حسن المعاملة مع غير المسلمين
جاء الإسلام من اجل اتمام مكارم الاخلاق وتقريرها على أرض الواقع ، فأمر المسلمين باستبقاء أسباب الوّد في القلوب والنفوس بطهارة السلوك وحسن المعاملة مع جميع بني الإنسان ، ولايجعل للفواصل العقائدية دوراً في الفصل بين المسلمين وغيرهم أو في تبادل النظرة السلبية ، فجاءت توجيهاته وتعاليمه لاشاعة القيم النبيلة والاخلاق الفاضلة في التعامل مع بني الإنسان ، وقد جسد رسول الله صلىاللهعليهوآله تلك القيّم في تعامله مع غير المسلمين ، فقد عاد جاراً
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢٨ : ١٥٢ / ١ ، باب حكم المسلم إذا فجر بالنصرانية ، كتاب الحدود والتعزيرات.
(٢) النهاية : ٦٩٦.
١١١
له يهودياً (١).
وفي موقف آخر غضبت احدى زوجاته على اليهود الذين قالوا له : السام عليك ، بدلاً من السلام عليك فأجابها : « ... ان الفحش لو كان ممثلاً لكان مثال سوء ، ان الرفق لم يوضع على شيء قط إلاّ زانه ، ولم يرفع عنه قط إلاّ شأنه » (٢).
وكان أهل بيته من بعده صلىاللهعليهوآله قد جسّدوا سنّته الشريفة في التعامل مع غير المسلمين ، وكانوا يستمعون إلى شكاواهم واقتراحاتهم ، ويوصون بحسن السيرة معهم ، ففي عهد الإمام عليّ عليهالسلام لواليه على مصر اوصى بالرحمة مع الناس مسلمين وغير مسلمين : « واشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم ، فانّهم صنفان : امّا اخ لك في الدين ، أو نظير لك في الخلق » (٣).
وحينما وجد أهل الكتاب وغيرهم ان كرامتهم مصونة ، اندمجوا مع ابناء المجتمع الاسلامي وامتزجوا معهم ، وهنالك شواهد عديدة على هذا الاندماج وعلى سلامة العلاقات القائمة على الود والوئام والتآلف ، ففي مجلس ضم المسلمين والنصارى عطس رجل نصراني ، فقال له المسلمون : هداك الله ، فقال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام : قولوا : « يرحمك الله » ، فقالوا له : انه نصراني ! فقال : لا يهديه الله حتى يرحمه. (٤)
__________________
(١) مكارم الأخلاق : ٣٥٩.
(٢) الكافي ٢ : ٦٤٨ / ١ ، باب التسليم على أهل الملل ، كتاب العشرة.
(٣) نهج البلاغة : ٤٢٧.
(٤) الكافي ٢ : ٦٥٦ / ١٨ ، باب العطاس والتسميت ، كتاب العشرة.
١١٢
وعن عبد الرحمن بن الحجاج قال : « قلت لابي الحسن موسى عليهالسلام : أرأيت أن احتجت الى الطبيب وهو نصراني ان اُسلم عليه وأدعو له ؟ قال : نعم ». (١)
وقد اوصى ائمة أهل البيت عليهمالسلام بحسن السيرة مع أهل الكتاب ، فعن الإمام محمد الباقر عليهالسلام انه قال : « ... وان جالسك يهودي فاحسن مجالسته » (٢).
وكان الإمام جعفر الصادق عليهالسلام يروي سيرة من سبقه من الائمة في علاقاتهم مع اهل الكتاب ، فقد ذكر ان الإمام علياً عليهالسلام7 صاحب رجلاً ذمياً في طريق ، وحينما ارادا الافتراق شيّعه الإمام عليهالسلام قبل المفارقة ، فقال له الذمي ، لم عدلت معي ؟ فقال عليهالسلام : « هذا من تمام حسن الصحبة ان يشيع الرجل صاحبه هنيئة إذا فارقه ، وكذلك أمرنا نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم » ، فقال الذمي : « لا جرم انما تبعه من تبعه لأفعاله الكريمة ... » (٣).
وقد انعكست السيرة الحسنة للمسلمين على مواقف اهل الذمة ، فكانوا عونا لهم على اعدائهم.
