بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم
لا جبر ولا تفويض ولكن امر بين امرين ،،، هذه واحدة من اهم معتقدات الشيعة الامامية الاثني عشرية ، عبارة وردت على لسان أئمة ال البيت الطاهرين اثباتا لحقيقة ونفيا لافتراء او جهل بحق الله ومن ثم بحق العباد .
ولقد ورد هذا المفهوم عنوانا وتفصيلا بطرق اخرى تضمنتها الروايات .
ندخل قليلا في تفسير المعنى وتطبيقه لمزيد ايضاح اذا وفقنا الله واصبنا الحق .
فاقــــول ...
لان الجبر يعنـي : سلب الاختيار ، ومعاقبة مسلوب الاختيار ليس عدل بل ظلم ، ( وهذا حتى العقل السليم يرفضه ) , والله عادل لا يظلم ، لذلك لاجبر .
ولان الجبر يعني : انّ افعال العباد ستكون بالحقيقة هي فعل الله الذي اجبرهم عليها وليس فعلهم ، وهذا فعل قبيح ! يقتضي ايضا الظلم وعدم العدل من الله وهو بدوره منتفي عن الله تعالى ، لذلك ايضا لا جبر .
ولا تفويض - لان التفويض يعني هو توكيل من الموكِّل ( الله ) الى الموكَل اليه ( العباد ) بحرية التصرف او القيام مقامه في الامر الموكّل اليهم .
ولو كان هذا حقاً لما جعل لهم ( في قرآنه وتشريعه ) من حدود ، وفرض عليهم قيود ، ونهى وأمر ، وحاسب وعاقب ،،، لذلك لم يفوّض الله تعالى الامر اليهم
اذن - هو أمر بين امرين ، اي امر بين الجبر والتفويض .
اي لا جبر وسلبٍ للاختيار ، فالانسان مُـخـتــار ~ واختياره يقرر مصيره ، وعليه يكون الحساب والجزاء العادل .
ولا تفويض فيكون حرا يفعل ما يريد خارج سلطة الله وارادته وغاية خلقه ، بل يعمل باختياره بحدود سلطة الله وارادته واوامره .
فالحق اذن : قد أمَرَ الله عباده تخييرا ونهاهم تحذيرا ، واوكل اعمالهم الى اختيارهم اي اوكل افعالهم الى اختيارهم وليس أوكل امرهم اليهم ،،، فافهم . (1) ،،، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر باختياره ، حتى يستقيم امر اختباره باختياره ، ثم يسير على طريق غايته وكماله ، كلا نمدُّ هؤلاء وهؤلاء ، وما ظلمناهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون ( يظلمونها بفعل اختيارهم وتقرير مصيرهم بعد هدايتهم وبيان الصراط المستقيم ، وصراط نار جهنم )
ولعلي استطيع ان استظهر لك حقيقة ( لاجبر ولا تفويض بل امر بين امرين ) من القران ، او قل اطبقها على أحد اياته لتتضح لكم بعون الله تعالى ،
انظر قوله تعالى : لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ غ– قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىظ° لَا انفِصَامَ لَهَا غ— وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
فـ لا اكراه في الدين - هذا مِلاك الاختيار ، ( اي نفي الجبر ، فلا جَبْـرَ على حد قول المعصوم ع ) ولو اجبر الله الناس لما كان هناك اصل يستقيم ومقبول للثواب والعقاب
ولا يعنــي أنه " لا اكراه في الدين " بانه تعالى فوض اليهم امر الدين ليقبلوه او يرفضوه او يختاروا ما يريدون باهوائهم ،
بل لا اكراه في الدين لانه تعالى قد بين لهم اولاً " الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ " ( وهذا اشارة الى نفي التفويض ) وإعطائهم الاختيار .
فترتب عليه انهم عبادٌ مختارين لافعالهم ، ومحاسبين عليها ، قد بين الله لهم طريق الرشد وطريق الغي ، فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىظ° لَا انفِصَامَ لَهَا غ— وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .
ولعل شبهة اخرى تظهر عند البعض وكالتالي : ( فإذا كان كل شئ قد قضي واثبت فأين التخيير ؟ كما في حقيقة اللوح المحفوظ , أم الكتاب , كل شئ مكتوب إذاً و لا حيلة للعبد في رده ) .
اقول : عِلمْ الله ( ما في اللوح المحفوظ الثابت الذي لا يتغير ) ليس معناه انه تعالى قدر وقضى واثبت هناك ما هو سيكون جبرا دون تخيير ، بل عَلِم واثبت ما هو اختيارهم منذ الازل لانه العليم بحالهم واختيارهم من قبل اختبارهم .
وما يجري في الحياة الدنيا ليس من اجل ان يعلم الله ما لم يكن يعلمه ، بل كي تقام الحجة على عباده وهكذا هي سنته يحاسب عباده على فعلهم الذي باختيارهم وارادتهم ، ولا يحاسبهم على علمه بما سيفعلون وان لم يفعلون . ولانهم يُراد لهم السير على صراط مستقيم الى الله اؤله يبدأ منهم باختيارهم وآخره ينتهي الى الله ، وبقدر زادهم يكون قربهم ، وزادهم ملاكاتهم ، وملاكاتهم تاتي بالاعتقاد الصحيح والعمل معا ( اليه يصعد الكلم الطيب ، والعمل الصالح يرفعه ) وحتى يكون الاعتقاد صفة ومن ثمة ملكة ثابته في نفوسهم يقتضي هذا تحققها فيهم من خلال استمرار عملهم بما يعتقدون ويعلمون وهذا سبب اخر ضروري تكوينا لعلة الاختيار والعمل في الدنيا لغاية الاخرة ، فتامل طويلا .
انظر قوله تعالى : ( تِلْكَ الْقُرَىظ° نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا غ? وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِن قَبْلُ غ? كَذَظ°لِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىظ° قُلُوبِ الْكَافِرِينَ )
اقول : فلقد كذبوا من قبل ، وهذا الزمان ( قبل ) ضرف علم الله السابق بهم في النشآت السابقة قبل نشأة الدنيا ، كنشأة عالم الذر ( بل وحتى قبل ان يخلقهم )
فمن انكر هناك انكر هنا ، ومن قبل وصدق هناك ، قبل وصدق هنا ، وهذا كله باختيار المختار لا بجبر الله الواحد القهار .
والله اعلم
الباحث الطائي
-----------------
(1) : اقول - من هنا نستطيع ان نفهم مسألة وان ننقض بها نظرية الشورى عند اهل السنة في استدلال أظنه جديد من نوعه , وهي ان الهداية أمر من امور الله بنص القرآن ، والاهتداء باصله أمر تخييري لا جبري ولذلك كان الاختيار لطريق الهداية او طريق الضلال من اختيار العبد ، فأذا كانت اصل الهداية من أمور الله ، وجب ان يكون القائم الموكّل بها من اختيار الله ، لانه الله تعالى قال في حق امر الهداية ( قد تبين الرشد من الغي ) وبيان الرشد من الغي يحتاج الى مُـبَـيّن ، وهذا المبيّن اما أنْيكون هو الله بلا واسطة او يكون هناك واسطة بين الله والعباد ، ولقد ثبت لك ان الله ارسل الرسل والانبياء ليكونوا واسطة بينه وبين الناس ، اي حجج عليهم ،
ومن هنا ثبت ان هداية العباد تكون :
1- بأمر من الله 2- وهي أمر من أمور الله 3- وتكون بواسطة من ينتخبه الله لا العباد ،
وعليه يتبين فساد قولهم ان قوله تعالى ( وامرهم شورى بينهم ) هي ملاك وتشريع نظرية الشورى في خلافة الرسل لهداية البشرية ، لان الشورى متعلقها في الاصل أمرهم لا أمر الله ( هذا اولا ) ، ولان الهداية والهادين امر الله وانتخابه / اصطفائه لبعض عباده حتى تتم الحجة على الناس بوجود اصل الهداية ووجود الهادي الذي لا يضل ( المعصوم ) . والله اعلم ،
الباحث الطائي .
تعليق