إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

محور برنامج منتدى الكفيل 73

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #11
    فهناك سر عظيم وراء فلسفة الدعاء، يمكن اكتشافه من خلال معرفة ما نتعلمه من الدعاء، الذي هو ليس كلام انشائي او لقلقة لسان ابدا، وانما هو معارف عظيمة اذا ما تانى المرء في قراءتها والتدبر فيها.


    ان الدعاء منظومة متكاملة بادوات راقية يعلمنا:


    *التواضع، فالذي يدعو ربه متواضعا له سبحانه، لا يتكبر على احد من عباده، ولذلك ربط الله تعالى حالات الاستكبار والتكبر التي تصيب الانسان بحالة تمرده على الدعاء، فقال تعالى {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} والعبادة هو الدعاء عن الكاظم (ع).


    *الاستقلالية، فالذي يثق بربه وان قدرته بين الكاف والنون لن يكون تبعا لاحد من اجل شيء ما، يقول امير المؤمنين عليه السلام في وصيته الى ابنه الامام الحسن المجتبى (ع) {وَاعْلَمْ، أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ خَزَائِنُ السَّموَاتِ وَالاْرْضِ قَدْ أَذِنَ لَكَ فِي الدُّعَاءِ، وَتَكفَّلَ لَكَ بِالاْجَابَةِ،أَمَرَكَ أَنْ تَسْأَلَهُ لِيُعْطِيَكَ، وَتَسْتَرْحِمَهُ لِيَرْحَمَكَ، وَلَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ مَنْ يَحْجُبُكَ عَنْهُ، وَلَمْ يُلْجِئْكَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكَ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَمْنَعْكَ إِنْ أَسَأْتَ مِنَ التَّوْبَةِ، وَلَمْ يُعَاجِلْكَ بَالنِّقْمَةِ، وَلَمْ يُعَيِّرْكَ بِالاْنَابَةِ، وَلَمْ يَفْضَحْكَ حَيْثُ الْفَضِيحَةُ بِكَ أَوْلَى، وَلَمْ يُشدِّدْ عَلَيْكَ فِي قَبُولِ الاْنَابَةِ، وَلَمْ يُنَاقِشْكَ بِالْجَرِيمَةِ، وَلَمْ يُؤْيِسْكَ مِنَ الرَّحْمَةِ، بَلْ جَعَلَ نُزُوعَكَ عَنِ الذَّنْبِ حَسَنةً، وَحَسَبَ سَيِّئَتَكَ وَاحِدَةً، وَحَسَبَ حَسَنَتَكَ عَشْراً، وَفَتحَ لَكَ بَابَ الْمَتَابِ، فَإِذَا نَادَيْتَهُ سَمِعَ نِدَاك، وَإِذَا نَاجَيْتَهُ عَلِمَ نَجْوَاكَ} فهل ان من يدعو مثل هذا الرب يذل نفسه لغيره عز وجل؟ الا ان يكون سفيها، ولذلك فان الداعي عزيز بربه وباسمائه الحسنى، والى هذا المعنى اشار سيد الشهداء الحسين بن علي (ع) بقوله {هيهات منا الذلة يابى الله لنا ذلك}.


    *التوكل ورفض التواكل، وان التوكل هو مفتاح النجاح، اما التواكل فهو اس كل فشل، ولذلك قال امير المؤمنين (ع) {الدعاء مفاتيح النجاح، ومقاليد الفلاح} وقوله {الدعاء مقاليد الفلاح ومصابيح النجاح} فالدعاء يهيئ كل فرص النجاح للمرء، وان من يظن ان الدعاء يعني ان تجلس في بيتك وتنتظر الفرج او فرص النجاح لتاتي اليك فانه على خطأ، بل العكس هو الصحيح، فمن يتسلح بالدعاء يمتطي التوكل.


    *العمل ورفض الكسل، فالدعاء يعطي للانسان طاقة متجددة للحركة والنشاط، مثله كمثل الوقود في السيارة، فهو ايذان للانطلاق والحركة وليس للتوقف والجمود، ولقد قال امير المؤمنين (ع) {احب الاعمال الى الله في الارض الدعاء} وقول رسول الله (ص) {ان اعجز الناس من عجز عن الدعاء} لان من لا يقدر على الدعاء كيف يقدر على العمل؟ ولذلك قال الكاظم (ع) {الدعاء ترس المؤمن} فهو لساحة الجد والعمل.


    *التفكير والتفكر، ولذلك وصفه رسول الله (ص) بقوله {الدعاء مخ العبادة} فكل عبادة لا تعتمد الدعاء ستكون لقلقة لسان او ترداد لكلمات غير ذي معنى، لان المعاني السامية في الدعاء تحث المرء على التفكير والتفكر، سواء في خلق الله تعالى او في امور الحياة وفيما ينتظره في الحياة الاخرة كون {الدنيا مزرعة الاخرة} كما ورد في الحديث الشريف.


    *الايمان والثقة بالله تعالى، لان الانسان الذي يدعو الله تعالى كثيرا يكون الاقرب اليه، ومن كان قريبا من الله ابتعد عنه الشيطان، ولهذا قال امير المؤمنين (ع) {اكثر من الدعاء تسلم من سورة الشيطان} فالشيطان لا يدخل قلبا عامرا بالايمان الذي يزرعه الدعاء، فبه يزداد يقينا بربه، وبه يزداد ثقة بنفسه.


    *الامل، فالدعاء يذكرك بانه ما من شيء غير قابل للتغيير، ما يطرد عنك الياس بكل اشكاله، والى هذا المعنى قال الصادق (ع) {لا تقل ان الامر قد فرغ منه، ان عند الله منزلة لا تنال الا بمسألة} وعنه (ع) في قول آخر {ادع الله عز وجل ولا تقل: ان الامر قد فرغ منه} قال زرارة؛ انما يعني: لا يمنعك ايمانك بالقضاء والقدر ان تبالغ بالدعاء وتجتهد فيه، وصدق امير المؤمنين (ع) الذي لخص فلسفة الامل والرجاء في قوله {مَا كَانَ اللهُ لِيَفْتَحَ عَلَى عَبْد بَابَ الشُّكْرِ وَيُغْلِقَ عَنْهُ بَابَ الزِّيَادَةِ، وَلاَ لِيَفْتَحَ عَلَى عَبْد بَابَ الدُّعَاءِ وَيُغْلِقَ عَنْهُ بَابَ الاْجَابَةِ، وَلاَ لِيَفْتَحَ عَلَى عَبْد بَابَ التَّوْبَةِ وَيُغْلِقَ عَنْهُ بَابَ الْمَغْفِرَة}.


    *النجاح وسبله وطرقه، لان من يناجي ربه في كل آن يفتح الله له ابواب رحمته فيبصره طريقه ولذلك فليس غريبا ابدا ان يصف الامام الصادق (ع) امير المؤمنين (ع) بقوله {كان امير المؤمنين رجل دعاء} فعلى الرغم من قربه عليه السلام من ربه، الا انه ظل يدعوه تضرعا وخيفة وحين الجهر، ولذلك سدده الله تعالى وبصره طرق المعرفة والنجاح حتى قال (ع) {علمني رسول الله الف باب من العلم يفتح من كل باب الف باب} فكان {علي مع الحق والحق مع علي، لا يفترقان حتى يردا علي الحوض}.


    *العلم والمعرفة، فالدعاء، وهو حديث العبد مع ربه عز وجل، يلهم المرء بصائر ومعارف ما كان ليكسبها بغيره، فلقد ورد عن امير المؤمنين (ع) قوله {اعلم الناس بالله سبحانه اكثرهم له مسالة}.


    *التواضع، فكلما تذكر العبد ربه في الدعاء كلما رفعه الله تعالى درجة تواضع بقدرها في الناس، والمتكبر هو الذي لا يذكر ربه، فكيف يذكر عباده؟ ولا يتواضع لربه، لانه يرى نفسه مستغنيا عنه، فكيف يتواضع لعباده؟ والمتكبر هو الذي انساه الله تعالى نفسه لانه نسيه كما ذكرت الاية الكريمة {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.


