لهيب البركان
كما البركان يتشظّى لهباً، ثارت مدينة قُم غضباً..
ضريبة الخراج وقد بلغت مليونَي دِرهم.. كان الخليفة يرمي من وراء ذلك إلى إرهاقها؛ لأنّه يعرف أنّ أهلها إذا شبعوا فسوف يتحدّثون في أمور كثيرة!
اندلع البركان، وأُعلن خلع المأمون رسميّاً.. واهتزت الأرض، وكانت صيحات « يَحيى بن عمران » تدوّي في الفضاء، واندفعت خيول الخليفة تُهلك الحرث والنسل، واشتعلت نار الحرب.. وهوى القائد الثائر، وانتهت الثورة..
وصدرت أوامر من بغداد بتهديم سور المدينة الثائرة ومضاعفة الضريبة إلى سبعة ملايين درهم (60).
لم تكن قم تدفع ضريبة الخراج فقط، كانت في الحقيقة تدفع ضريبة الولاء لأهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
ووصلت الأنباء الحزينة بغداد، وكتب الإمام إلى رجلٍ هداه الله (61)..
ـ « قد فهمتُ ما ذكرتَ من أمر القميّين خلّصهم الله وفرّج عنهم، وسَرَرْتَني (62) بما ذكرتَ سَرّكَ الله بالجنّة ورضي عنك برضائي عنك، وأنا ارجو من الله العفو والرأفة وأقول حَسْبُنا الله ونعم الوكيل »(63)..
وفي ذلك العام كان المأمون جذلان فرِحاً وقد أقبلت عليه الدنيا من كل صوب..
وقع إبراهيم عمّه في قبضته فإذا هو فأر مذعور يلتمس العفو، فأراد قتله ولكن له حنجرة وصوت طروب، فلِمَ لا يجعله مغنّياً للقصر ؟! خاصّة وإنّ عليّة (64) عمّته وشقيقة إبراهيم قد ماتت... وها هو نصر بن شبث زعيم القيسيّة في شمال الشام يستسلم فيُرسَل إلى بغداد أسيراً. ثمّ لتنقطع أخباره إلى الأبد(65).
وبدأت محنة « خَلْق القرآن » وامتحان الفقهاء؛ القرآن مخلوق أم غير مخلوق، قديم أم حادث، ويبدأ فصل جديد..
ومثلما يغلي المرجل وتفور المياه اندلعت الثورات هنا وهناك.. فالثورة في أذربيجان ما تزال مستمرة، ثمّ اندلعت ثورة في مصر بقيادة عبدالله بن السريّ، وثورة في اليمن بقيادة محمد الأحمر العين، ثمّ يعلن الفلاحون في دلتا مصر الثورة بسبب ضريبة الخراج، ثمّ تشتعل حرب العصبيّات بين اليمانيّة والقيسيّة.
أمّا مدينة قم فما تزال تلعق جراحها وتئنّ تحت وطأة الضرائب الظالمة.. وقد بدا الليل عبّاسيّاً طويلاً.
ودخل رجل مشرّد (66) كان يرى ملامح المهديّ في وجه محمّد.. همس بأمل:
ـ إنّي لأرجو أن تكون القائم من أهل البيت الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً.
أجاب الذي أوتي الحكم صبيّاً:
ـ يا أبا القاسم! ما منّا إلاّ وهو قائم بأمر الله عزّوجلّ وهادٍ إلى دين الله، ولكنّ القائم الذي يُطهِّر اللهُ عزّوجلّ به الأرض من أهل الكفر والجُحود ويملأها عدلاً وقسطاً هو الذي تخفى على الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه، ويَحرُم عليهم تسميته، هو سَمِيّ رسول الله وكَنِيّه، وهو الذي تُطوى له الأرض، ويذلّ له كل صعب، ويجتمع إليه أصحاب عدّة أهل بدر ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً من أقاصي الأرض...
سوف يستمر الليل أيّها الحسنيّ المشرّد، ثم يأتي يوم الخلاص وعندها تتطهّر الأرض فتشرق بنور ربّها.
وفي ذلك الليل البهيم رأى السيّد المدنيّ فتاة سمراء تقول: أنا جمانة من ذرّية عمّار بن ياسر.. قال الإمام لصاحبه:
ـ لقد وصلت قافلة فيها رقيق بينهن فتاة سمراء اسمها جمانة، وهذه ستّون ديناراً (67)..
قال الرجل:
ـ وكيف لي تمييزها بين الجواري ؟!
ـ إذا رأيتها وجدتَها صدّيقة..
وأضاءت البيتَ روح جديدة، لقد وجد الإمام فتاته التي كان ينتظرها.. فتاة فيها وإنسانية المرأة، وحنان الزوجات والأمهات.
وانفجر بركان الحقد في نفس ابنة الخليفة التي أسرعت إلى أبيها تريد الانتقام.. إنّ هذا العلويّ لا يخشى سطوة الخليفة!
قال المأمون، وكان يُصغي بمرارة:
ـ ماذا تريدين أن أفعل ؟ هل أمنعه من شراء الجواري ؟! انظري! في هذا القصر سبعة آلاف جارية..
عودي إلى منزلك يا بُنيّة.. لا استطيع أن أُحرّم عليه ما أحلّ الله له... كوني فتاةً عاقلة تفكّر فقط بغايات والدها.. هناك أشياء أهمّ ممّا ذكرتِ..
وعادت المرأة أدراجها تنطوي على مخزون مدمّر من الحقد والرغبة في الانتقام..
