكير الصرف ، تعبيراً عن حرصهم على المساعدة و لكن بما أ نّهم لا يحرصون على انتزاع الشكر أو السمعة من المُعَدمين ، . . . حينئذ لا يترجمون حرصهم لعمل الخير إلى لغة منطوق بها ، بل يكتفون من ذلك بالخطاب إليهم في نطاق التفكير فحسب .و هذا النمط من السلوك له أهميته الكبيرة دون أدنى شك .إنّه يكشف عن النزعة الخيّرة لدى الإنسان ، . . . يكشف عن حرص الأبرار على تقديم المساعدة للآخرين ، و قضاء حوائجهم إلى الدرجة التي تأخذ مساحةً كبيرةً من تفكيرهم ، بحيث يهمّون بتوجيه خطاب مباشر للإفصاح عن حبّهم للآخرين .و لكن بما أنّ حبّهم للآخرين ، هو من أجل اللّه . . . حينئذ يحتفظون بهذا السرّ و لا يعلنون عنه أمام الآخرين ، بحيث يبقى مجرّد حوار داخليٍّ في نطاق العمليات الفكرية . . .إذن أدركنا أهمية السرّ الفنّي لهذا الحوار الداخلي الذي صاغته القصة لأبطالها الأبرار و ما يمكن أن نفيد منه نحن القرّاء في سلوكنا العبادي الذي ينبغي أن يختط هذا المسار نفسَه في مساعدتنا للآخرين ، و في قضاء حوائجهم ، . . . بل في ممارساتنا العبادية جمعاء . . . و إلاّ فإنّ العمل العبادي سيُحبَط ـ دون أدنى شك ـ عندما يقترن بالبحث عن استلام الشكر أو الحرص على تحقيق مكسب ذاتي هو:
          السمعة الاجتماعية .
          * * *إلى هنا فإنّ القصة تأخذ نهايتها فيما يتصل بالأبطال الذين تحرّكوا داخلها .فالقصة بدأت بتعريف الأبرار و كان بدؤها من بيئة الجنّة التي اُعدّت لهم:﴿إِنَّ الأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْس كانَ مِزاجُها كافُوراً ﴿عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراًثمّ ارتدّت القصة من الجنّة ، من شرابها المتصل بالكؤوس و بالعيون ، إرتدّت بالأحداث إلى الحياة الدنيا ، فنقلت لنا بطريقة فنّية أوضحناها في حينه ، جانباً من سلوك الأبطال الذين استحقّوا من أجله خلعَ سمة الأبرار عليهم ، و احتلالهم هذا الموقع من الجنّة .و الآن تعود القصةُ ثانيةً إلى بيئة الجنّة ، لتواصل الحديث عن عناصر هذه البيئة ، قائلةً:﴿فَوَقاهُمُ اللّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَ لَقّاهُمْ نَضْرَةً وَ سُرُوراً﴿وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراًلا ننس أنّ الأبطال هتفوا في نطاق الحوار الداخلي ، قائلين:﴿إِنّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراًو ها هي السماء تُجيبهم قائلة:﴿فَوَقاهُمُ اللّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِو ها هي تكافؤهم على العمل لوجه اللّه ، قائلةً:﴿وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراًو ها هي تواصل عرض مفردات النعيم الذي كافأتهم به ، قائلةً:﴿مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَ لا زَمْهَرِيراً﴿وَ دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَ ذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً﴿وَ يُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَة مِنْ فِضَّة وَ أَكْواب كانَتْ قَوارِيراً﴿قَوارِيراً مِنْ فِضَّة قَدَّرُوها تَقْدِيراً﴿وَ يُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً﴿عَيْناً فِيها تُسَمّى سَلْسَبِيلاً﴿وَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً﴿وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَ مُلْكاً كَبِيراً﴿عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُس خُضْرٌ وَ إِسْتَبْرَقٌ وَ حُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّة﴿وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً﴿إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراًو نحن قبل أن نتحدّث عن تفصيلات هذه البيئة في الجنّة ، ينبغي أن نلفت الانتباه إلى أنّ هذه الأوصاف أو المشاهد تكاد تنفرد بها هذه القصة دون سواها ، من حيث استقطابها لكلّ أدوات الشرب بخاصة ، . . . و إلى أنّ انفراد القصة بهذا الوصف لابدّ أن يرتبط بطبيعة السلوك الذي طبع الأبرار أبطال الدنيا . . . لابدّ أن يرتبط بمعطيات ذلك الحوار الداخلي الذي صدر عن الأبطال ، و هم يهتفون في أعماقهم :﴿إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً﴿إِنّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراًهذا الحوار الذي أوضحنا قيمته من حيث انطواؤه على أسرار العمليات النفسية له صلته بدقائق الأوصاف التي انفردت بها هذه القصة ، ممّا يجدر توضيحُه مادام متصلا بإفادتنا نحن القرّاء في تعديل السلوك و تحقيق مهمّة الخلافة في الأرض على الوجه الذي تُطالبنا السماءُ به .* * *قلنا: إنّ قصة الأبرار الذين تضمّنتهم هذه السورة ، تظلّ أكبر القصص حجماً فيما يتصل بوصف الجنّة و نعيمها ، حيث تنوّعت فيها عناصر النعيم ، من شرب و زاد و مسكن و ملبس و سواها ، و بلغت أشدّ مستويات الترف ، بحيث لم يرد في قصة اُخرى مثل هذه التفصيلات .و نحن لا نحتاج إلى تأمّل كبير لكي ندرك السرّ الفنّي الكامن وراء هذا ، . . .
