إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الامام الحسين مصباح هدى و سفينة النجاة

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #11
    ماذا نستلهم من شهادة الحسينعليه‌السلام ؟

    فإذا كانت الشهادات أوسمة رفيعة على صدور أصحابها، يعلوها جميعاً وسام الإمام الحسين الأوّل، ترى ما الذي نستفيده ونستلهمه ونستوحيه من معانيها؟

    إنّ مَن رام في حياته تحقيق أهداف سامية، وبلوغ نتائج عظيمة لا بدّ له من بذل الجهود، وترويض النفس على الإيمان كي تتهيّأ بذلك مقدمات بمستوى تلك الأهداف والنتائج السامية؛ فمن رام بلوغ القمم السامقة لا بدّ أن يوجد في نفسه العزيمة والحيوية الكافيتين، وبدون ذلك لا يمكن تحقيق النتائج العظمى.

    ٣١



    والذي اُريد تأكيده هنا فيما يتعلق بنا - نحن المسلمين - في جميع أنحاء العالم، هو إننا لا ينبغي أن نركز ونؤكّد فقط على تلك اللحظات الأخيرة من حياة سيد الشهداءعليه‌السلام ؛ فعلينا اليوم أن نفهم وندرك معاني حركة الإمام الحسينعليه‌السلام ، وحياته وأهدافه، ونعي معها تلك البصائر التي وضع ورسم خطوطها أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام بدمه وجهاده ورسالته الثوريّة، فلا بدّ لنا من التركيز على هذه البصائر وامتداداتها وأبعادها الواسعة.

    فنحن حينما نسأل الله وندعوه أن يرزقنا حسن العاقبة، ويوفقنا إلى عاقبة كعاقبة الحسينعليه‌السلام ، فعلينا أن نهتم بالبداية الحسنة، والبادرة الطيبة؛ وإلاّ فإنّ الهدف ليس سهل المنال كما قد يتصور أحياناً.

    تربية الجيل الحسيني

    وبمعنى آخر: إذا أردنا أن نبني مجتمعاً حسيني السمة والمنهج والمسيرة، ويتحدى الظلم، ويقارع الإرهاب، ويقاوم الاستبداد، ويقف متحدّياً كلّ المؤامرات والدسائس الاستعمارية، فليس لنا طريق إلى ذلك غير أن ننشأ ونربّي جيلاً حسينياً من كل جوانبه، متسلحاً بمبادئ الرسالة والثقافة الحسينيّة، ومستلهماً منها؛ فثقافة الحسينعليه‌السلام هي ثقافة القرآن أيضاً، وثقافة أبيه وجده (صلوات الله عليهما)، وهي تجسيد حي للثقافة التي تضمنها نهج الجهاد والرسالة والحياة.

    ونحن اليوم إذا وجدنا أنّ هناك في بلد ما نظاماً طاغوتياً متسلّطاً، فلنعلم أنّ من المحال أن يكون هذا البلد قرآنياً، فلا بدّ أن تكون قد حدثت قطيعة بين شعب هذا البلد وبين القرآن الذي تراه مصفوفاً على الرفوف، يرقد عليه الغبار والتراب.

    وهذا الواقع المأساوي

    ٣٢



    المرفوض ليس ببعيد عنا، أفلا يكفي أن يكون القرآن في متناول أيدينا وأسماعنا ثمّ بعد ذلك كله تجد ثقافاتنا بعيدة كل البعد عن ثقافة القرآن؟ أفلا عدنا من جديد إلى ألف باء الإسلام، وإلى تلاوة جزء عمّ وتبارك؟ فالذي يقود حركة الشعوب ونهضتها نحو التحرر والاستقلال والكرامة هو البصائر والرؤى والثقافات التاريخيّة العريقة التي بنت أمجاد الأمم والتي لا نراها غير البصائر والثقافات القرآنية.

    بعد هذا كلّه دعونا نعود إلى البداية وننطلق منها ثانية، هلموا بنا نربي وننشأ أجيالنا وأطفالنا على تلك الرؤى والبصائر القرآنية؛ على نهج النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيتهعليهم‌السلام ، وما رسموه لنا من خطوط في العمل والمواقف والسياسات.

    إذاً لا بدّ لنا من أن ننهض نهضة قرآنية حسينيّة حقيقية تتجسد في واقع حياتنا المعاش، فعندما نتلو القرآن يجب أن نتلوه تلك التلاوة التي تحوّله إلى جزء من حياتنا وواقعنا. فهذا هو كله ما يجب أن نتّخذه محوراً في حياتنا كمسلمين حقيقيين، ومؤمنين رساليين، وبذلك تتحول مجتمعاتنا إلى مجتمعات حسينيّة.

    الشعارات وحدها لا تكفي


    تعليق


    • #12
      الشعارات وحدها لا تكفي

      إنّ اُولئك الذين يريدون أن تبرز الثورات إلى الوجود بمجموعة من الشعارات والتظاهرات، فإنّ هؤلاء يتّصفون بنوع من السذاجة السياسية وتجاهل الحقائق، وقد آثروا نوعاً من العودة إلى حالة الراحة والاسترخاء، في حين أن الثورة هي مسيرة صعبة وعرة؛ لأنّ الذي يتصدّى لمسؤوليتها، وينطلق في ركابها، إنما يريد أن يحدث تغييراً وانقلاباً كبيرين.

      ٣٣



      إنّ العالم الإسلامي يعيش اليوم صحوة إسلاميّة، وهو مستعد اليوم للقيام بالثورات، لكن هذا الاستعداد كما يبدو لي يشبه الذي حدث في سنة (١٩٢٠) من هذا القرن؛ فقد كانت هناك أيضاً صحوة إسلاميّة وربما على نطاق عالمي، لكن هذه الصحوة لا تبقى دائماً ولا تتوَّج بالانتصار في جميع الحالات.

      فلا بدّ إذاً أن يكثف علماء ومفكّروا الاُمة الإسلاميّة من جهودهم، ولا بدّ أن يخططوا بكلِّ ثقة وجدّية وإخلاص، ويحشدوا طاقاتهم الفكرية في صياغة وبناء استراتيجيات ثقافية ثابتة لهذه الاُمة، أمّا إذا كانت المسيرة كلاسيكية منسجمة مع واقع تاريخ الأمس فإننا لن نجني إلاّ ما جنوا؛ أي أنّ الواقع السلبي سيتكرر بطريقة أو باُخرى.

      علينا إذاً أن نطوي ذلك الماضي ونبدأ من جديد نهضة وانطلاقة جديدة من هذا المضمار؛ فها هي البصائر الإلهية التي يجب أن تترسّخ في قلوبنا، وتتكرّس في نفوسنا وأرواحنا، وإنّ ما يجري ويدور اليوم هنا وهناك من محاولات، وما يبذل من جهود لترقيع ولملمة الساحة دون الالتفات إلى ضرورة إيجاد محاور حقيقية تفجر الساحة وتحوّلها إلى ميدان حسيني، كل ذلك لا أراه إلاّ تضييعاً للجهود والفرص، وأعمالاً عابرة لا تجدي نفعاً، وهي إن أثمرت فإنّ ثمارها لا تُسمن ولا تغني من جوع.