    *الرقابة الذاتية ومحاسبة الذات، لان الدعاء عنصر اساسي في تصحيح الاخطاء واعادة النظر في الذنوب التي يرتكبها المرء، ولذلك، فكلما دعا المرء ربه كلما سعى لتصحيح مساراته الحياتية لتكون على الصراط المستقيم، ولذلك، قال امير المؤمنين (ع) لقائل قال بحضرته: استغفر الله {ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، أَتَدْرِي مَا الاْسْتِغْفَارُ؟ إنَّ الاْسْتِغْفَارَ دَرَجَةُ الْعِلِّيِّينَ، وَهُوَ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى سِتَّةِ مَعَان: أَوَّلُهَا: النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى وَالثَّانِي: الْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ الْعَوْدِ إِلَيْهِ أَبَداً وَالثَّالِثُ: أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى الْـمَخْلُوقِينَ حُقُوقَهُمْ حَتَّى تَلْقَى اللهَ عزّوجلّ أَمْلَسَ لَيْسَ عَلَيْكَ تَبِعَةٌ وَالرَّابِعُ: أَنْ تَعْمِدَ إِلَى كُلِّ فَرِيضَة عَلَيْكَ ضَيَّعْتَهَا فَتُؤَدِّيَ حَقَّهَا وَالْخَامِسُ: أَنْ تَعْمِدَ إِلَى اللَّحْمِ الَّذِي نَبَتَ عَلَى السُّحْتِ فَتُذِيبَهُ بالاْحْزَانِ، حَتَّى يَلْصِقَ الْجِلْدُ بِالْعَظْمِ، وَيَنْشَأَ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ جَدِيدٌ وَالسَّادِسُ: أَنْ تُذِيقَ الْجِسْمَ أَلَمَ الطَّاعَةِ كَمَا أَذَقْتَهُ حَلاَوَةَ الْمَعْصِيَةِ، فَعِنْدَ ذلِكَ تَقُولُ: أَسْتَغْفِرُاللهَ}.


    *القوة، فالدعاء يمنح المرء قوة وشجاعة وعزيمة، فهو سلاحه في الحياة، ولذلك وصفه رسول الله (ص) بالسلاح بقوله {الا ادلكم على سلاح ينجيكم من اعدائكم ويدر ارزاقكم؟ قالوا: بلا يا رسول الله، قال: تدعون ربكم بالليل والنهار، فان سلاح المؤمن الدعاء} وقول امير المؤمنين (ع) {نعم السلاح الدعاء}.


    *الوفاء، فمن يواضب على الدعاء يكون وفيا مع القيم التي يذكرها على لسانه ويتفاعل معها قلبه، كالصدق والامانة والشجاعة وحسن الظن والعدل والانصاف والعلم والمعرفة وغيرها.


    *استصغار اعاظم الامور، فالذي يدعو ربه، وهو على يقين بانه قادر على ان يعطيه مهما عظم الامر في عينيه، سيستصغرها وبالتالي سيتعامل مع امور الحياة ببساطة ويسر، فلا يستعظم الامور ولا يعقدها، وبالتالي سيكون الاقدر عليها من خلا ل حسن التعامل معها، وان الذي يرشده الى ذلك الدعاء.


    * واخيرا، ضد الغفلة، فالدعاء، الذي يحتم على المرء ان يستحضر قلبه، لا يغفل عن ربه وعن مجتمعه وعن ممن حوله من الناس، فتراه دقيقا وحذرا في كلامه وفي عمله وفي سلوكياته، لا يتجاوز على احد، ولا يعتدي على احد، لا بقول ولا بفعل، ولنتذكر حديث رسول الله (ص) {ترك الدعاء معصية}.

