بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآله الطاهرين
روى ابن أبي شيبة في مصنفه: حدثنا حاتم بن إسماعيل عن جعفر عن أبيه قال : جاء علي إلى عمر وهو مسجى فقال : ما على وجه الارض أحد أحب إلي أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى.
وروى ابن سعد في الطبقات الكبرى قال: حدثنا سفيان بن عيينة قال: سمعت جعفر بن محمد يخبر عن أبيه لعله إن شاء الله عن جابر أن عليا دخل على عمر وهو مسجى فقال له كلاما حسنا ثم قال: ما على الأرض أحد ألقى الله بصحيفته أحب إلي من هذا المسجى بينكم.
قال: حدثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا بعض أصحابنا عن سفيان بن عيينة أنه سمع منه هذا الحديث عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله، ولم يشك، قال وقال: لما انتهى إليه علي قال له: صلىالله عليك، ما أحد ألقى الله بصحيفته أحب إلي من هذا المسجى بينكم.
قال: أخبرنا أنس بن عياض الليثي عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا لما غسل عمر بن الخطاب وكفن وحمل على سريره وقف عليه علي فأثنى عليه وقال: والله ما على الأرض رجل أحب إلي أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى بالثوب.
قال: أخبرنا يعلى ومحمد ابنا عبيد قالا: أخبرنا حجاج بن دينار الواسطي عن أبي جعفر قال: أتى علي عمر وهو مسجى فقال: ما على الأرض رجل أحب إلي من أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى.
قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا فضيل بن مرزوق عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: نظر علي إلى عمر وهو مسجى فقال: ما أحد أحب إلي أن ألقى الله بمثل صحيفته من هذا المسجى.
ومثل هذه الرواية موجود في كتب كثيرة من كتب أهل السنة.
* * * * *
وقد يتوهم البعض أن المقصود من هذه الروايات أن الإمام علي عليه السلام يتمنى أن يلقى الله تعالى بصحيفة أعمال عمر!!!
وهذا توهم باطل للغاية، لأن صحيفة أعمال الإمام علي عليه السلام البيضاء لا يجوز أن تقارن بصحيفة رجل مثل عمر، فكيف يتوهم متوهم أن يتمناها أمير المؤمنين وهو مجمع الفضائل والكمال فكيف يتوهم ان الإمام علي عليه السلام يتمناها وضربته يوم الخندق افضل من عبادة الثقلين ؟!!
ولا بأس بتسليط بعض الأضواء على شخصية عمر من اصح كتب اهل الخلاف :
1 - تأخر إسلامه:
قال ابن الجوزي: قال علماء السير: أسلم عمر في السنة السادسة من النبوة، وهو ابن ست وعشرين سنة.
وقال ابن الأثير: لما بعثَ الله محمداً صلى الله عليه وسلم، كان عمر شديداً عليه وعلى المسلمين، ثم أسلم بعد رجال سبقوه، قال هلال بن يساف: أسلم عمر بعد أربعين رجلا، وإحدى عشرة امرأة...
أسد الغابة ج 4 ص 53
2 - جهله:
قال ابن حزم: وقد تجد الرجل يحفظ الحديث ولا يحضره ذكره حتى يفتي بخلافه، وقد يعرض هذا في آي القرآن، وقد:
* أمرَ عمر على المنبر بألا يزاد في مهور النساء على عدد ذكره، فذكّرته امرأة بقول الله تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا} فترك قوله وقال: كل أحدٍ أفقه منك يا عمر، وقال: امرأة أصابت وأمير المؤمنين أخطأ.
* وأمرَ برجم امرأة ولَدت لستة أشهر، فذكّره عليٌ بقول الله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} مع قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} فرجع عن الأمر برجمها.
* وهمَّ أن يسطو بعيينة بن حصن، إذ قال له: يا عمر ما تعطينا الجزل، ولا تحكم فينا بالعدل. فذكّره الحر بن قيس بن حصن بن حذيفة بقول الله تعالى: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} وقال له: يا أمير المؤمنين هذا من الجاهلين فأمسك عمر.
* وقالَ يوم مات رسول الله (ص) : والله ما مات رسول الله (ص) ولا يموت حتى يكون آخرنا، أو كلاما هذا معناه، حتى قُرئت عليه: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} فسقط السيف من يده وخرَّ إلى الأرض، وقال: كأني والله لم أكن قرأتها قط.
وقد كان علم التيمم عند عمار وغيره، وجهله عمر وابن مسعود فقالا : لا يتيمم الجنب، ولو لم يجد الماء شهرين.
وكان حكم المسح عند علي وحذيفة رضي الله عنهما وغيرهم، وجهلته عائشة وابن عمر وأبو هريرة، وهم مدنيون.
وكان توريث بنت الأبن مع البنت عند ابن مسعود، وجهله أبو موسى.
وكان حكم الاستئذان عند أبي موسى وعند أبي سعيد وجهله عمر.
وكان حكم الاذن للحائض في أن تنفر قبل أن تطوف، عند ابن عباس وأم سليم، وجهله عمر وزيد بن ثابت.
