الحقوق لزين العابدين روحي لتراب مقدمة الفداء مظلوم الحديث عنة منا--------------------
الفصل الاول
(في ذكر الحقوق لزين العابدين (عليه السلام))
روى إسماعيل بن الفضل، عن ثابت بن دينار الثمالي، عن سيد العابدين علي بن الحسين عليهما السلام.
قال (عليه السلام): حق الله الاكبر عليك: أن تعبده ولا تشرك به شيئا، فإذا فعلت ذلك بإخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والاخرة.
وحق نفسك عليك: أن تستعملها بطاعة الله عزوجل.
وحق اللسان: إكرامه عن الخنى وتعويده الخير وترك الفضول التي لا فائدة لها والبر بالناس وحسن القول فيهم.
وحق السمع: تنزيهه عن سماع الغيبة وسماع ما لا يحل سماعه.
وحق البصر: أن تغضه عما لا يحل لك وتعتبر بالنظر به.
وحق يدك: أن لا تبسطها إلى ما لا يحل لك.
وحق رجليك: أن لا تمشي بهما إلى ما لا يحل لك، فبهما تقف على الصراط فانظر أن لا تزل بك فتتردى في النار.
وحق بطنك: أن لا تجعله وعاء للحرام ولا تزيد على الشبع.
وحق فرجك: أن تحصنه عن الزنا وتحفظه من أن ينظر إليه.
وحق الصلاة: أن تعلم أنها مرقاة إلى الله عزوجل وأنك فيها قائم بين يدي الله عز وجل، فإذا علمت ذلك قمت مقام الذليل الحقير الراغب الراهب الراجي الخائف المسكين المستكين المتضرع المعظم لمن كان بين يديه بالسكون والوقار وتقبل عليها بقلبك وتقيمها بحدودها وحقوقها.
وحق الحج: أن تعلم أنه وفادة إلى ربك وفرار إليه من ذنوبك وفيه قبول توبتك
[ 219 ]
وقضاء الفرض الذي أوجبه الله عليك.
وحق الصوم: أن تعلم أنه حجاب ضربه الله عزوجل على لسانك وسمعك وبصرك وبطنك وفرجك ليسترك به من النار، فإن تركت الصوم خرقت ستر الله عليك.
وحق الصدقة: أن تعلم أنه ذخرك عند ربك عزوجل ووديعتك التي لا تحتاج إلى الاشهاد عليها، وكنت بما تستودعه سرا أوثق منك بما تستودعه علانية. وتعلم أنها تدفع البلاء والاسقام عنك في الدنيا وتدفع عنك النار في الاخرة.
وحق الهدي: أن تريد به الله عزوجل ولا تريد به حلقه ولا تريد به إلا التعرض لوجه الله عزوجل ونجاة روحك يوم تلقاه.
وحق السلطان: أن تعلم أنك جعلت له فتنة وأنه مبتلي فيك بما جعله الله عز وجل له عليك من السلطان، وأن عليك أن لا تتعرض بسخطه فتلقى بيدك إلى التهلكة وتكون شريكا له فيما يأتي إليك من سوء.
وحق سائسك بالعلم: التعظيم له والتوقير لمجلسه وحسن الاستماع إليه والاقبال عليه وأن لا ترفع صوتك عليه ولا تجيب أحدا يسأله عن شئ حتى يكون هو الذي يجيب ولا تحدث في مجلسه [ أحدا ]، ولا تغتاب عنده أحدا وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء وأن تستر عيوبه وتظهر مناقبه ولا تجالس له عدوا ولا تعادي له وليا، فإذا فعلت ذلك شهدت لك ملائكة الله بأنك قصدته وتعلمت علمه لله جل إسمه لا للناس.
وأما حق سائسك بالملك: فأن تطيعه ولا تعصيه إلا فيما يسخط الله عزوجل فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وأما حق رعيتك بالسلطان: فأن تعلم أنهم صاروا رعيتك لضعفهم وقوتك فيجب أن تعدل فيهم وتكون لهم كالوالد الرحيم وتغفر لهم جهلهم ولا تعاجلهم بالعقوبة وتشكر الله عزوجل على ما أتاك من القوة عليهم.
وأما حق رعيتك بالعلم: فأن تعلم أن الله عزوجل إنما جعلك قيما لهم فيما أتاك من العلم وفتح لك من خزائنه، فإن أحسنت في تعليم الناس ولم تخرق بهم ولم تتجبر عليهم زادك الله من فضله، وإن أنت منعت الناس علمك أو خرقت بهم عند طلبهم العلم منك كان حقا على الله عزوجل أن يسلبك العلم وبهاءه ويسقط من القلوب محلك.