    تعليق


    • #12
      أهمية الدعاء في شهر رمضان ...
      بعد أن ذكرت الآيات السابقة مجموعة هامّة من الأحكام الإِسلامية، تناولت هذه الآية موضوع الدعاء باعتباره أحد وسائل الإِرتباط بين العباد والمعبود سبحانه. ومجيء هذه الآية في سياق الحديث عن الصوم، يعطيه مفهوماً جديداً، إذ أن الدعاء والتقرب إلى الله روح كل عبادة.
      هذه الآية تخاطب النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وتقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ). إنه أقرب ممّا تتصورون، أقرب منكم إليكم، بل (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَريدِ)(1).
      ثم تقول الآية: (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ).
      إذن (فَلْيَسْتَجِيبُوا لي، وَلْيُؤْمِنُوا بِي، لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).
      ويلفت النظر في الآية، أن الله سبحانه أشار إلى ذاته المقدسة سبع مرات، وأشار إلى عباده سبعاً! مجسداً بذلك غاية لطفه وقربه وإرتباطه بعباده.
      روى عبد الله بن سنان عن الإِمام الصادق(عليه السلام) قال: «الدُّعَاءُ يَرُدُّ الْقَضَاءَ بَعْدَ مَا أُبْرِمَ إِبْرَاماً فَأَكْثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ فَإِنَّهُ مِفْتَاحُ كُلِّ رَحْمَة وَنَجَاحُ كُلِّ حَاجَة وَلاَ يُنَالُ مَا عِنْدَ اللهِ عزَّ وَجَلَّ إِلاَّ بِالدُّعَاءِ وَإِنَّهُ لَيسَ بَابٌ يُكْثَرُ قُرْعُهُ إِلاَّ يُوشَكُ أَنْ يُفْتَحَ لِصَاحِبهِ»(2).
      نعم، إنه قريب منّا، وكيف يبتعد وهو سبحانه (يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ)(3).
      * * *
      1 ـ فلسفة الدعاء
      أُولئك الجاهلون بحقيقة الدعاء وآثاره التربويّة والنفسية، يطلقون أنواع التشكيك بشأن الدعاء.
      يقولون: الدعاء عامل مخدّر، لأنه يصرف النّاس عن الفعّالية والنشاط وعن تطوير الحياة، ويدفعهم بدلا من ذلك إلى التوسّل بعوامل غيبية.
      ويقولون: إن الدعاء تدخّل في شؤون الله، والله يفعل ما يريد، وفعله منسجم مع مصالحنا، فما الداعي إلى الطلب منه والتضرّع إليه؟!
      ويقولون أيضاً: إنّ الدعاء يتعارض مع حالة الإِنسان الراضي بقضاء الله المستسلم لإِرادته سبحانه!
      هؤلاء، ـ كما ذكرنا ـ يطلقون هذا التشكيك لجهلهم بالآثار التربوية والنفسية والإِجتماعية للدعاء، فالإِنسان بحاجة أحياناً إلى الملجأ الذي يلوذ به في الشدائد، والدعاء يضيء نور الأمل في نفس الإِنسان.
      من يبتعد عن الدعاء يواجه صدمات عنيفة نفسية واجتماعية. وعلى حد تعبير أحد علماء النفس المعروفين:
      «ابتعاد الاُمّة عن الدعاء يعني سقوط تلك الاُمّة! المجتمع الذي قمع في نفسه روح الحاجة إلى الدعاء سوف لا يبقى مصوناً عادة من الفساد والزوال.
      ومن نافلة القول أنه من العبث الإِكتفاء بالدعاء لدى الصباح وقضاء بقية اليوم كالوحش الكاسر، لابدّ من مواصلة الدعاء، ومن اليقظة المستمرة، كي لا يزول أثره العميق من نفس الإِنسان».(1)
      وأُولئك الذين يصفون الدعاء بأنه تخديري لم يفهموا معنى الدعاء، لأن الدعاء لا يعني ترك العلل والوسائل الطبيعية واللجوء بدلها إلى الدعاء، بل المقصود أن نبذل نهاية جهدنا للإِستفادة من كل الوسائل الموجودة، بعد ذلك إن انسدت أمامنا الطرق، وأعيتنا الوسيلة، نلجأ إلى الدعاء، وبهذا اللجوء إلى الله يحيى في أنفسنا روح الأمل والحركة، ونستمد من عون المبدأ الكبير سبحانه.
      الدعاء إذن لا يحل محل العوامل الطبيعية.
      «الدعاء ـ إضافة إلى قدرته في بث الطمأنينة في النفس ـ يؤدي إلى نوع من النشاط الدماغي في الإِنسان، وإلى نوع من الإِنشراح والإِنبساط الباطني وأحياناً إلى تصعيد روح البطولة والشجاعة فيه. الدعاء يتجلى بخصائص مشخصة فريدة ... صفاء النظرة، وقوة الشخصية، والإِنشراح والسرور، والثقة بالنفس، والإِستعداد
      للهداية، واستقبال الحوادث بصدر رحب، كل هذه مظاهر لكنز عظيم دفين في نفوسنا. وانطلاقاً من هذه القوّة يستطيع حتى الأفراد المتخلفون أن يستثمروا طاقاتهم العقلية والأخلاقية بشكل أفضل، وأكثر. لكن الأفراد الذين يفهمون الدعاء حق فهمه قليلون جداً ـ مع الأسف ـ في عالمنا اليوم»(1).
      ممّا تقدم نفهم الرد على من يقول أن الدعاء يخالف روح الرضا والتسليم، لأن الدعاء ـ كما ذكرنا ـ نوع من كسب القابلية على تحصيل سهم أكبر من فيض الله اللامتناهي.
      بعبارة اُخرى: الإِنسان ينال بالدعاء لياقة أكبر للحصول على فيض الباري تعالى. وواضح أن السعي للتكامل ولكسب مزيد من اللياقة هو عين التسليم أمام قوانين الخليقة، لا عكس ذلك.
      أضف إلى ذلك، الدعاء نوع من العبادة والخضوع والطاعة، والإِنسان ـ عن طريق الدعاء ـ يزداد إرتباطاً بالله تعالى، وكما أن كلّ العبادات ذات أثر تربوي كذلك الدّعاء له مثل هذا الأثر.
      والقائلون أن الدعاء تدخّل في أمر الله وأن الله يفعل ما يشاء، لا يفهمون أن المواهب الإِلهية تغدق على الإنسان حسب استعداده وكفاءته ولياقته، وكلّما ازداد استعداده ازداد ما يناله من مواهب.
      لذلك يقول الإِمام الصادق(عليه السلام): «إِنَّ عِنْدَ اللهِ عَزّ وَجلَّ مَنْزِلَةً لاتُنَالُ إِلاَّ بِمَسْأَلَة»(2).
      ويقول أحد العلماء: «حينما ندعو فإننا نربط أنفسنا بقوة لا متناهية تربط جميع الكائنات مع بعضها»(3).
      ويقول: «إنّ أحدث العلوم الإِنسانية ـ أعني علم النفس ـ يعلّمنا نفس تعاليم الأنبياء، لماذا؟ لأن الأطباء النفسانيين أدركوا أن الدعاء والصلاة والإِيمان القوي بالدين يزيل عوامل القلق والاضطراب والخوف والهيجان الباعثة على أكثر أمراضنا»(1).
      2 ـ المفهوم الحقيقي للدعاء
      علمنا أنّ الدعاء إنّما يكون فيما خرج عن دائرة قدرتنا، بعبارة اُخرى الدعاء المستجاب هو ما صدر لدى الاضطرار وبعد بذل كل الجهود والطاقات (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُظْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)(2). يتضح من ذلك أن مفهوم الدعاء طلب تهيئة الأسباب والعوامل الخارجة عن دائرة قدرة الإِنسان، وهذا الطلب يتجه به الإِنسان إلى من قدرته لا متناهية ومن يهون عليه كل أمر.
      هذا الطلب طبعاً يجب أن لا يصدر من لسان الإِنسان فقط، بل من جميع وجوده، واللسان ترجمان جميع ذرات وجود الإِنسان وأعضائه وجوارحه.
      يرتبط القلب والروح بالله عن طريق الدعاء إرتباطاً وثيقاً، ويكتسبان القدرة عن طريق اتصالهما المعنوي بالمبدأ الكبير، كما تتصل القطرة من الماء بالبحر الواسع العظيم.
      جدير بالذكر أن هناك نوعاً آخر من الدعاء يردّده المؤمن حتى فيما اقتدر عليه من الأُمور، ليعبّر به عن عدم استقلال قدرته عن قدرة الباري تعالى، وليؤكد أن العلل والعوامل الطبيعية إنما هي منه سبحانه، وتحت إمرته. فإن بحثنا عن الدواء لشفاء دائنا، فإنّما نبحث عنه لأنّه سبحانه أودع في الدواء خاصية الشفاء (هذا نوع آخر من الدعاء أشارت إليه الروايات الإِسلامية أيضاً).
      بعبارة موجزة: الدعاء نوع من التوعية وإيقاظ القلب والعقل، وإرتباط
      داخلي بمبدأ كل لطف وإحسان، لذلك نرى أمير المؤمنين علياً(عليه السلام) يقول: «لاَ يَقْبَلُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ دُعَاءَ قَلْب لاَه»(1).
      وعن الإِمام الصّادق(عليه السلام): «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَسْتَجيبُ دُعَاءً بَظَهْرِ قَلْب سَاه»(2).
      3 ـ شروط استجابة الدعاء:
      دراسة شروط استجابة الدعاء توضّح لنا كثيراً من الحقائق الغامضة في مسألة الدعاء، وتبين لنا آثاره البناءة، والروايات الإِسلامية تذكر شروطاً لاستجابة الدعاء منها:
      1 ـ ينبغي لمن يدعو أن يسعى أولا لتطهير قلبه وروحه، وأن يتوب من الذنب، وأن يقتدي بحياة قادة البشرية الإِلهيين.
      عن الإِمام الصادق(عليه السلام): «إِيَّاكُمْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ شَيْئاً مِنْ حَوَائِجِ الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ حَتَّى يَبْدَأَ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللهِ، وَالْمِدْحَةِ لَهُ وَالصَّلاَةِ عَلَى النَّبِّي وَآلِهِ، وَالاِْعْتِرافِ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ الْمَسْأَلَة»(3).
      2 ـ أن يسعى الداعي إلى تطهير أمواله من كل غصب وظلم، وأن لا يكون طعامه من حرام. عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُسْتَجَابَ دُعاؤُهُ فَلْيَطِبْ مَطْعَمَهُ وَمَكْسَبَهُ»(4).
      3 ـ أن لا يفترق الدعاء عن الجهاد المستمرّ ضدّ كل ألوان الفساد، لأنّ الله لا يستجيب ممن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم): «لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُسَلّطَنَّ اللهُ شَرَارَكُمْ عَلَى خِيَارِكُمْ فَيَدْعُو خِيَارُكُمْ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُمْ»(5).ترك هذه الفريضة الإِلهية (فريضة المراقبة الإِجتماعية) يؤدي إلى خلوّ الساحة الإِجتماعية من الصالحين، وتركها للمفسدين، وعند ذاك لا أثر للدعاء، لأن هذا الوضع الفاسد نتيجة حتمية لأعمال الإِنسان نفسه.
      4 ـ العمل بالمواثيق الإِلهية، الإِيمان والعمل الصالح والأمانة والصلاح من شروط استجابة الدعاء، فمن لم يف بعهده أمام بارئه لا ينبغي أن يتوقع من الله استجابة دعائه.
      جاء رجل إلى أمير المؤمنين علي(عليه السلام)، وشكا له عدم استجابة دعائه، فقال الإِمام:
      «إِنَّ قُلُوبَكُمْ خَانَتْ بِثَمَانِ خِصَال:
      أَوَّلُهَا: إِنَّكُمْ عَرَفْتُمُ اللهَ فَلَمْ تُؤَدُّوا حَقَّهُ كَمَا أَوْجَبَ عَلَيْكُمْ، فَمَا أَغْنَتْ عَنْكُمْ مَعْرِفَتُكُمْ شَيئاً.
      وَالثَانِيَةُ: إِنَّكُمْ آمَنْتُمْ بِرَسُولِهِ ثُمَّ خَالَفْتُمْ سُنَّتَهُ، وَأَمَتُّمْ شَرِيعَتَهُ فَأَيْنَ ثَمَرَةُ إِيَمانِكُمْ؟!
      وَالثَّالِثَةُ: إِنَّكُمْ قَرَأْتُمْ كِتَابَهُ الْمُنْزَلَ عَلَيْكُمْ فَلَمْ تَعْمَلُوا بِهِ، وَقُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ثُمَّ خَالَفْتُمْ!
      وَالرَّابِعَةُ: إنَّكُم قُلتُم تَخَافُونَ مِنَ النَّارِ، وَأنْتُم فِي كُلِّ وَقت تَقدُمُونَ إلَيها بِمَعاصِيكُم فَأينَ خَوفُكُم؟!
      وَالْخَامِسَةُ: إِنَّكُمْ قُلْتُمْ تَرْغَبُونَ في الْجَنَّةِ، وأَنْتُمْ في كُلِّ وَقْت تَفْعَلُونَ مَا يُبَاعِدُكُمْ مِنْها فَأَيْنَ رَغْبَتُكُمْ فِيهَا؟
      وَالسَّادِسَةُ: إِنَّكُمْ أَكَلْتُمْ نِعْمَةَ الْمَوْلى فَلَمْ تَشْكُرُوا عَلَيْهَا!
      وَالسَّابِعَةُ: إِنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِعَداوَةِ الشَّيْطَانِ، وَقَالَ: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُواً)، فَعَادَيْتُمُوهُ بِلاَ قَوْل، وَوَاليَمُوهُ بِلاَ مخَالَفَة.
      وَالثَّامِنَةُ: إِنَّكُمْ جَعَلْتُمْ عُيُوبَ النَّاسِ نَصْبَ أَعْيُنِكُمْ وَعُيْوبَكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ تَلُومُونَ مَنْ أَنْتُمْ أَحَقُّ بِالْلَوْمِ مِنْهُ فَأَيُّ دُعَاء يُسْتَجَابُ لَكُمْ مَعَ هَذا، وَقَدْ سَدَدْتُمْ أَبْوَابَهُ وَطُرُقَهُ؟ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا أَعْمَالَكُمْ وَأَخْلِصُوا سَرَائِرَكُمْ وَأْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَن الْمُنْكَرِ فَيَسْتَجِيبُ اللهُ لَكُمْ دُعَاءَكُمْ»(1).
      هذا الحديث يقول بصراحة: إن وعد الله باستجابة الدعاء وعد مشروط لا مطلق. مشروط بتنفيذ المواثيق الإِلهية، وإن عمل الإِنسان بهذه المواثيق الثمانية المذكورة فله أن يتوقع استجابة الدعاء، وإلاّ فلا.
      العمل بالأُمور الثمانية المذكورة باعتبارها شروطاً لاستجابة الدعاء كاف لتربية الإِنسان ولإستثمار طاقاته على طريق مثمر بنّاء.
      5 ـ من الشروط الاُخرى لاستجابة الدعاء العمل والسعي، عن علي(عليه السلام): «الدَّاعِي بِلاَ عَمَل كَالرَّامِي بِلاَ وَتَر»(2).
      الوتر بحركته يدفع السهم نحو الهدف، وهكذا دور العمل في الدعاء.
      من مجموع شروط الدعاء المذكورة نفهم أن الدعاء لا يغنينا عن التوسل بالعوامل الطبيعية، بل أكثر من ذلك يدفعنا إلى توفير شروط إستجابة الدعاء في أنفسنا، ويحدث بذلك تغييراً كبيراً في حياة الإِنسان وتجديداً لمسيرته، وإصلاحاً لنواقصه.
      أليس من الجهل أن يصف شخص الدعاء بهذا المنظار الإِسلامي أنه مخدّر؟!
      * * *
      المصدر : تفسير الأمثل للمرجع ناصر مكارم الشيرازي

