اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين وعجل فرجهم وفرجنا بهم يا كريم
قرأت ذات مرة هذه الجملة " من أصعب الصعوبات توضيح الواضحات "
فحين أقرأ كلمة أخ أو أخي أو أخوة أراها سهلة الفهم واضحة المعنى أمامي ولا يحتاج أي منها إلى شرح ولكن حين قرأت بعض مواقف الأخوة في القرآن الكريم استوقفتني وجعلتني أتأمل أكثر في معنى أخوة الأخوان بالدم والنسب.
فالعلاقة الأخوية ليست علاقة عادية تفهم أو تعرف بمجرد أن أنادي هذا الشخص الذي جمعني به رحم واحد أو صلب واحد أو هم واحد "أخي "
وبالذات حين وقفت على أبعاد قصة أخوة يوسف ومحاولتهم قتله وطريقتهم في التخلص منه
قلت في نفسي ما بال تلك الأخوة، ولماذا هي مشوهة المعنى، مجروحة المواقف مع أن الأخوة هنا أبناء نبي؟
وتساءلت : هل الأمر له علاقة بكونهم أخوة من أب فقط ...؟
حتما لا، فأمر التجاذب والتنافر والمحبة والكراهية بين الأخوة ليس مرهون بكونهم أخو من أم أو أب أو الاثنين معا.
والدليل قتل ابن آدم لأخيه بعد أن طوعت له نفسه ذلك، فجريمة القتل هنا تمت رغم أن العلاقة الأخوية بالدم أقوى.
الأخوة رابطة تجمع بين الأخ وأخيه أو الأخ وأخته وهي عميقة جدا
ولعلنا نستوعب مدى ذلك العمق ونفهم معناه فهما سليما إن رجعنا إلى أحاديث النبي الأعظم وأهل بيته الأطهار صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين الخاصة بالأخوة والإخاء
فالأصل فيها كعلاقة إنسانية هو صفاء الروح وسمو النفس وسلامة القلب وصحة العقيدة.
فإذا نظر للأخوة من هذا الجانب سنتوصل إلى لغز جمال الأخوة ليس كعلاقة فقط بل كرباط أوجده الله بيننا بالرحمة التي لفتت أنظارنا إليها هذه الآية الكريمة والتي تشير إلى الأخوة بين نبي الله موسى ونبي الله هارون عليهما وعلى نبينا وآله السلام
قال تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً }مريم53
فالأخوة رباط من رحمة وهبه الله لنا، و متى ما استوعبنا تلك الرحمة سنقف على سر جمال أخوة العباس وأخوته لأخيهم الحسين وأختهم زينب سلام الله عليهم أجمعين.
أخوة تحققت فيها كل المضامين وبكل ما تحويه من جمال وكمالات أودعها الله في تلك العلاقة المقدسة.
وقد جاء عن الإمام الصادق عليه السلام في سبب تسمية الإخوان بالإخوان:
"إنما سمّوا إخواناً لنزاهتهم عن الخيانة "
البحار، ج71، ص180.
فالسر في اسم الأخ ومعنى الأخوة هو النزاهة عن الخيانة لا التوجع أو التأوه كما جاء في القواميس أو كما هو مشهور بيننا لأن الأصل في ذات الأخوة الرحمة لا الألم.
وإن أردنا أن نقف على جماليات الأخوة بشكل أكبر ما علينا إلا أن نبحث في مضمون النزاهة عن الخيانة وسندرك كيف أن الأخوة علاقة عظيمة منّ الله بها علينا لا تقدر بثمن ولا تقاس بالماديات ، لدرجة أن يفتدى فيها الأخ بالنفس إن كان مؤمنا صالحا.
ونحن حين نصف الأخ المخلص نقول: أخ بار بأخوته، وهذا على غرار الابن البار بأبويه.
عن الإمام الصادق عليه السلام قال: " اختبروا إخوانكم بخصلتين فإن كانتا فيهم وإلا فاعزب ثم اعزب ثم اعزب محافظة على الصلوات في مواقيتها، والبرّ بالإخوان في العسر واليسر"
ميزان الحكمة، ح286.
وقد أكد الإسلام على الأخوة و أهميتها كضرورة من ضروريات الحياة ولنا أن نحيط بتلك الأهمية والرعاية من خلال أحاديث النبي الأكرم وأهل البيت عليهم السلام والتي لن نستطيع إحصائها بسهولة لكثرتها بما اشتملت عليه من وصايا ومضامين عالية وصريحة تؤكد أهمية الأخوة في الحياة ليس في الدنيا فقط بل حتى في الآخرة.
قال تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ }الحجر47
فمن تأكيد الإسلام على الأخوة في الله وعنايته بها كل تلك العناية وبكل تلك الرعاية؛ نستطيع أن نستوعب عظمة الأخوة بالدم وعلو مكانتها وقداسة شأنها وبالذات حينما يكون الأخ مؤمنا.
فأي أخوة تخرج عن نطاق الرحمة وحيز النزاهة وتنسلخ عن البر حتما سيكون السبب في ذلك الشذوذ وجود خلل في النفس يتطلب من الإنسان التخلص منه أو علاجه بالترويض والمجاهدة ، لأن الاستسلام لذلك الخلل له عواقبه وهي خيمة جدا ليس على علاقة الأخوة فقط بل على الإنسان نفسه كإنسان.
وإلا فعلاقة الأخوة لا دخل لها بقصر فهم الإنسان لها كرباط أو إنكار الانتماء إليها كعلاقة أوجدها الله بالرحمة وجعل أساسها البر.
ويكفي بالأخوة جمالا أن الله جعلها علاقة روحية تجمع بين أبناء آدم من البشر لنشكل بها عائلة إنسانية واحدة تجمعنا في هذه الحياة.
و إن شئنا أن يتحقق ذلك ونحظى بتلك العائلة، فما علينا إلا أن نكون لله ومع الله في كل حياتنا.
هذا والله ولي التوفيق،،،
وأسأله أن يحفظكم ويحفظ أخوتكم وأحبابكم ويسعدكم في الدنيا والآخرة برضاه والقرب منه سبحانه
مع خالص احترامي وتقديري للجميع
تعليق