إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رائــــــــــــ زينب الكبــــــــــرى دة الجهـــــــ وبطلـــــــه كرـبلاء ـــــــاد

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • السيدة زينب في عهد جدّها الرسول
    إن الذكاء المفرط ، والنضج المبكر يمهدان للطفل أن يرقى إلى أعلى الدرجات ـ إذا استغلت مواهبه ـ وخاصةً إذا كانت حياته محاطة بالنزاهة والقداسة ، وبكل ما يساعد على توجيه الطفل نحو الأخلاق والفضائل.
    بعد ثبوت هذه المقدمة نقول :
    ما تقول في طفلة : روحها أطهر من ماء السماء ، وقلبها أصفى من المرآة ، وتمتاز بنصيب وافر من الوعي والإدراك ، تفتح عينها في وجوه أسرتها الذين هم أشرف خلق الله ، وأطهر الكائنات ، وتنمو وتكبر وتدرج تحت رعاية والد لا يشبه آباء العالم ، وفي حجر والدة فاقت بنات حواء شرفاً وفضلاً وعظمة ؟!!
    وإذا تحدثنا عن حياتها على ضوء علم التربية ، فهناك يجف القلم ، ويتوقف عن الكتابة ، لأن البحث عن حياتها التربوية يعتبر بحثاً عن الكنز الدفين الذي لا يعرف له كم ولا كيف.
    ولكن الثابت القطعي أنها تربية نموذجية ، وحيدة وفريدة.
    وهل يستطيع الباحث أو الكاتب أو المتكلم أن يدرك الجو العائلي المستور في بيت الإمام علي والسيدة فاطمة الزهراء عليهما السلام ؟
    لقد روي أن رسـول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قرأ قوله تعالى : « فـي بيـوت إذن الله ان ترفع ويذكـر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال ... » (1) فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله أي بيوت هذه ؟
    فقال : بيوت الأنبياء.
    فقام إليه أبوبكر فقال : يا رسول الله هذا البيت منها ؟ وأشار إلى بيت علي وفاطمة.
    فقال النبي : « نعم ، من أفضلها » (2).
    ويجب أن لا ننسى أن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ـ الذي أعطى المناهج التربوية للأجيال ، وأضاء طرق التربية الصحيحة للقرون ـ لابد وأنه يبذل إهتماماً بالغاً وعنايةً تامةً في تربية عائلته ، ويمهد لهم السبيل حتى ينالوا قمة الأخلاق والفضائل.
    وخاصةً حينما يجد فيهم المؤهلات والإستعداد لتقبل تلك التعاليم التربوية.
    ومن الواضح أن السيدة زينب ـ بمواهبها واستعدادها النفسي ـ كانت تتقبل تلك الأصول التربوية ، وتتبلور بها ، وتندمج معها (3).
    وأكثر إنطباعات الإنسان النفسية يكون من أثر التربية ، كما أن أعماله وأفعاله ، بل وحتى حركاته وسكناته ، وتصرفاته وأخلاقه وصفاته نابعة من نوعية التربية التي أثرت في نفسه كل الأثر.
    إذن ، فمن الصحيح أن نقول : إن السيدة زينب تلقت دروس التربية الراقية العليا في ذلك البيت الطاهر ، كالعلم ـ بما في ذلك الفصاحة والبلاغة ، والإخبار عن المستقبل ـ ومعرفة الحياة ، وقوة النفس وعزتها ، والشجاعة والعقل الوافر ، والحكمة الصحيحة في تدبير الأمور ، واتخاذ ما يلزم ـ من موقف أو قرار ـ تجاه ما يحدث.
    بالإضافة إلى إيمانها الوثيق بالله تعالى ، وتقواها ، وورعها وعفافها ، وحيائها ، وهكذا إلى بقية فضائلها ومكارمها.
    وقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يغمر أطفال السيدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) بعواطفه ، ويشملهم بحنانه ، بحيث لم يعهد من جد أن يكون مغرماً بأحفاده إلى تلك الدرجة.
    وكان ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ إذا زارهم في بيتهم أو زاروه في بيته ـ يعطر خدودهم وشفاههم بقبلاته ، ويلصق خده بخدودهم.
    ويعلم الله تعالى كم من مرة حظيت السيدة زينب ( عليها السلام ) بهذه العواطف الخاصة ؟!
    وكم من مرة وضع الرسول الأقدس ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خده الشريف على خد حفيدته زينب ؟! وكم من مرة أجلسها في حجره ؟!
    وكم من مرة تسلقت زينب أكتاف جدها الرسول ؟!
    ويؤسفنا أنه لم تصل إلينا تفاصيل أو عينات تاريخية تنفعنا في هذا المجال ، وحول السنوات الخمس التي عاشتها السيدة تحت ظل الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم. (4)
    ________________________________________
    1 ـ سورة النور ، الآية 36.
    2 ـ البرهان في تفسير القرآن ، للسيد هاشم البحراني ، عند تفسير الآية الكريمة.
    3 ـ ومن ذكريات الطفولة في حياة السيدة زينب ( عليها السلام ) نقرأ في كتب التاريخ : أنها سألت أباها ذات يوم فقالت : أتحبنا يا أبتاه ؟!
    فقال الإمام : وكيف لا أحبكم وأنتم ثمرة فؤادي !
    فقالت : يا أبتاه إن الحب لله تعالى ، والشفقة لنا.
    المصدر : كتاب « زينب الكبرى » للنقدي ، وهو يحكي ذلك عن كتاب « مصابيح القلوب » للشيخ حسن السبزواري ، المعاصر للشهيد الأول ، رضوان الله عليهم.
    إن هذا الحوار الجميل يدل على أكثر من معنى ، فمن ذلك :
    1 ـ جو الود والصفاء الذي كان يخيم على دار الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) والعلاقات الطيبة بين الوالد الرؤف وبين طفلته الذكية !
    2 ـ إن الحب ينقسم إلى أكثر من قسم ، باعتبار نوعه ومنشئه ومنطلقه ، وكل قسم منه له إسم خاص به ، لكن يطلق على الجميع كلمة « الحب ».
    فهناك حب الإنسان لله تعالى الذي خلق البشر وأنعم عليهم بأنواع النعم. وهناك حب الوالد لأطفاله ، الذي ينبعث من العاطفة والحنان ، وقد عبرت السيدة زينب عن هذا النوع بـ « الشفقة ».
    ونقرأ في كتب اللغة أن الشفقة : هي العطف والحنان والرأفة والحنو. فهي ـ إذن ـ : فصيلة خاصة من الحب .. ينبعث من قلب الوالدين لأطفالهما.
    3 ـ المستوى الرفيع لتفكير السيدة زينب .. رغم كونها في السنوات الأولى من مرحلة الطفولة.
    أجل ، إنها سيدة .. حتى يوم كانت طفلة !
    ونقرأ ـ أيضاً ـ عن الذكاء المبكر للسيدة زينب : أن والدها أجلسها في حجره ـ يوم كانت طفلة ـ وبدأ يلاطفها ، وقال لها : بنية قولي واحد.
    فقالت : واحد.
    قال : قولي إثنين.
    فسكتت ! فقال لها : تكلمي يا قرة عيني.
    فقالت : يا أبتاه ما أطيق أن أقول اثنين بلسان أجريته بالواحد.
    فضمها إلى صدره وقبلها بين عينيها.
    المصدر : كتاب ( زينب الكبرى ) للنقدي ص 34.
    إن هذه اللقطة التاريخية تدل ـ بكل وضوح ـ على قوة التفكير والنضج المبكر في ذهن وفكر السيدة زينب ، حتى وهي في عمر الطفولة ، فكلامها هذا يدل على الأفكار والمفاهيم والمعاني التي كانت تجول في خاطرها !
    فاللسان الذي قال : واحد ، لا يمكن له أن ينطق بكلمة : اثنين ، لأن لكلمة « واحد » ظلال في ذهن السيدة زينب عليها السلام ، كلما ذكرت الكلمة تبادر الى الذهن ذلك الظلال ، وهو وحدانية الله سبحانه ، وعدم وجود إله ثان يشاركه في الألوهية والربوبية وإدارة الكون. المحقق
    4 ـ ونقرأ في بعض كتشب التاريخ رؤيا مخيفة رأتها السيدة زينب وهي في عمر الطفولة ، فحدثت بذلك جدها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقالت : يا جداه رأيت ـ البارحة ـ أن ريحاً عاصفة قد إنبعثت فاسودت الدنيا وما فيها وأظلمت السماء ، وحركتني الرياح من جانب إلى جانب ، فرأيت شجرة عظيمى فتمسكت بها لكي أسلم من شدة الريح العاصفة ، وإذا بالرياح قد قعلت الشجرة من مكانها وألقتها على الأرض !
    ثم تمسكت بغصن قوي من أغصان تلك الشجرة فكسرتها الرياح ، تعلقت بغصن آخر فكسرتها الريح العاصفة ، !!
    فتمسكت بغصن آخر وغصن رابع ، ثم استيقظت من نومي !
    وحينما سمع رسول الله منها هذه الرؤيا بكى وقال : أما الشجرة فهو جدك ، وأما الغصنان الكبيران فهما أمك وأباك ، وأما الغصان الآخران فأخواك الحسنان ، تسود الدنيا لفقدهم ، وتلبسين لباس المصيبة والحداد في رزيتهم.
    المصدر : كتاب ( زينب الكبرى ) للشيخ جعفر النقدي ص 18 ، مع تصرف يسير منا في بعض الكلمات.