      تعليق


      • #13
        ï´؟وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَï´ [سورة غافر،الآية:60]
        كل من يؤمن بوجود خالق للحياة ومدبر للكون، فإنه يندفع فطريًا للالتجاء لذلك الخالق، سيّما عند الشدائد والملمات، لأنه يؤمن بقدرة هذا الخالق، وهيمنته على كل شيئ في الحياة.
        هذا اندفاع فطري، حتى عند البشر الذين لا يلتزمون بحالة دينية، فإن فطرتهم تدفعهم عند الشدائد للالتجاء إلى القوة المدبرة لهذا الكون، وهذا ما يشير إليه القرآن الكريم يقول تعالى: ï´؟وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُï´[سورة يونس، الآية:12]. وفي آية أخرى يقول تعالى: ï´؟وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَï´[سورة الروم، الآية:33].
        في كل الديانات السماوية احتل الدعاء موقعا رئيسًا من بين العبادات.
        وفي الإسلام نجد الاهتمام البالغ بالدعاء، ويكفي أن الله تعالى يحث عباده عليه ويطلبه منهم: ï´؟وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِيï´ يريد سبحانه من عباده أن يتوجهوا إليه بالدعاء، وبالمقابل: يضمن لهم الاجابة ï´؟أَسْتَجِبْ لَكُمْï´. إضافة إلى كثير من الآيات التي يحث الله تعالى فيها عباده على الدعاء.
        و في الأحاديث نصوص كثيرة تركّز على الدعاء باعتباره من أهم وسائل التواصل بين العبد وربه. ورد عن رسول الله : "الدعاء مخ العبادة" أي جوهرها. وورد عنه : "ترك الدعاء معصية". وعنه : "أفضل العبادة الدعاء" .
        وعن أمير المؤمنين : "أحب الأعمال إلى الله في الأرض الدعاء".
        وعن الإمام الباقر : "ما من شيء أحب إلى الله تعالى من أن يُسأل".
        وورد أنه سئل الإمام الصادق : "ما تقول في رجلين دخلا المسجد جميعًا كان أحدهما أكثر دعاء والآخر أكثر صلاة أيهما أفضل؟ قال : كل حسن. فأعاد السائل: قد علمت ولكن أيهما أفضل؟ فأجب : أكثرهم دعاء. أما تسمع قول الله تعالى ï´؟وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَï´؟ ثم أضاف الإمام: هي العبادة الكبرى . وورد عن رسول الله ومثله عن الإمامين الباقر والصادق : "الدعاء أفضل من قراءة القرآن" .


        نعيش الآن ما تبقى من أيام شهر رمضان وهي من أفضل أيام الدعاء. وفي حديثنا نريد أن نستكشف شيئاً من فلسفة الدعاء في الإسلام. لماذا يريد الله من عبده أن يدعوه ويتقرب إليه بالدعاء؟
        هناك سببان رئيسان:
        الأول: تعزيز العبودية لله تعالى في نفس الإنسان.
        الدعاء يعزّز عبودية الإنسان لربه، ويعزّز في نفسه إيمانه بقدرة ربه وهيمنته على كل شيء، ويستحضر في نفسه الصفات الحسنى لله عز وجل. لأن الإنسان حين يدعو الله فإنه يقرّ بأن الله قدير على إجابة دعوته، وأنه رحيم به. ويذعن بأنه فقير إلى الله ومحتاج إليه.
        الثاني: رفع معنويات الإنسان وثقته بربه.
        حين يدعو الإنسان ربه فهو يعتقد بأن الله تعالى مستعد لتلبية دعائه. ومن تفضل الله تعالى على خلقه أنه ضمن لهم إجابة دعائهم: ï´؟وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَï´[سورة البقرة، الآية:186]. إنه تعهد من الله سبحانه وتعالى بالإجابة، وهذا بلا شك يرفع معنويات العبد.
        ولتقريب الصورة، فلننظر إلى حياتنا ونلحظ علاقاتنا مع بعضنا كيف ترتفع معنوياتنا، وتزيد ثقتنا بمن يبدي استعداده لتلبية مطالبنا؟ فالزوج إذا قال لزوجته: تدلّلي أطلبي، ما تشائين، وأنا مستعد للتلبية، فإنه بلا شك يرفع معنويات زوجته، وستشعر بالعز والفخر. وكذلك الأب حين يدلّل أولاده ويلبي لهم ما يريدون. والحال نفسه في كل علاقة بين بني البشر، فالإنسان يفخر بصديقه ويعتبره أعز صديق إذا كان يجده وقت الضيق، وحاضر معه في كل وقت.
        فكيف إذا كان من يدلّلك أيها العبد، ويقول لك أطلب ما تتمنى وأنا أجيب، هو الله سبحانه وتعالى الذي بيده كل شيء؟ إنه ينادي يا عبادي ماذا تريدون؟ أطلبوا كل ما تتمنونه في هذه الدنيا وفي الآخرة، وعليّ الإجابة والتلبية: ï´؟ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْï´. دعاء العبد لربه جوهر العبادة، والله تعالى لا يريد من عباده أن يتكبروا عليه بالعزوف عن دعائه: ï´؟إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَï´.
        ليس هناك حد ولا سقف للمطالب، يمكن للعبد أن يطلب من ربه ما يريد، هناك أفق مفتوح بين العبد وربه، يطلب منه كل شيء، من أتفه الأمور إلى أعظمها في نظر الإنسان. قد يتردد الإنسان أن يطلب شيئًا صغيرًا من شخص وجيه، ويرجئ الطلب منه لشيئ أكبر، ولكن مع الله تعالى فالأمر يختلف تمامًا. يحب الله من عباده أن يطلبوا منه كل شيء، مهما كان هذا الطلب، ورد عن رسول الله : "ليسأل أحدكم ربه حاجته حتى يسأل الملح وحتى يسأله شسع نعله إذا انقطع".
        وهذا بالطبع لا يعني أن يعيش الإنسان بالتمني، وكل شيئ يصل إليه دون ان يبذل جهداً، إنما يسعى ويطلب من الله كل شيء، وكم من أمر يحسبه الإنسان عسيرًا فيقضى له بالدعاء، وكم من أمر يسير ـ كما يحسبه الإنسان ـ ويعزف عن الدعاء لأجله، فيتعسر عليه الأمر. ورد عن الإمام الباقر : (لا تحقروا صغيرًا من حوائجكم فإن أحب المؤمنين إلى الله تعالى أسألهم) . حينما يكثر دعاؤك لله تعالى، فإن تواصلك مع الله يكون أكثر، وثقتك به تكون أكبر.