وكان حكم تحريم المتعة والحمر الأهلية عند علي وغيره، وجهله ابن عباس.
وكان حكم الصرف عند عمر وأبي سعيد وغيرهما وجهله طلحة وابن عباس وابن عمر.
وكان حكم إجلاء أهل الذمة من بلاد العرب، عند ابن عباس وعمر فنسيه عمر سنين فتركهم حتى ذكر فذكر، فأجلاهم.
وكان علم الكلالة عند بعضهم، ولم يعلمه عمر.
وكان النهي عن بيع الخمر عند عمر، وجهله سمرة.
وكان حكم الجدة عند المغيرة ومحمد بن مسلمة، وجهله أبو بكر وعمر.
وكان حكم أخذ الجزية من المجوس، وألا يقدم على بلد فيه الطاعون، عند عبد الرحمن بن عوف، وجهله عمر وأبو عبيدة وجمهور الصحابة رضوان الله عنهم.
وكان حكم ميراث الجد عند معقل بن سنان، وجهله عمر.
الإحكام في أصول الأحكام ج 2 ص 237-239
عدم خشوعه في الصلاة:
قال ابن حجر: وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنِّي لَأُجَهِّزُ جَيْشِي وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ
الشرح: قوله: (باب يفكر الرجل الشيء في الصلاة) الشيء بالنصب على المفعولية.
والتقييد بالرجل لا مفهوم له لأن بقية المكلفين في حكم ذلك سواء، قال المهلب: التفكر أمر غالب لا يمكن الاحتراز منه في الصلاة ولا في غيرها لما جعل الله للشيطان من السبيل على الإنسان، ولكن يفترق الحال في ذلك، فإن كان في أمر الآخرة والدين كان أخف مما يكون في أمر الدنيا.
قوله: (وقال عمر: إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة) وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن أبي عثمان النهدي عنه بهذا سواء، قال ابن التين: إنما هذا فيما يقل فيه التفكر كأن يقول: أجهز فلانا، أقدم فلانا، أخرج من العدد كذا وكذا، فيأتي على ما يريد في أقل شيء من الفكرة.
فأما أن يتابع التفكر ويكثر حتى لا يدري كم صلى بهذا اللاهي في صلاته فيجب عليه الإعادة انتهى.
وليس هذا الإطلاق على وجهه، وقد جاء عن عمر ما يأباه، فروى ابن أبي شيبة من طريق عروة بن الزبير قال:
قال عمر "إني لأحسب جزية البحرين وأنا في الصلاة"
وروى صالح بن أحمد بن حنبل في "كتاب المسائل"
عن أبيه من طريق همام بن الحارث أن عمر صلى المغرب فلم يقرأ، فلما انصرف قالوا: يا أمير المؤمنين إنك لم تقرأ، فقال: إني حدثت نفسي وأنا في الصلاة بعير جهزتها من المدينة حتى دخلت الشام، ثم أعاد وأعاد القراءة.
ومن طريق عياض الأشعري قال " صلى عمر المغرب فلم يقرأ، فقال له أبو موسى: إنك لم تقرأ، فأقبل على عبد الرحمن بن عوف فقال: صدق، فأعاد.
فلما فرغ قال: لا صلاة ليست فيها قراءة، إنما شغلني عير جهزتها إلى الشام فجعلت أتفكر فيها".
فتح الباري
فراره في ميادين القتال:
الحاكم النيسابوري: أخبرنا أبو العباس محمد بن احمد المحبوبي بمرو ثنا سعيد بن مسعود ثنا عبد الله بن موسى ثنا نعيم بن حكيم عن ابى موسى الحنفي عن علي رضي الله عنه قال:
سار النبي صلى الله عليه وآله إلى خيبر فلما أتاها بعث عمر رضي الله تعالى عنه وبعث معه الناس إلى مدينتهم أو قصرهم فقاتلوهم فلم يلبثوا أن هزموا عمر وأصحابه! فجاؤا يجبنونه ويجبنهم! فسار النبي صلى الله عليه وآله الحديث.
هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه.
المستدرك ج 3 ص 37
الحاكم النيسابوري: حدثنا أبو بكر احمد بن سلمان الفقيه ببغداد ثنا محمد بن عبد الله بن سليمان ثنا القاسم بن ابي شيبة ثنا يحيى بن يعلى ثنا معقل بن عبيدالله عن ابي لزبير عن جابر رضي الله عنه:
أن النبي صلى الله عليه وآله دفع الراية يوم خيبر إلى عمر رضي الله عنه فانطلق فرجع يجبن أصحابه ويجنونه!
هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
المستدرك ج 3 ص 38
رأي عمر في صحيفة أعماله:
فماذا يتمنى المتمني من هذه الصيحفة! هل يتمنى إسلامه المتأخر؟ أم يتمنى جهله؟ أم يتمنى جبنه وفراره من الحروب؟ أم يتمنى سهوه في الصلاة؟
وباختصار فإن عمر عاش 63 سنة قضى منها 35 سنة في الجاهلية و 28 سنة في الإسلام.