وأما حق الزوجة: فأن تعلم أن الله عزوجل جعلها لك سكنا وأنسا فتعلم أن ذلك
[ 420 ]
نعمة من الله عليك فتكرمها وترفق بها، وإن كان حقك عليها أوجب فإن لها عليك أن ترحمها لانها أسيرك وتطعمها وتسقيها وتكسوها وإذا جهلت عفوت عنها.
وأما حق مملوكك: فأن تعلم أنه خلق ربك وابن أبيك وأمك ومن لحمك ودمك لم تملكه لانك صنعته دون الله عزوجل ولا خلقت شيئا من جوارحه ولا أخرجت له رزقا ولكن الله عزوجل كفاك ذلك ثم سخره لك وائتمنك عليه واستودعك إياه ليحفظ لك ما تأتيه من خير إليه فأحسن إليه كما أحسن الله إليك وإن كرهته استبدلته ولا تعذب خلق الله عزوجل ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وأما حق أمك: فأن تعلم أنها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحدا وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد أحدا ووقتك بجميع جوارحها ولم تبال أن تجوع وتطعمك وتعطش وتسقيك وتتعرى وتكسوك وتضحى وتظلك وتهجر النوم لاجلك ووقتك الحر والبرد لتكون لها وإنك لا تطيق شكرها إلا بعون الله وتوفيقه.
وأما حق أبيك: فأن تعلم أنه أصلك وأنه لولاه لم تكن، فمهما رأيت في نفسك ما يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه فاحمد الله واشكره على قدر ذلك ولا قوة إلا بالله.
وأما حق ولدك: فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره وأنك مسؤول عما وليته به من حسن الادب والدلالة على ربه عزوجل والمعونة له على طاعته فاعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الاحسان إليه، معاقب على الاساءة إليه.
وأما حق أخيك: فأن تعلم أنه يدك وعزك وقوتك فلا تتخذه سلاحا على معصية الله ولا عدة للظلم بخلق الله ولا تدع نصرته على عدوه والنصيحة له فإن أطاع الله وإلا فليكن الله أكرم عليك منه ولا قوة إلا بالله.
وأما حق مولاك المنعم عليك: فأن تعلم أنه أنفق فيك ماله وأخرجك من ذل الرق ووحشته إلى عز الحرية وأنسها فأطلقك من أسر الملكية وفك عنك قيد العبودية وأخرجك من السجن وملكك نفسك وفرغك لعبادة ربك وتعلم أنه أولى الخلق بك في حياتك وموتك وأن نصرته عليك واجبة بنفسك وما أحتاج إليه منك ولا قوة إلا بالله. وأما حق مولاك الذي أنعمت عليه: فأن تعلم أن الله عزوجل جعل عتقك له وسيلة إليه وحجابا لك من النار وأن ثوابك في العاجل ميراثه إذا لم يكن له رحم مكافأة بما أنفقت من مالك، وفي الاجل الجنة.
[ 421 ]
وأما حق ذي المعروف عليك: فأن تشكره وتذكر معروفه وتكسبه المقالة الحسنة وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين الله عزوجل، فإذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرا وعلانية وإن قدرت على مكافأته يوما كافيته.
وأما حق المؤذن: فأن تعلم أنه مذكر لك ربك عزوجل وداع لك إلى حظك وعونك على قضاء فرض الله عزوجل عليك فاشكره على ذلك شكرك للمحسن إليك.
وأما حق إمامك في الصلاة: فأن تعلم أنه يقلد السفارة فيما بينك وبين ربك عز وجل وتكلم عنك ولم تتكلم عنه ودعا لك ولم تدع له وكفاك هول المقام بين يدي الله عزوجل، فإن كان نقص كان به دونك وإن كان تمام كنت شريكه ولم يكن له عليك فضل، وحفظ نفسك بنفسه وصلاتك بصلاته فتشكر له على قدر ذلك.
وأما حق جليسك: فأن تلين له جانبك وتنصفه في مجاراة اللفظ ولا تقوم من مجلسك إلا بإذنه ومن يجلس إليك يجوز له القيام عنك بغير إذنك، وتنسى زلاته وتحفظ خيراته ولا تسمعه إلا خيرا.