        إذا كان الأمر كذلك فلماذا يتوانى الإنسان عن الدعاء؟
        الدعاء ليس حالة بروتوكولية، بأن يمسك الإنسان الكتاب ويتوجه للقبلة، ويجمل صوته. نعم، هذه الأمور وغيرها كالوضوء مطلوبة، لكن بشكل عام هناك خط مفتوح لمخاطبة الله تعالى، في أي وقت ولأي شيء، ورد عن النبي : (إن أعجز الناس من عجز عن الدعاء) . في بعض الأحيان يرى الإنسان أن الأمر قد انتهى، فما عاد يجدي الدعاء، ولكن النصوص تشير إلى أهمية استمرار الدعاء، فلعلّ الله يوجد فرجًا ومخرجًا، أو يعطيك أمرًا آخرًا، ورد عن الإمام الصادق : " ادع الله عز وجل ولا تقل إن الأمر قد فرغ منه، إن عند الله منزلة لا تنال إلا بمسألة" . وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : "كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو".
        فلماذا يبخل العبد على نفسه وعنده مثل هذا المجال المفتوح مع ربه؟
        لهذا أدعو نفسي وأخواني إلى استثمار هذا الشهر الكريم، ليس فقط ليلة القدر وأياماً معينة، بل أن نأخذ هذا النهج مع الله، لننفتح أكثر على ربنا، ونطلب منه كل شيء لأمور الدنيا والآخرة، لنا ولغيرنا. ولنثق بأن دعواتنا غير ضائعة عند خالقنا، والمتفضل علينا. فكما تشير النصوص الكثيرة إلى أن الإنسان إذا دعا ربه فلا يخلوا الأمر من ثلاث:
        ـ إما أن يجيب له ما طلب.
        ـ أو يعطيه ما هو خير منه في الدنيا أو الآخرة.
        ـ أو يدفع الله عنه بلاء وسوءًا.
        ورد عن رسول الله أنه قال: (ما من مؤمن يدعو بدعوة إلا استجيب له فإن لم يعطها في الدنيا أعطيها في الآخرة).
        وروى أبو سعيد الخدري عن رسول الله أنه قال: (ما من مسلم دعا الله سبحانه دعوة ليس فيها قطيعة رحم ولا إثم إلا أعطاه الله أحد خصال ثلاثة: إما أن يعجل دعوته، وإما أن يدخر له، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها، قالوا يا رسول الله، إذن نكثر؟ قال: أكثروا) .
        ورد عن الإمام زين العابدين أنه قال: (المؤمن من دعائه على ثلاث: إما أن يدخر له، وإما أن يعجل له، وإما أن يدفع عنه بلاء يريد أن يصيبه) .
        فهناك سر عظيم وراء فلسفة الدعاء، يمكن اكتشافه من خلال معرفة ما نتعلمه من الدعاء، الذي هو ليس كلام انشائي او لقلقة لسان ابدا، وانما هو معارف عظيمة اذا ما تانى المرء في قراءتها والتدبر فيها.


        ان الدعاء منظومة متكاملة بادوات راقية يعلمنا:


        *التواضع، فالذي يدعو ربه متواضعا له سبحانه، لا يتكبر على احد من عباده، ولذلك ربط الله تعالى حالات الاستكبار والتكبر التي تصيب الانسان بحالة تمرده على الدعاء، فقال تعالى {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} والعبادة هو الدعاء عن الكاظم (ع).


        *الاستقلالية، فالذي يثق بربه وان قدرته بين الكاف والنون لن يكون تبعا لاحد من اجل شيء ما، يقول امير المؤمنين عليه السلام في وصيته الى ابنه الامام الحسن المجتبى (ع) {وَاعْلَمْ، أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ خَزَائِنُ السَّموَاتِ وَالاْرْضِ قَدْ أَذِنَ لَكَ فِي الدُّعَاءِ، وَتَكفَّلَ لَكَ بِالاْجَابَةِ،أَمَرَكَ أَنْ تَسْأَلَهُ لِيُعْطِيَكَ، وَتَسْتَرْحِمَهُ لِيَرْحَمَكَ، وَلَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ مَنْ يَحْجُبُكَ عَنْهُ، وَلَمْ يُلْجِئْكَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكَ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَمْنَعْكَ إِنْ أَسَأْتَ مِنَ التَّوْبَةِ، وَلَمْ يُعَاجِلْكَ بَالنِّقْمَةِ، وَلَمْ يُعَيِّرْكَ بِالاْنَابَةِ، وَلَمْ يَفْضَحْكَ حَيْثُ الْفَضِيحَةُ بِكَ أَوْلَى، وَلَمْ يُشدِّدْ عَلَيْكَ فِي قَبُولِ الاْنَابَةِ، وَلَمْ يُنَاقِشْكَ بِالْجَرِيمَةِ، وَلَمْ يُؤْيِسْكَ مِنَ الرَّحْمَةِ، بَلْ جَعَلَ نُزُوعَكَ عَنِ الذَّنْبِ حَسَنةً، وَحَسَبَ سَيِّئَتَكَ وَاحِدَةً، وَحَسَبَ حَسَنَتَكَ عَشْراً، وَفَتحَ لَكَ بَابَ الْمَتَابِ، فَإِذَا نَادَيْتَهُ سَمِعَ نِدَاك، وَإِذَا نَاجَيْتَهُ عَلِمَ نَجْوَاكَ} فهل ان من يدعو مثل هذا الرب يذل نفسه لغيره عز وجل؟ الا ان يكون سفيها، ولذلك فان الداعي عزيز بربه وباسمائه الحسنى، والى هذا المعنى اشار سيد الشهداء الحسين بن علي (ع) بقوله {هيهات منا الذلة يابى الله لنا ذلك}.


        *التوكل ورفض التواكل، وان التوكل هو مفتاح النجاح، اما التواكل فهو اس كل فشل، ولذلك قال امير المؤمنين (ع) {الدعاء مفاتيح النجاح، ومقاليد الفلاح} وقوله {الدعاء مقاليد الفلاح ومصابيح النجاح} فالدعاء يهيئ كل فرص النجاح للمرء، وان من يظن ان الدعاء يعني ان تجلس في بيتك وتنتظر الفرج او فرص النجاح لتاتي اليك فانه على خطأ، بل العكس هو الصحيح، فمن يتسلح بالدعاء يمتطي التوكل.


        *العمل ورفض الكسل، فالدعاء يعطي للانسان طاقة متجددة للحركة والنشاط، مثله كمثل الوقود في السيارة، فهو ايذان للانطلاق والحركة وليس للتوقف والجمود، ولقد قال امير المؤمنين (ع) {احب الاعمال الى الله في الارض الدعاء} وقول رسول الله (ص) {ان اعجز الناس من عجز عن الدعاء} لان من لا يقدر على الدعاء كيف يقدر على العمل؟ ولذلك قال الكاظم (ع) {الدعاء ترس المؤمن} فهو لساحة الجد والعمل.


        *التفكير والتفكر، ولذلك وصفه رسول الله (ص) بقوله {الدعاء مخ العبادة} فكل عبادة لا تعتمد الدعاء ستكون لقلقة لسان او ترداد لكلمات غير ذي معنى، لان المعاني السامية في الدعاء تحث المرء على التفكير والتفكر، سواء في خلق الله تعالى او في امور الحياة وفيما ينتظره في الحياة الاخرة كون {الدنيا مزرعة الاخرة} كما ورد في الحديث الشريف.