ومن الذي يتمنى؟ علي بن أبي طالب عليه السلام؟؟؟
وهناك أمور كثيرة في سيرة عمر يمكن إضافتها لتبطل هذا التوهم الباطل، ولكن فيما مر كفاية، ولا بأس أن نتعرف في الأخير على رأي عمر في صحيفة أعماله، قال السيوطي في تاريخ الخلفاء: وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن الضحاك قال:
قال أبو بكر: والله لوددت أني كنت شجرة إلى جنب الطريق فمر عليّ بعير فأخذني فأدخلني فاه فلاكني ثم ازدردني ثم أخرجني بعراً ولم أكن بشراً.
فقال عمر: يا ليتني كنت كبش أهلي سمنوني ما بدا لهم حتى إذا كنت كأسمن ما يكون زارهم من يحبون فذبحوني لهم فجعلوا بعضي شواء وبعضي قديداً ثم أكلوني ولم أكن بشراً.
انتهى
وقد قال عمر في عدة مواضع (لولا علي لهلك عمر) وروى وكيع القاضي في أخبار القضاة:
- حدثنا محمد بن إشكاب؛ قال: حدثنا وهب بن جرير؛ قال: حدثنا شعبة، عن حبيب بن الشهيد، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، قال: قال عمر: أقضانا علي.
- حدثنا أحمد بن موسى الحرامي، قال حدثنا عمر بن طلحة؛ قال: حدثنا أسباط، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس؛ قال: قال عمر: علي أقضانا.
- حدثني القاسم بن محمد بن حماد القرشي، عن عمر بن طلحة القيار، عن عبيد الله بن المهلب عن المنذر بن زياد، عن ثابت، عن أنس؛ قال: قال عمر لرجل: اجعل بيني وبينك من كنا أمرنا إذا اختلفنا في شيء أن نحكمه؛ يعني علياً.
المعنى الصحيح للصحيفة:
في كتاب سليم بن قيس: فقام عند ذلك علي عليه السلام - وغضب من مقالة طلحة - فأخرج شيئا قد كان يكتمه وفسر شيئا قد كان قاله يوم مات عمر لم يدروا ما عنى به، وأقبل على طلحة - والناس يسمعون - فقال: يا طلحة أما والله ما من صحيفة ألقى الله بها يوم القيامة أحب إليّ من صحيفة هؤلاء الخمسة الذين تعاهدوا على الوفاء بها في الكعبة في حجة الوداع "إن قتل الله محمدا أو مات أن يتوازروا و يتظاهروا عليّ فلا .
قال الشيخ الصدوق قدس سره: حدثنا محمد بن علي ماجيلويه، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن مفضل بن عمر، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام، عن معنى قول أمير المؤمنين صلوات الله عليه لما نظر إلى الثاني وهو مسجى بثوبه "ما أحد أحب إلي أن ألقى الله بصحيفة من هذا المسجى" فقال: عنى بها الصحيفة التي كتبت في الكعبة.
معاني الأخبار
من هؤلاء الخمسة؟
يوجد اختلاف في الروايات في عدد أصحاب الصحيفة ففي كتاب سليم بن قيس هم:
1 - أبو بكر.
2 - عمر.
3 - أبو عبيدة بن الجراح.
4 - سالم مولى أبي حذيفة.
5 - معاذ بن جبل.
وهذا هو النص من كتاب سليم بن قيس:
فلما تخوف أبو بكر أن ينصره الناس وأن يمنعوه بادرهم فقال له: كل ما قلت حق قد سمعناه بآذاننا وعرفناه ووعته قلوبنا، ولكن قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول بعد هذا: (إنا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا واختار لنا الآخرة على الدنيا، وإن الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة). فقال علي عليه السلام: هل أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله شهد هذا معك؟ فقال عمر: صدق خليفة رسول الله، قد سمعته منه كما قال. وقال أبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل: صدق، قد سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله. فقال لهم علي عليه السلام: لقد وفيتم بصحيفتكم الملعونة التي تعاقدتم عليها في الكعبة: "إن قتل الله محمدا أو مات لتزون هذا الامر عنا أهل البيت".
انتهى
بعض الروايات تذكر منهم 4 فقط وروايات أخرى تضيف إليهم سادساً، قال العلامة المجلسي قدس سره في مرآة العقول: سيأتي في الروضة أن أصحاب الصحيفة كانوا ستة هم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة وعبدالرحمن بن عوف وسالم مولى أبي حذيفة والمغيرة بن شعبة، وقيل: بإسقاط الأخير، وفي بعض الروايات أربعة بحذف الرابع أيضاً....
وقال أيضا في توجيه اختلاف هذه الروايات في نفس الكتاب: وفي كتاب سليم بن قيس أن معاذ بن جبل أيضا كان منهم، واختلاف عددهم في الأخبار محمول على أن الأربعة كانوا أصل هذه الفتنة وكان الباقون داخلين في ذلك على اختلاف مراتبهم في المدخلية .
تعليق