تائهاتٌ في الطريق
فتحتْ عيناها لترى أين هي، وأدارت وجهها لتتفقد المكان، فرأت نفسها في مشفى حكومي والأطباء متحلّقون حولها وهم مشغولون بإجراء قياس الضغط، وفحص حدقة العين، وأخذ عينة من الدم الاختباري لها.. إلخ، بدت مذهولة وكأنها في عالم آخر أو بالأحرى لا تعلم أين هي! أو ماذا جرى لها؟ بعد أن أنهى الأطباء عملهم، مرت مدة وجيزة طرق فيها الباب طبيب آخر، جلس بجانبها وبيده أوراق يسجل عليها انطباعاته فبادرها متسائلاً: والآن هل لكِ أن تجيبيني، لماذا حاولتِ الانتحار؟ وهنا تحركت شفتاها للكلام ولكنها لم تستطع، فارتبكت أكثر وحاولت الكلام ولكن دون جدوى، تركها الطبيب بعد أن هدّأها وأوضح لها أن هذه حالة مؤقتة بسبب ما ابتلعته من أدوية أثناء محاولة الانتحار، ووعدها بأنه سيمرّ عليها في اليوم التالي..
هنا بدأت الصور تتضح وتذكرت ما حصل لها، فقد كانت تتهيأ للخروج مع أمّها لحضور مناسبة عند أقربائهم، ولكن أخاها منعها من الخروج؛ وذلك لتسلطه عليهم بسبب أو من بدون سبب، فهو أكبر إخوتها والمسيطر عليهم بعد وفاة والدها، فكان منعه لها هو القشة التي قصمت ظهر البعير، فلم تعد تتحمل سطوته وإهانته لها، وحبسها في البيت، وضربه المبرح لها فإصابتها حالة غضب هستيري، فلم تجد أمامها إلاّ الأدوية التي ابتلعتها في محاولة منها لإنهاء حياتها بأيّ وسيلة، هنا بعد أن تذكرت كلّ هذا دخلت في نوبة من البكاء وانتبهت إلى أنها لم تذهب إلى المدرسة فتألمت أكثر؛ لأن اليوم يُصادف أول أيام الامتحانات النهائية، فأدارت رأسها في الغرفة كأنها تطلب من ينجدها، فرأت أمّها بجانبها باكية محدودبة الظهر من المصائب التي حلّت بها منذ وفاة زوجها وإلى هذه اللحظة، فهدّأت من روعها وطمأنتها بأنها ستذهب للمدرسة بالتقرير الطبي لكي يؤجلوا لها الامتحانات.. وبعد أسبوع جاء الطبيب بالنتيجة التي توصل إليها بعد فحوصات أسبوع كامل مخاطباً الأم قائلاً: يؤسفني أن أخبركم بأن المريضة لن تستطيع معاودة نشاطها الفكري بسبب خطورة الأدوية التي ابتلعتها، فقد أثرت على جزء من الدماغ ولا يمكن بأية حال من الأحوال عودتها إلى المدرسة، صُدمت الابنة وبقيت الأم تذرف دموعها وهي تنظر بعين الحسرة على السنين القادمة الضائعة من حياة ابنتها.
تم نشر هذه القصة في العدد 56 شهر جمادي اول
فتحتْ عيناها لترى أين هي، وأدارت وجهها لتتفقد المكان، فرأت نفسها في مشفى حكومي والأطباء متحلّقون حولها وهم مشغولون بإجراء قياس الضغط، وفحص حدقة العين، وأخذ عينة من الدم الاختباري لها.. إلخ، بدت مذهولة وكأنها في عالم آخر أو بالأحرى لا تعلم أين هي! أو ماذا جرى لها؟ بعد أن أنهى الأطباء عملهم، مرت مدة وجيزة طرق فيها الباب طبيب آخر، جلس بجانبها وبيده أوراق يسجل عليها انطباعاته فبادرها متسائلاً: والآن هل لكِ أن تجيبيني، لماذا حاولتِ الانتحار؟ وهنا تحركت شفتاها للكلام ولكنها لم تستطع، فارتبكت أكثر وحاولت الكلام ولكن دون جدوى، تركها الطبيب بعد أن هدّأها وأوضح لها أن هذه حالة مؤقتة بسبب ما ابتلعته من أدوية أثناء محاولة الانتحار، ووعدها بأنه سيمرّ عليها في اليوم التالي..
هنا بدأت الصور تتضح وتذكرت ما حصل لها، فقد كانت تتهيأ للخروج مع أمّها لحضور مناسبة عند أقربائهم، ولكن أخاها منعها من الخروج؛ وذلك لتسلطه عليهم بسبب أو من بدون سبب، فهو أكبر إخوتها والمسيطر عليهم بعد وفاة والدها، فكان منعه لها هو القشة التي قصمت ظهر البعير، فلم تعد تتحمل سطوته وإهانته لها، وحبسها في البيت، وضربه المبرح لها فإصابتها حالة غضب هستيري، فلم تجد أمامها إلاّ الأدوية التي ابتلعتها في محاولة منها لإنهاء حياتها بأيّ وسيلة، هنا بعد أن تذكرت كلّ هذا دخلت في نوبة من البكاء وانتبهت إلى أنها لم تذهب إلى المدرسة فتألمت أكثر؛ لأن اليوم يُصادف أول أيام الامتحانات النهائية، فأدارت رأسها في الغرفة كأنها تطلب من ينجدها، فرأت أمّها بجانبها باكية محدودبة الظهر من المصائب التي حلّت بها منذ وفاة زوجها وإلى هذه اللحظة، فهدّأت من روعها وطمأنتها بأنها ستذهب للمدرسة بالتقرير الطبي لكي يؤجلوا لها الامتحانات.. وبعد أسبوع جاء الطبيب بالنتيجة التي توصل إليها بعد فحوصات أسبوع كامل مخاطباً الأم قائلاً: يؤسفني أن أخبركم بأن المريضة لن تستطيع معاودة نشاطها الفكري بسبب خطورة الأدوية التي ابتلعتها، فقد أثرت على جزء من الدماغ ولا يمكن بأية حال من الأحوال عودتها إلى المدرسة، صُدمت الابنة وبقيت الأم تذرف دموعها وهي تنظر بعين الحسرة على السنين القادمة الضائعة من حياة ابنتها.
تم نشر هذه القصة في العدد 56 شهر جمادي اول
تعليق