        *الايمان والثقة بالله تعالى، لان الانسان الذي يدعو الله تعالى كثيرا يكون الاقرب اليه، ومن كان قريبا من الله ابتعد عنه الشيطان، ولهذا قال امير المؤمنين (ع) {اكثر من الدعاء تسلم من سورة الشيطان} فالشيطان لا يدخل قلبا عامرا بالايمان الذي يزرعه الدعاء، فبه يزداد يقينا بربه، وبه يزداد ثقة بنفسه.


        *الامل، فالدعاء يذكرك بانه ما من شيء غير قابل للتغيير، ما يطرد عنك الياس بكل اشكاله، والى هذا المعنى قال الصادق (ع) {لا تقل ان الامر قد فرغ منه، ان عند الله منزلة لا تنال الا بمسألة} وعنه (ع) في قول آخر {ادع الله عز وجل ولا تقل: ان الامر قد فرغ منه} قال زرارة؛ انما يعني: لا يمنعك ايمانك بالقضاء والقدر ان تبالغ بالدعاء وتجتهد فيه، وصدق امير المؤمنين (ع) الذي لخص فلسفة الامل والرجاء في قوله {مَا كَانَ اللهُ لِيَفْتَحَ عَلَى عَبْد بَابَ الشُّكْرِ وَيُغْلِقَ عَنْهُ بَابَ الزِّيَادَةِ، وَلاَ لِيَفْتَحَ عَلَى عَبْد بَابَ الدُّعَاءِ وَيُغْلِقَ عَنْهُ بَابَ الاْجَابَةِ، وَلاَ لِيَفْتَحَ عَلَى عَبْد بَابَ التَّوْبَةِ وَيُغْلِقَ عَنْهُ بَابَ الْمَغْفِرَة}.


        *النجاح وسبله وطرقه، لان من يناجي ربه في كل آن يفتح الله له ابواب رحمته فيبصره طريقه ولذلك فليس غريبا ابدا ان يصف الامام الصادق (ع) امير المؤمنين (ع) بقوله {كان امير المؤمنين رجل دعاء} فعلى الرغم من قربه عليه السلام من ربه، الا انه ظل يدعوه تضرعا وخيفة وحين الجهر، ولذلك سدده الله تعالى وبصره طرق المعرفة والنجاح حتى قال (ع) {علمني رسول الله الف باب من العلم يفتح من كل باب الف باب} فكان {علي مع الحق والحق مع علي، لا يفترقان حتى يردا علي الحوض}.


        *العلم والمعرفة، فالدعاء، وهو حديث العبد مع ربه عز وجل، يلهم المرء بصائر ومعارف ما كان ليكسبها بغيره، فلقد ورد عن امير المؤمنين (ع) قوله {اعلم الناس بالله سبحانه اكثرهم له مسالة}.


        *التواضع، فكلما تذكر العبد ربه في الدعاء كلما رفعه الله تعالى درجة تواضع بقدرها في الناس، والمتكبر هو الذي لا يذكر ربه، فكيف يذكر عباده؟ ولا يتواضع لربه، لانه يرى نفسه مستغنيا عنه، فكيف يتواضع لعباده؟ والمتكبر هو الذي انساه الله تعالى نفسه لانه نسيه كما ذكرت الاية الكريمة {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.


        *الرقابة الذاتية ومحاسبة الذات، لان الدعاء عنصر اساسي في تصحيح الاخطاء واعادة النظر في الذنوب التي يرتكبها المرء، ولذلك، فكلما دعا المرء ربه كلما سعى لتصحيح مساراته الحياتية لتكون على الصراط المستقيم، ولذلك، قال امير المؤمنين (ع) لقائل قال بحضرته: استغفر الله {ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، أَتَدْرِي مَا الاْسْتِغْفَارُ؟ إنَّ الاْسْتِغْفَارَ دَرَجَةُ الْعِلِّيِّينَ، وَهُوَ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى سِتَّةِ مَعَان: أَوَّلُهَا: النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى وَالثَّانِي: الْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ الْعَوْدِ إِلَيْهِ أَبَداً وَالثَّالِثُ: أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى الْـمَخْلُوقِينَ حُقُوقَهُمْ حَتَّى تَلْقَى اللهَ عزّوجلّ أَمْلَسَ لَيْسَ عَلَيْكَ تَبِعَةٌ وَالرَّابِعُ: أَنْ تَعْمِدَ إِلَى كُلِّ فَرِيضَة عَلَيْكَ ضَيَّعْتَهَا فَتُؤَدِّيَ حَقَّهَا وَالْخَامِسُ: أَنْ تَعْمِدَ إِلَى اللَّحْمِ الَّذِي نَبَتَ عَلَى السُّحْتِ فَتُذِيبَهُ بالاْحْزَانِ، حَتَّى يَلْصِقَ الْجِلْدُ بِالْعَظْمِ، وَيَنْشَأَ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ جَدِيدٌ وَالسَّادِسُ: أَنْ تُذِيقَ الْجِسْمَ أَلَمَ الطَّاعَةِ كَمَا أَذَقْتَهُ حَلاَوَةَ الْمَعْصِيَةِ، فَعِنْدَ ذلِكَ تَقُولُ: أَسْتَغْفِرُاللهَ}.


        *القوة، فالدعاء يمنح المرء قوة وشجاعة وعزيمة، فهو سلاحه في الحياة، ولذلك وصفه رسول الله (ص) بالسلاح بقوله {الا ادلكم على سلاح ينجيكم من اعدائكم ويدر ارزاقكم؟ قالوا: بلا يا رسول الله، قال: تدعون ربكم بالليل والنهار، فان سلاح المؤمن الدعاء} وقول امير المؤمنين (ع) {نعم السلاح الدعاء}.


        *الوفاء، فمن يواضب على الدعاء يكون وفيا مع القيم التي يذكرها على لسانه ويتفاعل معها قلبه، كالصدق والامانة والشجاعة وحسن الظن والعدل والانصاف والعلم والمعرفة وغيرها.


        *استصغار اعاظم الامور، فالذي يدعو ربه، وهو على يقين بانه قادر على ان يعطيه مهما عظم الامر في عينيه، سيستصغرها وبالتالي سيتعامل مع امور الحياة ببساطة ويسر، فلا يستعظم الامور ولا يعقدها، وبالتالي سيكون الاقدر عليها من خلا ل حسن التعامل معها، وان الذي يرشده الى ذلك الدعاء.


        * واخيرا، ضد الغفلة، فالدعاء، الذي يحتم على المرء ان يستحضر قلبه، لا يغفل عن ربه وعن مجتمعه وعن ممن حوله من الناس، فتراه دقيقا وحذرا في كلامه وفي عمله وفي سلوكياته، لا يتجاوز على احد، ولا يعتدي على احد، لا بقول ولا بفعل، ولنتذكر حديث رسول الله (ص) {ترك الدعاء معصية}.


        ==============================

        اللهم صل على محمدوآل محمد

        جزيل الشكر والإمتنان للأخ أبو محمد على هذا البيان الرائع

        الذي تناول أبعاد الدعاء من مختلف الجوانب

        أحسنت أبا محمد فلم تترك شاردة أو واردة إلى ونقلتها هنا

        بارك الله جهودك الطيبة
        يا أرحم الراحمين

        تعليق


        • #14
          اللهم صل على محمد وال محمد

          لا نستغرب ابداع الاخت ام سارة وذوقها في اختيار كل ما هو رائع وراقي ومفيد

          ولا نستغرب ايضا ابداع كاتبنا المتميز الاخ صادق مهدي وروعة بيانه

          ولكن نبقى نحن في حيرة كيف لنا ان نجاري هذا الابداع؟

          وكيف لنا ان نعطي الموضوع حقه من الروعة؟

          اعذروني ان قصرت في ما اكتب لكم:

          ما إن يسدل الليل أستاره حتى تدور دورة الحياة الرمضانية فالأجواء العبادية الخاصة وتراتيل القرآن التي تخترق قلوبنا قبل أسماعنا مثل:

          (دعاء الافتتاح، ودعاء أبي حمزة الثمالي، ودعاء البهاء، وغيرها من الأدعية).