    اترك تعليق:


  • السيدة زينب في عهد أمها البتول
    تستأنس البنت بأمها أكثر من استيناسها بأبيها ، وتنسجم معها أكثر من غيرها ، وتعتبر روابط المحبة بين الأم والبنت من الأمور الفطرية التي لا تحتاج إلى دليل ، فالأنوثة من أقوى الروابط بين الأم وبنتها.
    وإذا نظرنا إلى هذه الحقيقة من زاوية علم النفس ، فإن الأم تعتبر ينبوعاً للعاطفة والحنان ، والبنت ـ بطبعها وطبيعتها ـ متعطشة إلى العاطفة ، فهي تجد ضالتها المنشودة عند أمها ، فلا عجب إذا اندفعت نحو أمها ، وانسجمت معها روحاً وقلباً وقالباً.
    والسيدة زينب الكبرى كانت مغمورة بعواطف أمها الحانية العطوفة ، وقد حلت في أوسع مكان من قلب أم كانت أكثر أمهات العالم حناناً ورأفةً وشفقةً بأطفالها.
    السيدة زينب الكبرى تعرف الجوانب الكثيرة من آيات عظيمة أمها سيدة نساء العالمين وحبيبة رسول الله وقرة عينه وثمرة فؤاده ، وروحه التي بين جنبيه ، صلى الله عليه وآله وسلم.
    فقد فتحت السيدة زينب الكبرى عينيها في وجه أطهر أنثى على وجه الأرض ، وعاشت معها ليلها ونهارها ، وشاهدت من أمها أنواع العبادة ، والزهد ، والمواساة والإيثار ، والإنفاق في سبيل الله ، وأطعام الطعام مسكيناً ويتيماً وأسيراً.
    وشاهدت حياة أمها الزوجية ، والإحترام المتبادل بينها وبين زوجها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وإطاعتها له ، وصبرها على خشونة الحياة وصعوبة المعيشة ، ابتغاء رضى الله تعالى.
    كما عاصرت السيدة زينب الحوادث المؤلمة التي عصفت بأمها البتول بعد وفاة أبيها الرسول ، وما تعرضت له من الضرب والأذى ، كما سبقت منا الإشارة إلى ذلك.
    وانقضت عليها ساعات اليمة وهي تشاهد أمها العليلة ، طريحة الفراش ، مكسورة الضلع ، دامية الصدر ، محمرة العين.
    كما رافقت أمها الزهراء ( عليها السلام ) إلى مسجد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ حين إلقاء الخطبة ،

    اترك تعليق:


  • السيدة زينب في عهد والدها أمير المؤمنين
    بعد أن وصل الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) من البصرة إلى الكوفة ، واستقر به المكان ، إلتحقت به العوائل من المدينة إلى الكوفة.
    ومن جملة السيدات اللواتي هاجرن من المدينة إلى الكوفة هي السيدة زينب ( عليها السلام ) وقد سبقها زوجها عبد الله بن جعفر ، حيث كان في جيش الإمام لدى وصوله إلى البصرة.
    والمستفاد من مطاوي التواريخ والأحاديث أن الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ـ بعد انقضاء مدة من وصوله إلى الكوفة ـ نزل في دار الامارة ، وهو المكان المعد لحاكم البلدة ، ومع تواجد الإمام في الكوفة لم يكن هناك حاكم أو أمير غيره ، فلماذا لا ينزل في دار الإمارة ؟
    ويتبادر إلى الذهن أن دار الامارة كانت مشتملة على حجرات وغرف عديدة واسعة ، وكان كل من البنات والأولاد ( المتزوجين ) يسكنون في حجرة من تلك الحجرات ، والسيدة زينب كانت تسكن مع زوجها في حجرة أو غرفة من غرف دار الإمارة. (1)
    ومكثت السيدة زينب ( عليها السلام ) في الكوفة سنوات وعاصرت الأحداث والإضطرابات الداخلية التي حدثت : من واقعة صفين إلى النهروان ، إلى الغارات التي شنها عملاء معاوية على بلاد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.
    إنقضت تلك السنوات المريرة ، المليئة بالآلام والمآسي ، وانتهت تلك الصفحات المؤلمة بالفاجعة التي اهتزت منها السماوات والأرضون ، وهي حادثة استشهاد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.
    لقد كانت العلاقات الودية بين الإمام أمير المؤمنين وبين أولاده وبناته على أطيب ما يمكن ، وفي جو من الصفاء والوفاء ، والعاطفة والمحبة.
    والإمام أمير المؤمنين هو السلطان الحاكم على نصف الكرة الأرضية ، ومعه عائلته المصونة وأبناؤه المكرمون ، ولكنه ـ في شهر رمضان من تلك السنة ، وهي السنة الأخيرة والشهر الأخير من حياته ـ كان يفطر ليلة عند ولده الإمام الحسن ، وليلة عند ولده الإمام الحسين ( عليهما السلام ) وليلة عند السيدة زينب التي كانت تعيش مع زوجها عبد الله بن جعفر ، (2) كل ذلك تقويةً لأواصر المحبة والتواصل بينه وبين أشباله وبناته.
    وفي الليلة التاسعة عشر من شهر رمضان ، كانت النوبة للسيدة زينب ، وأفطر الإمام في حجرتها وقدمت له طبقاً فيه رغيفان من خبز الشعير ، وشيء من الملح ، وإناء من لبن.
    كان هذا هو فطور الإمام أمير المؤمنين الذي كان يحكم على نصف العالم ، وأنهار الذهب والفضة تجري بين يديه.
    واكتفى الإمام ـ تلك الليلة ـ برغيف من الخبز مع الملح فقط.
    ثم حمد الله وأثنى عليه ، وقام إلى صلاة ، ولم يزل راكعاً وساجداً ومبتهلاً ومتضرعاً إلى الله تعالى.
    ولا أعلم لماذا بات الإمام في حجرة ابنته السيدة زينب ـ تلك الليلة ـ ؟
    ولعله اختار المبيت في بيتها حتى تشاهد وترى ، وتروي مشاهداتها ومسموعاتها عن أبيها أمير المؤمنين في تلك الليلة ، إذ كانت تلك الليلة تمتاز عن بقية الليالي ، فإنها تحدثنا فتقول :
    إنه ( عليه السلام ) قال لأولاده : « إني رأيت ـ في هذه الليلة ـ رؤيا هالتني ، وأريد أن أقصها عليكم».
    قالوا : وما هي ؟
    قال : « إني رأيت ـ الساعة ـ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في منامي وهو يقول لي : يا أبا الحسن إنك قادم إلينا عن قريب ، يجيء إليك أشقاها فيخضب شبيتك من دم رأسك ، وأنا ـ والله ـ مشتاق إليك ، وإنك عندنا في العشر الآخر من شهر رمضان ، فهلم إلينا فما عندنا خير لك وأبقى ».
    فلما سمعوا كلامه ضجوا بالبكاء والنحيب ، وأبدوا العويل ، فاقسم عليهم بالسكوت ، فسكتوا. (3)
    وتقول السيدة زينب ( عليها السلام ) :
    لم يزل أبي ـ تلك الليلة ـ قائماً وقاعداً وراكعاً وساجداً ، ثم يخرج ساعةً بعد ساعة ، يقلب طرفه في السماء وينظر في الكواكب وهو يقول : والله ما كذبت ولا كذبت ، وإنها الليلة التي وعدت بها. ثم يعود إلى مصلاّه ويقول : اللهم بارك لي في الموت. ويكثر من قول : « انا لله وإنا إليه راجعون » ، « ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم » ، ويصلي على النبي وآله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ويستغفر الله كثيراً.
    تقول : فلما رأيته ـ في تلك الليلة ـ قلقاً متململاً (4)
    كثير الذكر والإستغفار ، أرقت معه ليلتي (5) وقلت : يا أبتاه ما لي أراك في هذه الليلة لا تذوق طعم الرقاد ؟
    قال ـ عليه السلام ـ : يا بنية إن أباك قتل الأبطال وخاض الأهوال وما دخل الخوف له جوفاً ، وما دخل في قلبي رعب أكثر مما دخل في هذه الليلة. (6)
    ثم قال : إنا لله وإنا إليه راجعون.
    فقلت : يا أبتاه ، ما لك تنعى نفسك في هذه الليلة ؟
    قال : يا بنية قد قرب الأجل وانقطع الأمل.
    قالت : فبكيت ، فقال لي : يا بنية لا تبكي فإني لم أقل ذلك إلا بما عهد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
    تقول ( عليها السلام ) : ثم إنه نعس وطوى ساعة ، ثم استيقظ من نومه وقال : يا بنية إذا قرب وقت الأذان فأعلميني.
    ثم رجع إلى ما كان عليه أول الليل من الصلاة والدعاء والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى.
    فجعلت أرقب وقت الأذان ، فلما لاح الوقت أتيته ومعي إناء فيه ماء ، ثم أيقظته فأسبغ الوضوء ، وقام ولبس ثيابه وفتح باب الحجرة ، ثم نزل إلى ساحة الدار.
    وكانت في الدار إوز (7) قد أهديت إلى أخي الحسين ، فلما نزل خرجن وراءه ورفرفن وصحن في وجهه ـ ولم يصحن قبل تلك الليلة ـ فقال ( عليه السلام ) : « لا إله إلا الله ، صوارخ تتبعها نوائح ، وفي غداة غد يظهر القضاء ».
    فقلت : يا أبتاه هكذا تتطير ؟!
    فقال : « يا بنية ! ما منا ـ أهل البيت ـ من يتطير ، ولا يتطير به ، ولكن قول جرى على لساني ».
    ثم قال ـ عليه السلام ـ : « يا بنية ! بحقي عليك إلا ما أطلقتيه ، فقد حبست ما ليس له لسان ، ولا يقدر على الكلام إذا جاع أو عطش ، فأطعميه واسقيه وإلا خلي سبيله يأكل من حشائش الأرض ».
    فلما وصل إلى الباب عالجه ليفتحه ، فتعلق الباب بمئزره ، فانحل مئزرة حتى سقط ، فأخذه وشده وهو يقول :
    أشـدد حيازيمك للموت ولا تجـزع من الموت كما أضحكـك الـدهر فإن المـوت لاقيكـا إذا حــل بنـاديكـا كذاك الدهـر يبكيكـا
    ثم قال : « اللهم بارك لنا في الموت ، الله مبارك لي في لقائك ».
    تقول السيدة أم كلثوم :
    وكنت أمشي خلفه ، فلما سمعته يقول ذلك قلت : واغوثاه يا أبتاه ! أراك تنعى نفسك منذ الليلى ؟!
    فقال ـ عليه السلام ـ : « يا بنية ! ما هو بنعاء ، ولكنها دلالات وعلامات للموت .. يتبع بعضها بعضاً ».
    ثم فتح الباب وخرج.
    فجئت إلى أخي الحسن فقلت : يا أخي قد كان من أمر أبيك الليلة كذا وكذا ، وهو قد خرج في هذا الليل الغلس ، فالحقه. (8)
    فقام الحسن ( عليه السلام ) وتبعه ، فلحق به قبل أن يدخل الجامع ، فأمره الإمام بالرجوع ، فرجع.
    أيها القارئ الكريم :
    هنا ننقل ما ذكره المؤرخون ، ثم نعود إلى حديث السيدة زينب عليها السلام :
    لقد جاء الإمام علي ( عليه السلام ) حتى دخل المسجد ، فصعد على المئذنة ووضع سبابتيه في أذنيه وتنحنح ، ثم أذن فلم يبق في الكوفة بيت إلا اخترقه صوته ، ثم نزل عن المئذنة وهو يسبح الله ويقدسه ويكبره ، ويكثر من الصلاة على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    وكان يتفقد النائمين في المسجد ويقول للنائم : الصلاة يرحمك الله ، قم إلى لصلاة المكتوبة ، ثم يتلو : « إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ». (9)
    ... ثم اتجه نحو المحراب وقام يصلي ، وكان ( عليه السلام ) يطيل الركوع والسجود ، فقام ابن ملجم ( لعنه الله ) لارتكاب أكبر جريمة في تاريخ الكون ، وأقبل مسرعاً حتى وقف بأزاء الاسطوانة التي كان الإمام يصلي عندها ، (10) فأمهله حتى صلى الركعة الأولى وسجد السجدة الأولى ورفع رأسه منها ، فتقدم اللعين ورفع السيف وهزه ثم ضرب الإمام على رأسه الشريف ، فوقعت الضربة على مكان الضربة التي ضربه عمرو بن عبدود العامري ، يوم الخندق.
    فوقع الإمام ( عليه السلام ) على وجهه قائلاً : بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ، فزت ورب الكعبة ، هذا ما و عد الله ورسوله ، وصدق الله ورسوله.
    وسال الدم على وجهه الشريف ، وشيبته المقدسة ، وعلى صدره وأزياقه (11) ، حتى اختضبت شيبته وتحقق ما أخبر عنه الرسول الكريم.
    وفي هذه اللحظة الأليمة هتف جبرئيل ـ بين السماء والأرض ـ ذلك الهتاف السماوي الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ الأنبياء والأوصياء.
    لقد هتف جبرئيل بشهادة الإمام علي ( عليه السلام ) كما هتف ـ يوم أحد ـ بفتوته وشهامته يوم قال : « لا فتى إلا علي لا سيف إلا ذوالفقار ».
    فقد اصطفقت أبواب المسجد الجامع (12) ، وضجت الملائكة في السماء ، وهبت ريح عاصفة سوداء مظلمة ، ونادى جبرئيل بصوت سمعه كل مستيقظ :
    « تهدمت ـ والله ـ أركان الهدى ، وانطمست ـ والله ـ نجوم السماء وأعلام التقى ، وانفصمت ـ والله ـ العروة الوثقى ، قتل ابن عم محمد المصطفى ، قتل الوصي المجتبى ، قتل علي المرتضى ، قتل ـ والله ـ سيد الأوصياء ، قتله أشقى الأشقياء ».
    فلما سمعت السيدة أم كلثوم نعي جبرئيل لطمت على وجهها وخدها ، وشقت جيبها وصاحت : واأبتاه ! واعلياه ! وامحمداه ! واسيداه !
    ... ثم حملوا الإمام ـ والناس حوله يبكون وينتحبون ـ وجاؤوا به إلى الدار. فاقبلت بنات رسول الله وسائر بنات الإمام ، وجلسن حول فراشه ينظرن إلى أسد الله وهو بتلك الحالة ، فصاحت السيدة زينب وأختها : أبتاه من للصغير حتى يكبر ؟! ومن للكبير بين الملأ ؟!
    يا ابتاه ! حزننا عليك طويل ، وعبرتنا لا ترقأ. (13)
    فضج الناس ـ من وراء الحجرة ـ بالبكاء والنحيب ، وشاركهم الإمام ( عليه السلام ) وفاضت عيناه بالدموع.
    وفي ليلة الحادية والعشرين من شهر رمضان ، في الساعة الأخير من حياة الإمام ( عليه السلام ) كانت السيدة زينب ( عليها السلام ) جالسة عنده تنظر في وجهه ، إذ عرق جبين الإمام ، فجعل يمسح العرق بيده ، فقالت زينب : يا أبه أراك تمسح جبينك ؟
    قال : يا بنية سمعت جدك رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : « إن المؤمن إذا نزل به الموت ودنت وفاته عرق جبينه وصار كاللؤلو الرطب ، وسكن انينه ».
    فعند ذلك ألقت زينب بنفسها على صدر أبيها وقالت : يا ابه حدثتني أم أيمن بحديث كربلاء ، وقد أحببت أن أسمعه منك. (14)
    فقال ( عليه السلام ) : « يا بنية ! الحديث كما حدثتك أم أيمن ، وكأني بك وبنساء أهلك لسبايا بهذا البلد ، خاشعين تخافون أن يتخطفكم الناس ، فصبراً صبراً ».
    ثم التفت الإمام إلى ولديه الحسن والحسين ( عليهما السلام ) وقال : « يا أبا محمد ويا أبا عبد الله ، كأني بكما وقد خرجت عليكما من بعدي الفتن من ها هنا وها هنا ، فاصبرا حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين.
    يا ابا عبد الله ! أنت شهيد هذه الأمة ، فعليك بتقوى الله والصبر على بلائه.
    ثم أغمي عليه وأفاق ، وقال : هذا رسول الله وعمي حمزة وأخي جعفر وأصحاب رسول الله ، وكلهم يقولون : عجل قدومك علينا فإنا إليك مشتاقون.
    ثم أدار عينيه في وجوه أهل بيته وقال لهم : « استودعكم الله » ، وتلا قوله تعالى « لمثل هذا فليعمل العاملون » (15) وقوله سبحانه « إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون » (16).
    ثم تشهد الشهادتين وفارق الحياة.
    فعند ذلك صرخت زينب وأم كلثوم وجميع نسائه وبناته ، وشققن الجيوب ، ولطمن الخدود ، وارتفعت الصيحة في الدار.
    ... ولما فرغ أولاد الإمام ( عليه السلام ) من تغسيله ، نادى الإمام الحسن أخته زينب وقال : يا أختاه هلمي بحنوط جدي رسول الله ـ وكان قد نزل به جبرئيل من الجنة ـ.
    فبادرت السيدة زينب مسرعة حتى أتته به ، فلما فتحته فاحت الدار لشدة رائحة ذلك الطيب.
    أيها القارئ الكريم : هذا بعض ما يرتبط بالسيدة زينب في حياة أبيها العظيم الإمام علي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقد اقتطفنا ما يرتبط بمقتل أبيها من كتابنا : الإمام علي من المهد إلى اللحد.
    ________________________________________
    1 ـ السيدة زينب تعلم تفسير القرآن لنساء الكوفة
    وجاء في التاريخ أن جمعاً من رجال الكوفة جاؤوا إلى الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقالوا : إئذن لنسائنا كي يأتين إلى ابنتك ويتعلمن منها معالم الدين وتفسير القرآن.
    فأذن الإمام لهم بذلك ، فبدأت السيدة زينب بتدريس النساء.
    ويعلم الله عدد النساء المسلمات اللواتي كن يحضرن درس السيدة .. طيلة أربع سنوات أو أكثر.
    وذات يوم دخل الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) الدار ، فسمع ابنته زينب تتحدث للنساء ـ في درسها ـ عن الحروق المقطعة في أوائل السور ، وعن بداية سورة مريم بشكل خاص.
    وبعد انتهاء الدرس إلتقى الإمام بابنته وقال لها : يا نور عيني أتعلمين أن هذه الحروف هي رمز لما سيجري عليك وعلى أخيك الحسين في أرض كربلاء ، ثم بدأ يحدثها عن بعض تفاصيل تلك الفاجعة.
    المصدر : كتاب ( الخصائص الزينبية ) للسيد الجزائري المتوفى عام 1384 هـ ، ص 68 ، وكتاب ( رياحين الشريعة ) للمحلاّتي ج 3 ص 57. المحقق
    2 ـ المصدر : الإرشاد للشيخ المفيد ، ص 169 ، وذكر أيضاً في « بحار الأنوار » للشيخ المجلسي ، ج 41 ص 300 ، باب إخباره بالغائبات وعلمه باللغات. نقلاً عن كتاب الخرائج.
    3 ـ كتاب « بحار الأنوار » للشيخ المجلسي ج 42 ص 277 ، باب 127.
    4 ـ متململاً : التململ : هو الإضطرات وعدم الإستقرار بسبب الهم أو الألم. وجاء في كتاب ( العين ) للخليل بن أحمد : الململة : أن يصير.
    الإنسان من جزع أو حرقة كأنه يقف على جمر. وقال الفيروز آبادي في ( القاموس ) : التململ : التقلب .. مرضاً أو غماً. المحقق
    5 ـ أرقت معه : أي سهرت معه ، الأرق : السهر.
    6 ـ بناءً على صحة هذه المقطوعة من التاريخ يتبادر إلى الذهن هذا السؤال : لماذا الخوف ؟
    الجواب : لا شك أن الخوف لم يكن من الموت ، لأن الإمام ( عليه السلام ) يقسم على الله تعالى ـ أكثر من مرة ـ أنه لا يخاف الموت ، وأنه « آنس بالموت من الطفل بصدر أمه » وأنه « لا يبالي أوقع على الموت أم وقع الموت عليه ». وساحات الحرب وميادين القتال تشهد له بصدق كلماته هذه.
    فلعل سبب الخوف : هو هيبة لقاء الله تعالى والإنتقال من عالم الفناء إلى عالم البقاء. أو الخوف والقلق على مستقبل الأمة بعد غياب الإمام عن ذلك المجتمع ، وبسبب خطر المؤامرات التي كان يحكيها معاوية ضد الإسلام والمسلمين.
    أو لغير ذلك من الأسباب والله العالم. المحقق
    7 ـ إوز ـ بكسر الهمزة وفتح الواو وتشديد الزاي ـ : البط ، كما في ( مجمع البحرين ) للطريحي. وقيل : الإوز : طائر يشبه البط في شكله العام ولكنه اكبر منه حجماً وأطول عنقاً. كما في كتاب ( المعجم الوسيط ).
    8 ـ الغلس ـ بفتح اللام ـ : ظلمة آخر الليل كما في ( القاموس ) للفيروز آبادي. وقيل : ظلام آخر الليل إذا اختلط بضوء الصباح. كما في كتاب ( مجمع البحرين ) للطريحي.
    9 ـ سورة العنكبوت ، الآية 45.
    10 ـ الأسطوانة : العمود الذي يعتمد عليه سقف البناء. وكلمة « أسطوانة » معربة من اللغة الفارسية ، وأصلها : « ستون » أو « أستون ». المحقق
    11 ـ أزياق ـ جمع زيق .. بالكسر ـ : زيق القميص : ما أحاط بالعنق من القميص. كما في كتاب القاموس وتاج العروس. وبتعبير آخر : زيق ، فتحة القميص التي يدخل الإنسان رأسه منها. المحقق
    12 ـ إصطفقت : ضربت بعضها ببعض ، ضرباً يسمع منه الصوت.
    13 ـ لا ترقأ : لا تنقطع ، أو لا تجف.
    14 ـ سوف نذكر لمحة سريعة عن أم أيمن ، في فصل ( بعض ما روي عن السيدة زينب عليها السلام ).
    15 ـ سورة الصافات ، الآية 61.
    16 ـ سورة النحل ، الآية 128.

    اترك تعليق:


  • السيدة زينب مع أخيها الإمام الحسن المجتبى
    إن الاحترام اللائق ، والتقدير الرفيع كان متبادلاً بين السيدة زينب الكبرى وبين أخيها الأكبر ، وهو السبط الأول لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : الإمام الزكي ، الحسن المجتبى عليه السلام.
    إن السيدة زينب كانت تنظر إلى أخيها الامام الحسن من مناظرين :
    1 ـ منظار الأخوة.
    2 ـ منظار الإمامة.
    فمن ناحية : يعتبر الإمام الحسن الأخ الأكبر للسيدة زينب ( عليها السلام ) ومن المعلوم أن الأخ الأكر له مكانة خاصة عند الإخوة والأخوات ، وقد ورد في الحديث الشريف : « الأخ الأكبر بمنزلة الأب » (1)
    ومن ناحية أخرى : يعتبر الإمام الحسن ( عليه السلام ) إمام زمان السيدة زينب بعد شهادة الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ولهذا فإن احترامها لاخيها كان ينبعث من هذين المنطلقين.
    وتجدر الإشارة إلى أن كل ما سنذكره ـ من الروابط القلبية بين السيدة زينب والإمام الحسين ـ فهي ثابتةً بينها وبين أخيها الإمام الحسن أيضاً.
    وإذا كان التاريخ قد سكت عن التفاصيل فإن أصل الموضوع ثابت.
    ونكتفي ـ هنا ـ بما ذكر في بعض الكتب من موقف السيدة زينب حينما حضرت عند أخيها الإمام الحسن ساعة الوفاة :
    « ... وصاحت زينب : وا أخاه ! وا حسناه ! وا قلة ناصراه ! يا أخي من الوذ به بعدك ؟!
    وحزني عليك لا ينقطع طول عمري ! ثم إنها بكت على أخيها وهي تلثم خديه وتتمرغ عليه ، وتبكي طويلاً ». (2)
    ________________________________________
    1 ـ الحديث مروي عن الإمام علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ). ذكر في كتاب « بحار الأنوار » ج 75 ، 335 ، طبع لبنان عام 1403 هـ.
    2 ـ معالي السبطين ، للمازندراني ، ج 1 ، المجلس التاسع.

    اترك تعليق:


  • العلاقات الودّية بين السيدة زينب وأخيها الإمام الحسين
    إن روابط المحبة ، والعلاقات الودية بين الإخوة والأخوات كانت من قديم الزمان ، حتى صارت يضرب بها المثل في المحبة والمودة بين اثنين ، فيقال : كأنهما أخوان ، أو كأنهما أخ وأخت.
    ولكن العلاقات الودية وروابط المحبة بين الإمام الحسين وبين أخته السيدة زينب ( عليهما السلام ) كانت في القمة وكانت تمتاز بمزايا ، ولا أبالغ إذا قلت : لا يوجد ولم يوجد في العالم أخ وأخت تربطهما روابط المحبة والوداد مثل الإمام الحسين وأخته السيدة زينب. فإن كلاً منهما كان قد ضرب الرقم القياسي في مجال المحبة الخالصة ، والعلاقات القلبية.
    وكيف لا يكونان كذلك وقد تربيا في حجر واحد وتفرعا من شجرة واحدة ؟!
    ولم تكن تلك العلاقات منبعثة عن عاطفة القرابة فحسب ، بل عرف كل واحد منهما ما للآخر من الكرامة ، وجلالة القدر وعظم الشأن.
    فالسيدة زينب تعرف أخاها بأنه :
    سيد شباب أهل الجنة وريحانة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وتعلم بأن الله تعالى قد أثنى على أخيها في آيات كثيرة من القرآن الكريم ، كآية المباهلة ، وآية المودة ، وآية التطهير ، وسورة « هل أتى » ، وغيرها من الآيات والسور.
    بالاضافة إلى أنها عاشت سنوات مع اخيها في بيت واحد ، وشاهدت ما كان يتمتع به اخوها من مكارم الأخلاق والعبادة والروحانية ، وعرفت ما لأخيها من علو المنزلة وسمو الدرجة عند الله عزوجل.
    وتعلم انه إمام منصوب من عند الله تعالى ، منصوص عليه بالإمامة العظمى والولاية الكبرى من الرسول الأقدس صلى الله عليه وآله وسلم.
    مع توفر شروط الإمامة ولوازمها فيه ، كالعصمة ، والعلم بجميع أنواع العلوم ، وغير ذلك.
    وهكذا يعرف الإمام الحسين ( عليه السلام ) أخته السيدة زينب حق المعرفة ، ويعلم فصائلها وفواضلها وخصائصها.
    ومن هنا يمكن لنا أن نطلع على شيء من مدى الروابط القوية بين هذا الأخ العظيم وأخته العظيمة.
    وقد جاء في التاريخ : أن الإمام الحسين ( عليه اسلام ) كان يقرأ القرآن الكريم ـ ذات يوم ـ فدخلت عليه السيدة زينب ، فقام من مكانه وهو يحمل القرآن بيده ، كل ذلك احتراماً لها. (1)
    ________________________________________
    1 ـ كتاب ( ذخيرة المعاد ) للشيخ زين العابدين المازندراني.

    اترك تعليق:


  • موالاة آل البيت (عليهم السّلام)
    قال أبو الأسود الدؤلي (رضي الله عنه) :
    اُحـبّ مـحمّداً حـبّاً شديداً وعـباساً وحـمزة والوصيّا
    هوىً اُعطيته منذ استدارت رحى الإسلام لم يعدل سويّا
    بـنو عـمِّ الـنبي وأقربوه أحـب الـناس كـلهمُ إليّا
    فـإن يك حبُّهم رُشداً اُصبه ولست بمخطئٍ إن كان غيّا
    وقال الكعبي (رحمة الله عليه) :
    آلُ الرسول ونعم أكفاء الـ ـعـلا آلُ الـرسولِ
    خـيرُ الفروع فروعُهم واُصولُهم خيرُ الاُصولِ
    هم حبل الله , مَن اعتصم بهم نجا ، وهم سفن النجاة لمحبيهم , يصل المحب لهم إلى شاطئ السعادة , وقد قال (صلّى الله عليه وآله) : (( مثلُ أهل بيتي كسفينة نوح ؛ مَن ركبها نجا , ومَن تخلّف عنها غرق وهوى ، وزجّ في النار زجاً )) .
    وهم الذين مدحوا بآية التطهير ، قال (جلَّت آلآؤه) : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(1) , والمراد بأهل البيت فاطمة وبعلها علي ,وولداهما الحسن والحسين (عليهم السّلام) .
    ولقد ذكر أرباب التفسير أن آية التطهير نزلت على الرسول الأعظم وهو في بيت اُمِّ سلمة , ويروى عن اُمّ سلمة قالت : لما نزلت هذه الآية الشريفة على النبي (صلّى الله عليه وآله) جلل على الحسن والحسين وعلي وفاطمة كساءً , وقال : (( اللهمَّ هؤلاء أهل بيتي وحامّتي ، اذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً )) .
    فقلت : يا رسول الله ، وأنا معهم ؟
    قال (صلّى الله عليه وآله) : (( أنت مكانك , وأنت على خير )) .
    وذكر الفخر الرازي في تفسيره قال : إنّ أهل بيته (صلّى الله عليه وآله) ساووه في خمسة أشياء ؛ في الصلاة عليه وعليهم في التشهّد ، وفي السّلام , يقال في التشهد : السلام عليك أيها النبي (صلّى الله عليه وآله) , وقال تعالى : (سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ) , وفي الطهارة ، قال تعالى : (طه) , أي طاهر , وقال تعالى : (وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) , وفي تحريم الصدقة ، وفي المحبة ، قال تعالى : (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ) , وقال تعالى : (قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)(2) .
    وقال (صلّى الله عليه وآله) : (( أحبوا الله لما يغذوكم به ، وأحبوني لحبِّ الله ، وأحبوا أهل بيتي بحبي )) .
    وقال (صلّى الله عليه وآله) : (( لا يحبّنا أهل البيت إلاّ مؤمن تقي ، ولا يبغضنا إلاّ منافق شقي )) .
    ولقد كان (صلّى الله عليه وآله) يمرّ بباب فاطمة إذا خرج إلى صلاة الفجر ، ويقول : (( الصلاة يا أهل البيت , إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً )) .
    وقد قال علي (عليه السّلام) في بعض خطبه : (( نحن شجرة النبوة , ومحط الرسالة , ومختلف الملائكة , ومعادن العلم , وينابيع الحكم ؛ ناصرنا ومحبّنا ينتظر الرحمة ، وعدوّنا ومبغضنا ينتظر السطوة )).
    وإليك ما نظمه الشافعي محمّد بن إدريس (رحمه الله) :
    يـا آل بـيت رسولِ الله حبكمُ فرضٌ من الله في القرآن أنزلهُ
    كـفاكمُ مـن عظيم الفخر أنّكمُ مَن لم يصلِّ عليكم لا صلاة لهُ
    * * * *
    وله أيضاً :
    همُ القوم مَن أصفاهم الودَّ مخلصاً تمسّك في اُخراه بالسبب الأقوى
    مـوالاتهمُ فـرضٌ وحبُّهم هدىً مـحاسنهمْ تُحكى وآياتهم تُروى
    وله أيضاً :
    يا راكباً قفْ بالمحصبِّ من منى واهتف بساكنِ خيفها والناهضِ
    سحراً إذا فاض الحجيجُ إلى منى فـيضاً كملتطم الفراتِ الفائضِ
    إنْ كـان رفـضاً حبُّ آل محمّدٍ فـليشهد الـثقلان أنّي رافضي
    * * * *
    ولزبينا بن إسحاق النصراني :
    عـديٌ وتـيم لا اُحـاول ذكرهم بـسوءٍ ولـكنّي مـحبٌّ لـهاشمِ
    ومـا يـعتريني في عليٍّ ورهطه إذا ذكـروا فـي الله لـومةُ لئمِ
    يـقولون ما بال النصارى تحبُّهمْ وأهـلُ النهى من أعربٍ وأعاجمِ
    فـقلتُ لـهم إنّـي لأحسبُ حبّهمْ سرى في قلوب الخلق حتّى البهائمِ
    * * * *
    وهذا ابن عباس حبر الاُمّة , جاء من طريقه أنه لمّا نزل قوله تعالى : (قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) , قالوا : يا رسول الله , مَن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم ؟
    قال : (( عليٌّ وفاطمة وابناهما )) .
    وقد قال (صلّى الله عليه وآله) : (( إنّ الله جعل أجري عليكم المودة في أهل بيتي , وإنّي سائلكم غداً عنهم )) .
    وقال (صلّى الله عليه وآله) : (( الزموا مودتنا أهل البيت ؛ فإنّه مَن لقي الله (عزّ وجلّ) وهو يودّنا دخل الجنة بشفاعتنا . والذي نفسي بيده , لا ينفع عبداً عمله إلاّ بمعرفة حقّنا )) .
    وللشيخ محي الدين بن عربي (قدّس سره) :
    رأيـت ولائـي آلَ طـه فريضةً على رغمِ أهل البُعد يورثني القُربا
    فما طلب المبعوث أجراً على الهدى بـتبليغه إلاّ الـمودة فـي القربى
    * * * *
    والحديث المأثور ذكره أرباب الحديث والصحاح , (( مَن حفظني في أهل بيتي فقد اتّخذ عند الله عهداً )).
    وقال (صلّى الله عليه وآله) : (( استوصوا بأهل بيتي خيراً ؛ فإني اُخاصمكم عنهم غداً , ومَن أكن خصمه أخصمه ، ومَن أخصمه دخل النار )) .
    هؤلاء هم آل رسول الله الذين وجبت على الناس محبتهم وولاؤهم والصلاة عليهم .
    كان جابر بن عبد الله الأنصاري (رحمه الله) يقول : لو صلّيت صلاةً لم اُصلِّ فيها على محمّد وعلى آل محمّد ما رأيت أنها تُقبل .
    وقد سُئل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كيف الصلاة على أهل البيت , قال (صلّى الله عليه وآله) : (( قولوا : اللهمَّ صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد ، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد )) .
    فسلام الله على آل رسول الله الطيّبين الطاهرين ، وسلام الله على عقيلة آل النبي الأمين , وابنة علي بن أبي طالب (عليه السّلام) أمير المؤمنين , زينب الكبرى ورحمة الله وبركاته .
    تاريخ الباب الذهبي لحرم العقيلة زينب الكبرى (عليها السّلام)
    حرمُ العقيلة زينبٍ حرمُ الهدى بـفنائهِ زمـرُ الملائك عكّفُ
    والـناسُ تـلثم منه عتبةَ بابِه وجميعهم أرّخ « به تتشرفُ »
    الكاظمية ـ علي الهاشمي الخطيب
    والحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسّلام على محمّد وآله الطاهرين

    ـــــــــــــــــــــ
    (1) سورة الأحزاب / 33 .
    (2) سورة الشورى / 23

    اترك تعليق:


  • تحقيق حول مشهدها الشريف في الشام أو في مصر
    لا ريب أنّ الفاطميِّين هم من السلالة الطاهرة , ومن أبناء العلويِّين الذين ينتمون إلى الإمام علي بن أبي طالب (عليه السّلام) , وعلى رغم ما فعلته السلطة الجائرة من إنكار نسبهم الشريف , وقد قيل :
    ولا تضرّ كلابُ السود أن نبحتْ على الاُسود وأبدت كامنَ الضغنِ
    فهذا ابن عمهم الشريف الرضي (رضوان الله عليه) يصدّق نسبهم بقوله :
    أَلبَسُ الذُلَّ في دِيارِ الأَعادي وَبِمِصرَ الخَليفَةُ العَلَوِيُّ
    مَن أَبوهُ أَبي وَمَولاهُ مَولا يَ إِذا ضامَني البَعيدُ القَصِيُّ
    لَفَّ عِرقي بِعِرقِهِ سَيِّدا النا سِ جَميعاً مُحَمَّدٌ وَعَلِيُّ(*)
    وقد جهد الفاطميّون في عهدهم على أن يجعلوا مصر شيعية محضة موالية لآل الرسول (صلّى الله عليه وآله) ومَن وجبت على الخلق محبتهم ، وقاموا بأشياء توطئة لقصدهم , منها جلبهم الصندوق الذي فيه رأس الحسين (عليه السّلام) من عسقلان(1) إلى مصر , وبنو عليه مسجداً فخماً , وحتّى اليوم يزار مسجد رأس الحسين (عليه السّلام) .
    ذكر الشيخ عبد الوهاب الشعراني في طبقات الأولياء عند ترجمته للحسين (عليه السّلام) , قال : دفنوا رأسه ببلاد المشرق ، ثمّ رشى عليه طلايع بن رزيك بثلاثين ألف دينار ونقله على مصر ، وبنى عليه المشهد الحسيني ، وخرج هو وعسكره حفاة إليه نحو الصالحية من طريق الشام ينقلون الرأس الشريف , ثمّ وضعه طلايع في كيس من الحرير أخضر على كرسي آبنوس وفرشوا تحته المسك والعنبر والطيب قدر وزنه مراراً .
    وممن قال : إنّ الرأس الشريف بالمشهد الذي بالقاهرة اليوم ، نقل إليها من عسقلان ، علي بن أبي بكر المشهور بالسائح الهروي , المتوفّى سنة 611 هـ , قال [في] الإشارات إلى أماكن الزيارات عند كلامه على عسقلان : وبها مشهد الحسين (رضي الله عنه) ، كان رأسه بها ، فلما أخذتها الفرنج نقله المسلمون إلى مدينة القاهرة سنة 549 هـ .
    وذكر مجير الدين الحنبلي في (الأنس الجليل) عند ذكر ه لعسقلان ، قال : وبها ـ أي بعسقلان ـ مشهد عظيم بناه بعض الفاطميِّين من خلفاء مصر على مكان زعموا أنّ فيه رأس الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السّلام) .
    كما وأنّهم شيّدوا مرقد السيدة نفيسة , ونوهوا بنسبها وعظم شأنها , وهو يزار حتّى اليوم ، وكذلك شيدوا أيضاً قبر اُمّ كلثوم الملقّبة بزينب الصغرى , ونوّهوا بأنّ هذا هو مرقد السيدة زينب عقيلة بني هاشم .
    وهاك ما كتب على باب المرقد : بسم الله الرحم الرحيم ، (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً) ، هذا ما أمر به عبد الله ووليه أبو تميم أمير المؤمنين الإمام العزيز بالله (صلوات الله تعالى عليه وعلى آبائه الطاهرين , وأبنائه المكرمين) , أمر بعمارة هذا المشهد على مقام السيدة الطاهرة بنت الزهراء البتول ، زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب (صلوات الله تعالى عليها وعلى آبائها الطاهرين ، وأبنائها المكرمين).
    وقد أخذ المؤرّخون على ما وجدوا من الكتابات على جدران مرقدها , والتي رقمت في أيام الفاطميِّين بعين الاعتبار , وجاء مؤلف كتاب (العدل الشاهد في تحقيق المشاهد) ، مشاهد مصر , فذكر أنّ هذا هو قبر زينب الكبرى ، وتبعه المتأخّرون وأثبتوا ذلك في مؤلفاتهم , وهذا المقريزي(2) لم يذكر لزينب الكبرى مشهداً في مصر ، وجلّ قوله في ما كان يعمل في يوم عاشوراء من سنة ثلاث وستين وثلاثمئة ، قال : انصرف خلق من الشيعة وأشياعهم إلى المشهدين ؛ قبر اُمِّ كلثوم ونفيسة ، ومعهم جماعة من فرسان المغاربة ورجالاتهم بالنياحة والبكاء على الحسين (عليه السّلام) ... إلخ .
    وعند ذكره للشيعة(3) , وقد كانت مصر لا تخلو منهم في أيام الإخشيدية والكافورية في يوم عاشوراء عند قبر اُمّ كلثوم وقبر نفيسة ... إلخ , ذكر واقعة الطفِّ ومقتل الحسين في نفس المصدر , ويذكر زينب الكبرى ومواقفها يوم عاشوراء .
    فالحقيقة هي أنّ المشهد الذي في مصر هو مشهد اُمّ كلثوم بنت علي (عليه السّلام) , والمشهد الذي بالشام هو مشهد زينب الكبرى ، وقد تسلمته الشيعة عن بعيد ، وجيلاً عن جيل ، إذاً لا يرتاب أحد في ذلك أبداً .
    وهذا الحجة الأكبر وإمام عصره سيدنا السيد عبد الحسين شرف الدين , فإنّ رأيه الصواب , وقوله الفصل يرى أنّ هذا هو مشهد العقيلة زينب الكبرى ، وله مقالة مسهبة بمناسبة وصول الضريح الأثري الذي تبرّع به المرحوم محمّد حبيب الباكستاني ، ونصب على قبر السيدة زينب في قرية الست من ضواحي الشام , وذلك بعد أن ذكر (عطّر الله مرقده) طرفاً من ترجمتها ، والمقالة ذات فصول ، وهذا عنوان مشهدها (مشهد العقيلة) .
    وهذه اُمّ المصائب عقيلة الوحي والنبوة , وخفرة علي وفاطمة (عليهما السّلام) , زينب , بلغ من عناية الله تعالى بها وكرامتها عليه أن كان مشهدها هذا منذ حلّت رمسه ، كلّ سنة هو أفخم وأعظم منه في سابقتها ، حتّى بلغ اليوم أوج العظمة والعلاء ، يطوف المسلمون بهذا المشهد ، ويعتصمون به ، فإذا هو على الدوام أمل الراغب الراجي عفو ربّه [عن] ذنوبه ، وأمن الراهب التائب الراجي في ستر عيوبه , ويقضي حوائجه ، متوسلاً إليه تعالى باُمّ المصائب في سبيله (عزّ وجلّ) .
    هذا شأن المخلصين لله تعالى في حفظ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في عترته من بعده ، يعظمون شعائر الله تعالى : (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)(4) .
    وذكر المغفور له الحجة السيد حسن الصدر (نوّر الله رمسه) ، في كتاب (نزهة أهل الحرمين) ، زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين (عليه السّلام) , وكنيتها اُمّ كلثوم ، قبرها قرب زوجها عبد الله بن جعفر الطيار خارج دمشق الشام معروف .
    جاءت مع زوجها عبد الله بن جعفر أيام عبد الملك بن مروان إلى الشام سنة المجاعة , ليقوم عبد الله بن جعفر في ما كان له من القرى والمزارع خارج الشام حتّى تنقضي المجاعة ، فماتت زينب هناك ، ودُفنت في بعض تلك القرى .
    قلت : واليوم تعرف القرية التي فيها مرقدها باسمها , قرية الست زينب . انتهى .
    وجاء في كتاب (لواقح الأنوار) : توفيت زينب بنت علي بن أبي طالب (عليه السّلام) بدمشق الشام في سنة أربع وسبعين هجرية . انتهى .
    وذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان 4 / 216 عند ذكر (راوية) : قرية من غوطة دمشق , بها قبر اُمّ كلثوم ... إلخ .
    وجاء في رحلة ابن بطوطة عند سرده للقبور التي حوالي دمشق الشام , قال : وبقربه قبلي البلد , وعلى فرسخ منها مشهد اُمّ كلثوم بنت علي بن أبي طالب من فاطمة (عليهم السّلام) ، ويقال : إنّ اسمها زينب ، وكنّاها النبي (صلّى الله عليه وآله) اُمّ كلثوم ؛ لشبهها بخالتها اُمّ كلثوم بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) , وعليه مسجد كريم , وحوله مساكن , وله أوقاف ، ويسمّيه أهل دمشق قبر الست اُمّ كلثوم .... إلخ .
    وذكر ابن جبير في رحلته عند عرض ذكره للمشاهد والقبور في دمشق الشام ، قال : ومن مشاهد أهل البيت (رضي الله عنهم) مشهد اُمّ كلثوم ابنة علي بن أبي طالب (رضي الله عنهما) ، ويقال لها : زينب الصغرى , واُمّ كلثوم كنية أوقعها عليها النبي (صلّى الله عليه وآله) ؛ لشبهها بابنته اُمّ كلثوم (رضي الله عنها) , والله أعلم بذلك .
    ومشهدها الكريم بقرية قبلي البلد تُعرف بـ (راوية) , على مقدار فرسخ , وعليه مسجد كبير , وخارجه مساكن , وله أوقاف ، وأهل هذه الجهات يعرفونه بقبر الست اُمّ كلثوم . مشينا إليه وبتنا به , وتبرّكنا برؤيته نفعنا الله بذلك .
    وذكر الشيخ الشبلنجي في كتابه القيّم (نور الأبصار/ 238) ط العثمانية , في مناقب السيدة رقية المدفونة بدمشق الشام ، قال : وقد أخبرني بعض الشوام أنّ للسيدة رقية بنت الإمام علي (كرّم الله وجهه) ضريحاً بدمشق الشام , وأنّ جدران قبرها كانت قد تعيبت ، فأرادوا إخراجها منه لتجديده , فلم يتجاسر أحد أن ينزل من الهيبة ، فحضر شخص من أهل البيت يدعى السيد ابن مرتضى , فنزل في
    الصفحة (71)
    قبرها ، ووضع عليها ثوباً لفّها فيه ، وأخرجها فإذا هي بنت صغيرة دون البلوغ . وقد ذكرت ذلك لبعض الأفاضل , فحدّثني به ناقلاً عن أشياخه . انتهى كلام الشبلنجي .
    قلت : لم يذكر التاريخ أن رقية بنت علي (عليه السّلام) مدفونة بالشام ، وإنّما المأثور والمنقول أنّ هذه هي الطفلة رقية بنت الحسين بن علي (عليه السّلام) التي توفيت بالخربة ، والذي يؤكّد ذلك قول الشبلنجي نفسه : (إذاً هي بنت صغيرة) , وقبرها اليوم في سوق الشام في الجامع المعروف باسمها ، يزار ويتبرك به ، وقد جدّدوا ضريحه قبل أعوام ، وأرّخت عام تجديده (حول ضريح رقية) .
    وأمّا السيد [الذي] نزل في قبرها وأخرجها , ووضع عليها ثوباً لفّها فيه ثمّ دفنها بمكانها ، هو جد الأسرة السادة آل مرتضى , وهم سدنة مرقد السيدة زينب بنت الإمام علي (عليه السّلام) المدفونة في قرية (راوية) , وتُعرف اليوم بقرية الست زينب (عليها السّلام) .
    وسدانة هذا المرقد تقوم به اليوم هذه الأسرة العلوية والدوحة الهاشمية منذ مئات الأعوام ، السادة أل مرتضى يتوارثون هذه السدانة وخدمة هذه العتبة المشرفة يداً عن يد , ويتسلّم مفاتيح هذه الروضة المباركة الخلف بعد السلف .
    ولقد وفّق الله تعالى في الآونة الأخيرة حضرة الوجيه , والتاجر الشهير , المحب للخير , والقائم بشعائر الدين الحاج مهدي البهبهاني فكرّس أوقاته لتشييد وتعمير هذه العتبة ،وأمره مطاع لدى أرباب الخير وأبناء الإسلام , وتلّمذ عليه بهذه الخدمة الشريفة السيد الجليل السيد رضا الكاظمي , فحيّا الله منه هذه الشهامة الهاشمية ، ووفّقه إلى أعمال البر والخير .

    ـــــــــــــــــ
    (*) وردت الأبيات هنا في غير هذا النحو , وفيها من الأخطاء العروضية والتغيير والتبديل الشيء الكثير , وقد أثبتنا ما هو موجود من أصل الديوان . (موقع معهد الإمامين الحسنَين)
    (1) عسقلان : مدينة كانت على ساحل بحر الشام من أعمال فلسطين ، وكان يقال لها : عروس الشام ؛ لحسنها ، وهي ذات بساتين وضياع ، بها مشهد رأس الحسين (عليه السّلام) , وهو مشهد عظيم ، وفيه ضريح الرأس والناس يتبركون به ، وقد نقل الفاطميّون رأس الحسين منها إلى مصر .
    (2) انظر الخطط المقريزيّة 2 / 289 .
    (3) المصدر نفسه / 290 .
    (4) سورة الحج / 32 .

    اترك تعليق:


  • للعلامة السيد مسلم الحلي (أيّده الله) :
    أزيـنب هـذي نـدبةٌ عزّ وقعها على منطقي إذ موقع الرزء هائلُ
    أذاقـكِ أنـواعَ المصائب موقفٌ بـه الـسبط مـثكولٌ وإنك ثاكلُ
    فـيا مـوقفاً ما كان أسماه موقفاً بـه لـذوي الألباب لاحت دلائلُ
    جـهادُ لـسانٍ قد حكى في جلالِه جـهادَ سـنان والـجهادُ مراحلُ
    رميت بني حرب بحرب صواعقٍ قـنابلُ قـولٍ دونـهنّ الـقنابلُ
    تـحطّم فـيه عـرشُهم وعريشهمْ وهُـدّت حـصونٌ منهمُ ومعاقلُ
    كـذا فليكن مَن كان للدين ناصراً تـهونُ عـليه نـفسه والعواملُ
    * * * *

    للعلامة الشيخ حسن نجل الحجة الشيخ مرتضى أسد الله الكاظمي :
    زينب بنت علي (عليهما السّلام)
    تسيل دموعُ العين حزناً وتسكبُ إذا ذُكـرت اُمُّ المصائب زينبُ
    هـي الـمثل الأعـلى لـكلِّ فضيلةٍ وفي فضلها الأمثال في الناس تضربُ
    تـقـوم لـها الـعليا وتـقعد كـلّما تـبين لـها الـذكر الـحميد وتعربُ
    وكـم حـيّرت فـي ذكرها كلَّ كاتبٍ ومَـن أخـذته حـيرةٌ كـيف يكتبُ
    وكـم أعـجزتْ في مدحها كلَّ شاعرٍ وإن كـان يـحلو الشعر فيه ويعذبُ
    فـمَن جـدّها أو مَـن أبـوها واُمّها ومَـن أخـواها حـين تنمى وتنسبُ
    قــد اكـتسبت أخـلاقها وتـأدّبتْ بـآدابـهم يـا نـعم هـذا الـتأدّبُ
    مـبـاركةٌ فـي كـلِّ أرض تـحلّها فـتخضرّ منها الأرض يمناً وتخصبُ
    وعـالـمةٌ لـكـن بـغـيرِ تـعـلّمٍ وذا خـبرٍ يـروى ولـيس يُـكذّبُ
    لـقـد أودعـت أسـرار آل محمّدٍ فـتأخذ مـنها كـلَّ عـلم وتـكسبُ
    وتـحبو بـها عـلماً وتوهب حكمةً وطـوبى لـمن يُـحبا بهذا ويوهبُ
    تـفـوق نـساء الـعالمين شـجاعةً ومـنها رجـال الـعالمين تـعجبّوا
    فـمـا تـرتاب الـبلايا جـميعها ! ولا هـي من أعيائها تتهيبُ
    تـشقّ عـلى الـناس الـصعاب وإنّما يهون عـليها ما يشقّ ويصعبُ
    ألـمّت بـها الأرزاء وهي كثيرةٌ كـقطر السما ليست تُعدّ وتحسبُ
    ولـله مـن قـلبٍ تـحمّل ثـقلَها ولـو حـلّ قـلباً دونـه يتشعبُ
    وما حُصرت في خطبة يوم روعِها ويحصر يوم الروعِ مَن فيه يخطبُ
    لـقد حـملت يوم الطفوفِ رسالةً يـنوء بـها حـملاً سواها وينصبُ
    فـأعطت جميعَ الواجبات حقوقَها ومـا قـصرت فيها يحقُّ ويوجبُ
    فـقامت بـأعباء الـرعاية كـلِّها ومـا فـاتها فـي الأمر ما يتطلّبُ
    لـها وقـفاتٌ صـامداتٌ صـليبةٌ أشـد مـن الطود العظيم وأصلبُ
    ولـيست تـبالي لـو تلوم عدوَّها ولـو هـو مغتاظ عليها ومغضبُ
    ومـا أظهرت شكوى إلى أحد ولو ألـمّ بـها مـا لا يظن ويحسبُ
    ولـم نـر مـغلوباً على كلِّ أمره يـغالب بـالقول الـعدو فـيغلبُ
    وإنّ وقـوع الـقول فوق نفوسِهمْ أشـدّ عـليهم من سهامٍ وأصعبُ
    تـجنبت الـشيء الـمخلّ بشأنها وإنّ الـكريم الـحرَّ مَـن يتجنبُ
    وكـم أغلظت بالقول دون تريّبٍ أمـام الـذي مـن أمرها متريّبُ
    أمـام عـبيدِ الله طـوراً وتـارةً أمـام يـزيدٍ حـين قامت تؤنّبُ
    فـيالَ مـقامٍ لـو يـقوم مـقامها سواها قضى رعباً به حين يرعبُ
    فـتلهب بـاللفظ النفوسِ حماسةً وما هـي إلا جـمـرة تـتلهبُ
    لـقد أنـشبت حرباً عليهم طويلةً مداها وما زالت مدى الدهر تنشبُ
    ولـو لـم يـكن إقدامُها وجهادُها لـما كـان شـيء للوقيعة ينسبُ
    ويـعجب مـن إقدامها كلُّ معشرٍ ولا عـجبٌ مـنه إذا منه يعجبُ
    تـقلّبت الأحـداثُ نصب عيونِها ومـا أعـظم الأحداث إذ تتقلّبُ
    فـمـنظر قـتلاها أمـام عـيونِها وهـل مـنظرٌ مـنه أشـدّ وأرهبُ
    فـهذا عـلى وجـه الـصعيدِ معفّرٌ تـريبٌ وهـذا بـالدماء مـخضبُ
    ومـا بـرحت طـول الحياة حزينةً تـنوح عـلى قتلى الطفوف وتندبُ
    فما الرزء ينسى لا ولا الحزن ينتهي ولا النفس تسلو لا ولا الدمع ينضبُ
    فـفي كـلِّ يـوم فـي السماء مآتمٌ وفـي كـلِّ عـينٍ عـبرةٌ تتصبّبُ
    وإنّ بـعـين الله كــلَّ وقـيـعةٍ يـطيح بـها آلُ الـرسول ويعطبوا
    فـتطعن بـالسمر العوالي صدورها وأعـنـاقها بـالمشرفية تـضربُ
    وإنّ بـعـين الله كــلَّ عـقـيلةٍ لـهمُ فـي يد الأعداء تُسبى وتسلبُ
    فطوبى لأرضِ الشام حيث تنزّلت بـها بـركاتٌ تربها ليس يجدبُ
    تـحلّ بـها من نسوةِ الوحي حرّةٌ مـباركةٌ مـيمونةٌ هي «زينب»
    تطيّب تُربُ الأرضِ من طيبها وكمْ تـضوّع طـيباً تـربُها المتطيّبُ
    فـمرقـدُها فـي كلِّ قلبٍ معظّمٍ ومـشهدُها فـي كـلِّ نفسٍ محببُ
    وتـختلف الـزوّارُ نـحو مزارِها تـجيء إلـيه كـلَّ يـوم وتذهبُ
    فـلا فـاته روحٌ مـن الله طـيّبٌ ولا جـازه قطرٌ من السحب صيّبُ
    ــــــــــــــــــــ
    (*) هكذا ورد البيت في النسخة التي بين أيدينا , ولا يخفى ما فيه من خلل عروضي واضح . (موقع معهد الإمامين الحسنَين)
    (*) لا يخفى ما في المصراع من خلل عروضي بيّن . (موقع معهد الإمامين الحسنين)

    اترك تعليق:


  • بعض ما قيل فيها شعراً
    قصيدة للاُستاذ الكبير الشاعر الفحل السيد محمود الحبوبي نظمها أثناء طوافه حول ضريح السيدة الجليلة عقيلة الهاشميِّين زينب ابنة أمير المؤمنين علي (عليه السّلام) , وذلك عام 1950 هـ .
    هذا ضريحكِ يابنتِ الزهراءِ أم روضــةٌ قـدسـيةُ الأشـذاءِ
    جـئـنا لــه مـتبرّكين بـلثمهِ وبـه حـططنا الـيوم كلَّ رجاءِ
    حـرمٌ عـليه مـن الـنبوة هيبةٌ تـحنى لـديها أرؤسُ الـعظماءِ
    مـهـما سـعينا حـوله فـكأننا نـسعى حـيال الكعبةِ الـغرّاءِ
    ولـقد نـجا الـمتمسكون بـبابهِ مـن كـلِّ شـرٍّ طـارقٍ وبلاءِ
    غـمرت جوانبَه القداسةُ فاعتلى شـرفاً تـجاوز موطن الجوزاءِ
    نـورُ الـرسالة والإمامة ساطعٌ مـنه سـطوعُ الكوكب الوضّاءِ
    طـفنا به فأعاد ذكرى كربلا مـخضوبة مـنكم بـخير دماءِ
    لـله يـوم الطفِّ قلبك بعدما شـاهدتِ مـصرع سيّدَ الشهداءِ
    وبـجـنبه أبـناؤه وصـحابه كـالبدر حـاطته نـجوم سماءِ
    وحُملتِ بعدُ إلى دمشق أسيرةً وأجـلّ مـن اُنـجبن من حواءِ
    ولـقيتِ صـابرةً أمضّ فجيعة بـالإخـوة الأطـهار والأبـناءِ
    خُلقٌ من الهادي الأمينِ ورثتِهِ ومـن الوصي وآلك الاُمناءِ
    فتركتِ يا فخر العقائلِ في الملا أسـمى فـخارٍ خـالدٍ وعـلاء
    ترعاه عينُ الله فهو على المدى بــاقٍ بـروعته بـقاء ذُكـاءِ
    وعـليك مـنه صلاتُه وسلامُه فـي كـلِّ صبحٍ مشرق ومساءِ


    تيهي جلالاً يا بقاع الراوية
    تـيـهي جـلالاً يـا بـقاع ( الـراويه) وتـطاولي شـرفاً بـمثوى ( الـزاكيه)
    أدريــتِ مَـن حـلّت ربـاكِ فـطهّرتْ مـنك الربوعَ مـن الـكلابِ الـعاويه
    تـلـك مـن حـلت العقيلة «زيـنب » تنمى إلى شرف يطول على السماء الساميه(*)
    فـلَـبضعة الـزهراء كـانت اُمّـها حـدبت عـليها وهـي تُـدعى الـحانيه
    وإلـى عـليٍّ وهـو خـيرُ اُرومـةٍ نـسـبٌ تـبـلّج كـالـسماء الـضاحيه
    والـجدّ أحـمدُ مـن أتـى بـشريعةٍ تـهـدي الـبـرايا لـلـقيامة بـاقـيه
    اِروي الـحديث وأنت بعضُ شهودِه فـالقول منك مصدّق يا «راويه»
    وتـحدّثي لـلجيل عن قومٍ مضوا فـالجيل هـذا العصر اُذنٌ صاغيه
    كـم بـالشئام عـجائبٌ مرت بها بـالنافعات عـن القرون الماضيه
    تـلك اللـظات تقصّ بعض حديثها عـن زمـرةٍ حكمت فكانت طاغيه
    قـرن مـن الأعـوام أثقل كاهلي بـالفادحات فـعدتُ مـنها خـاويه
    كـم ذا لـقيت مـن الإساءة والعنا مـن صـبية ذرئـت لـنار حاميه
    فـالخمرة الـصهباء مـلءُ بطونِها وأكـفّها خـضبت دمـاءً زاكيه
    نـزو القرود على منابر أحمدٍ جهدت تـعيد الـشرك فيهم ثـانيه
    قصرت بها الأنساب أقصى فخرها شـيخٌ كـفور أو عـجوزٌ زانيه
    صـخر وهـند والـفروع بأصلِها هذا النجار وذي الاُصول كما هيه
    يـا «راويـة» فاروي الحديثَ لاُمّةٍ مـكبوتةٍ وتـعيش ظـمأى صاديه
    وتـحدّثي عـن ذي القصور ولهوِها أيـن الـقصورُ مضت وأين اللاهيه
    قـالت مـعالمها دويـنك مـا ترى يـكـفيك مـنّي مـا تـراها بـاقيه
    فـاضرب بـطرفك أين بانيَ مجدها ثــاوٍ بـأيـةِ حـفرة أو زاويه
    فـإذا الـقصور ولا بـقاء لـرسمها وإذا الــرؤوس ولا رمـيم بـاليه
    وانـظر إلى القبر المشيد ضريحه سامي الضراح علا بمثوى الزاكيه
    ذيّــاك حـكـمُ الله يـأبي عـدله إلاّ الإطـاحة بـالعروش الـخاويه
    وتـكون عـقبى الـدار تـبقى دائماً لـلـمـتّقين ولـلـعتاة الـهـاويه
    يـا« راويـة» والقلب ماضٍ جرحُه بـالفادحاتِ مـن الـمآسي الـقاسيه
    وأشـدها وقـعاً مـصائب كـربلا شــمُّ الـجبال لـهولها مـتداعيه
    شاد الحسينُ صروح دين هُدّمت وزيـنبٌ أوصـت تـتم الـباقيه !
    فشقيقة السبطين خفّت بالذي عن حمله كلُّ الرواسي واهيه
    قد قابلت كلَّ الخطوب بصبرها مهما تحيط بها الظروف العاتيه
    وأتـمّت الـصرح الذي لبناتهُ قـامت عليها فهي اُسُّ الزاويه
    بـدماء زمـرتها تـشيّد اُسّه وتـشيد أعـلاه دموعٌ جاريه
    فـمحت بـها أثـار ملك أميةٍ من دارها طرّاً فأضحت خاليه
    كم موقفٍ بالشام لم تضرع به صكّت به أسماع ذاك الطاغيه
    وأذلّـت الـنفر الـلئام بقيلها فـعنت لها بالذلِّ تلك الناصيه
    وسـمتهمُ الـعار الشنار بسبّةٍ حتّى هووا أعجاز نخلٍ خاويه
    فصل الخطاب ويا له من حجةٍ صـعقت لها تلك الجباه العاتيه
    فحروف خطبتِها حروفٌ زاهية وبـليغ حجتها صواعقُ داويه
    إيها ربوع الشام هذي زينبٌ وطئت ثراك وهي ليست راضيه
    فـتعجّلت كـفُّ المنون بقبضها لـمّا دعـت أن لا تـراكِ ثانيه
    فـتُعيدي للنفس الجريحة مشهداً يـحكي لها ذكرى المآسي الداميه
    لـكنّ ربّـك وهـو عـدلٌ حاكمٌ يقضي لتقضي في جوارك ناحيه
    كـم حـكمةٍ لـله فـي تـقديرِه فـتبين واضـحة واُخرى خافيه
    فـأسيرة الـماضي تحطّم هيكلاً ذرّ الـرماد فـماله مـن بـاقيه
    وتـقـيم قـبّتها بـرغمِ اُنـوفهمْ في أرضهم حيث القطوف الدانيه
    وتدرّ زينب حيث يهمي فضلها ثـرّاً عليك فعدت منها «راويه»
    وتخط زينبُ للخلود سطورَها ومـدادها تـلك الـدموع الغاليه
    وطـوت يـدٌ بيضاء كلَّ صحيفةٍ لاُمـيةٍ قـد سـوّدتها عـاصيه
    هـذا هـو الفتح المبين بنصرةِ الـ ـدين الحنيف وتلك عقبى الباقيه
    وختامُ شعري في نشيد القافيه تيهي جلالاً يا بقاع «الراويه»