      إننا لا نستطيع أن نستجدي نصراً، أو نسترد حقوقاً من خلال اتّكالنا على منظمات حقوق الإنسان وغيرها، وهل تتوقع خيراً وفرجاً يحققه لنا اُولئك الذين فعلوا ما فعلوا بنا بالأمس القريب، اُولئك الذين قتلونا وعذّبونا، وأبعدونا عن ديارنا وأوطاننا، ومزّقونا

      ٣٤



      كل ممزق، ثمّ بعد ذلك كله نطلب العون ونستجدي المناصرة منهم؟!

      إنها سذاجة أن نفعل ذلك، وإنها لتعاسة نحن نعيش فيها عندما غدونا نتشبث بهؤلاء الشراذم فنهرب منهم إليهم، ونعوذ من غضبهم برحمتهم، وقد نسينا أنّ ربنا تعالى هو الأحق بالهرب منه إليه.

      إنّ الموضوع المهم الذي اُريد الإشارة إليه هنا أنّ الحق يؤخذ ولا يُعطى، فنحن لا ننال الحق إلاّ بوعينا وتخطيطنا الهادف، وإستراتيجيتنا الحكيمة من خلال تفجير ثورة حقيقية.

      إذاً فنحن بحاجة إلى عودة لتلك الجذور والأصول الخيرة، كما أنّ المسيرة بحاجة إلى جهود وطاقات لا تنضب ولا تكل من الحركة المستمرة والعطاء المتواصل.

      ٣٥



      القمم الشامخة في النهضة الحسينيّة

      تعليق


      • #13
        ماذا نستلهم من شهادة الحسينعليه‌السلام ؟

        فإذا كانت الشهادات أوسمة رفيعة على صدور أصحابها، يعلوها جميعاً وسام الإمام الحسين الأوّل، ترى ما الذي نستفيده ونستلهمه ونستوحيه من معانيها؟

        إنّ مَن رام في حياته تحقيق أهداف سامية، وبلوغ نتائج عظيمة لا بدّ له من بذل الجهود، وترويض النفس على الإيمان كي تتهيّأ بذلك مقدمات بمستوى تلك الأهداف والنتائج السامية؛ فمن رام بلوغ القمم السامقة لا بدّ أن يوجد في نفسه العزيمة والحيوية الكافيتين، وبدون ذلك لا يمكن تحقيق النتائج العظمى.

        ٣١



        والذي اُريد تأكيده هنا فيما يتعلق بنا - نحن المسلمين - في جميع أنحاء العالم، هو إننا لا ينبغي أن نركز ونؤكّد فقط على تلك اللحظات الأخيرة من حياة سيد الشهداءعليه‌السلام ؛ فعلينا اليوم أن نفهم وندرك معاني حركة الإمام الحسينعليه‌السلام ، وحياته وأهدافه، ونعي معها تلك البصائر التي وضع ورسم خطوطها أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام بدمه وجهاده ورسالته الثوريّة، فلا بدّ لنا من التركيز على هذه البصائر وامتداداتها وأبعادها الواسعة.

        فنحن حينما نسأل الله وندعوه أن يرزقنا حسن العاقبة، ويوفقنا إلى عاقبة كعاقبة الحسينعليه‌السلام ، فعلينا أن نهتم بالبداية الحسنة، والبادرة الطيبة؛ وإلاّ فإنّ الهدف ليس سهل المنال كما قد يتصور أحياناً.

        تربية الجيل الحسيني

        وبمعنى آخر: إذا أردنا أن نبني مجتمعاً حسيني السمة والمنهج والمسيرة، ويتحدى الظلم، ويقارع الإرهاب، ويقاوم الاستبداد، ويقف متحدّياً كلّ المؤامرات والدسائس الاستعمارية، فليس لنا طريق إلى ذلك غير أن ننشأ ونربّي جيلاً حسينياً من كل جوانبه، متسلحاً بمبادئ الرسالة والثقافة الحسينيّة، ومستلهماً منها؛ فثقافة الحسينعليه‌السلام هي ثقافة القرآن أيضاً، وثقافة أبيه وجده (صلوات الله عليهما)، وهي تجسيد حي للثقافة التي تضمنها نهج الجهاد والرسالة والحياة.

        ونحن اليوم إذا وجدنا أنّ هناك في بلد ما نظاماً طاغوتياً متسلّطاً، فلنعلم أنّ من المحال أن يكون هذا البلد قرآنياً، فلا بدّ أن تكون قد حدثت قطيعة بين شعب هذا البلد وبين القرآن الذي تراه مصفوفاً على الرفوف، يرقد عليه الغبار والتراب.

        وهذا الواقع المأساوي

        ٣٢



        المرفوض ليس ببعيد عنا، أفلا يكفي أن يكون القرآن في متناول أيدينا وأسماعنا ثمّ بعد ذلك كله تجد ثقافاتنا بعيدة كل البعد عن ثقافة القرآن؟ أفلا عدنا من جديد إلى ألف باء الإسلام، وإلى تلاوة جزء عمّ وتبارك؟ فالذي يقود حركة الشعوب ونهضتها نحو التحرر والاستقلال والكرامة هو البصائر والرؤى والثقافات التاريخيّة العريقة التي بنت أمجاد الأمم والتي لا نراها غير البصائر والثقافات القرآنية.

        بعد هذا كلّه دعونا نعود إلى البداية وننطلق منها ثانية، هلموا بنا نربي وننشأ أجيالنا وأطفالنا على تلك الرؤى والبصائر القرآنية؛ على نهج النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيتهعليهم‌السلام ، وما رسموه لنا من خطوط في العمل والمواقف والسياسات.

        إذاً لا بدّ لنا من أن ننهض نهضة قرآنية حسينيّة حقيقية تتجسد في واقع حياتنا المعاش، فعندما نتلو القرآن يجب أن نتلوه تلك التلاوة التي تحوّله إلى جزء من حياتنا وواقعنا. فهذا هو كله ما يجب أن نتّخذه محوراً في حياتنا كمسلمين حقيقيين، ومؤمنين رساليين، وبذلك تتحول مجتمعاتنا إلى مجتمعات حسينيّة.

        الشعارات وحدها لا تكفي

        إنّ اُولئك الذين يريدون أن تبرز الثورات إلى الوجود بمجموعة من الشعارات والتظاهرات، فإنّ هؤلاء يتّصفون بنوع من السذاجة السياسية وتجاهل الحقائق، وقد آثروا نوعاً من العودة إلى حالة الراحة والاسترخاء، في حين أن الثورة هي مسيرة صعبة وعرة؛ لأنّ الذي يتصدّى لمسؤوليتها، وينطلق في ركابها، إنما يريد أن يحدث تغييراً وانقلاباً كبيرين.

        ٣٣



        إنّ العالم الإسلامي يعيش اليوم صحوة إسلاميّة، وهو مستعد اليوم للقيام بالثورات، لكن هذا الاستعداد كما يبدو لي يشبه الذي حدث في سنة (١٩٢٠) من هذا القرن؛ فقد كانت هناك أيضاً صحوة إسلاميّة وربما على نطاق عالمي، لكن هذه الصحوة لا تبقى دائماً ولا تتوَّج بالانتصار في جميع الحالات.

        فلا بدّ إذاً أن يكثف علماء ومفكّروا الاُمة الإسلاميّة من جهودهم، ولا بدّ أن يخططوا بكلِّ ثقة وجدّية وإخلاص، ويحشدوا طاقاتهم الفكرية في صياغة وبناء استراتيجيات ثقافية ثابتة لهذه الاُمة، أمّا إذا كانت المسيرة كلاسيكية منسجمة مع واقع تاريخ الأمس فإننا لن نجني إلاّ ما جنوا؛ أي أنّ الواقع السلبي سيتكرر بطريقة أو باُخرى.

        علينا إذاً أن نطوي ذلك الماضي ونبدأ من جديد نهضة وانطلاقة جديدة من هذا المضمار؛ فها هي البصائر الإلهية التي يجب أن تترسّخ في قلوبنا، وتتكرّس في نفوسنا وأرواحنا، وإنّ ما يجري ويدور اليوم هنا وهناك من محاولات، وما يبذل من جهود لترقيع ولملمة الساحة دون الالتفات إلى ضرورة إيجاد محاور حقيقية تفجر الساحة وتحوّلها إلى ميدان حسيني، كل ذلك لا أراه إلاّ تضييعاً للجهود والفرص، وأعمالاً عابرة لا تجدي نفعاً، وهي إن أثمرت فإنّ ثمارها لا تُسمن ولا تغني من جوع.

        إننا لا نستطيع أن نستجدي نصراً، أو نسترد حقوقاً من خلال اتّكالنا على منظمات حقوق الإنسان وغيرها، وهل تتوقع خيراً وفرجاً يحققه لنا اُولئك الذين فعلوا ما فعلوا بنا بالأمس القريب، اُولئك الذين قتلونا وعذّبونا، وأبعدونا عن ديارنا وأوطاننا، ومزّقونا

        ٣٤



        كل ممزق، ثمّ بعد ذلك كله نطلب العون ونستجدي المناصرة منهم؟!

        إنها سذاجة أن نفعل ذلك، وإنها لتعاسة نحن نعيش فيها عندما غدونا نتشبث بهؤلاء الشراذم فنهرب منهم إليهم، ونعوذ من غضبهم برحمتهم، وقد نسينا أنّ ربنا تعالى هو الأحق بالهرب منه إليه.

        إنّ الموضوع المهم الذي اُريد الإشارة إليه هنا أنّ الحق يؤخذ ولا يُعطى، فنحن لا ننال الحق إلاّ بوعينا وتخطيطنا الهادف، وإستراتيجيتنا الحكيمة من خلال تفجير ثورة حقيقية.

        إذاً فنحن بحاجة إلى عودة لتلك الجذور والأصول الخيرة، كما أنّ المسيرة بحاجة إلى جهود وطاقات لا تنضب ولا تكل من الحركة المستمرة والعطاء المتواصل.

        تعليق


        • #14

          القمم الشامخة في النهضة الحسينيّة

          مثل الناس في الحياة كمثل الجبل المرتفع الذي ترى فيه القمة العالية، والسفح العالي، ثمّ السفوح الواطئة حتّى تصل إلى الوادي السحيق. وهكذا الحال بالنسبة إلى الناس؛ فالبعض منهم يعيش في القمة، وآخرون يعيشون في أعالي السفح، وهكذا حتّى تصل إلى فريق من الناس يعيشون في مستوى متدنٍ.

          كيف نعرف درجتنا الإيمانية؟

          والمراقب الذي ينظر من بعيد إلى منظر كهذا، من السهل عليه أن يميّز درجات الناس، ولكن الذي يجلس في موقع من مواقع الجبل فإنّ من الصعب عليه أن يميّز موقعه، ربما يمكنه أن ينظر إلى مَن هو تحته فيدرك أنه أقل منه مستوى، ولكن هل يستطيع أن يميّز من هو فوقه؟

          وفي الواقع فإنّ القليل من الناس يستطيعون ذلك، فالأمر ليس بهين؛ ذلك لأنّ حب الذات، والأنانية المقيتة، واعتقاد الإنسان بأنّ خطه هو السليم، كل ذلك لا يدعه أن يفكّر في موقعه الذي هو فيه.

          ٣٦



          والذي يزيد الطين بلّة إن غالبية الناس يعلمون أنّ هناك اُناساً قد استقروا في أعالي القمم، وأنهم هم الحجة الذين ينبغي أن نحاول الوصول إلى مستويات قريبة من مستواهم، فنحن نعلم أن علينا الاقتداء بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث يقول تعالى لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) (الأحزاب / ٢١)، وكذلك الحال بالنسبة إلى الاقتداء بالأئمة الأطهار والأولياء والصالحين.

          نحن نعلم كل ذلك، ولكننا مع ذلك لا نعلم المستوى الذي نستقر فيه، وعليه فإننا لا نعلم حجم الجهد الذي يجب أن نبذله لنصل إلى تلك القمة.

          فأنت - على سبيل المثال - تقف عند قبور أنصار الحسينعليه‌السلام وتقول: فيا ليتني كنت معكم فأفوز معكم(١) ، ولكن هل تدري معنى ما تقوله؟ وهل تعرف موقعك بالنسبة إلى من تريد أن تكون معهم؟ لو كُشف لك الغطاء لعلمت بأنهم في قمة شاهقة وأنك في السفح الداني، وأنّ عليك أن تصعد عالياً وطويلاً حتّى تصل إلى القمة؛ فقد كان الواحد منهم مثل حبيب بن مظاهر الأسدي يختم القرآن في ليلة واحدة؛ فقد كان يبدأ بقراءة سورة الحمد عند أول الليل وينتهي إلى كلمة الناس في ثانية المعوذتين عند طلوع الفجر أو قُبيله.

          وأنا هنا أدعوك لأن تجرب هذا العمل ولو لمرة واحدة، وعند ذاك انظر هل تستطيع أن تكون معهم أم لا؟ فإن لم تستطع، ووسوسة

          ____________________

          (١) مفاتيح الجنان - زيارة الإمام الحسينعليه‌السلام - الزيارة السابعة.

          ٣٧



          لك نفسك بأنك تريد أن تنام وترتاح، فعليك أن تفعل ذلك في ثلاث ليال، فإن لم تستطع ففي خمس أو عشر، وإن لم تستطع فاختم القرآن في ثلاثين ليلة، وهكذا فإنّ عليك أن تصعد ثلاثين درجة حتّى تحرز صفة من صفات حبيب بن مظاهر.

          لنحاول أن نكون كأصحاب الحسينعليه‌السلام

          حاول أن تصل إلى درجة الحر بن يزيد الرياحي مثلاً، فإن صممت على ذلك فعليك أن تجرب نفسك كقائد جيش أو ضابط فيه؛ حيث وسائل التضليل والتزوير، والترهيب والترغيب متوفرة، وحيث هناك عمليات منظمة لغسيل الدماغ سُلّطت عليك ليل نهار فصوّرت لك أنّ الحسينعليه‌السلام خارجي، وأن شريحاً قد أفتى، وخليفة المسلمين أمر، وأمير الكوفة نفّذ، والحسينعليه‌السلام خالف، كلّ هذه الأوضاع تدعوك إلى أن تتبع الأوامر لأنك عسكري، ولكن عليك كإنسان أن تتجاوز هذه الأوضاع، وتثور على هواك فتنتصر عليه، وتنضم إلى جانب الحق. وهذا هو ما فعله الحر، فإن أردت أن تكون معه فأفعل ما فعله.