          في شهر رمضان تترقرق دموع المذنبين لتغسل جراحاتهم التي لم تندمل والتي طالما حاولوا تضميدها

          وهي تجول بخاطرهم تلملم بقايا الأمان الذي افترشوه في ساعات غفلاتهم ناسين أو متناسين الحساب والعقاب..

          فيأتي شهر رمضان يحمل في يمينه الخير والبركات والفيوضات القدسية وفي يساره الفضيلة والعبادة والتقرب للخالق..

          يأتي مرتدياً جلباب المغفرة والرحمة.. إلهي خاب الوافدون على غيرك.. إلهي طموح الآمال قد خابت إلاّ لديك..

          فلنجعل شهر رمضان مملوءاً بأعمالنا الدينية والقرآنية بدل أن نملأه بوصفات الأكلات والطبخ والحلويات..

          لنخرج من إطار المطبخ قليلاً ولننظر إلى عبرة شهر رمضان من منظار آخر برؤية جديدة يستحقها هذا الشهر العظيم.

          تعليق


          • #15
            اللهم صل على محمد وال محمد

            شهر رمضان يزهو بفضائله على سائر الشهور، فهو شهر الصبر والمصابرة

            والجهاد والمجاهدة، وهو يرمض الذنوب ويحرقها فلا يُبقي لها أثرًا

            وفيه تكتحل أعين العابدين بالسهر لنيل خيره، والظفر بجزيل ثواب أيامه وقيامه

            يتضرعون إلى الله فيه؛ لأن أبواب الرحمة فيه مفتوحة، والشياطين ومردة الجن مصفدة

            و
            كل خير فيه مضاعف

            واذا رجعنا لخطبة الرسول الاكرم صلى الله عليه واله:

            فسلوا الله ربّكم بنيّات صادقة ، وقلوب طاهرة أن يوفّقكم لصيامه

            وتلاوة كتابه ، فانَّ الشقيَّ من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم

            فهو مدرسة تربوية

            وأشبه بالمعسكر الكشفي يربّى فيه الانسان منعزلاً عن كثير من الماديات

            بحيث يكون ارتباطه فيها قليل جداً، فانّ من نريد انقطاعه

            عن الماديات لابد أن نغذّيه بالمعنويات والروحانيات والعلوم وإلاّ تلقّفه الشيطان فكان من الغاوين

            قال رسول الله صلى الله عليه وآله و صحبه وسلم : * إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرّضوا لها

            وهاهي النفحات قد عطرت ايامنا وليالينا لنكون بضيافة البر الكريم


            فكم هو كريم ربنا ليضاعف لنا بجوده وكرمه عطاءنا القليل والمشوب بانواع الشوائب من الرياء والعجب والكبر وووو

            فنسال الله ان يكون شهرنا هذا من خير الشهور وساعاته من خير الساعات ونكون قد امنا فيه ارصدتنا بخير زاد

            ليوم لاينفع مال ولابنون الامن اتى الله بقلب سليم ....


            وشكري لردود كل الكرام اختي الغالية (خادمة الحوراء زينب)

            والاستاذ الفاضل الكريم (ابومحمد الذهبي )


            والراقية ومشرفتنا المبدعة (مديرة تحرير رياض الزهراء)


            واخيرا
            واولاً اخي المعطاء وكاتب محورنا المتالق (صادق مهدي حسن )


            شاكرة تواصلكم المبارك مع الكل فالمحور محوركم والمنتدى منتداكم


            والبرنامج منكم واليكم فدمتم للخيرات اهلا.....


















            تعليق


            • #16
              المشاركة الأصلية بواسطة مديرة تحرير رياض الزهراء مشاهدة المشاركة
              اللهم صل على محمد وال محمد

              لا نستغرب ابداع الاخت ام سارة وذوقها في اختيار كل ما هو رائع وراقي ومفيد

              ولا نستغرب ايضا ابداع كاتبنا المتميز الاخ صادق مهدي وروعة بيانه

              ولكن نبقى نحن في حيرة كيف لنا ان نجاري هذا الابداع؟

              وكيف لنا ان نعطي الموضوع حقه من الروعة؟

              اعذروني ان قصرت في ما اكتب لكم:

              ما إن يسدل الليل أستاره حتى تدور دورة الحياة الرمضانية فالأجواء العبادية الخاصة وتراتيل القرآن التي تخترق قلوبنا قبل أسماعنا مثل:

              (دعاء الافتتاح، ودعاء أبي حمزة الثمالي، ودعاء البهاء، وغيرها من الأدعية).

              في شهر رمضان تترقرق دموع المذنبين لتغسل جراحاتهم التي لم تندمل والتي طالما حاولوا تضميدها

              وهي تجول بخاطرهم تلملم بقايا الأمان الذي افترشوه في ساعات غفلاتهم ناسين أو متناسين الحساب والعقاب..

              فيأتي شهر رمضان يحمل في يمينه الخير والبركات والفيوضات القدسية وفي يساره الفضيلة والعبادة والتقرب للخالق..

              يأتي مرتدياً جلباب المغفرة والرحمة.. إلهي خاب الوافدون على غيرك.. إلهي طموح الآمال قد خابت إلاّ لديك..

              فلنجعل شهر رمضان مملوءاً بأعمالنا الدينية والقرآنية بدل أن نملأه بوصفات الأكلات والطبخ والحلويات..

              لنخرج من إطار المطبخ قليلاً ولننظر إلى عبرة شهر رمضان من منظار آخر برؤية جديدة يستحقها هذا الشهر العظيم.

              اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم

              جزيل الإمتنان والتقديرة لأختنا المبدعة (مديرة تحرير رياض الزهراء)

              وهي تنثر ددر الكلم على محورنا المتواضع ...

              وما أروع ما ذكرتم هنا من تعبير (جلباب المغفرة) ..

              وهذه من أعظم النعم في هذا الشهر المبارك ...

              وكمال قال نبينا الكريم (صلى الله علييه وآله وسلم ) : ((إن لشقي من حرم غفران الله العظيم))

              دمتم بخير وشكرا لأريج مروركم
              يا أرحم الراحمين

              تعليق


              • #17
                اللهم صل على محمد وال محمد

                ونعود لنوضح واقول

                لو سئل سائل لماذا تعددت اوقات الادعية ...؟؟؟؟؟

                والاجابة :

                لإعطاء فرصة لكافة شرائح المجتمع، إذ بعض الناس عمله في النهار

                فلا يستطيع التفرغ للدعاء وبعضهم عكس ذلك وبعضهم

                يفوته موعد بعض الأدعية فيمكنه تعويضها بالليل اوالنهار اوسحرا

                او ان يكون بكل اوقاته مع الله ويستشعر القرب منه ...

                أَللّهُمَّ أَدْخِلْ عَلَىظ° أَهْلِ الْقُبُورِ ظ±لسُّرُورَ، أَللّهُمَّ أَغْنِ كُلَّ فَقِيرٍ، أَللّهُمَّ أَشْبِعْ كُلَّ جَائِعٍ، أَللّهُمَّ ظ±كْسُ كُلَّ عُرْيَانٍ،

                أَللّهُمَّ ظ±قْضِ دَيْنَ كُلِّ مَدِينٍ، أَللّهُمَّ فَرِّجْ عَنْ كُلِّ مَكْرُوبٍ، أَللّهُمَّ رُدَّ كُلَّ غَرِيبٍ، أَللّهُمَّ فُكَّ كُلَّ أَسِيرٍ، أَللّهُمَّ أَصْلِحْ

                كُلَّ فَاسِدٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، أَللّهُمَّ ظ±شْفِ كُلَّ مَرِيضٍ، أَللّهُمَّ سُدَّ فَقْرَنَا بِغِنَاكَ، أَللّهُمَّ غَيِّر سُوءَ حَالِنَا بِحُسْنِ حَالِكَ،

                أَللّهُمَّ ظ±قْضِ عَنَّا ظ±لدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ، إِنَّكَ عَلَىظ° كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ


                فكان الانسان هنا رغم انه حي ولكنه يذكر الاموات ويدعوا لهم وكذلك للفقراء ولكل من لههم وغم اشغله وارق فكرة

                او مريض طال به المرض او قصُر وبعدها يدعو الانسان لنفسه

                وفي ذلك حكمة غير خافية لتهذيب النفس بان الاخر اولا ثم انا

                وبان الانسان يجب ان يستشعر ويشُعر نفسه بحاجة الاخرين لدعاءه وعمله وعطاءه

                وهذا هو اسلامنا الاجمل والاكمل في كل شيء

                وطبعا هناك من الادعية النهارية كثير جدا ومنها
                (ادعية الايام والساعات ،والتسبيحات النهارية ودعاء ياعلي ياعظيم

                ودعاء اللهم ارزقني حج بيتك الحرام،وغيرها كثير ....)