          فالقصة تـتحدّث عن الأبرار الذين قدّموا طعامهم للمسكين و اليتيم و الفقير ، و آثروا الجوع و العطش ، من أجل إرواء و إشباع الآخرين . . . و نتيجةً لتحمّلهم حِرمانَ الزاد عوّضهم اللّه إشباعاً في الآخرة ، بحيث يتناسب تحمّلهم للجوع مع المكافأة الضخمةِ التي تفسّر لنا السبب الفنّي الذي جعل هذه القصة تـتحدّث عن نعيم الجنّة بنحو لا تـتحدّث به أيّةُ قصة اُخرى .
          و لكي يتبيّن للقارئ بوضوح ثراء النعيم الذي اُعدّ للأبرار بالشكل الذي لَمّحنا إليه ، يحسن بنا أن نفصّل في عرض مستوياته .لقد عُرِضت في القصة ستُ حاجات إنسانية تـتصل بدوافعه الحيوية ، أي البيلوجية ، بعضها يُشكّل حاجات أساسية في معيارنا الدنيوي ، و بعضها يشكل حاجات ثانوية .و هذه الحاجات الست هي:1 ـ الماء .2 ـ الطعام .3 ـ المسكن .4 ـ الملبس .5 ـ الخدمة .6 ـ الجمال .و نقصد بالحاجة الأخيرة الجمال : الحاسّة الجمالية عند الإنسان فيما يتصل بمشاهد الطبيعة ، و أدوات الترف التي يستخدمها في حاجاته المختلفة .و واضح ، أنّ هذه الحاجات الست ، ما بَعدها من حاجات عدا المرأة في نطاق البيئة التي يحياها إنسان الدنيا أو إنسان الآخرة ، مع ملاحظة أنّ القصة شدّدت أو ركّزت على بعض الحاجات بنحو أشدّ من غيرها ، فيما ينطوي هذا التشدّدُ أيضاً على سرّ فنّي لابدّ أن نتعرّفه بعد أن عرفنا سرّ التركيز على تنوّع النعيم وصِلته بالسلوك الدنيوي الذي تحمّل من خلاله الأبرارُ شدائد الحياة ، و عُوّضوا بدلا منه روائع الترف . أيضاً ينبغي ملاحظة إختفاء عنصر المرأة ، فيما يتطلّب معرفة السرّ وراء ذلك في هذا الصدد .و لنتقدّم أوّلا بنماذج الحاجات الست:1 ـ الماء:﴿إِنَّ الأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْس كانَ مِزاجُها كافُوراً﴿عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً﴿وَ يُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَة مِنْ فِضَّة وَ أَكْواب﴿وَ يُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً﴿عَيْناً فِيها تُسَمّى سَلْسَبِيلاً﴿وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً2 ـ الطعام:﴿وَ دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَ ذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً3 ـ المسكن:﴿مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَ لا زَمْهَرِيراً﴿وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَ مُلْكاً كَبِيراً4 ـ الملبس:﴿عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُس خُضْرٌ وَ إِسْتَبْرَقٌ وَ حُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّة5 ـ الخدمة:﴿وَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً6 ـ الحاجة الجمالية:و هي تشمل طرائق الإشباع الذي يرافق كلاّ من الحاجات المذكورة ، من تنوّع أدوات الشرب: آنية ، أكواب ، أباريق ، و تنوّع الملبس: سندس ، استبرق ، أساور . . . إلى آخره .و الآن أوّل ما يُلاحَظ أنّ الماء و أدوات تناوله يُشكّل عنصراً غالباً على سائر الحاجات الاُخرى من حيث كثرة التفصيلات فيه ، و من حيث تنويع أدواته ، و من حيث تنويع أشكاله ، و من حيث بدء الحديث عنه قبل غيره من الحاجات الاُخرى .و السرّ الفنّي وراء ذلك ـ وقد سبقَ التلميحُ إليه ـ هو دافع العطش في التركيبة الآدمية ، يُعدّ أقوى الدوافع على الاطلاق بالقياس إلى الدوافع الحيوية الاُخرى من جوع و جنس و جمال و نحوها ، ممّا يفسّر لنا سببَ التركيز عليه و تنويع أدواته و التفصيل في عَرضِ كلّ ما يتّصل به .