          وإذا ادّعيت أنك تستطيع أن تصل إلى درجة الأصحاب؛ لأنك رجل مؤمن، أو عالم دين، أو خطيب مقتدر، فجرّب نفسك إذا ذهبت مرة إلى مجلس ورأيت خطيباً يصعد المنبر وقد التفّ الناس من حوله، في حين أنّ منبرك لا يحضره إلاّ القليل، فقد تتساءل في هذه الحالة: لماذا التفّ الناس حول هذا الخطيب وتفرّقوا من حولي؟

          وحينئذ ستوحي لك النفس الأمارة بالسوء بأنه ينتمي إلى الجماعة الكذائية،

          ٣٨



          أو لأنه يكذب في كلامه، أو لأنه كذا وكذا … وهكذا يوسوس الشيطان في صدرك حتّى تكاد تصدق الأمر، ولكن - إذا كنت مؤمناً حقاً - سرعان ما يرد إلى ذهنك نداء يدعوك إلى العدول عما وسوسه لك الشيطان، والعودة إلى ما يأمرك به القرآن.

          وهكذا فإنّ هداية الله تأتيك في لحظات، وتمرّ عليك كالبرق الخاطف في الليالي المظلمة، فإن كنت ذا إرادة قوية فإنك ستتمسّك بهذه الهداية، وتنقذ نفسك من الهلاك. وإذا ما نُصبت - على سبيل المثال - إماماً لجماعة في مسجد، ثمّ جاء آخر أفضل منك، فعليك أن تختار التنازل عن هذه الإمامة لذلك الرجل؛ لأنه أجدر بها، فهل لك القدرة والإرادة لأن تقوم بذلك؟ فأنت إذا ما تمسّكت بحبل الله المتين فسوف يطمئن قلبك، وتستطيع أن تزيل النواقص الموجودة فيك.

          لنتجاوز نواقصنا البشرية

          تعليق


          • #15
            لنتجاوز نواقصنا البشرية

            أرأيت كيف أنّ أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام ضحّوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله؟ إنّ هذه التضحية لم تكن في مقدورهم ما لم يتجاوزوا النواقص البشرية والوساوس الشيطانيّة في أنفسهم.

            فالحرّ قد قتل نفسه الأمارة بالسوء في لحظة واحدة؛ فتقدم نحو نور الهداية تاركاً وراءه الحقد والحسد، وحب الرئاسة والانحرافات الاُخرى، وكذلك بقية أصحاب الإمام الحسينعليه‌السلام ؛ إذ إنهم جاهدوا بأموالهم وأنفسهم، فالعباسعليه‌السلام كان راكباً فرسه ليل نهار يحمي أهل البيتعليهم‌السلام ، وعندما اقتحم بفرسه هذا المشرعة مد يده الكريمة ليغترف غرفة من الماء يشربها، فيدور في ذهنه ما يدور، ويلقي الماء ويقول:

            ٣٩

            يا نفسُ من بعد الحسين هوني وبعده لا كنتِ أن تكوني
            هذا الحسين شارب المنونِ وتشربين بارد المعينِ
            والله ما هذا فعال ديني ولا فعال صادقِ اليقينِ
            فهذه هي الإرادة المثلى، فقس إرادتك على ضوئها، فأنت عندما تصوم في أيام الصيف فإنك تذهب لتغسل وجهك عدّة مرات في اليوم، وتنام تحت المكيف، فهل يمكن أن تقاس إرادة العباسعليه‌السلام بإرادتك؟ ومع ذلك فإن من لطف الله تعالى أن لا يمتحن عباده بامتحانات صعبة دائماً، وذلك جاء في الدعاء القرآني رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ) (البقرة / ٢٨٦)، كما جاء به الدعاء أيضاً:« اللّهمَّ إني أعوذ بك من جهد البلاء » (١) .

            أما إذا كان إيمان الإنسان ضعيفاً، فإنه لا يستطيع أن يجتاز الامتحان وإن كان سهلاً.

            أصحاب الحسينعليه‌السلام قمم شامخة

            نحن حينما نقف أمام هذه القمم العالية لا بدّ أن نشحن إرادتنا وعزيمتنا بمزيد من القوة تمكّننا من أن نغذّي السير في مسيرة تكاملية مستمرة توصلنا إليهم، أو إلى القرب من درجاتهم، ولا نكن مثل ذلك الرجل الذي كان يقول في نفسه: مَن هم أصحاب الحسين؟ إنهم لم يفعلوا شيئاً سوى أنهم قاوموا الأعداء ساعة واحدة ثمّ قتلوا، في حين أنني أفيد المجتمع.

            ____________________

            (١) مصباح المتهجد للشيخ الطوسي / ١٥٤.

            ٤٠



            وفي ذات الليلة رأى في المنام ساحة المعركة في يوم عاشوراء، والإمام الحسينعليه‌السلام واقف وأصحابه بين يديه يذبون عنه، وعندما حان وقت الزوال ذكّر أحد الأصحاب أبا عبد اللهعليه‌السلام بالصلاة، فقال له الحسينعليهم‌السلام :« رحمك الله وجعلك من الذاكرين » . فأراد الأصحاب أن يصلّوا الجماعة بإمامه الحسينعليه‌السلام ، فقال الإمامعليهم‌السلام للرجل الذي كان يرى هذا المنام:« قف أمامي لتصدّ عنّي السيوف والرماح والسهام حتّى نصلّي » .

            فوقف، وإذا بالسهام تأتيه الواحدة تلو الاُخرى، فأصابه سهم في ناحيته اليسرى، فأدار رأسه يميناً وإذا بسهم آخر أصاب جنبه الأيمن، وهكذا حتّى انهزم من المعركة. ثمّ استيقظ من النوم وإذا به يرى رأسه وقد ضرب حائط الغرفة فجرى منه الدم، فجاء الرجل في الصباح إلى المجلس بين أصدقائه وهو مشدود الرأس، فقصّ عليهم الرؤيا، ثمّ قال لهم: سوف لن أقول بعد ذلك في زيارتي للأصحاب: ( يا ليتني كنت معكم )؛ لأنني لست في مستوى تضحيتهم ومقاومتهم.

            ضرورة عدم التهاون والانهيار

            وأنت أيها المؤمن عليك أن لا تتهاون وتنهار، فإن أصابك في خلال العمل خلل بسيط كأن تغير برنامج نومك أو أكلك، أو لم يحترمك شخص ما، فعليك بالتريّث والصبر، لا أن تعادي غيرك؛ ذلك لأنّ العزيمة الراسخة، والإرادة القوية تشحنان الإنسان بقوة اليقين والصبر حتّى توصله إلى هدفه السامي.

            ومن أجل تحقيق ذلك فإنك تحتاج إلى برمجة العمل خلال مدة زمنية معينة لكي تربي نفسك وتربي الآخرين؛ وذلك بأن تقوّي إرادتك بتهذيب النفس وتزكيتها، فإنك إن لم تقض على الصفات

            ٤١



            الخبيثة كالحسد والحقد والكبر فمن الممكن أن تجرّك إلى متاهات، وبالتالي تلقي بك في نار جهنم.

            فكن على حذر من تلك الصفات؛ فإنّ ذرّة الكبر - مثلاً - تحرق بيدراً من الإيمان فلا يبقى لك من الإيمان شيء، وعندئذٍ ستتكبّر على الناس وعلى الحق، لا بل على الله الذي خلقك؛ فتجنّب أن تتحدث بلغة الأنا، وهذه هي الخطوة الأولى في طريق التزكية.

            قارن بين نفسك والآخرين


            تعليق


            • #16
              قارن بين نفسك والآخرين

              وأنت عندما تجلس في مجلس عزاء للحسينعليه‌السلام وأخوك المؤمن جالس بجنبك، فهل تعرف كم هي المسافة بينك وبينه؟ ربما تكون هذه المسافة كالبعد بين السماء والأرض؛ فأخوك المؤمن يهتزّ قلبه إذا ما ذكر الحسينعليه‌السلام ، فهو يعرف شأنه، وبالتالي فإنه يعرف حجّة الله، أي يعرفه الله ورسالاته.

              فهو والحالة هذه يعيش في فضاء من السمو واليقين، أمّا أنت فقد تفكّر وأنت تجلس في مجلس العزاء في قضايا شخصية، وعندما تذكر مصيبة الحسينعليه‌السلام قد تدمع عيونك بغزارة أكثر من صاحبك، ولكن المقياس ليس في البكاء، بل في اليقين والإرادة، ومقدار استيعابك لتلك الثورة المقدسة.

              فبعض الناس يبكون في المآتم ليس حزناً على الإمام الحسينعليه‌السلام ، ولا تأثّراً بمصابه، بل يبكوا على مآسيهم ومصالحهم الذاتية؛ وبناء على ذلك حاول دائماً أن تحلّق في عالم الكمال أكثر من ذي قبل، ودقّق فيما حولك وخذ العبرة منه.

              ٤٢



              الشهادة الناطقة

              مع حلول شهر محرم الحرام نستقبل موسم الدم الذي هزم السيف، ذلك الدم الذي جرى في أرض كربلاء ليبقى جارياً، ولتبقى معه عاشوراء مبعث الألم والبطولة، مبعث المأساة والتحدي، خالدة في ضمير الأجيال.

              فيا ترى ما هي فلسفة نهضة الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ؟ هذه الفلسفة تتلخص في كلمة واحدة هي أن الإمام الحسينعليه‌السلام كان داعياً إلى الله تعالى، وحينما رأى أن دعوته إلى الله بحاجة إلى أن تُكتب بدمه، وتعمّد بشهادته وشهادة أبنائه حتّى الطفل الرضيع، حينما أدرك ذلك اقتحمعليه‌السلام ميدان الشهادة، وبادر إلى العطاء في سبيل الله.

              ولما كان الحزب الاُموي متجذّراً في السلطة، كان المجتمع بحاجة إلى هزة عنيفة ليقتلع جذور الاُمويّة، وهذا ما حدث بالضبط بفضل دم أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام .

              ٤٣



              ترى كيف حدث كل ذلك؟ السر يكمن في أن الحسينعليهم‌السلام كان دماً ناطقاً، وإعلاماً داعياً إلى الله، وشهادة من أجله تعالى، هذه الشهادة التي نرددها يومياً في الصلاة (أشهد أن لا إله إلاّ الله). ماذا تعني؟ إنها تعني إعلان الحق؛ فأنت بإمكانك أن تجلس في بيتك وتقول (أشهد أن لا إله إلاّ الله)، فما الذي يدعوك إلى أن تصعد فوق المنابر وتنادي بهذه الشهادة خمس مرات في كل يوم؟ لأنّ الإسلام بحاجة إلى إعلام؛ لأن هدف الرسالات الأساسي هو دعوة الناس إلى الله تعالى.

              وفي بعض الأحيان تحتاج الدعوة إلى الله، إلى صوت، وفي أحيان اُخرى تكون بحاجة إلى دم، وقد عرف الحسينعليه‌السلام هذه المسيرة فأعطى الدم، ومن المعلوم أنّ هذا الإعلام يجب أن ينسجم مع المبدأ ومع ظروف المجتمع، ويجب أن يكون بحجم هذه الظروف.

              أي إنّنا يجب أن نثبت صمودنا في هذا الإعلام من خلال ساحة الجهاد، ومن خلال الدم الذي يُراق؛ ولذلك فإنّ الإعلام الإسلامي يجب أن ينسجم مع روح الإسلام التي هي التضحية، وتنازل الإنسان عن ذاته لدينه، وعن دنياه لآخرته، وهذا التنازل لا يمكن أن يتحقق ببساطة.

              فلا بّد للإنسان من أن يكون في مستوى الرسالة التي يحملها؛ ولذلك فإن الذي يجلس على منبر أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ، ويدعو إلى منهجه، ويتحدث باسمه، وينطق باسم الثورة التي قادها السبط الشهيد، هذا الإنسان يجب أن يكون حسينياً، بمعنى أن يكون مستعداً للتنازل عن كل شيء في لحظة واحدة إذا اقتضى الأمر، حتّى تكون دعوته نافذة.

              فالمنبر الذي يتحول إلى مهنة واحتراف لا يغني عن الحسين شيئاً؛ لأن المنبر هو ساحة للجهاد، فمن الممكن أن يرتقي

              ٤٤



              الإنسان المنبر ويتحدّث بحديث تكون فيه نهايته الدنيوية كما فعلوا بخطبائنا العظام طيلة التاريخ.

              وهكذا فإن الإنسان المؤمن الصادق لا بدّ أن يقتبس من نور الإمام الحسينعليهم‌السلام شعاعاً عندما يرتقي المنبر ويتحدّث باسمهعليه‌السلام ؛ ولذلك نراه يندفع إلى التضحية.

              وهكذا الحال بالنسبة إلى إعلام القلم الذي ينطق باسم الإمام الحسينعليهم‌السلام ، فيجب على حامل هذا القلم أن يكون حسينياً بمعنى الكلمة، وأن يبتعد عن الارتزاق والمهادنة؛ فالقلم الذي يعمل على مهادنة الطغاة يجب أن يتكسّر، والورقة التي يكتب عليها يجب أن تتمزق.

              نحن نتحدث عن سيد شباب أهل الجنة، عن سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، عن إمام من أئمة الهدى الذين بولايتهم وباسمهم تاب الله على آدم، وركب نوح السفينة، وأصبح إبراهيم إماماً للناس.