كما البركان يتشظّى لهباً، ثارت مدينة قُم غضباً..
ضريبة الخراج وقد بلغت مليونَي دِرهم.. كان الخليفة يرمي من وراء ذلك إلى إرهاقها؛ لأنّه يعرف أنّ أهلها إذا شبعوا فسوف يتحدّثون في أمور كثيرة!
اندلع البركان، وأُعلن خلع المأمون رسميّاً.. واهتزت الأرض، وكانت صيحات « يَحيى بن عمران » تدوّي في الفضاء، واندفعت خيول الخليفة تُهلك الحرث والنسل، واشتعلت نار الحرب.. وهوى القائد الثائر، وانتهت الثورة..
وصدرت أوامر من بغداد بتهديم سور المدينة الثائرة ومضاعفة الضريبة إلى سبعة ملايين درهم (60).
لم تكن قم تدفع ضريبة الخراج فقط، كانت في الحقيقة تدفع ضريبة الولاء لأهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
ووصلت الأنباء الحزينة بغداد، وكتب الإمام إلى رجلٍ هداه الله (61)..
ـ « قد فهمتُ ما ذكرتَ من أمر القميّين خلّصهم الله وفرّج عنهم، وسَرَرْتَني (62) بما ذكرتَ سَرّكَ الله بالجنّة ورضي عنك برضائي عنك، وأنا ارجو من الله العفو والرأفة وأقول حَسْبُنا الله ونعم الوكيل »(63)..
وفي ذلك العام كان المأمون جذلان فرِحاً وقد أقبلت عليه الدنيا من كل صوب..
وقع إبراهيم عمّه في قبضته فإذا هو فأر مذعور يلتمس العفو، فأراد قتله ولكن له حنجرة وصوت طروب، فلِمَ لا يجعله مغنّياً للقصر ؟! خاصّة وإنّ عليّة (64) عمّته وشقيقة إبراهيم قد ماتت... وها هو نصر بن شبث زعيم القيسيّة في شمال الشام يستسلم فيُرسَل إلى بغداد أسيراً. ثمّ لتنقطع أخباره إلى الأبد(65).
وبدأت محنة « خَلْق القرآن » وامتحان الفقهاء؛ القرآن مخلوق أم غير مخلوق، قديم أم حادث، ويبدأ فصل جديد..
ومثلما يغلي المرجل وتفور المياه اندلعت الثورات هنا وهناك.. فالثورة في أذربيجان ما تزال مستمرة، ثمّ اندلعت ثورة في مصر بقيادة عبدالله بن السريّ، وثورة في اليمن بقيادة محمد الأحمر العين، ثمّ يعلن الفلاحون في دلتا مصر الثورة بسبب ضريبة الخراج، ثمّ تشتعل حرب العصبيّات بين اليمانيّة والقيسيّة.
أمّا مدينة قم فما تزال تلعق جراحها وتئنّ تحت وطأة الضرائب الظالمة.. وقد بدا الليل عبّاسيّاً طويلاً.
ودخل رجل مشرّد (66) كان يرى ملامح المهديّ في وجه محمّد.. همس بأمل:
ـ إنّي لأرجو أن تكون القائم من أهل البيت الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً.
أجاب الذي أوتي الحكم صبيّاً:
ـ يا أبا القاسم! ما منّا إلاّ وهو قائم بأمر الله عزّوجلّ وهادٍ إلى دين الله، ولكنّ القائم الذي يُطهِّر اللهُ عزّوجلّ به الأرض من أهل الكفر والجُحود ويملأها عدلاً وقسطاً هو الذي تخفى على الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه، ويَحرُم عليهم تسميته، هو سَمِيّ رسول الله وكَنِيّه، وهو الذي تُطوى له الأرض، ويذلّ له كل صعب، ويجتمع إليه أصحاب عدّة أهل بدر ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً من أقاصي الأرض...
سوف يستمر الليل أيّها الحسنيّ المشرّد، ثم يأتي يوم الخلاص وعندها تتطهّر الأرض فتشرق بنور ربّها.
وفي ذلك الليل البهيم رأى السيّد المدنيّ فتاة سمراء تقول: أنا جمانة من ذرّية عمّار بن ياسر.. قال الإمام لصاحبه:
ـ لقد وصلت قافلة فيها رقيق بينهن فتاة سمراء اسمها جمانة، وهذه ستّون ديناراً (67)..
قال الرجل:
ـ وكيف لي تمييزها بين الجواري ؟!
ـ إذا رأيتها وجدتَها صدّيقة..
وأضاءت البيتَ روح جديدة، لقد وجد الإمام فتاته التي كان ينتظرها.. فتاة فيها وإنسانية المرأة، وحنان الزوجات والأمهات.
وانفجر بركان الحقد في نفس ابنة الخليفة التي أسرعت إلى أبيها تريد الانتقام.. إنّ هذا العلويّ لا يخشى سطوة الخليفة!
قال المأمون، وكان يُصغي بمرارة:
ـ ماذا تريدين أن أفعل ؟ هل أمنعه من شراء الجواري ؟! انظري! في هذا القصر سبعة آلاف جارية..
عودي إلى منزلك يا بُنيّة.. لا استطيع أن أُحرّم عليه ما أحلّ الله له... كوني فتاةً عاقلة تفكّر فقط بغايات والدها.. هناك أشياء أهمّ ممّا ذكرتِ..
وعادت المرأة أدراجها تنطوي على مخزون مدمّر من الحقد والرغبة في الانتقام..
اترك تعليق: