حرائق في العاصمة
ما تزال بغداد تلعق جراح حرب أهلية ضَروس، وآثار الحرائق التي طالت كثيراً من قصور بغداد وأحيائها باديةً للعيان، خاصّة للذين يعبرون دجلة من جسر الرصافة...
وعندما تغطس الشمس في بحيرة المغيب تستحيل بغداد إلى مدينة موحشة... فالليل يُغرق المدينة بظلمة كثيفة تزيدها رهبةً، أشباحٌ تمرق في الظلام، وقد عجزت الشرطة عن الحدّ من انتشار السرقة والسطو على البيوت، واختطاف الجواري.
مضت أسابيع على وصول المأمون، ولكنّ كلّ شيء ما برح على حاله، وكان جُلّ همّ الخليفة القبض على عمّه، وعلى بعض الذين ساندوه في تمرّده واعلانه خليفة.
في الليل يمرق اللصوص كالأشباح، لصوص محترفون بعضهم مجهّز بـ « البَنج » الذي يصرع الفِيَلة!
فإذا طلعت الشمس استيقظت بغداد وإذا بعض اللصوص يرتدون ثياباً ممزّقة كالشحّاذين، في حين يرتدي بعض آخر ثياباً كالتي يرتديها المتصوّفة والدراويش..
مئة ألف أو يزيدون من هؤلاء يعبثون في عاصمة الشرق، والشرطة ما تزال تجدّ في البحث عن « ابن شَكْلة »، وقد تصاعدت وتيرة اختطاف الجواري.
مضت أربعة أعوام بعد مئتين من الهجرة، وقد بدت بغداد تتكيّف مع الوضع الجديد، وأظهر الخليفة الذي قَتَل أخاه حزماً في إعادة الأمن إلى عاصمة آبائه.
وفيما كانت السفن الإسلاميّة تتجّه نحو جزيرة صقلية، كان الولاة الجُدد يتّجهون نحو تسنُّم مسؤولياتهم في حكم الأقاليم في الكوفة والبصرة والحجاز وفي ما وراء النهر.
كما ظهر مئات العمّال والمهندسين على ضفاف دجلة لبناء القصور الجديدة (1)...
والمياه الغِرْيَنيّة ما تزال تتدافع صوب البصرة حاملة معها السفن الشراعية... وعلى امتداد جبهة النهر، تبدو النخيل كرموش حوريّة حزينة، وقد ضاعف النخيل المحترق منظر الحزن... وشيئاً فشيئاً كانت الحياة الطبيعية تعود من جديد... وتعود الضجّة إلى الإسواق، خاصّة أسواق الصاغة والورّاقين، وسوق الجواري... كما انتعشت سوق الغلمان خاصّة بعد انتشار فتوى القاضي ابن اكثم (2).
وبين اسبوع وآخر كان المأمون يصطحب نخبة من قوّاته بذريعة الصيد إلى خارج بغداد لإرهاب خصومه، وكلّ شيء كان يسير لصالح الخليفة... وبين يوم وآخر كان بعض خصومه ومناوئيه يسلّمون انفسهم ويستغفرون عمّا بَدَر منهم، وعفا الله عمّا سَلَف!
أمّا الذين يُتقنون الفارسيّة فقد سطع نجمهم، فقد بدأ زمن الترجمة لتصبح مَنجماً للذهب وسُلّماً للمجد(3)..
في ذلك الزمن نشأ صبي أسمر الوجه.. نشأ في المدينة المضيئة... اسمه محمّد... وقد آتاه الله الحكمة صبيّاً، فمَن يكون ذلك الفتى الذي بلغ من العمر تسع سنين!
ما تزال بغداد تلعق جراح حرب أهلية ضَروس، وآثار الحرائق التي طالت كثيراً من قصور بغداد وأحيائها باديةً للعيان، خاصّة للذين يعبرون دجلة من جسر الرصافة...
وعندما تغطس الشمس في بحيرة المغيب تستحيل بغداد إلى مدينة موحشة... فالليل يُغرق المدينة بظلمة كثيفة تزيدها رهبةً، أشباحٌ تمرق في الظلام، وقد عجزت الشرطة عن الحدّ من انتشار السرقة والسطو على البيوت، واختطاف الجواري.
مضت أسابيع على وصول المأمون، ولكنّ كلّ شيء ما برح على حاله، وكان جُلّ همّ الخليفة القبض على عمّه، وعلى بعض الذين ساندوه في تمرّده واعلانه خليفة.
في الليل يمرق اللصوص كالأشباح، لصوص محترفون بعضهم مجهّز بـ « البَنج » الذي يصرع الفِيَلة!
فإذا طلعت الشمس استيقظت بغداد وإذا بعض اللصوص يرتدون ثياباً ممزّقة كالشحّاذين، في حين يرتدي بعض آخر ثياباً كالتي يرتديها المتصوّفة والدراويش..
مئة ألف أو يزيدون من هؤلاء يعبثون في عاصمة الشرق، والشرطة ما تزال تجدّ في البحث عن « ابن شَكْلة »، وقد تصاعدت وتيرة اختطاف الجواري.
مضت أربعة أعوام بعد مئتين من الهجرة، وقد بدت بغداد تتكيّف مع الوضع الجديد، وأظهر الخليفة الذي قَتَل أخاه حزماً في إعادة الأمن إلى عاصمة آبائه.
وفيما كانت السفن الإسلاميّة تتجّه نحو جزيرة صقلية، كان الولاة الجُدد يتّجهون نحو تسنُّم مسؤولياتهم في حكم الأقاليم في الكوفة والبصرة والحجاز وفي ما وراء النهر.
كما ظهر مئات العمّال والمهندسين على ضفاف دجلة لبناء القصور الجديدة (1)...
والمياه الغِرْيَنيّة ما تزال تتدافع صوب البصرة حاملة معها السفن الشراعية... وعلى امتداد جبهة النهر، تبدو النخيل كرموش حوريّة حزينة، وقد ضاعف النخيل المحترق منظر الحزن... وشيئاً فشيئاً كانت الحياة الطبيعية تعود من جديد... وتعود الضجّة إلى الإسواق، خاصّة أسواق الصاغة والورّاقين، وسوق الجواري... كما انتعشت سوق الغلمان خاصّة بعد انتشار فتوى القاضي ابن اكثم (2).
وبين اسبوع وآخر كان المأمون يصطحب نخبة من قوّاته بذريعة الصيد إلى خارج بغداد لإرهاب خصومه، وكلّ شيء كان يسير لصالح الخليفة... وبين يوم وآخر كان بعض خصومه ومناوئيه يسلّمون انفسهم ويستغفرون عمّا بَدَر منهم، وعفا الله عمّا سَلَف!
أمّا الذين يُتقنون الفارسيّة فقد سطع نجمهم، فقد بدأ زمن الترجمة لتصبح مَنجماً للذهب وسُلّماً للمجد(3)..
في ذلك الزمن نشأ صبي أسمر الوجه.. نشأ في المدينة المضيئة... اسمه محمّد... وقد آتاه الله الحكمة صبيّاً، فمَن يكون ذلك الفتى الذي بلغ من العمر تسع سنين!
اترك تعليق: