إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

النوم والمنام في الأحاديث الشريفة

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • النوم والمنام في الأحاديث الشريفة

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
    وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
    وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
    السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته




    هذا وقد ورد ما يتعلّق بالنوم والمنام والرؤيا في الأحاديث الشريفة عن رسول الله والعترة الطاهرة : بالعشرات بل المئات من الأخبار، راجع الموسوعة الكبيرة (بحار الأنوار)، لتجد بغيتک كما راجع (دار السلام في الرؤيا والمنام ) للمحدّث النوري 1.

    أذكر نماذج من هذا الأخبار الشريفة واُحيل تعليقها وما يستخرج منها من اللئالي والدُّرر في بيانها وشرحها والتعليق عليها، إلى ثقافة المطالع الكريم ونباهته وما يستلهمه منها بلطف الله الخفي ، ومن العلم الإلهامي . وما توفيقنا إلّا بالله العلي العظيم .

    1 ـ عن النبي 6 قال : انه لم يبق بعده من النبوّة إلّا المبشرات وهي الرؤيا الصادقة .

    فانّه ببعثته المباركة قد ختمت النبوة ، فلا وحي ، كما لا نبي بعده ، الّا أنه من لطف الله سبحانه أنه جعل المبشرات التي توجب الاطمئنان القلبي جزء من أجزاء النبوة .

    2 ـ في الحديث الشريف إن الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزء من النبوّة .

    فتعين المؤمن والمؤمنة على سيرهما وسلوكهما إلى الله سبحانه .

    3 ـ عن أميرالمؤمنين علي 7: ان للجسم ستة أحوال : الصحّة والمرض والموت والحياة والنوم واليقظة ، وكذلک الروح ، فحياتها علمها، وموتها جهلها، ومرضها شكّها، وصحّتها يقينها، ونومها غفلتها، ويقظتها حفظها.

    وهذه من المقارنات اللطيفة والبديعة بين ما للجسم وما للروح من الأحوال ، فان الانسان مركب من عنصرين أساسين :

    الجسم الارضي البشرى ، والروح المساوي الالهي (وَنَفَخْتُ مِنْ رُوحي )[1]

    وإنّه في قوسيه النزولي والصعودي في حركة دائرية ، فمن الله وإلى الله (انّا لله وإنّا إليه راجعون ) فليس له أن يُخلّد في الأرض ، بل عليه أن يقلع منها كما تقلع الطائرة من الأرض ليحلّق في سماء الملكوتيات والغيوب ، ويعيش مع الملائكة والأرواح المجرّدة الطاهرة والعقول النيّرة في أعلا عليّين ، في مقعد صدق عند مليک مقتدر، ثمّ كما للجسم لذائذ تدركها الروح بسبب الجسم والحواس الخمس الظاهريّة ، كذلک للروح لذائذ تفوق اللذائذ الماديّة ، وانّما تتعلّق بالأرواح المجرّدة كلذّة الفهم والعلم ولقاء الله سبحانه وتعالى ، وكفرحة الصائم عند إفطاره ، كما ورد في الخبر الشريف : للصائم عند افطاره فرحتان : منها فرحة لقاء ربّه .

    4 ـ قال أميرالمؤمنين 7: السُكر أربع سكرات : سكر الشراب ، وسكر المال ، وسكر النوم ، وسكر الملک .

    ولا يخفى أن في السكر الشرابي بفقد الانسان قوته العقلانيّة كما في سكر الخمر. وكذا من سكر على جمع المال والثروة أو الجاه والمقام والملک ، أو غلبه سكر النوم فانه يغفل عن الحقائق والواقعيات ، نسأل الله سبحانه أن يوقطنا من نومة الغافلين .

    5 ـ قال الامام علي بن الحسين 7: الا انّ للعبد أربع أعين : عينان يبصرُ بهما أمر دينه ودنياه ، وعينان يبصر بهما أمر آخرته ، فاذا أراد الله بعبد خيراً فتح الله العينين اللتين في قلبه فابصر بهما الغيب وأمر آخرته .

    وهذا يعني بوضوح انه ليس كلّ من تقمّص بلباس الانسان كان انساناً حقيقيّاً ذا بصيرة في أمر دينه وآخرته ، بل اذا أراد الله بعبد خيراً بعد ما كان العبد من أهل الخير، وإختار الخير على الشر في حياته العلميّة والعمليّة ، فانه يكون من أهل البصيرة ، كما يكون للمؤمن في قلبه أُذنان : اُذن يسمع بها وساوس الشيطان ، وأُذن يسمع بها إلهام الرحمن ، فيكون بين دعوتين وجذبتين : دعوة رحمانيّة وجذبة شيطانيّة (إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ )[2] .



    6 ـ انّ اُمّ سليمان بن داود قالت لولدها: يا بُنيّ ايّاک وكثرة النوم ، فانّ كثرة النوم بالليل يدع الرجل فقيراً يوم القيامة .

    فانّ الدنيا متجر أولياء الله ومزرعة الآخرة ، وهناک إرتباط وثيق بين الدنيا والآخرة لا يمكن الفصل بينهما، فمن يزرع الخير في دنياه يحصد الخير في الآخرة (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ )[3] فكثرة النوم بالليل كما ينام الحيوان

    ممّا يوجب الندامة والفقر يوم القيامة ويرى يده خالية فقيراً فيتحسّر على ما فرط في جنب الله ويتمنّى الرجوع الى دنياه لعلّه يعمل صالحاً، ويستغل سواد الليل بطاعة الله والتهجّد فيه (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَکَ عَسى أَنْ يَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقاماً مَحْمُوداً)[4] .



    ولكن هيهات هيهات قُضي الأمر وأنّى لهم من الرجوع ؟!! وهل ينفع الندم ؟!

    فهذه الام الحنون تنصح ولدها في طلب الكمال والغنى فايّاک يا ولدي وكثرة النوم ، فانه ممّا يبغضه الله، إنّها تدع الرجل فقيراً يوم القيامة بل فقير في دنياه كذلک ، سواء الفقر المالي أو الفقر النفسي ، كمن عنده الثروة والمال الّا انه لشحّه وبخله على نفسه وعلى الآخرين يرى الفقر ويخافه في نفسه ، فيعيش في الدنيا عيش الفقراء ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء، فيسلب منه البركة في عمره وماله وأولاده ... وكذلک المرأة ، فان لفظ الرجل في الحديث الشريف من باب


    المثال ، فهذا من التحذير من كثرة النوم لعامّة الناس ولكلّ فئات الناس وطبقات المجتمع .

    7 ـ قال رسول الله 6: إيّاكم وكثرة النوم يدع صاحبه فقيراً يوم القيامة[5] .


  • #2


    وهذه دعوة نبويّة صادقة تخبرنا عن صدق مقولة اُمّ سليمان ، بل ورد في الحديث الصادقي الشريف أيضآ.

    8 ـ قال أبو عبدالله 7 في وصيّته لعبدالله بن جندب : يابن جندب أقلّ النوم بالليل والكلام بالنهار، فما في الجسد شيء أقلّ شكراً من العين واللسان ، فان أُمّ سليمان قالت لسليمان 7: يا بنيّ إيّاک والنوم فانه بفقرک يوم يحتاج الناس إلى أعمالهم[6] .



    فلابدّ من يقظة مع العمل الصالح ، والّا فكما قال رسول الله 6 لما رأى شابّاً وسيماً، فسأل عن شغله فاُخبر أنه لا يشتغل ، فقال 6 سقط من عيني .

    9 ـ قال الامام الباقر 7: قال موسى 7 لله سبحانه : أيّ عبادک أبغض إليک ؟ قال : جيفة بالليل ـ كناية عن كثرة النوم وانه كالجيفة الميتة والنتنة من أكل الحرام وغير ذلک ـ بطّال بالنهار ـ لا يعمل ولا يشتغل عاطل باطل ، فيعيش في هامش الحياة سفيهاً خفيف العقل ، مستخفاً بحقوق الله وحقّ الناس والأُسرة .

    ثمّ من خاف يوم القيامة وخاف أهوال يوم المطلع وعقابها المروعة وخاف الهجوم المباغت في الليل من قبل الأعداء من الجنّ والانس المعبّر عنه بالبيات كيف ينام الليل ؟

    10 ـ قال أميرالمؤمنين 7: من خاف البيات قلّ نومه[7] .



    وعلى المرء والعبد أن يكون شاكراً لربّه ، وإن شكر فان الله يزيده النعم والآلاء، وانما يشكره بكلّ وجوده بأن يعرف النعمة والمنعم ، وأن يستخدمها في خدمة المنعم ، فكل ما للانسان إنما هي من نعم الله التي لا تعدّ ولا تحصى ، ومن أجمل وأعظم نعمه الحسيّة والشهوديّة العين في جسد الانسان ، فشكرها أن تكون في طاعة الله، وذلک باليقظة الواعية .

    11 ـ قال الامام الكاظم 7: (لا تعوّد عينيک كثرة النوم ، فانها أقلّ شيء في الجسد شكراً، فكثير ما تكفر وتستر النِّعم الاخرى .

    12 ـ قال الصادق 7: إن الله عزّوجلّ يبغض كثرة النوم وكثرة الفراغ ـ فلا يستغل أوقاته بالعلم والعمل ـ.

    13 ـ وقال 7: كثرة النوم مذهبة للدين والدنيا.

    فمن كثر نومه خسر الدين والدنيا، فانه يقصر في حياته المعاشية بكثرة نومه ، كما يتهاون في حياته المعاديّة فيذهب الدين والدنيا، كما ورد في المثل يكون كالمستكدى والمستعطي اليهودي ، فلا دين له ولا دنيا، خسر الدنيا والآخرة ، وذلک هو الخسران المبين .

    فالحذار الحذار من كثرة النوم ، فانه من طلب العلى سهر الليالي ومن سهر الليالي فاز بالمعالي .

    14 ـ عن النبي 6: أنين المؤمن تسبيح ، وصيامه تهليل ، ونومه عبادة .

    من لطف الله سبحانه على عباده وخلقه أنه من كان مؤمناً من الرجال والنساء، أن يثيبه على أعماله الصالحة ، ويجزيه بما وعده من الجنّات النعيم ، ويزيد عليه لطفاً، أن يعطيه ويهبه على حالاته ، وإن لم يعمل من فعل أو قول ، فاذا كان صائماً في شهر رمضان المبارک ونام ، فان الله يجعل نومه عبادة ، ومن خصائص العبادة أن تمهد الطريق وتعبّده الى الله سبحانه ، كمن كان راكباً في الطائرة ، فانها يصل من فيها إلى مقصده سواء أكان مستيقظاً أو نائماً، فكما ان المستيقظ يصل إلى مقصوده ، كذلک النائم ، وكذلک الصائم في طائرة صومه ، يحلّق إلى ربّه وإن كان نائماً في ساعات نهاره ، وكذلک أنين المؤمن من آلامه وأوجاعه ، فانّه يُثاب عليه بثواب التسبيح وكمن قال (سبحان الله) وصيامه كمن قال (لا اله إلّا الله) ونومه عبادة ، تُقرّبه إلى الله سبحانه ، وبمثل هذا يتكامل الانسان ويصل إلى فلسفة حياته وسرّ وجوده .

    15 ـ قال النبي 6: النوم على سبعة أوجهٍ : نوم الغفلة فهو الذي في مجلس الذكر، ونوم الشقاوة فهو الذي وقت الصبح ، ونوم العقوبة فهو النوم الذي وقت الصلاة ، ونوم اللّعنة وهو الذي فيه بعد صلاة الفجر، ونوم الراحة فهو النوم عند استواء النهار، ونوم الرخصة فهو نوم العشاء، ونوم الحسرة فهو نوم ليلة الجمعة .

    الحديث الشريف واضح المعنى ، فان انقسام النوم انماهو باعتبار متعلّقة ، كما أن بعض الأقسام انما استعمل فيه الكناية والمجاز، فمن كان في مجلس الذكر الذي يذكر فيه اسم الله سبحانه أو يذكر فيه العلم والحكمة ، فانّه مَن نام عن مثل هذا المجلس ، فإنّه يعد من الغافلين المبعدين عن الرحمة الالهيّة ، ومن ثمّ لا يفوز بالمكارم والعُلى والمفاوز، وأمّا نوم الشقاء وحرمانه من السعادة ، فانه لمن نام وقت الصبح أي وقت تقسيم الأرزاق كما مرّ، ومن نام عن صلاته كيف لا يعاقب على نومته ؟ ويبعد عن الرحمة الالهيّة ، والذي يكون بمعنى اللعنة من نام بعد صلاة الفجر، فان المؤمن النشط يبكر في طلب رزقه أو علمه ، فكيف ينام وقت الفجر، وانّما تتمدّد أعصابه وينام براحة وهناء عند إستواء النهار قبل الزوال بساعة والتي يسمى بنوم القيلولة ويرخص له أن ينام بعد صلاة العشاء، وأمّا نوم الحسرة ، فانه يتحسّر يوم القيامة على ساعة نامها في ليالي الجُمع ، فان ليلة الجمعة ليلة مباركة لمن استيقظها بالعبادة والطاعة وطلب العلم النافع والعمل الصالح .

    16 ـ في الحديث القدسي : يا موسى كذب من زعم انه يُحبّني وهو ينام طول ليلته ، أليس كلّ حبيب يُحبّ الخلوة مع حبيبه ؟

    إنّ العلاقة بين العبد وربّه علاقة في أسمائه الحسنى وصفاته العليا، علاقة الربّ والمربوب ، ومن ثمّ تكون التجلّيات الربوبيّة والظليّة ، فانت الرازق وأنا المرزوق ، وأنت الخالق وأنا المخلوق ، وأنت المالک وأما المملوک ، وأنت السيّد وأنا العبد، وهكذا باقي الأسماء والصفات ، إلّا الحبّ والولاية : فأنت الحبيب الولي وأنا الحبيب الولي ، فكما ان الله يتّصف بالولاية والحبّ ، وانّه ولي عبده المؤمن ، كذلک العبد يتّصف بالولاية والحب وانه ولي ربّه(يُحبُّهُمْ وَيُحبُّونَهُ )[8] ، وهذا ان

    دلّ على شيء فانّه يدلّ على عظمة الحبّ بين العبد وربّه ، ثمّ للحب علامات ومن أبرز علاماته : أنّ الحبيب يحب خلوة حبيبه ، ويأنس به ، كما في دعاء صلاة الليل «غارَتِ النُّجُومُ وَنامَتِ الْعُيُونُ وَ خَلا كُلُّ حَبيüبٍ بِحَبيüبِهِ وَ خَلَوْتُ بِکَ اَنْتَ الَْمحْبُوبُ اِلَىَّ » فمن أحبّ الله فانّه لا ينام كلّ الليل كالبهائم ، بل يتهجّد فيه ويقوم نصفه أو يزيد أو ينقص ، وكما قال الامام الصادق 7 عجبت لمن يدّعي حبّ الله كيف ينام الليل ، فانّ النوم على المحبّين حرام ، فمن يزعم انّه يحبّ الله إمّا أن يكون صادقاً في زعمه ودعواه أو كاذباً، ولكلّ شيء بيّنة ودليل ، وبينة صدقه أن يقوم ليله بمناجات ربه ، كذب من زعم أنّه يحبّ الله وهو ينام طول ليلته ، أليس من الوجدان أن كلّ حبيب يحبّ الخلوة مع حبيبه ؟ اللّهمّ أرزقنا حبّک وحبّ من يحبّک ، وحبّ كلّ عمل يوصلنا إلى قربک ، آمين .

    17 ـ وكان الامام الرضا 7 قليل النوم بالليل كثير السهر، يُحيى أكثر لياله من أوّلها إلى الصبح ، ولكم في رسول الله 6 وعترته الأطهار : اُسوة حسنة وقدوة صالحة ، فإن من سيرتهم الذاتيّة ان يسهروا الليالي ، ويقومونها بالعبادة والزلفى إلى الله سبحانه ، فهذا ثامن الحجج مولانا الامام علي بن موسى الرضا 7 قليل النوم بالليل كثير السهر، ومن أن أراد أن يحشر معه ، لابدّ أن يكون في خطّه ونهجه ويتحلّى بأفعاله وأقواله ، وأن يشبهه في سلوكه ، فان الجنس مع الجنس يميل ، والسنخيّة علّة الإنضمام ، فكيف يكون جيرانه يوم القيامة اذا لم يشبّه به ، ويقتدي بهديه ، وكيف يدّعي المؤمن انّه من شيعته ولا يتّبع خطاه ، ولا ينهج مناهجه القويمة ، فان المحب لمن يحب مطيع ، وهذا أمر واضح لا غبار عليه .

    18 ـ عن رسول الله 6: ما زال جبرئيل يوصيني بقيام الليل حتّى ظننت أنّ خيار اُمّتي لن يناموا.

    هذا الحديث النبوي الشريف صريح بأنّ اُمّة محمّد المصطفى 6 ليسوا سواء، فمنهم الأخيار الأبرار ومنهم عامّة الناس ، واذا كان حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين ، فما بالک بالعامّة والخاصة الأبرار.

    تعليق


    • #3

      فاذا كان عامّة الناس ينامون الليل كلّه كما تنام البهائم ، فكانوا كالأنعام في مأكلهم ومشربهم ونومهم ومنكحهم ، فان خيار الاُمّة وصلحائها وعلمائها الأبرار يقومون الليل بالعبادة والبكاء وصلاة الليل وتلاوة القرآن والأدعية والزيارات والأوراد والأذكار، وطلب العلم والمرابطة في سبيل الله، ومن طلب الُعلى سهر الليالي ، فيعرجون في ليلهم إلى قاب قوسين أو أدنى ويسيحون في علم الله وحكمته وألطافه وأسرار كونه ، وما وراء الطبيعة وما فيها، فتبتهج أرواحهم ، وتتعلّق بعزّ الله سبحانه ، وتفتح أبصار قلوبهم ، حتّى يرون ملكوت وغيب السماوات والأرض ، ربنا ما خلقت هذا باطلاً، سبحانک إنّک أنت الحميد المجيد، كلّ هذا وهذا غيض من فيض ، إنّما هو من بركات قيام الليل ، وما أدراک ما قيام الليل بالعبادة والقرب إلى الله سبحانه ، فدونک دونک قيام الليل بطاعة الله ورضوانه .

      19 ـ ورد عن أميرالمؤمنين علي 7 عند ما دخل إلى مسجد الكوفة سحر ليلة التاسع عشر من شهر رمضان ، ورأى ابن ملجم اللعين قد نام على وجهه وبطنه فأخبره أنّ مثل هذه النومة نومة الشياطين ، ومن نام على يمينه فهي نومة المؤمننين ، ومن نام عن يساره فهي نومة الأطباء، ومن نام مستلقياً، فهي نومة الأنبياء :، وقد ورد هذا المعنى في روايات اُخرى .

      20 ـ دخل رسول الله 6 على إبنته سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء وقد فرشت فراش النوم ، وأرادت أن تنام فقال لها لا تنامي يا فاطمة حتّى تفعلي أربعة من الأعمال : أن تختمي القرآن الكريم ، ويشفع لکِ الأنبياء، ويرضى عنک المؤمنون ، وتحجّي بيت الله الحرام بحجّة وعمرة .

      ثمّ قام يصلّي وبعد أن فرغ من صلاته ، سألته إبنته كيف يكون ذلک يا أبتاه ؟ فتبسّم النبي 6 وقال :

      ـ إذا قرأت سورة الاخلاص ثلاث مرات ، فانه يكتب لک ثواب ختم القرآن الكريم .

      ـ وإن صلّيت عليّ وعلى الأنبياء من قبلک كانوا شفعاؤکِ يوم القيامة .

      ـ وإن استغفرت للمؤمنين والمؤمنات فانهم رضوا عنکِ .

      ـ وإن قلت مرّة واحدة (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر) فانّه يكتب لک حجّة وعمرة .

      أيُّها المؤمن وايّتها المؤمنه بالله عليكما مع هذا الثواب العظيم والأجر الجسيم والمنافع والآثار الدنيويّة والاخرويّة ، هل يحق لأحد منّا أن ينام من دون أن يأتي بهذه الأعمال القليلة خالصاً ومخلصاً لله سبحانه وتعالى ، فانه يقرء سورة التوحيد (قل هو الله أحد) ثلاث مرات ثم يقول (اللهمّ صلّ على الأنبياء والمرسلين وخاتمهم محمّد) ثمّ يقول (اللهم اغفر للؤمنين والمؤمنات ) ثمّ يقول التسبيحات الأربع أي (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر) فمن هذه الليلة نُصمّم ونعاهد الله على أن لا نترک هذا العمل الجميل والعظيم ، وانک سترى عن قريب آثاره وبركاته في حياتک المعاشيّة الفردية والاجتماعيّة العلميّة والعمليّة ، كما ترى ذلک إن شاء الله في حياتک المعاديّة ، منذ اليوم الأوّل في حفرة القبر إلى عالم البرزخ ثمّ يوم المحشر، ثمّ الجنان التي اعدّت للمتّقين ، واني بهذا وربّ الكعبة على يقين .

      21 ـ عن مولانا الامام الحسين بن علي 7 قال : كان أميرالمؤمنين 7 بالكوفة في الجامع إذ قام رجل من أهل الشام ، فسئله عن مسائل فكان فيما سئله ، أن قال له : أخبرني عن النوم على كم وجه هو؟ فقال : النوم على أربعة أوجهٍ : الأنبياء : تنام على اقفيتها مستقبلة وأعينها لا تنام متوقّعة لوحي الله عزّوجلّ ، والمؤمن ينام على يمينه مستقبل القبلة ، والملوک وأبناؤها على شمائلها ليستمرؤا ما يأكلون ، وإبليس وإخوانه ينام على وجهه منبطحاً.

      لقد ذكرنا من قبل ما يشبه هذا الحديث الشريف ، الّا انّه يضاف على ما مرّ أن وحي الأنبياء يختلف كما ورد في الروايات ، ومنه المنام فان رؤيا الأنبياء يعدّ من الوحي الإلهي . كرؤيا ابراهيم الخليل انّه يذبح إسماعيل 8، فتنام الأنبياء على قفاهم مستقبلة ، وأعينهم لا تنام تتوقّع الوحي الإلهي ، وأمّا المؤمن فانه ينام على جنبه الأيمن مستقبل القبلة ، ويضع يده تحت خدّه ، ويقرء الأوراد والأذكار والآيات الواردة عند النوم ، وأمّا الملوک وأبنائهم ومن يحذو حذوهم من أهل الدنيا ومترفيها، فانهم ينامون على شمائلهم أي على جنبهم الأيسر، وإنّما يفعلوا ذلک ليهضم ما أكلوه وما أملوا به بطونهم ، فانّ النوم على الشمال وعلى اليد اليسرى يساعد على هضم الأكل كما ثبت ذلک طبّياً، وأمّا إبليس وإخوانه كالمبذرين ، فانّهم ينامون على وجوههم منبطحين كما نام إبن ملجم المرادي لعنه الله في ليلة ضربة وشهادة أميرالمؤمنين علي 7 في محراب الكوفة سحر ليلة التاسع عشر من شهر رمضان عام أربعين من الهجرة النبويّة ، فالايمان والكفر أو النفاق يترتّب عليها آثار وضعيّة وأحكام تكوينيّة وتشريعيّة ، كما يترتّب عليها حالات ، ربما لم يصل العلم إلى حلّ لغزه وكشف سرّه ، فانّ المؤمن ينام على الأيمن والمنافق أو الكافر وابليس واخوانه من الجن والانس ينامون على وجوههم فأيّ سرّ في ذلک ؟!

      فلماذا ينام المؤمن على يمينه ، وابليس واخوانه على بطنه ؟ وان لله في خلقه شؤون ، وسبحان الله عمّا يصفون .

      22 ـ عن أميرالمؤمنين علي 7: من أراد أن ينام فانه يضع يده تحت خدّه الأيمن ، ويقرء هذه الدعاء: (بسم الله وضعت جنبي لله على ملّة ابراهيم ودين محمّد، وولاية من افترض الله طاعته ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ) فانّ الله يحفظه من السرّاق والاغتيال وهدم الدار وتستغفر له الملائكة .

      انّ الدعاء مخّ العبادة ومفتاح كلّ صلاح وفلاح ، وإنه سلاح المؤمن والأنبياء، وإن الله لا يعبأ بالانسان لو لا دعائه (قُلْ ما يَعْبَوُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاوُكُمْ )[9] ثمّ من

      فلسفة الحياة وسرّ الخليقة العبادة كما في قوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالاِْنْسَ إِلّا لِيَعْبُدُونِ )[10] والدعاء هو الانقطاع الكامل إلى الله سبحانه وتعالى ، وإنّ الأدعية

      والأوراد يُتداعى منها التركيز الباطني على الانقطاع المذكور، وما من شيء إلّا وله دعاء خاص كما لنا أدعية عامّة ، ومن الأدعية عند المنام ما أشار إليه أميرالمؤمنين 7 فان في هذا الدعاء يتبع منه الاخلاص في التوحيد الكامل بالنبوة والامامة ، أي الولاية العظمى لمن افترض الله علينا طاعته ، فنضع جنبنا لله أوّلاً على خطى ونهج ملّة ابراهيم الخليل ، وعلى الدين الاسلامي الحنيف ، دين الله الذي ختم بمحمّد 6 وعلى ولاية من افترض الله طاعته من الأئمّة الأطهار من آل محمّد: ثمّ التسليم إلى الله والرضا بقضاءه وقدره فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، والحمد لله ربّ العالمين .

      23 ـ ورد في الحديث الشريف : من أراد أن ينكشف له أمراً في منامه فانه بعد الوضوء ولبس الثياب الطاهرة والنوم على يمينه في مكان طاهر مستقبل القبلة (كما يوضع الميت في قبره ) ناوياً حاجته ، ويقرء السور التالية ، كلّ سورة سبع مرّات وهي: والشمس ، والليل ، والتين ، والتوحيد، والناس ، والفلق ، فانه يصل إلى مراده في الليلة الاولى ، وإلّا فانّه يكرّر العمل إلى سبع ليالٍ .

      لقد ورد في الخبر الصادقي 7: خذ من القرآن كلّ شيء لكلّ شيء، فانّه كتاب ينطق بالحق ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، الا أنه إنما يعرف القرآن بتمامه وكماله من خوطب به ، ومن في بيتهم نزل الكتاب ، وهم محمد آل محمّد : الذي بهم عرف الصواب ، فمثل هذه الأحاديث الشريفة تخبر عن واقع بأن العترة الهادية عدل القرآن الكريم . كما ورد في حديث الثقلين المتواتر عند الفريقين ـ السنّة والشيعة ـ فمثل هذه السور الكريمة بعددها الخاص ، لها ارتباط بعالم الغيب ، وما ينزل من الحوادث من عرش التدبير الإلهي ، حيث المؤمن يصل إلى مقصوده وسؤاله في عالم الرؤيا بمنام صادق فينال بغيته وحاجته ، وهذا من أسرار القرآن الكريم وسوره المباركة .

      24 ـ روى إنّ النبي 6 قال لعليّ 7: ما فعلت البارحة يا أبا الحسن ؟ فقال 7: صلّيت ألف ركعة قبل أن أنام ! فقال النبي 6 كيف فعلت ذلک ؟ فقال 7: سمعتک يا رسول الله تقول : من قال عند نومه ثلاثاً: (يفعل الله ما يشاء بقدرته ويحكم ما يُريد بعزّته ) فقد صلّى ألف ركعة ، قال 6: صدقت يا علي[11] .



      مثل هذا الثواب الجزيل إنّما هو من باب الجزاء الجسيم ، الذي يناط بكرم الله وجوده وسخائه ، فاذا كانت ليلة القدر الواحدة خير من ألف شهر، فلم لا يعطي لمن يقول هذا الدعاء المختصر عند نومه ثلاث مرّات خالصاً مخلصاً ثواب ألف ركعة في ليلة واحدة ؟ فلا تعجب فانه لا ينقص من خزائنه سبحانه ، بل يزداد جوداً وعطاءً، فانّه أكرم الأكرمين وأجود الأجودين ، ونعم الربّ الكريم العليم العظيم جلّ جلاله وعمّ نواله ، فلا تغفل عن مثل هذه المندوبات والمستحبّات ، فانها تكمل لنا النواقص في الفرائض والواجبات ، كما توجب غفران الذنوب ، وتعديل ما أحدثناه من المطبّات في شوارع حياتنا المعاشيّة والمعاديّة ، وإملاء الحُفر التي أوجدناها في مساحات أعمارنا وأفعالنا.

      25 ـ قال الصادق 7: النوم راحة للجسد، والنطق راحة للروح ، والسكوت راحة للعقل[12] .



      انّ من أحاديث أهل البيت : لهى من جوامع الكلم ، فيها معاني سامية غزيرة ، فترى حديثاً من كلمتين فقط الّا انّ وراءه خزين عظيم من العلوم والمعارف كقول أميرالمؤمنين علي 7 بالاخلاص يكون الخلاص ، وقال : أخلص تنل ، فخلاص الانسان ونيله معالي المنازل ورفيع المقامات يكون بالاخلاص ، إلّا انّه كما ورد في الحديث الشريف : «الناس كلّهم هلكى إلّا العلماء، والعلماء كلّهم هلكى إلّا العاملون ، والعاملون كلّهم هلكى إلّا المخلصون ، والمخلصون على خطر عظيم » وان الشيطان أقسم بعزّة الله يغوي الناس والبشريّة جميعاً إلّا عباد الله المخلصين ، فانه لا سلطان عليهم فقال : (قالَ فَبِعِزَّتِکَ لاَُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعيüنَ * إِلّا عِبادَکَ مِنْهُمُ الُْمخْلَصيüنَ )[13] بفتح اللام وهو من طوى مراحل

      الاخلاص السبعة كما في علم الأخلاق ، واستخلصه الله خالصة الذكرى الدار الآخرة .

      ومن جوامع الكلم هذا الحديث الصادقي الشريف : فان الدنيا دار بلاء وإختبار وفتنة ، ولا راحة فيها، إنما دار الاستراحة المطلقة تلک الجنّة التي عرضها السماوات والأرض ، ولكن مع ذلک الراحة النسبية تتحقّق في دار الدنيا، إذ ان سرورها مشوبة بالحزن ، وراحتها ممزوجة بالتعب ، فمن يتعب في نهاره أو ليله ويرهق جسده بأعمال وأفعال ، فانه يبحث عمّا يريح جسده المنهک والمتعب . فان الله سبحانه جعل راحة جسده في نومه ، فاذا نام استراح جسده ، والنوم بعد النصب والتعب والارهاق والمشاق يكون من ألذّ اللذائذ. ثمّ الانسان مركّب من روح وجسد، فراحة جسده في نومه ، وأمّا راحة روحه أي اذا أراد ان ينفّس عن همومه وغمومه ، فان راحة الروح في النطق والكلام كما ثبت في علم النفس ذلک ، فان الانسان عند ما يتكلّم يخفّف من وطأة الروح وأتعابها.

      ثمّ البعد الثالث للانسان عقله الذي إمتاز به عن الحيوانات ، فشرّفه الله بذلک ، فانه يتعب كما يتعب الجسد والروح ، ومن أهم أسباب التعب العقلي الّا هذار والثرثرة في الكلام ، فاذا أراد أن يريح عقله فانّ السكوت راحة العقل

      تعليق


      • #4

        26 ـ قال الصادق 7: خمسة لا ينامون : الهام بدم يسفكه ، وذو مال كثير لا أمين له ، والقائل في الناس الزور والبهتان عن عرض من الدنيا يناله ، والمأخوذ بالمال الكثير ولا مال له ، والمحبّ حبيباً يتوقّع فراقه .

        ما أجمل ما يخبرنا الامام الصادق 7 عن واقع الانسان ، فان النوم وان كان راحة الجسد وسباتاً، الّا انّه من كان يعيش القلق والاضطراب الروحي كيف تغمض عينيه ، بل يتقلّب على فراشه يفرقع أصابعه ويتنفّس الصّعداء، وإن كان مؤمناً يسترجع ويتحوقل .

        ثمّ القلق النفسي والاضطراب الروحي المانع من النوم يتولّد من عوامل : أبرزها ما أشار إليه الامام الصادق 7.

        منه : من هام وقصد أن يسفک دماً ويقتل نفساً، فان القتل أمر عظيم ، الا لمن كان معتاداً عليه فمات قلبه فمن همّ بسفک دم لا تأخذه النوم بسهولة ، بل يتململ كتململ السليم ، وكذلک من كان عنده المال الكثير كالتجار ولا أمين له ، فانه يخاف السراق في كلّ لحظة ، فمثل هذا يصعب عليه النوم ، وكذلک من قال في حقّ الناس وعرضهم وشخصيتنهم زوراً وبهتاناً ينال بذلک من حطام الدنيا، فهذا يخاف الناس فلا تنام عينيه ، وكذا من كان عليه المال الكثير كالمديون ، وحكمت عليه المحكمة بالاعدام أو السجن المؤبّد أو ان يأتي بالمال ولا مال له ، فانه يبقى طوال الليل قلقاً متفكّراً يدبّر لنفسه أمراً فلا ينام ، وأخيراً العاشق الولهان بحب حبيبه ويخاف فراقه أو يتوقع أن يفارقه عن قريب ، فانه الحب عذاب ، وكان العشق ناراً ولهيباً في قلب العشيق يمنعه عن النوم .

        27 ـ قال رسول الله 6: النوم أخو الموت ولا يموت أهل الجنّة .

        قال الله سبحانه وتعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الاَْنْفُسَ حيüنَ مَوْتِها وَالَّتيü لَمْ تَمُتْ فيü مَنامِها فَيُمْسِکُ الَّتيü قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الاُْخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فيü ذلِکَ لآَياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )[14] .



        ورد في الأحاديث الشريفة : تفكّر ساعة خير من عبادة ستّين سنة ، إذ نتيجة التفكر مع سلامات المقدمات من الصغريات والكبرويات أن يسلم المتفكّر في عقائده وسلوكه وحياته على كلّ المستويات ، وقد دعا الاسلام بمصدر ثقافته في الكتاب الكريم والأحاديث الشريفة إلى إعمال التفكّر الصحيح ، حتى أعدّه أفضل من عبادة ستّين عاماً، وفي هذا معنى ومغزاً، ثمّ من مجالات التفكير السليم نوم الانسان ، فانّه ينام الانسان حتّى يفقد أحاسيس اليقظة ، فتذهب نفسه وروحه الملكوتيّة إلى الملأ الأعلى ، وتبقى النفس الملكيّة والظاهريّة المدبرة للبدن حتّى نومه ، وان الله ليتوفّى الأنفس أي يأخذ تمام النفس اذا جاء أجل الانسان المحتم المكتوب في اللوح المحفوظ ، وهذا التوفّي التام وربما يكون في النوم ، والتي لم تمت في منامها يرسلها الله سبحانه لتصل إلى أجلها المحتّم والمعلوم الثابت في اللوح المحفوظ . أو تصل إلى الآجال المعلقة المكتوبة والمتغيرة في لوح المحو والإثبات فهناک وجه شبه كبير من الموت وبين النوم حتى صوّرهما رسول الله6 بالاخوّة أي كلاهما بمنزلة أخوين من أبوين ، ثمّ أشار 7 إلى أن الموت يموت يوم القيامة ، وإنه يذبح كما ورد في الأخبار، ويكون حينئذٍ الخلود والأبديّة في النيران ـ والعياذ بالله ـ أو الجنان ـ رزقنا الله ـ فلا يموت أهل الجنّة حينئذٍ.

        ثمّ الأرواح تصعد إلى السماء عند النوم ، فالمفروض على من يقصد فراش النوم أن يكون متطهراً، فلا ينام وهو جنب أو محدث بالحدث الأصغر، بل يغتسل أو يتوضّأ وينام ، لما ورد ذلک في الأخبار المعتبرة .

        28 ـ قال أميرالمؤمنين علي 7: لا ينام المسلم وهو جنب ، ولا ينام الّا على طهور ـ أي غسل أو وضوء أو تيمّم والأوّل أظهر ـ فان لم يجد الماء فليتيمّم بالصعيد، فان روح المؤمن تروح إلى الله عزّوجلّ فيلقاها ويبارک عليها، فان كان أجلها قد حضر جعلها في مكنون رحمته ، وإن لم يكن أجلها قد حضر بعث بها مع أُمنائه من ملائكته ، فيردُّوها في جسده[15] .



        فهذه الروح الكبرى الطاهرة بالطهور تقترن مع الملائكة اُمناء الرحمن في نزولها إلى الأرض لترتبط بالجسد مرّة اُخرى .

        29 ـ عن الامام الباقر 7: ما من عبد من شيعتا ينام إلّا أصعد الله عزّوجلّ روحه إلى السماء فيبارک عليها، فان كان قد أتى عليها أجلها جعلها في كنوز رحمته ، وفي رياض جنّةٍ وفي ظلّ عرشه ، وان كان أجلها متأخّراً بعث بها مع أمنته من الملائكة ، ليردوها إلى الجسد الذي خرجت منه لتسكن فيه[16] .



        بشاركم يا شيعة أميرالمؤمنين حياةً طيبةً في الدنيا في يقظتها ونومها، وسعادة أبديّة في الآخرة في جنانها ونعيمها، وانّ ملائكة الله لستغفر لكم ، وتشتاق إلى رؤيتكم في دنياكم وآخرتكم .

        30 ـ قال رسول الله 6 لعلي 7: يا علي انّ أرواح شيعتک لتصعد إلى السماء في رقادهم ووفاتهم ، فتنظر الملائكة إليها كما ينظر الناس إلى الهلال ، شوقاً إليهم ولما يرون من منزلتهم عند الله عزّوجلّ[17] .



        31 ـ عن الامام الرضا 7: انّ النوم سلطان الدماغ وهو قوام الجسد وقوّته .

        انّ الله سبحانه خلق الإنسان من روح سماوي وجسد أرضي ، وفي جسده الدماغ الذي هو بمنزلة الحاكم والسلطان على تصرّفات البدن من حركاته وسكناته ، الا انّ الله جعل على هذا السلطان سلطاناً وهو النوم ، فاذا جاء النوم وحكمه غلب الدماغ وأسقطه عن تدبير البدن في حال يقظته ، فلا تبصر العين ولا تسمع الأُذن ، وينام القلب ، ثمّ هذا النوم سلطان الله جعله قوام الجسد وقوّته ، فانّ قيمومة البدن وتقويته وتفاعله من النمو والرشد وغيرهما انّما يكون بالنوم .

        32 ـ قال الامام الهادي 7: السهر ألذّ للمنام .

        اللذّة ويقابلها الألم إما أن تكون حسيّة أو عقليّة وروحيّة ، فاذا كان من ألذّ اللذائذ الجسديّة الجماع والمقاربة الجنسيّة كما ورد في الأخبار، فانّ السهر في الليل يزيد في لذّة النائم والنوم ، وهذا ما يدلّ عليه التجربة والوجدان ، فمن سهر ليله يحسّ بلذّة كبيرة في نومه ومنامه .

        33 ـ قال أميرالمؤمنين علي 7: المستثقل النائم تكذبه أحلامه .

        انّ الأحلام والرؤيا ممّا لا يمكن انكارها، وان اختلفت الأقوال في حقيقتها، الّا انّه يرى الانسان في منامه ما يرى من الأحلام كما نصّ على ذلک القرآن الكريم ، كما في قصّة يوسف 7، ثمّ من الأحلام ما هي صادقة ، ومنها ما هي كاذبة ، ومنها أضغاث أحلام .

        فمن نام على ثقل في معدته بكثرة الأكل والشرب المعبّر عند بالمستثقل النائم فان أحلامه اذا أخبر بها ستكذبه ، أي يكون كاذباً في أحلامه ، فلا تكون من الأحلام الصادقة ، ومن ثمّ تكون شاهدة على كذب حكاية أحلامه ، وهذا يدلّ على كراهة الاستكثار من الأكل لاسيّما عند النوم ، وورد: أن تعشيت فتمشَّ ، أي لا تنام بعد العشاء والأكل مباشرة بل عليک أن تمشي حتّى يستهضم الأكل ، كما عليه الطّب الحديث .

        34 ـ قال أميرالمؤمنين 7: ما انقص النوم لعزائم اليوم .

        من الطبيعي لأصحاب الأعمال أن يخططوا للمستقبل ، لاسيّما تخطيطهم في الليل لأعمال واشغال النهار، فان المخطّط تارة طويل الأمد وآخر قصير الأمد، فمن يعزم على عمل في الليل ويصمم على قضاء ذلک في بكور صباحه ، فان النوم وكثرته وربّما ينقض تلک العزيمة ، بل ربما يكون في كثير من الموارد كذلک كما أشار إليه أميرالمؤمنين العارف بحقائق الاُمور باذن ربّه جلّ جلاله قائلاً: ما انقض النوم لعزائم اليوم ـ وكأنه في مقام التعجّب أو الاخبار ـ.

        وإلى مثل هذا المعنى عنه 7 أيضاً:

        35 ـ من كثر في ليله نومه ، فاته من العمل ما لا يستدركه في يومه[18] .



        فانه في تخطيطه وتدبيره الليلي يحدّد لكلّ عمل وقته الخاص ، فاذا لم يبكرو لم يبادر، ونام وكثر نومه فانه يفوته في مقام الامتثال ، فيترک أحد العملين لا محالة كما هو واضح .

        انّ النوم بمنزلة الغريم والدائن الذي يطالب الانسان ليأخذ من عمره العزيز والثمين والذي هو قصير جداً بل يعدّ في قبال أبدية الروح وخلودها في الجنان أو النيران بمنزلة لمح البصر أو هو أقرب ، فمثل هذا الغريم سرعان ما يفني هذا العمر القصير، ويفوّت كثير الأجر والثواب ، فان عبادة اليقظان أثم من النائم ، كما في الأعمال المعاشيّة ، فانه يستأجر المستيقظ في العمل دون النائم ، فمن نام عن العمل فاته الأجر والاُجرة ، والى هذا المعنى أشار أميرالمؤمنين علي 7 قائلاً:

        36 ـ بئس الغريم النوم ، يفني قصير العمر، ويفوّت كثير الأجر.

        وكثرة النوم يسبب في كثرة الأحلام المزعجة والتي هي من أضغاث الأحلام كما أشار إلى ذلک الامام العسكري 7.

        37 ـ من أكثر المنام رأى الأحلام .

        فاذا كان كثرة النوم هذا مآله وما يترتّب عليه من الضياع والحرمان والنقص ، فكيف ينام المرء ويغفل عن طلب المعالي والفوز بالخيرات والحسنات ؟!

        فالاسلام دين العلم والعمل ، والوعي واليقظة ، والخير والسعادة ، والحياة الطيبة والعيش الرغيد، وانه اعطى لكلّ شيء حكمه وقانونه باصول ثابتة يستنبط منها الفروع المتغيّرة ، وحتّى أشار إلى بعض الجزئيّات لتكون في المستقبل من القواعد الكليّة التي يرجع إليها في كثير من المواضيع والموارد، الا انّ لغة الاسلام لغة الأحكام التكليفيّة الخمسة المعروفة عند الفقهاء باسم : الواجب والحرام والمستحب والمكروه والمباح ، والأوّل : ما فيه المصلحة التامّة واتيان الفعل مع المنع من التحرّک ، والثاني : ما فيه المفسدة التامّة والمنع من الاتيان ، والثالث : ما فيه المصلحة الراجحة واستحباب الفعل مع جواز تركه ، والرابع : ما فيه الحزازة واوليّة الترک مع جواز اتيانه ، والخامس : متساوى الطرفين في الاتيان والترک .

        وبهذا يريد الاسلام للانسان أن يرتبط في كلّ أحواله في معاشه ومعاده بالسماء دائماً، فيضفى على أفعاله وأقواله وأعماله هالة القدسيّة والتقرّب والزلفى إلى الله سبحانه ، فيعيش الطهارة والنزاهة من الحدث والخبث ، ومن الرذائل والقبائح ، ومن الذنوب والمعاصي والآثام .

        وحينما ترجع إلى روايات النوم تجد نفسک بين الواجبات والمحرّمات والمستحبّات والمكروهات ، فمن المكروهات والذي يدلّ عليه العقل ويرشد إليه العقلاء.

        38 ـ عن الصادق عن آبائه : قال : قال رسول الله 6: ان الله كره لكم أربعاً وعشرين خصلة ونهاكم عنها ـ تارة بنهي تحريمي فيدل على الحرمة أو نهي تنزيهي وإرشادي فيدل على الكراهة ـ فقال : وكره النوم قبل العشاء الآخرة ـ أي قبل صلاة العشاء ـ وكره الحديث بعد العشاء الآخرة ، وكره النوم فوق سطح ليس بمحجّر ـ بالجدار أو ما شابه ذلک ـ وقال : من نام على سطح غير محجّر فبرئت ذمّته ـ أي لو سقط ومات أو جرح فالذنب عليه ولم يتحمّل أحد مسؤوليته لأن المفروض عليه أن يتورّع عن ذلک المكان أو يفعل ما يحفظ من السقوط ـ وكره أن ينام الرجل في بيت وحده ـ فان الشيطان سرعان ما يوسوس له لاسيّما الشباب حتّى يوقعه في الحرام كالاستمناء والعياذ بالله ـ.

        وعلى كلّ واحد أن يختار الحدّ الوسط بلا افراط ولا تفريط ، فينام في وقته ويستيقظ في وقته ، ويراعي كلّ الآداب والتحفظات ، فلا يسهر في وقت نومه ، الا اذا كان السهر أفضل من النوم .

        39 ـ قال رسول الله 6: لا سهر إلّا في ثلاثة : متهجّد بالقرآن ، وفي طلب العلم ، أو عروس تهدى إلى زوجها[19] .

        تعليق


        • #5


          40 ـ وقال 9: لا سهر بعد العشاء الآخرة الا لأحد رجلين : مصلّ أو مسافر.

          وهذا تحذير لاولئک الذين يُعرف عنهم باصحاب القَعدة الذين يسهرون الليل بالباطل والملاهي والقيل والقال وضياع العمر العزيز، الذي هو أعزّ من الكبريت الأحمر لمن كان من العارفين .

          فالسهر الممدوح عند الله ما كان فيه طاعة الله، وإنه مقدمة لنوم رغيد وسبات سعيد.

          41 ـ عن الامام الصادق 7 قال : ثلاث فيهنّ المقت من الله عزّوجلّ : نوم من غير سهر، وضحک من غير عجب ـ فان الضحک بلا سبب أي العجب من قلّة الأدب ، وإنّ الله ليمقت من كان قليل الأدب أو لا أدب له ـ وأكل عن الشبع ـ فمن شبع وزاد في الأكل فانه يزيد في بلاهته وسفاهته ، وإن الله ليمقت السفيه البليد، اذ يحبّ العقلاء الفهماء الحكماء العلماء العرفاء.

          ومن مكروهات النوم بل أشدّ كراهة النوم بين الطلوعين حتّى عدّ من علامات المنافقين ومن النوم الملعون البعيد عن رحمة الله، وإنه يوجب الفقر، بل الأرض تصرخ وتعجّ إلى ربّها حقيقة من النائم عليها قبل طلوع الشمس ، وانّ عجيجها كالعجيج من الدم الحرام المسفوک عليها.

          42 ـ عن جعفر ن محمّد 8 قال : قال رسول الله 6: ما عجّت الأرض إلى ربّها عزّوجلّ كعجيجها من ثلاثة : من دم حرام يسفک عليها، أو اغتسال من زنا، أو النوم عليها قبل طلوع الشمس[20] .



          43 ـ عن أميرالمؤمنين 7: النوم بين العشائين يورث الفقر، والنّوم قبل طلوع الشمس يورث الفقر.

          44 ـ عن الامام السجاد علي بن الحسين 8 قال لأبي حمزة الثمالي : يا أباحمزة لا تنامنّ قبل طلوع الشمس فاني أكرهها لک ، إنّ الله يقسّم في ذلک الوقت أرزاق العباد، وعلى أيدينا يجريها.

          فانهم مظهر إسم الله الأعظم ، والانسان الكامل ، والحقيقة المحمّديّة ، فبهم يمسک السماء أن تقع على الأرض ، وبيمنهم رزق الورى ، بهم بدء الله وبهم يختم ـ كما هو ثابت في محلّه ، وذكرت تفصيل ذلک في كتاب (هذه هي الولاية ) فراجع .

          ثمّ النوم على أقسام باعتبار الليل والنهار.

          65 ـ قال الصادق 7: قال رسول الله 6: النوم من أوّل النهار خرق ـ وهذا من الذمّ ـ والقائلة ـ أي نوم القيلولة قبل الزوال بساعة ـ نعمة ، والنوم بعد العصر حمق ـ أي من الحماقة ـ وبين العشائين يحرم الرزق ـ أي النوم بين صلاة المغرب والعشاء يوجب حرمان الرزق ، كما بذلک يخالف اليهود والنصارى وغيرهم من المشركين فانهم ينامون بينهما.

          46 ـ قال رسول الله 6: لما اُسري بي إلى السماء دخلت الجنّة فرأيت فيها قصراً من ياقوت أحمر، يرى باطنه من ظاهره لضيائه ونوره ، وفيه قُبّتان من درّ وزبرجد، فقلت : يا جبرئيل لمن هذا القصر؟ قال : هو لمن أطاب الكلام ، وأدام الصيام ، وأطعم الطعام ، وتهجّد بالليل والناس نيام .

          قال علي 7: هذا التلميذ الشاطر العبقرى الفذ في مدرسة النبي الأعظم 6 يسأل حتّى تعرف الاجيال ما يقصده النبي 6: يا رسول الله وفي أُمتک من يطيق هذا؟ فقال : أتدري ما إطابة الكلام ؟ فقلت : الله ورسوله أعلم ـ ولم يقل لا أدري إنّما أراد الجواب أن يسمعه من رسول الله ـ قال : من قال : «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر» فهذا من الكلام الطيّب عند الله وعند الأنبياء والملائكة .

          أتدري ما إدامة الصيام ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : من صام شهر رمضان ولم يفطر منه يوماً ـ اذا لم يكن له عذر شرعي ـ فقد أدام الصيام طيلة حياته .

          أتدري ما إطعام الطعام ؟ قلت : الله ورسوله أعلم قال : من طلب لعياله ما يكفّ به وجوههم عن الناس ـ أي لا يستعطون من الناس ـ ولو بنحو الكفاف والعفاف .

          أتدري ما التهجّد بالليل ـ أي العبادة في الليل ـ والناس نيام ؟ قلت : الله ورسوله أعلم قال : من لم ينم حتّى يصلّي العشاء الآخرة والناس من اليهود والنصارى وغيرهم من المشركين نيام بينهما ـ كما كان في عصر النبوّة آنذاک ـ.

          هذه جملة من الروايات الشريفة في النوم والمنام مع شرح وتعليق على نحو الإجمال والإشارة ، وما هو الّا غيض من فيض ، وما أُوتينا من العلم إلّا قليلاً، ربي زدني علماً نافعاً وعملا صالحآ خالصآ، وتوفّني حنيفاً مسلماً، وألحقني بالصالحين المقرّبين ، آمين ربّ العالمين .


          [1] () الحجر: 29.

          [2] () الأنفال : 201.

          [3] () الزلزلة : 7.

          [4] () الاسراء: 79.

          [5] () الاختصاص : 218.

          [6] () تحف العقول : 302.

          [7] () أمالي الصدوق : 322.

          [8] () المائدة : 54.

          [9] () الشعراء: 77.

          [10] () الذاريات : 56.

          [11] () إلى هنا نقلت الروايات من كتاب (خوابهاى حقيقى يا پروازهاى ناب ) للمعاصر محمّدحسين رجائي الخراساني كما اقتبست أصل الموضوع منه بعد أن طالعت الكتاب فيساعات الفراغ بعد ما كان بيد ولدي الثالث السيّد محمّد حسن حفظه الله وأسعده واخوتهواخواته واُمّهم وايّاي في الدارين . منه عفى الله عنه .

          [12] () الفقيه : :4 402.

          [13] () ص : 82 ـ 83.

          [14] () الزمر: 42.

          [15] () البحار: :81 153.

          [16] () الكافي : :8 213.

          [17] () امالى الصدوق : 452.

          [18] () الروايات القصار من ميزان الحكمة : كلمة النوم من نهج البلاغة وغرر الحكم .

          [19] () البحار: :73 178 عن الخصال : :1 55 والذي قبله عن أمالي الصدوق : 181.

          [20] () البحار: :73 184، عن الخصال : :1

          تعليق

          المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
          حفظ-تلقائي
          Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
          x
          يعمل...
          X