                اما عن
                ((دعاء الافتتاح ))فنقرأ

                فَلَمْ اَرَ مَوْلاً كَريماً اَصْبَرَ عَلى عَبْد لَئيم مِنْكَ عَلَيَّ يا رَبِّ، اِنَّكَ تَدْعُوني فَاُوَلّي عَنْكَ، وَتَتَحَبَّبُ اِلَيَّ فَاَتَبَغَّضُ اِلَيْكَ، وَتَتَوَدَّدُ اِلَىَّ فَلا اَقْبَلُ مِنْكَ،كَاَنَّ لِيَ التَّطَوُّلَ عَلَيْكَ، فَلَمْ يَمْنَعْكَ ذلِكَ مِنَ الرَّحْمَةِ لي، وَالاِْحْسانِ اِلَىَّ، وَالتَّفَضُّلِ عَلَيَّ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ،

                فَارْحَمْ عَبْدَكَ الْجاهِلَ وَجُدْ عَلَيْهِ بِفَضْلِ اِحْسانِكَ اِنَّكَ جَوادٌ كَريمٌ



                والذي يصف فيه كرم الله مع ان العبد لايصعد الى ربه جل وعلا الا ماهو مليءٌ بالجهل والتقصير ....

                الى ان يصل ليختم بالدعاء للمصلح الاعظم والامل المنتظر (ارواحنا لتراب مقدمه الفداء )


                اَللّـهُمَّ اِنّا نَرْغَبُ اِلَيْكَ في دَوْلَة كَريمَة تُعِزُّ بِهَا الاِْسْلامَ وَاَهْلَهُ، وَتُذِلُّ بِهَا النِّفاقَ وَاَهْلَهُ،

                وَتَجْعَلُنا فيها مِنَ الدُّعاةِ اِلى طاعَتِكَ، وَالْقادَةِ اِلى سَبيلِكَ



                فما اجمله من امل وعمل يخُتم بحب محمد وال محمد وبالانتظار للانضواء تحت لوائهم الارقى

                اللهم عجل لوليك الفرج واجعل فرجنا بفرجه انك ارحم الراحمين ..



















                تعليق


                • #18
                  اللهم صل على محمد وال محمد
                  السلام عليكم
                  شهر رمضان شهر الطاعات والقربات
                  هنيئا لمن كتب له العتق من النيران وحاز الفرحة بالفوز بالجنان والغفران
                  نسال الله لكم التوفيق في هذا العمل واعمالكم جميعا
                  تقبلوا مروري المتواضع
                  ولا ادري كيف يمكنني ان اطاول عظيم ماتقدمون هنا
                  لكن ادعو الله دوما الى تسديدكم الى رضاه
                  ورد وسلام

                  تعليق


                  • #19
                    اثر الطاعه والعباده يمثل العلاقه المتينه بين العبد ومولاه ويحصل له الارتقاء الى ان يصل الى الدرجات العاليه والسعاده الابديه واظهر مصداق لذلك هو الصلاه والدعاء فالعبد يمثل العبوديه بهما وبذلك يصل الى ساحه رحمته وقرب جواره ونيل كرامته العبوديه جوهره كنهها الربوبيه )عن النبي صلى الله عليه واله (ما من داع دعا للمؤمنين الا رد الله عليه بمثل الدعاء الذي دعا لهم به من كل مؤمن ومؤمنه من اول الدهر وهو ات الى يوم القيامه وان العبد ليؤمر به الى النار فيقول المؤمنون والمؤمنات :يا رب هذا الذي كان يدعو لنا فيشفعهم الله فينجو ....احسنتم اختنا الغاليه ام ساره على اختياركم لهذا المحور ونشكر كاتب هذا المحور الاخ صادق ....اسأل الله تعالى يوفقكم ويسدد خطاكم

                    تعليق


                    • #20
                      المشاركة الأصلية بواسطة نور شعاع الشمس مشاهدة المشاركة
                      اللهم صل على محمد وال محمد
                      السلام عليكم
                      شهر رمضان شهر الطاعات والقربات
                      هنيئا لمن كتب له العتق من النيران وحاز الفرحة بالفوز بالجنان والغفران
                      نسال الله لكم التوفيق في هذا العمل واعمالكم جميعا
                      تقبلوا مروري المتواضع
                      ولا ادري كيف يمكنني ان اطاول عظيم ماتقدمون هنا
                      لكن ادعو الله دوما الى تسديدكم الى رضاه
                      ورد وسلام
                      المشاركة الأصلية بواسطة ام التقى مشاهدة المشاركة
                      اثر الطاعه والعباده يمثل العلاقه المتينه بين العبد ومولاه ويحصل له الارتقاء الى ان يصل الى الدرجات العاليه والسعاده الابديه واظهر مصداق لذلك هو الصلاه والدعاء فالعبد يمثل العبوديه بهما وبذلك يصل الى ساحه رحمته وقرب جواره ونيل كرامته العبوديه جوهره كنهها الربوبيه )عن النبي صلى الله عليه واله (ما من داع دعا للمؤمنين الا رد الله عليه بمثل الدعاء الذي دعا لهم به من كل مؤمن ومؤمنه من اول الدهر وهو ات الى يوم القيامه وان العبد ليؤمر به الى النار فيقول المؤمنون والمؤمنات :يا رب هذا الذي كان يدعو لنا فيشفعهم الله فينجو ....احسنتم اختنا الغاليه ام ساره على اختياركم لهذا المحور ونشكر كاتب هذا المحور الاخ صادق ....اسأل الله تعالى يوفقكم ويسدد خطاكم
                      اللهم صل على محمد وال محمد


                      عليكم السلام ورحمة الله وبركاته


                      اهلا وسهلا بالعزيزة الراقية والتي تمر على محورنا للمرة الاولى على مااتذكر (نور شعاع الشمس )


                      والتربوية الواعية اختي (ام التقى )


                      وكل الشكر لمروركن الكريم واضيف علىماذكرتم من كلمات نورانية


                      عن أبي محمد الحسن الزكي حين يقول:
                      ( إنَّ اللّهَ جَعَلَ شَهْرَ رَمَضانَ مِضْمارا لِخَلْقِهِ، فَيَسْتَبِقُونَ فيهِ بِطاعَتِهِ إِلى مَرْضاتِهِ، فَسَبَقَ قَوْمٌ فَفَازُوا، وَقَصَّر آخَرُونَ فَخابُوا)
                      وقال تعالى :


                      {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }النمل 62

                      وقال الله تعالى:
                      {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }غافر60

                      فلنا يقين ببركة شهرنا وبارئنا جل وعلا

                      بانه رحيم كريم عطوف غفور ...

                      وقد فتح لنا اكبر ابواب رحمته وهو باب الدعاء وسلحنا به على اعدائنا وعلى انفسنا ايضا

                      وان اردنا ان نذكر الادعية بهذا المضمار فسيطول الوقوف بها

                      لكن اكيد كلنا تزودنا من نميرها العذب ومن جودها الرقراق


                      والاروع هو دعاء ابي حمزة الثمالي للامام السجاد زين العابدين (عليه السلام )

                      حيث يقول :

                      فوعزتك لو انتهرتني ما برحت من بابك ، ولا كففت عن تملقك ،
                      لما الهم قلبي يا سيدي من المعرفة بكرمك ، وسعة رحمتك ، إلى من يذهب العبد إلا إلى مولاه ، وإلى من يلتجئ
                      المخلوق إلا إلى خالقه . إلهي لو قرنتني بالأصفاد ، ومنعتني سيبك من بين الأشهاد ، ودللت على فضائحي عيون العباد


                      وكل فقرة من هذاالدعاء فيها من الكنوز ما تملا الافاق نوراً وفكراً وروحانيةً....

                      ونسالكم الدعاء




















                      تعليق

                      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                      حفظ-تلقائي
                      Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
                      x
                      يعمل...
                      X