رزية يوم الخميس
وأحاط النبي (صلّى الله عليه وآله) علماً بالتحركات السياسية من بعض أصحابه وأنّهم عازمون ومصرون على صرف الخلافة عن أهل بيته، وإفساد ما أعلنه غير مرة من أن عترته الأزكياء هم ولاة أمر المسلمين من بعده، فرأى (صلّى الله عليه وآله) أن يحكم الأمر، ويحمي اُمّته من الفتن والزيغ، فقال لمن حضر في مجلسه: (إئتوني بالكتف والدواة، أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً)(23).
حقّاً إنّها فرصة من أثمن الفرص وأندرها في تأريخ الإسلام، إنّه التزام واضح وصريح من سيّد الكائنات أن اُمّته لا تصاب بنكسة وانحراف بعد هذا الكتاب.
وأحاط النبي (صلّى الله عليه وآله) علماً بالتحركات السياسية من بعض أصحابه وأنّهم عازمون ومصرون على صرف الخلافة عن أهل بيته، وإفساد ما أعلنه غير مرة من أن عترته الأزكياء هم ولاة أمر المسلمين من بعده، فرأى (صلّى الله عليه وآله) أن يحكم الأمر، ويحمي اُمّته من الفتن والزيغ، فقال لمن حضر في مجلسه: (إئتوني بالكتف والدواة، أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً)(23).
حقّاً إنّها فرصة من أثمن الفرص وأندرها في تأريخ الإسلام، إنّه التزام واضح وصريح من سيّد الكائنات أن اُمّته لا تصاب بنكسة وانحراف بعد هذا الكتاب.
ما أعظم هذه النعمة على المسلمين، إنه ضمان من سيد الأنبياء أن لا تضل اُمّته في مسيرتها وتهتدي إلى سواء السبيل في جميع مراحل تأريخها، واستبان لبعض القوم ماذا يكتب رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، إنه سينصّ على خلافة عليّ من بعده، ويعزّز بيعة يوم الغدير، وتضيع بذلك أطماعهم ومصالحهم، فردّ عليه أحدهم قائلاً بعنف: حسبنا كتاب الله…
ولو كان هذا القائل يحتمل أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) يوصي بحماية الثغور أو بالمحافظة على الشؤون الدينية ما ردّ عليه بهذه الجرأة، ولكنه علم قصده أنّه سيوصي بأهل بيته وينصّ على خلافة عليّ من بعده.
وكثر الخلاف بين القوم، فطائفة حاولت تنفيذ ما أمر به النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وطائفة اُخرى أصرّت على معارضتها والحيلولة بين ما أراده النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وانطلقت بعض السيّدات فأنكرن على القوم هذا الموقف المتّسم بالجرأة على النبيّ وهو في الساعات الأخيرة من حياته، فقلن لهم: ألا تسمعون ما يقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله)..
فثار عمر وصاح فيهنّ، خوفاً أن يفلت الأمر منه ومن حزبه، فقال للسيدات:
إنكنّ صويحبات يوسف إذا مرض عصرتن أعينكن، وإذا صحّ ركبتن عنقه…
فنظر إليه النبي (صلّى الله عليه وآله)، بغضبٍ وغيظٍ، وقال له: (دعوهنّ فإنّهنّ خير منكم..).
وبدا صراع رهيب بين القوم، وكادت أن تفوز الجهة التي أرادت تنفيذ أمر النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، فانبرى أحدهم فأفشل ما أراده النبيّ وحال بينه وبين ما أراد من إسعاد اُمّته، فقال ويا لهول ما قال: إنّ النبيّ ليهجر..(24).
ألم يسمع هذا القائل كلام الله تعالى الذي يتلى في آناء الليل وأطراف النهار وهو يعلن تكامل النبي في جميع مراحل حياته، فقد زكّاه وعصمه من الهجر وغيره من ألوان الزيغ والانحراف، وإنه أسمى شخصية في تكامله وسموّ ذاته، قال تعالى: (ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى)(25)، وقال تعالى: (إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين وما صاحبكم بمجنون)(26).
إنّ القوم لم يخامرهم أدنى شك في عصمة النبيّ وتكامل ذاته، ولكن حبّ الدنيا، والتهالك على السلطة دفعهم للجرأة على النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، ومقابلتهم له بمرّ القول والطعن بشخصيته.
وكان ابن عباس إذا ذكر هذا الحادث الرهيب يبكي حتى تسيل دموعه على خديه كأنّها نظام اللؤلؤ، وهو يصعد آهاته، ويقول: يوم الخميس وما يوم الخميس!! قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (ائتوني بالكتف والدواة أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً)، فقالوا: إن رسول الله يهجر..(27).
حقّاً إنّها رزية الإسلام الكبرى، فقد حيل بين المسلمين وسعادتهم ونجاتهم من الزيغ والضلال. لقد وعت السيّدة زينب هذا الحادث الخطير، ووقفت على أهداف القوم من إبعاد أبيها عن المركز الذي نصبه جدّها فيه، فقد جرّ هذا الحادث وغيره ممّا صدر من القوى المعارضة لأهل البيت الكوارث والخطوب لهم، وما كارثة كربلاء إلاّ من نتائج هذه الأحداث.
تعليق