ولا زال اهل الاديان يعيشون بأمن وسلام في ربوع الإسلام وفي ظل تعاليمه السمحة ، لا يعانون ظلماً ولا اضطهاداً ، فكراماتهم مصونة وحرياتهم قائمة.
وقد أفتى السيّد عليّ السيستاني ( المرجع الديني المعاصر ) بفتاوى عديدة في خصوص حسن المعاملة مع غير المسلمين.
منها : ان غير المسلم « إذا لم يظهر المعاداة للإسلام والمسلمين بقول أو فعل ،
__________________
(١) الكافي ٢ : ٦٥٠ / ٧ ، باب التسليم على أهل الملل ، كتاب العشرة.
(٢) الأمالي / الشيخ المفيد ١٣ : ١٨٥ / ١٠ ، المجلس الثالث والعشرون.
(٣) الكافي ٢ : ٦٧٠ / ٥ ، باب حسن الصحبة ، كتاب العشرة.
١١٣
فلا بأس بالقيام بما يقتضيه الودّ والمحبّة من البرّ والإحسان إليه.
ومنها : نفي البأس عن مشاركة المسلم في تشييع جنازة غير المسلم.
ومنها : حرمة ازعاج الجار إذا كان يهودياً أو نصرانياً من غير مبرّر ، وغيرها. (١)
لقد أسهمت هذه الآراء إسهاماً فعالاً في تعميق الأواصر مع أهل الكتاب أو مع أتباع الأقليات الدينية بعد ان أزالت الموانع والحواجز النفسية ، وهذه الرؤية منسجمة مع آفاق المنهج الإسلامي وتطلّعاته نحو إقامة مجتمع عالمي لاعزلة فيه بين المسلمين وأصحاب الديانات ، فلا حواجز بين أتباع الأديان ولا فواصل اجتماعية ، بل انهم جميعاً يعيشون متجانسين ويساهمون معاً في بناء مجتمعهم الموحَّد ، وهذا ما دلّت عليه الوقائع التاريخية منذ الصدر الأوّل للإسلام وإلى يومنا هذا.
جاء الإسلام من اجل اتمام مكارم الاخلاق وتقريرها على أرض الواقع ، فأمر المسلمين باستبقاء أسباب الوّد في القلوب والنفوس بطهارة السلوك وحسن المعاملة مع جميع بني الإنسان ، ولايجعل للفواصل العقائدية دوراً في الفصل بين المسلمين وغيرهم أو في تبادل النظرة السلبية ، فجاءت توجيهاته وتعاليمه لاشاعة القيم النبيلة والاخلاق الفاضلة في التعامل مع بني الإنسان ، وقد جسد رسول الله صلىاللهعليهوآله تلك القيّم في تعامله مع غير المسلمين ، فقد عاد جاراً
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢٨ : ١٥٢ / ١ ، باب حكم المسلم إذا فجر بالنصرانية ، كتاب الحدود والتعزيرات.
(٢) النهاية : ٦٩٦.
١١١
له يهودياً (١).
وفي موقف آخر غضبت احدى زوجاته على اليهود الذين قالوا له : السام عليك ، بدلاً من السلام عليك فأجابها : « ... ان الفحش لو كان ممثلاً لكان مثال سوء ، ان الرفق لم يوضع على شيء قط إلاّ زانه ، ولم يرفع عنه قط إلاّ شأنه » (٢).
وكان أهل بيته من بعده صلىاللهعليهوآله قد جسّدوا سنّته الشريفة في التعامل مع غير المسلمين ، وكانوا يستمعون إلى شكاواهم واقتراحاتهم ، ويوصون بحسن السيرة معهم ، ففي عهد الإمام عليّ عليهالسلام لواليه على مصر اوصى بالرحمة مع الناس مسلمين وغير مسلمين : « واشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم ، فانّهم صنفان : امّا اخ لك في الدين ، أو نظير لك في الخلق » (٣).