وأما حق جارك: فحفظه غائبا وإكرامه شاهدا ونصرته إذا كان مظلوما ولا تتبع له عورة، فإن علمت عليه سوء سترته عليه وإن علمت أنه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك وبينه ولا تسلمه عند شديدة وتقيل عثرته وتغفر ذنبه وتعاشره معاشرة كريمة ولا قوة إلا بالله.
وأما حق الصاحب: فأن تصحبه بالتفضل والانصاف وتكرمه كما يكرمك ولا تدعه يسبق إلى مكرمة فإن سبق كافأته وتوده كما يودك وتزجره عما يهم به من معصية الله. وكن عليه رحمة ولا تكن عليه عذابا ولا قوة إلا بالله.
وأما حق الشريك: فإن غاب كفيته وإن حضر رعيته ولا تحكم دون حكمه ولا تعمل برأيك دون مناظرته وتحفظ عليه من ماله ولا تخونه فيما عز أو هان من أمره فإن يدالله عزوجل مع الشريكين ما لم يتخاونا ولا قوة إلا بالله.
وأما حق مالك: فأن لا تأخذه إلا من حله ولا تنفقه إلا في وجهه ولا تؤثر على نفسك من لا يحمدك فاعمل فيه بطاعة ربك ولا تبخل فيه فتبوء بالحسرة والندامة مع التبعة ولا قوة إلا بالله.
وأما حق غريمك الذي يطالبك: فإن كنت موسرا أعطيته وإن كنت معسرا
[ 422 ]
أرضيته بحسن القول ورددته عن نفسك ردا لطيفا.
وحق الخليط: أن لا تغره ولا تغشه ولا تخدعه وتتقي الله تبارك وتعالى في أمره.
وحق الخصم المدعي عليك، فإن كان ما يدعي عليك حقا كنت شاهده على نفسك ولا تظلمه وأوفيته حقه، وإن كان ما يدعي عليك باطلا رفقت به ولا تأت في أمره غير الرفق ولا تسخط ربك في أمره ولا قوة إلا بالله.
وحق خصمك الذي تدعي عليه، فإن كنت محقا في دعواك أجملت معاملته ولا تجحد حقه، وإن كنت مبطلا في دعواك اتقيت الله عزوجل وتبت إليه وتركت الدعوى.
وحق المستشير: إن علمت له رأيا حسنا أشرت عليه به وإن لم تعلم أرشدته إلى من يعلم.
وحق المشير عليك: أن لا تتهمه فيما لا يوافقك من رأيه وإن وافقك حمدت الله عزوجل.
وحق المستنصح: أو تؤدي إليه النصيحة، وليكن مذهبك الرحمة والرفق به.
وحق الناصح: أن تلين له جناحك وتصغي إليه بسمعك فإن أتى بالصواب حمدت الله عزوجل، وإن لم يوفق رحمته ولم تتهمه وعلمت أنه أخطأ ولم تؤاخذه بذلك إلا أن يكون مستحقا للتهمة فلا تعبأ بشئ من أمره على حال ولا قوة إلا بالله.
وحق الكبير: توقيره لشيبه وإجلاله لتقدمه إلى الاسلام قبلك وترك مقابلته عند الخصام ولا تسبقه إلى طريق ولا تتقدمه ولا تستجهله وإن جهل عليك احتملته وأكرمته لحق الاسلام وحرمته.
وحق الصغير: رحمته في تعليمه والعفو عنه والستر عليه والرفق به والمعونة له.
وحق السائل: إعطاؤه على قدر حاجته.
وحق المسؤل: أنه إن أعطى فاقبل منه الشكر والمعرفة بفضله وإن منع فاقبل عذره.
وحق من سرك بشئ لله تعالى: أن تحمد الله عزوجل أولا ثم تشكره.
وحق من ساءك: أن تعفو عنه وإن علمت أن العفو يضر انتصرت، قال الله تبارك وتعالى: " ولمن انتصر بعد ظلمه فاولئك ما عليهم من سبيل ".
وحق أهل ملتك: إضمار السلامة لهم والرحمة بهم والرفق بمسيئهم وتألفهم واستصلاحهم وشكر محسنهم وكف الاذى عنهم وأن تحب لهم ما تحب لنفسك وتكره
[ 423 ]
لهم ما تكره لنفسك وأن يكون شيوخهم بمنزلة أبيك وشبانهم بمنزلة أخيك وعجائزهم بمنزلة أمك والصغار بمنزلة أولادك.
وحق أهل الذمة: أن تقبل منهم ما قبل الله عزوجل منهم ولا تظلمهم ما وفوا لله عزوجل بعهده.
تعليق