هذا السبب الفنّي يتّضح تماماً حينما نلحظ أوّلا أنّ الماء قد دخله التنويع من حيث المادّة ، فهو حيناً يمتزج بالكافور ، و حيناً يمتزج بالزنجبيل ، و حيناً ثالثاً هو سلسبيل .هذا من حيث المادّة: كافور ، زنجبيل ، سلسبيل .و أمّا من حيث أدواته ، فهي: آنية و أكواب و كؤوس .و أمّا من حيث أشكالها ، فهي: قوارير زجاجات . . . و هي فضّة . . .و أمّا من حيث المظهر ، فهو: عيون تُفجّر تفجيراً . . .و أمّا من حيث القيمة ، فهو: شرابٌ طهور .إذن هناك ما يُجسّد شراباً طهوراً ، يُفجّر من العيون تفجيراً ، يجري سلسبيلا و يمتزج كافوراً و زنجبيلا ، و يُسقى آنيةً و كأساً و أكواباً و قواريراً ، كلّها من فضّة شفّافة يُرى ما في داخلها من الخارج . . .هذه الأوصاف أو السمات لو صحبها قليلٌ من التأمّل ، لاستطارت العقولُ من الدهشة و الانبهار حيالَها دون أدنى شك .* * *ولو قدّر لنا أن نتابع سائر العناصر المتصلة بالحاجات الاُخرى ، للحظناها بالسمة ذاتها و لكن بتفصيل و تنويع أقل ، ممّا لا حاجة إلى متابعتها مادمنا في صدد الربط بين أشدّ حاجة حيوية من دوافع الإنسانِ و هي الماءُ و بين صِلتِها بالسلوكِ الدنيوي الذي وازنَ بين الأبطال الذين يؤثرون الآخرين على أنفسهم في الحياة و يتحمّلون شدائد الحياة و منها: الجوع و العطش ، و بين المكافأة لهم في الحياة الآخرة .و لا ننس أنّ الأبطال أو الأبرار الذين تناولتهم القصة إنّما مارسوا وظيفة عبادية هي الصوم المنذور بما يصاحبه من عطش و جوع . ثمّ مارسوا ـ ثانيةً ـ وظيفةً عباديةً اُخرى هي: إطعامُ الفقراء . و جاء هذا الإطعام في سياق الجوع و العطش ، بحيث آثروا الفقراء على أنفسهم حتّى في نطاق ما ينبغي أن يتناولوه عند الإفطار ، لا في نطاق مجرّد التناول للطعام في أوقاته الاعتيادية . . .كلّ ذلك ينبغي أن نضعه في الاعتبار ، مصحوباً بما قلناه من أنّ الإطعام ـ في سياق هذه الشدّة التي تحمّلها الأبطال ـ إنّما كانت لوجه اللّه ، لايبتغون بذلك جزاءً من أحد و لا شُكوراً .إنّه من الممكن أن يُطْعِمَ الإنسانُ ، جائعاً ، و لكنّه ليس بحاجة إلى الطعام الذي يقدّمه للجائع . . .و من الممكن أن يُطعم الإنسانُ جائعاً ، لكنّه يبحث عن تقدير و شكر . . . أمّا أن يقدّم الطعام و هو جائع ، فأمرٌ يختلف كلّ الاختلاف عن تقديمه للطعام و هو مستغن عنه ، و أن يقدّمه لا بحثاً عن سمعة ، بل عن مخافة من يوم يبدو عبوساً قمطريراً . . .المهمّ أنّ الزادَ واحدٌ من الحاجات البشرية ، . . . و هناك حاجات اُخرى حيوية و نفسية تلفت القصةُ انتباهنا إلى ضرورة التعامل معها وفق مبدأ محدّد هو الإيثار ، إيثار الآخرين على الذات الفردية ، من أجل اللّه فحسب ، مصحوباً بالخوف من اليوم الآخر ، . . . من الحسابِ . . . من يوم وُصِفَ بأ نّ شرَّه مستطيرٌ ، و بأ نّه عبوسٌ قمطرير . . .و على العكس من ذلك ، أشارت السورةُ بعد انتهاء القصة إلى اُولئك الذين:﴿يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَ يَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاًيؤثرون الحياة الدنيا ، و يذرون الآخرة في يومها الثقيل . . . يزهدون بالحياة الآخرة بما صاحبها من النعيم الذي تقدّمت افانينهُ ، و يؤثرون العاجلة بما يصاحبها ـ بعدئذ ـ من ثقل ، و شرٍّ مستطير ، و عبوس بوجه اُولئك الذين ركبوا رؤوسهم ، و اتّبعوا الشهوات ، فهل لنا أن نَعِىَ وظيفتنا العبادية ؟

          تعليق

          المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
          حفظ-تلقائي
          Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
          x
          يعمل...
          X