              سمات وخصائص الإعلام الإسلامي

              تعليق


              • #17
                سمات وخصائص الإعلام الإسلامي

                وهكذا فإن الإعلام الإسلامي يجب أن يكون منسجماً مع الإسلام، وفيما يلي سأحاول تلخيص بعض سمات هذا الإعلام:

                إعلام إلهي

                ١ - الإعلام الإسلامي هو إعلام إلهي تجاوز الدنيا إلى الآخرة؛ فقد كانت الكلمة الأولى التي أطلقها السبط الشهيد في المدينة المنورة هي:« ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحرّمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله » (١) .

                شارب الخمر، ولاعب القمار، ويقتل النفس

                ____________________

                (١) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٢٥.

                ٤٥



                المحرّمة، ويتجاوز حدود الله، ومثلي لا يبايع مثله. وهنا أحب أن اُذكّر أن القضية ليست قضية أن يزيد قد أخذ دار الحسينعليه‌السلام وأمواله، وأنه ليس من جماعته، فهذه الاعتبارات ليس لها أساس، بل أن القضية هي قضية إلهية؛ فالرفض ابتدأ بكلمة الله، والدعوة إلى الله.

                فأول إعلان عن الثورة كان في مكّة المكرمة في اليوم الثامن من ذي الحجة، وقد كان الناس يتّجهون إلى منى، ومن ثمّ إلى عرفات، في حين أن الإمام الحسينعليه‌السلام غيّر مسيره إلى العراق، ووقف قائلاً بكل جرأة:« خُطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف » (١) .

                فالكلمة هنا تتجاوز الدنيا، إنها كلمة الآخرة؛ فالإمام الحسينعليه‌السلام لا يعيش الدنيا؛ لأنّ قلبه وروحه وأحاسيسه تعيش في الآخرة. هذه هي الكلمة الأولى، أمّا الكلمة الأخيرة فقد نطق بها بعد شهادتهعليه‌السلام الإمام زين العابدينعليهم‌السلام فوق منبر مسجد الشام، وقد كانت نصف خطبته تدور حول الآخرة، وقد كانعليه‌السلام يهدف من وراء ذلك بيان حقيقة ثورة أبيه الحسينعليه‌السلام ؛ فالمقدمة كانت توجيهاً للناس إلى الآخرة، وإلى الله تعالى حتّى أجهش الناس بالبكاء كما تذكر الروايات.

                وعلى هذا فإن منابرنا يجب أن تسير على نهج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأئمتناعليهم‌السلام ، وهذه هي صبغة الإعلام الإسلامي، وسمة من سماته، فهو إعلام إلهي لا ينظر إلى الدنيا فقط؛ لأن الدنيا لا شيء بالنسبة إلى الآخرة، والإنسان العاقل الحكيم يجب أن يستغل هذه الدنيا لصالح آخرته.

                ____________________

                (١) بحار الأنوار ٤٤ / ٣٦٦.

                ٤٦



                إعلام متفاعل مع الواقع

                ٢ - إنّ الإعلام الإسلامي لا يعبر عن الصور المتحركة، فهناك إعلام يأتيك بالحدث المجرد، ويصور الحالة الخارجية بشكل محايد، في حين أن الإعلام الإسلامي يتجاوز هذه الصورة، ويغوص في العمق، فهو يربط الحدث بمسيرته التاريخيّة، ويتعمق في الجذور ليقتبس منه العبرة.

                فالقصص والأحاديث والأخبار المفرغة من العبرة لا تغني شيئاً؛ لذلك ينبغي أن نعطي الخلفية التاريخيّة للإعلام، والعبرة المستقبلية له، ونربط بينه وبين السنن الإلهية التي بيّنها الله تعالى في كتابه الكريم؛ فكل شيء له سبب ودافع، وقد يكون دافع الإنسان نظيفاً، وقد يكون خاطئاً؛ فالإنسان قد يقوم ببطولات ويتحدى ويؤدّي دوراً كبيراً، ولكن دون أن يكون دافعه إرضاء الخالق، بل يخرج أشراً ومفسداً ومستعلياً في الأرض.

                ومثل هذا الإنسان لا يساوي عند الله جناح بعوضة حتّى وإن قُتل، وسُحق تحت الأقدام؛ لذلك النية هي المهمة في الإسلام، أما العمل فليس له قيمة من دون النية، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« لا قول إلاّ بعمل، ولا قول ولا عمل إلاّ بنية، ولا قول ولا عمل ولا نيّة إلاّ بإصابة السنّة » (١) .

                وهكذا الحال بالنسبة إلى النية، فإنها وحدها لا تكفي، بل يجب أن نبحث عن الحكم الشرعي الذي يسمح لنا بالعمل؛ فليس من حقي أن أحطم شخصية إنسان بكلمة نابية، أو غيبة، أو تهمة بحجة إنني أنوي تأديبه مثلاً، بل لا بدّ أن أبحث عن الاُسلوب المناسب، وعن

                ____________________

                (١) الكافي ١ / ٧٠.

                ٤٧



                القانون الشرعي؛ فالإسلام لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلاّ ووضع لها قانوناً، فليس من حقّك أن تتصرّف في الساحة دون قانون شرعي؛ لأن الإعلام الإسلامي هو إعلام شرعي يقتضي البحث عن الشرعية.

                إعلام شجاع لا يهادن

                تعليق


                • #18
                  إعلام شجاع لا يهادن

                  ٣ - الإعلام الإسلامي هو إعلام شجاع لا يهادن، فهو يضع النقاط على الحروف؛ انظروا إلى كلمات الأنبياءعليهم‌السلام فإنكم لا تجدون فيها كلمة غامضة، ففيها - حسب التعبير القرآني - فصل الخطاب، أي الخطاب الفاصل والحاسم الذي يفرق بين الحق والباطل.

                  فإن تخلط الاُمور مع بعضها، وتقول كلمات دبلوماسية حتّى تستطيع أن تخرج دائماً من المآزق، فهذا مرفوض في الإعلام الإسلامي، ولا يجوز إلاّ عند الضرورة، فالأدب والتعبير الحسن في مكانهما، ولكن الوضوح له موقعه أيضاً.

                  نهضة الإمام الحسينعليه‌السلام نهضة تبليغيّة

                  وقد كانت هذه السمات كلها في حركة أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ، ولو درسنا لسنين هذه الحركة من هذه الزاوية أو من الزوايا الاُخرى، فسنكتشف فيها الكثير من الدروس، والأكثر من ذلك أن نهضة الإمام الحسينعليه‌السلام كانت نهضة تبليغيّة - إن صح التعبير -؛ فقد كانت جميع تحركات الإمامعليه‌السلام وأهل بيته من المدينة، ثمّ من مكّة إلى الكوفة، ومنها إلى الشام، مخططاً لها من أجل إيقاظ الناس، وإقامة الحجة عليهم، وإلاّ فقد كان من المفروض بالإمامعليه‌السلام أن لا يخرج معه بقايا أهل البيتعليهم‌السلام ؛ لأنهم أمان أهل الأرض.

                  فهل من المعقول بعد ذلك أن

                  ٤٨



                  يضعهم أمام العدو وهو يعرف طبيعة المجتمع الذي يعيش فيه، وقد نصحه أكثر من واحد على أن لا يقدم على هذا العمل؟ فالمعالم كانت واضحة لدى الناس؛ لأنّ الكوفة هي نفسها الكوفة التي لم تستجب للإمام عليعليه‌السلام ، وهي نفسها الكوفة التي فعلت ما فعلت بأخيه الحسنعليهم‌السلام .