    كلمة الاُستاذ الكبير أحمد فهمي محمّد المصري وشعره
    السيدة زينب بنت علي (عليهما السّلام) ، العقيلة الطاهرة ، والزهرة الناضرة ، والكريمة الباتعة ، والروضة اليانعة ، سبطة الرسول (صلّى الله عليه وآله) , وبضعة البتول , ونجيبة سيف الله المسلول ، السيدة المباركة زينب بنت علي بن أبي طالب (عليهم السّلام) .
    هـي زيـنب الـمفاخر والـعلا(*) وكـريـمةٌ آبـاؤهـا كُـرمـاءُ
    هي ربّة الشورى وغوث ضريعها وهـي الـعياذ ولـلعفاة رجـاءُ
    وله أيضاً :
    لـذ بالعقيلة بضعة الزهراءِ مـتـوسّلاً بـكريمة الآبـاءِ
    فهناك مهبطُ رحمة تحظى بها وهـناك ما ترجو من الآلاءِ
    وافتح بفاتحةِ الكتاب ضريحَها واقـرأ سلامك ضارعاً بدعاءِ
    حـتّى تنال الخير من نفحاتها وتـرى شـعاعَ جلالةٍ وبهاءِ
    فمزارها حرمٌ ومهبطها حمىً وهـي الـلياذ لنا من اللأواءِ
    فجوارحي تصبو لزورة قبرِها وجـوانحي تـهفو لها بولاءِ
    فالله شـرّف قـدرها ومقامَها والله يـوفي الـخير للسعداءِ
    وله أيضاً :
    نـورُ الـعقيلة في الآفاق وضّاءُ حـلّت دمشق فعم القطر أضواءُ
    نـورُ الـنبوّة موصولٌ بمهبطها والـنور فـي جنبات القبرِ لألاءُ
    حـفّت بـه بركاتٌ فاض صيّبها ونـفحةُ الله بـالروضات فيحاءُ
    يا ساكني الشام بشراكمْ بمهبطِها فـفي حـفافـيه لـلعافين آلاءُ
    وقـبرُها حـرمٌ من يستجير به تـنجاب عـنه بفضلِ الله لأواءُ
    * * * *
    ولبعضهم :
    هـذا ضـريح شقيقةِ القمرينِ بـنتِ الإمـامِ شريفة الأبوينِ
    وسـليلةِ الزهراء بضعة أحمدٍ نـورُ الـوجود وسيّد الثقلينِ
    نـسبٌ كريم للفصيحة زينبٌ شمس الضحى وكريمة الدارينِ
    * * * *

    للمرحوم الشيخ حسن سبتي :
    عـيـبةُ عـلمٍ غـير أنّ عـلمَها غـريـزةٌ ولـم يـكن مـكتسبا
    عـالـمـةٌ عـامـلـةٌ لـربِّـها طول المدى سوى التقى لن تصحبا
    تـقيةٌ مـن أهـل بـيت عصمةٍ شـقيقةُ الـسبط الحسينِ المجتبى
    صـدّيقةٌ كـبرى وجـمّ عـلمِها طـاشت بـها الألبابُ والفكر لبا
    فـيا لـها داعـيةٌ إلى الـهدى فـي حـلِّ كـلِّ مشكلٍ قد صعبا
    ذات فـصـاحةٍ إذا مـا نـطقتْ حـيناً تـخال المرتضى قد خطبا
    سـل مجلس الشام وما حلَّ به مُذ خطبت ماج بهم واضطربا
    * * * *

    وللمرحوم الشيخ أحمد الكناني من مقطوعة :
    لـذ فـي الـشدائد بابنةِ الزهراءِ واقـصد حـماها فـوق كلِّ عناءِ
    هـي زيـنبٌ ذات المقامات العلا وكـريـمةُ الأجــداد والآبــاءِ
    هي ربةُ الشورى وغوث مَن التجى بـنت الإمـام وفـارس الـهيجاءِ
    اُخـت الحسين وجدُّها خيرُ الورى وهـمُ إذا عـزَّ الـرجاءُ رجـائي
    * * * *

    للمغفور له الشيخ حسن سبتي :
    لمّا أصابت ( يثرباً) مجاعةٌ وشـدةٌ وعـامهم قـد قطبا
    فسار عبد الله ينحو الشام في عـياله يـحملهم و (زينبا )
    لـكنّ وعثاءَ الطريق أثّرت بـها فـكابدت عناءً نصبا
    وعـنـدما تـذكّـرت دخـولَها للشام حسرى وهي في أسر السبا
    حـمت ومـا زالت تعاني سقماً وسـقمها فـي جسمها قد نشبا
    وعـام خـمسةٍ وخمسين قضت صـابرةً بـالصبر حـازت رتبا
    وقـد قـضت في رجب بنصفِه يـاليت أنّـا لـم نـشاهد رجبا
    * * * *

    ولبعضهم :
    نـفسي الفداء لمشهدٍ أسرارُه مـن دونها سترُ النبوّة مسبلُ
    ورواقُ عـزٍّ فيه أشرف بقعةٍ ظلت تحار لها العقولُ وتُذهلُ
    تغضي لبهجته النواظر هيبةً ويـردّ عـنه طرفه المتأمّلُ
    حسدت مكانته النجوم فودّ لو أمسى يجاوره السماك الأعزلُ
    وسـما عـلوّاً أن تقبّل تربَه شـفةٌ فـأضحى بالجباه يُقبّلُ

    اترك تعليق:


  • أسفارها
    أجمع المؤرّخون على أنّ السيدة زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب (عليه السّلام) سافرت أوّلاً مع أبيها أمير المؤمنين (عليه السّلام) من المدينة إلى عاصمة حكمه الكوفة (العراق) , ورجعت إلى مسقط رأسها المدينة المنورة مع أخيها الحسن سيد شباب أهل الجنة وأول السبطين (عليهما السّلام) .
    وفي عام ستّين للهجرة سافرت مع أخيها الحسين (عليه السّلام) ريحانة رسول الله إلى كربلاء ـ العراق ـ للمرة الثانية , واُخذت من العراق بعد واقعة الطفِّ إلى الكوفة أسيرة مع السجاد زين العابدين (عليه السّلام) , وعيالات الحسين ومَن معهنّ من نساء الهاشميِّين والأنصار , ومنها سيّرت إلى دمشق الشام ، ومكثت بالشام أسيرة ، وبعدها رجعت إلى العراق مع السجاد زين العابدين (عليه السّلام) ـ إلى كربلاء ـ لتجديد العهد بزيارة أخيها الحسين والشهداء معه من آل رسول الله (صلوات الله عليهم أجمعين) ، ورجعت منها إلى المدينة في حالة مشجية .
    والسفرة الأخيرة كانت مع زوجها عبد الله بن جعفر (رحمه الله) حين جاء بها إلى دمشق ليتعاهد اُمور ملكه في قرية راوية , وفي هذه السفرة توفّيت ودفنت في راوية من أعمال دمشق ، والتي تبعد عنها من الجهة الشرقية الجنوبية ما يقرب من سبعة كيلو مترات ، وتُعرف اليوم بقرية قبر الست ، ولم يحدّثنا التاريخ عن غير هذه السفرات للسيدة زينب (عليها السّلام) .
    ـــــــــــــــــــــ
    (1) انظر أحمد بن أبي طاهر بن طيفور ـ بلاغات النساء / 143 , طبع مصر .

    اترك تعليق:

المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X