وحينما وجد أهل الكتاب وغيرهم ان كرامتهم مصونة ، اندمجوا مع ابناء المجتمع الاسلامي وامتزجوا معهم ، وهنالك شواهد عديدة على هذا الاندماج وعلى سلامة العلاقات القائمة على الود والوئام والتآلف ، ففي مجلس ضم المسلمين والنصارى عطس رجل نصراني ، فقال له المسلمون : هداك الله ، فقال الإمام جعفر الصادق عليهالسلام : قولوا : « يرحمك الله » ، فقالوا له : انه نصراني ! فقال : لا يهديه الله حتى يرحمه. (٤)
__________________
(١) مكارم الأخلاق : ٣٥٩.
(٢) الكافي ٢ : ٦٤٨ / ١ ، باب التسليم على أهل الملل ، كتاب العشرة.
(٣) نهج البلاغة : ٤٢٧.
(٤) الكافي ٢ : ٦٥٦ / ١٨ ، باب العطاس والتسميت ، كتاب العشرة.
١١٢
وعن عبد الرحمن بن الحجاج قال : « قلت لابي الحسن موسى عليهالسلام : أرأيت أن احتجت الى الطبيب وهو نصراني ان اُسلم عليه وأدعو له ؟ قال : نعم ». (١)
وقد اوصى ائمة أهل البيت عليهمالسلام بحسن السيرة مع أهل الكتاب ، فعن الإمام محمد الباقر عليهالسلام انه قال : « ... وان جالسك يهودي فاحسن مجالسته » (٢).
وكان الإمام جعفر الصادق عليهالسلام يروي سيرة من سبقه من الائمة في علاقاتهم مع اهل الكتاب ، فقد ذكر ان الإمام علياً عليهالسلام7 صاحب رجلاً ذمياً في طريق ، وحينما ارادا الافتراق شيّعه الإمام عليهالسلام قبل المفارقة ، فقال له الذمي ، لم عدلت معي ؟ فقال عليهالسلام : « هذا من تمام حسن الصحبة ان يشيع الرجل صاحبه هنيئة إذا فارقه ، وكذلك أمرنا نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم » ، فقال الذمي : « لا جرم انما تبعه من تبعه لأفعاله الكريمة ... » (٣).
وقد انعكست السيرة الحسنة للمسلمين على مواقف اهل الذمة ، فكانوا عونا لهم على اعدائهم.
ولا زال اهل الاديان يعيشون بأمن وسلام في ربوع الإسلام وفي ظل تعاليمه السمحة ، لا يعانون ظلماً ولا اضطهاداً ، فكراماتهم مصونة وحرياتهم قائمة.
وقد أفتى السيّد عليّ السيستاني ( المرجع الديني المعاصر ) بفتاوى عديدة في خصوص حسن المعاملة مع غير المسلمين.
منها : ان غير المسلم « إذا لم يظهر المعاداة للإسلام والمسلمين بقول أو فعل ،
__________________
(١) الكافي ٢ : ٦٥٠ / ٧ ، باب التسليم على أهل الملل ، كتاب العشرة.
(٢) الأمالي / الشيخ المفيد ١٣ : ١٨٥ / ١٠ ، المجلس الثالث والعشرون.
(٣) الكافي ٢ : ٦٧٠ / ٥ ، باب حسن الصحبة ، كتاب العشرة.
١١٣
فلا بأس بالقيام بما يقتضيه الودّ والمحبّة من البرّ والإحسان إليه.
ومنها : نفي البأس عن مشاركة المسلم في تشييع جنازة غير المسلم.
ومنها : حرمة ازعاج الجار إذا كان يهودياً أو نصرانياً من غير مبرّر ، وغيرها. (١)
لقد أسهمت هذه الآراء إسهاماً فعالاً في تعميق الأواصر مع أهل الكتاب أو مع أتباع الأقليات الدينية بعد ان أزالت الموانع والحواجز النفسية ، وهذه الرؤية منسجمة مع آفاق المنهج الإسلامي وتطلّعاته نحو إقامة مجتمع عالمي لاعزلة فيه بين المسلمين وأصحاب الديانات ، فلا حواجز بين أتباع الأديان ولا فواصل اجتماعية ، بل انهم جميعاً يعيشون متجانسين ويساهمون معاً في بناء مجتمعهم الموحَّد ، وهذا ما دلّت عليه الوقائع التاريخية منذ الصدر الأوّل للإسلام وإلى يومنا هذا.
تعليق