                  وعلى هذا فإن الإمام الحسينعليه‌السلام كان يعرف كل شيء، ولكنه مع ذلك جاء بأهل بيته وباُخته زينب، وهو الذي يحبها ذلك الحب العميق؛ لأنها كانت صورة مصغّرة لفاطمة الزهراءعليها‌السلام ، فهل من المعقول أن يأتي بها إلى كربلاء ويعرّضها للأسر لولا أنّ له في ذلك هدفاً مقدساً؟ وهكذا فإنّ هذا الهدف هو الذي بعث هذا الإعلام؛ فالشهادة مدرسة، والدراسة في هذه المدرسة ضرورية؛ فهي بركة، والتبرك بها يمثّل قضية.

                  ولقد استشهد الإمام الحسينعليه‌السلام وجرى دمه الطاهر، ولكن مَن الذي يجب أن يستثمر هذا الدم ويحوّله إلى ثورات متلاحقة لا تقضي فقط على النظام الاُموي، وإنما على كل حكم فاسد، وعلى جميع الانحرافات الفكرية والثقافية والاجتماعية التي كانت مستشرية؟

                  الإعلام بعد ثورة الحسينعليه‌السلام

                  لقد فعل كل ذلك مَن تبقّى من أهل أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ، فكربلاء كانت أرضاً معزولة، ثمّ إنّ العدو لم ينقل ما جرى على هذه الأرض، فمن الذي يجب عليه أن يروي ما حدث في كربلاء؟ ومن الذي يقصّ البطولات التي أبداها الحسين وأبو الفضل العباسعليهما‌السلام ؟ والظلامة التي رفعها الإمام الحسينعليه‌السلام في كربلاء

                  ٤٩



                  عندما حمل الطفل الرضيع على يديه وطلب شربة ماء، وإذا بالعدو يرميه بالسهم؟ مَن الذي يجب أن ينقل هذه الصور؛ صور المأساة والتحدي، والبطولة والصمود؟ ومن هنا فإنّ قضية السبط الشهيد يجب أن تتحول عندنا إلى ذلك المنبر الإعلامي المتميز حتّى تكون الشهادة الناطقة وسيلة لسعادتنا في الدنيا، وفلاحنا في الآخرة.

                  ٥٠



                  الفصل الثاني: منهج التغيير

                  تعليق


                  • #19
                    الفصل الثاني: منهج التغيير
                    عاشوراء ثورة في ضمير الإنسان

                    ما أكثر العبر وأقل المعتبر! فظواهر الحياة تسدي للإنسان دروساً لا تحصى، ولكن هذا الإنسان يحتجب عن هذه الدروس العظيمة في الحياة بحجب سميكة؛ فبدلاً من أن يفتح قلبه على دروس الحياة فيستلهم منها ما يحتاج إليه تراه يعرض ويتغافل عنها.

                    الدروس التي تخترق الحجب

                    ومع ذلك فإنّ هناك دروساً في الحياة تخترق الحجب، وتهدم الحصون؛ سواء شاء الإنسان أم أبى، وهذه الدروس هي الحجج الإلهية الكبرى على الإنسان. ولا ريب أن واقعة كربلاء هي درس من هذه الدروس، فإن كان قلب الإنسان خاشعاً استلهم العبرة من كل ظاهرة في الطبيعة أو في المجتمع أو التاريخ والحاضر، فيعتبر بكل نعمة أنعم الله بها عليه، كما يعتبر بكل نقمة دفعها عنه.

                    إنّ القلب الخاشع والقانت والسليم هو القلب الذي يكون كنبتة في مهب النسيم، وهو المثل الواضح لقوله تعالى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ

                    ٥٣



                    الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) (الأنفال / ٢).

                    ومع ذلك فإنّ كل الناس ليسوا كذلك؛ فإنّ أكثرهم ولو حرصت ليسوا بمؤمنين، بل إنّ أكثرهم مشركون. ومثل هؤلاء بحاجة إلى هزة عنيفة تحطم في قلوبهم كل الجدران التي أقاموها بأنفسهم، ولمثل قلوب هؤلاء كانت كربلاء، وكانت واقعة عاشوراء، وكانت الحوادث المأساوية التي جرت على أبي الشهداء والأحرار الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابهعليهم‌السلام .

                    أوَليس الحسينعليه‌السلام شهيد العبرات والدموع، وشهيد القلوب التي تخشع لمأساته، فإذا خشعت لها خشعت للحقائق التي حدثت تلك المأساة من أجلها وفي سبيلها؟

                    المصيبة التي أدمت جميع القلوب

                    فالإنسان - أي إنسان - لا يملك عندما يستمع إلى قصة كربلاء إلاّ أن يخشع قلبه، فهذا الإنسان لا بدّ أن يتأثر وهو يتصور دخول الإمام الحسينعليه‌السلام إلى كربلاء، وكيف أن القوم استضعفوه واحتوشوه من كل مكان، وهم الذين دعوه ليكون إماماً وأميراً لهم، ولكنهم جندوا طاقاتهم ضده، وأرسلوا إليه ثلاثين ألفاً ليقتلوه صبراً.

                    ولا بدّ أيضاً من أن تخنق الإنسان العبرة وهو يجسّد في ذهنه حالة السبط الشهيد في ليلة التاسع من شهر محرم عندما جلس ينعى نفسه قائلاً:
                    يا دهرُ اُفٍّ لك من خليلِ كم لك بالإشراق والأصيلِ
                    من صاحبٍ وطالبٍ قتيلِ والدهرُ لا يقنعُ بالبديلِ
                    وإنّما الأمرُ إلى الجليلِ وكلُّ حيٍّ سالكٌ سبيلي
                    إنّ القلب الذي لا يخشع لمثل هذا الموقف لا بدّ أن يخشع لموقف آخر، وهو موقف الحسينعليه‌السلام وهو يطلب من ذلك الجيش الهائل الماثل

                    ٥٤



                    أمامه مهلة ليلة واحدة، فيرفضون هذا الطلب، في حين أنّهعليه‌السلام لم يطلب تلك المهلة لكي يودع أهله فيها، أو يتمتع بملاذ الحياة، بل لكي يصلّي لربه، ويجدد عهده معه تعالى بالصلاة والقرآن.

                    وهكذا فكل موقف من مواقف الحسينعليه‌السلام ، وكل مصيبة من مصائبه تكفيان لإذابة الصخرة الصماء، فكيف بالقلوب؟ فإن لم تخشع للمآسي التي حدثت في يوم عاشوراء فهي خاشعة لا محالة للمأساة التي حدثت بعد عاشوراء، أي في اليوم الحادي عشر عند ما مرّوا بآل البيتعليهم‌السلام من الثكالى والأرامل على أجسام أعزّتهن وهم مقطعون إرباً إرباً … وهكذا الحال بالنسبة إلى مصيبة السيدة زينبعليها‌السلام في الكوفة، وللمصائب التي نزلت على آل البيتعليهم‌السلام في الطريق إلى الشام، وعند عودتهم إلى المدينة.

                    وعندما يقول الأئمة المعصومون الذين عصمهم الله من الدنس، وآمنهم من الزلل:« لا يوم كيومك يا أبا عبد الله » (١) ، وعندما يقرّرون أنّ المصيبة التي حلّت بالحسينعليه‌السلام لم تحل بأحد في التاريخ، لا قبل ذلك اليوم ولا بعده، فإنما يبيّنون بذلك حقيقة هامة أن الله تعالى قد هيّأ هذه الفرصة لتخشع القلوب، وليهتدي الناس.

                    فالهدف من كربلاء هو خشوع القلب، وسقوط تلك الحجب والتحصينات التي تصنعها النفس أمام التأثّر بظواهر الحياة؛ فالقلب لا يهتدي إلاّ إذا خشع، وكيف يخشع وبينه وبين ظواهر الحياة حجب سميكة؟

                    ومثل هذا الخشوع لا يمكن أن يحصل إلاّ بمثل ظاهرة كربلاء؛ ولذلك أصبح

                    ____________________

                    (١) أمالي الصدوق / ١٧٧.

                    ٥٥



                    البكاء قضية دينية. في مثل هذه الحقيقة فالله تعالى يأمرنا بالصبر في كل مصيبة قائلاً إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ) (الزمر / ١٠)،( وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا ) (فصلت / ٣٥).

                    لماذا البكاء على مأساة الحسينعليه‌السلام

                    تعليق


                    • #20
                      لماذا البكاء على مأساة الحسينعليه‌السلام

                      فهو تعالى يأمرنا بالصبر في كل موضع، أمّا في هذه الحادثة فتأمرنا النصوص الإسلاميّة بالبكاء؛ حيث روي عن آل الرسولعليهم‌السلام أنهم قالوا:« مَن بكى وأبكى فينا مئة فله الجنة، ومَن بكى وأبكى خمسين فله الجنة، ومَن بكى وأبكى ثلاثين فله الجنة، ومَن بكى وأبكى عشرين فله الجنة، ومَن بكى وأبكى عشرة فله الجنة، ومَن بكى وأبكى واحداً فله الجنة، ومَن تباكى فله الجنة » (١) .

                      وقال الإمام الرضاعليه‌السلام : « إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا »(٢) ، وقال الإمامعليه‌السلام : « يابن شبيب، إن كنت باكياً لشيء فابكِ للحسين بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام ؛ فإنه ذُبح كما يُذبح الكبش »(٣) . فالحسين أحق من يبكى عليه؛ لأنّ حادثة كربلاء هي أعظم مصيبة وردت على الإنسانيّة عبر التاريخ.

                      وهكذا فإنّ الأمر بالبكاء والندب والنحيب يكمن وراءه هدف وحكمة، فليس عبثاً أنّ الأئمةعليهم‌السلام كانوا يؤكّدون دوماً على البكاء والنحيب، وعلى تجديد ذكرى الحسينعليه‌السلام ، وكأنها وقعت في الأمس

                      ____________________

                      (١) بحار الأنوار ٤٤ / ٢٨٨.

                      (٢) أمالي الصدوق / ١٩٠.

                      (٣) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام للشيخ الصدوق / ٢٦٨.

                      ٥٦



                      القريب، وكأن الحسين قد استشهد للتوِّ، فلا ريب أن طائفة كبيرة من المسلمين يبادرون إلى تجديد هذه الذكرى كلّما مر عليهم هذا الشهر (شهر محرم) الحزين المليء بالعبر والعبرات؛ فترى المدن تلبس السواد، وتتغشى القلوب بسحابة من الكآبة، وتصطبغ المجالس بلون الدم والمأساة، أوَليس كل ذلك لهدف وحكمة؟ ترى ما هي هذه الحكمة؟

                      الحكمة من وراء ذلك هي أن القلوب وعندما تتفاعل مع المأساة فإنها ستخشع لهدف الحسينعليه‌السلام ولواقعة كربلاء؛ ومن هنا فإنني اُطالب الإخوة الذين يُجدّدون هذه الذكرى المباركة بشكل من الأشكال فيكتبون، أو ينشدون الشعر، أو يرتقون المنابر ويقيمون المآتم والمجالس... أطلب من هؤلاء جميعاً أن لا يغيب عن بالهم أنّ كل هذه المظاهر، مظاهر الحزن والخشوع، إنما تهدف إلى تقريب النفوس من الحقائق، وتجعلها تستفيد من عبر واقعة كربلاء؛ ولذلك ترى أنّ الحسينعليه‌السلام قد ألقى في يوم عاشوراء فقط خمس خطب منذ صبيحة يوم عاشوراء وحتى ظهره، فكان يستغل كل مناسبة ليبين أهداف ثورته.

                      وقد سجّلعليه‌السلام في كل مناسبة، وعند كل مصرع لشهيد بياناً لهدفه، والحكمة التي من أجلها استشهد، حتّى امتزج الهدف بالمأساة، فلا الهدف ينفصل عن المأساة، ولا المأساة بمنفصلة عن الهدف؛ فالحسينعليه‌السلام خرج إلى كربلاء وفي طريقه كان يردد الآية الكريمة تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (القصص / ٨٣).

                      فكيف نستطيع أن نفصل مسيرة الإمام الحسينعليه‌السلام إلى كربلاء عن هذه الآية

                      ٥٧



                      التي كان يرددها في كل لحظة؟ وكيف نستطيع أن نفصل بينهعليه‌السلام وبين الصلاة التي أدّاها وهو في قمّة المواجهة؟ فقد صلّى وأوقف اثنين من خيرة أصحابه يتّقيانه السيوف والسهام، والمعركة دائرة على أشدّها، وبالتالي كيف يمكننا أن نعزل المأساة عن الحسينعليه‌السلام وهو يضع رأسه في آخر لحظة من لحظات حياته على تراب كربلاء قائلاً:« صبراً على قضائك يا رب، لا إله سواك يا غياث المستغيثين » (١) ؟!

                      وعندما يُذبح ابنه الرضيع على يديه الكريمتين يمسك بالدم ويرمي به في الفضاء، ويقول:« هوّن ما نزل بي أنه بعين الله تعالى » (٢) ؛ فإنه في كل لحظة يسجّل هدف ثورته وموقفه، الموقف وهدف الموقف، الحركة وحكمة الحركة، القضية ومأساة القضية...

                      كل ذلك لا نستطيع أن نفصله عن بعض؛ ولذلك فإنّ على خطبائنا الكرام، وكتّابنا ومؤلّفينا، وكل من يقوم بدور ما في إحياء ذكرى عاشوراء أن يعرف ماذا كانت حكمة مواقف الإمام الحسينعليه‌السلام ، وأن يذكر كل موقف مع حكمته؛ لأنّ الموقف إنّما جاء من أجل تلك الحكمة، فالبكاء وسيلة لخشوع القلب، وخشوع القلب بدوره وسيلة أساسية لقبول الحقّ.

                      محرّم مدرسة التطهير والتزكية

                      تعليق

                      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                      حفظ-تلقائي
                      Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
                      x
                      يعمل...
                      X