مكافأة الحرس
وقام الحرس بخدمات ورعاية إلى السيّدات، فالتفتت السيّدة فاطمة بنت الإمام أمير المؤمنين فقالت للعقيلة زينب: (لقد أحسن هذا الرجل إلينا فهل لك أن نصله بشيء؟). فأجابتها العقيلة:
(والله ما معنا شيء نصله به إلاّ حلينا..).
(نعم، هو ما تقولين).
وأخرجن سوارين ودملجين، وبعثتا بهما إليه واعتذرتا له، وتأثّر الرجل من هذا الكرم الغامر وهو يعلم ما هن فيه من الضيق والشدة، فقال لهما باحترام:
لو كان الذي صنعت للدنيا لكان في هذا ما يرضيني، ولكن والله ما فعلته إلاّ لله ولقرابتكم من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)(14).
حزن العقيلة
وخلدت عقيلة آل أبي طالب إلى البكاء على انقراض أهلها(15)، وكانت لا تجفّ لها عبرة، ولا تفتر عن البكاء، وكانت كلّما نظرت إلى ابن اخيها الإمام زين العابدين يزداد وجيبها وحزنها، وقد نخب الحزن قلبها الرقيق المعذّب، حتى صارت كأنّها صورة جثمان فارقته الحياة.
___________________________________
1 - حياة الإمام الحسين(عليه السّلام) 414:3.
2 - تاريخ ابن الأثير 300:3.
3 - حياة الإمام الحسين(عليه السّلام) 416:3.
4 - حياة الإمام الحسين(عليه السّلام) 416:3.
5 - مقتل الحسين(عليه السّلام) - المقرّم:417.
6 - الصراط السوي في مناقب آل النبيّ (صلّى الله عليه وآله):93.
7 - مجمع الزوائد 199:9. المعجم الكبير - الطبراني 140:1.
8 - تاريخ الطبري 357:4.
9 - مرآة الزمان في تواريخ الأعيان 101:5.
10 - شرح النهج 72:4.
11 - شرح النهج 72:4.
12 - حياة الإمام الحسين(عليه السّلام) 422:3.
13 - مقتل الحسين(عليه السّلام) - المقرّم: 472.
14 - تاريخ الطبري 366:6. تاريخ ابن الأثير 300:3.
15 - حياة الإمام الحسين(عليه السّلام) 428:3
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
رائــــــــــــ زينب الكبــــــــــرى دة الجهـــــــ وبطلـــــــه كرـبلاء ـــــــاد
تقليص
X
-
السبايا في كربلاء
وطلبت سبايا أهل البيت من الوفد الموكّل بحراستهم أن يعرّج بهم إلى كربلاء ليجدّدوا عهداً بقبر سيد الشهداء، ولبّى الوفد طلبتهم فانعطفوا بهم إلى كربلاء، وحينما انتهوا إليها استقبلن السيّدات قبر الإمام أبي عبد الله بالصراخ والعويل، وسالت الدموع منهن كل مسيل، وقضين ثلاثة أيام في كربلاء، ولم تهدأ لهن عبرة حتى بحّت أصواتهن وتفتّت قلوبهن، وخاف الإمام زين العابدين(عليه السّلام) على عمّته زينب وباقي العلويات من الهلاك، فأمرهن بالسفر إلى يثرب، فغادرن كربلاء بين صراخ وعويل(11).
إلى يثرب
واتّجه موكب أسارى أهل البيت إلى يثرب، وأخذ يجدّ في السير لا يلوي على شيء، وقد غامت عيون بنات رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بالدموع وهن ينجبنّ ويندبن قتلاهنّ ويذكرن بمزيد من اللوعة ما جرى عليهن من الذلّ، وكانت يثرب قبل قدوم السبايا إليها ترفل في ثياب الحزن على اُمّ المؤمنين السيّدة اًمّ سلمة زوجة النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، فقد توفّيت بعد قتل الحسين(عليه السّلام) بشهر كمداً وحزناً عليه (12).
نعي بشر للإمام
ولمّا وصل الإمام زين العابدين(عليه السّلام) بالقرب من المدينة نزل وضرب فسطاطه، وأنزل العلويات، وكان معه بشر بن حذلم فقال له: (يا بِشْرُ، رَحِمَ اللهُ أَبَاكَ لَقَدْ كَانَ شَاعِراً، فَهَلْ تَقْدِرُ عَلى شَيءٍ مِنْهُ؟).
بلى يابن رسول الله.
(فَادْخُلِ الْمَدِينَةِ وَانَعَ أَبَا عَبْدِ اللهِ..).
وانطلق بشر إلى المدينة، فلمّا انتهى إلى الجامع النبوي رفع صوته مشفوعاً بالبكاء قائلاً:
يَـــــا أَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ بِهَا قُـــــتِلَ الْحُسَيْنُ فَأَدْمُعِي مِدْرَارُ
أَلْجِــــــسْمُ مِنْهُ بِكَرْبَلاَءَ مُضَرَّجٌ وِالـــرَّأْسُ مِنْهُ عَلَى الْقَنَاةِ يُدَارُ
وهرعت الجماهير نحو الجامع النبوي وهي ما بين نائح وصائح تنتظر من بشر المزيد من الأنباء، وأحاطوا به قائلين:
ما النبأ؟
هذا عليّ بن الحسين مع عمّاته وأخواته قد حلّوا بساحتكم، وأنا رسوله إليكم أعرّفكم مكانه.
وعجّت الجماهير بالبكاء، ومضوا مسرعين لاستقبال آل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الذي برَّبدينهم، وساد البكاء وارتفعت أصوات النساء بالعويل وأحطنّ بالعلويات، كما أحاط الرجال بالإمام زين العابدين وهم غارقون بالبكاء، فكان ذلك اليوم كاليوم الذي مات فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
خطاب الإمام زين العابدين
وخطب الإمام زين العابدين(عليه السّلام) خطبة مؤثرة تحدّث فيها عمّا جرى على آل البيت من القتل والتنكيل والسبي والذلّ، ولم يكن باستطاعة الإمام أن يقوم خطيباً، فقد أحاطت به الأمراض والآلام، فاستدعي له بكرسي فجلس عليه، ثم قال:
(الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ، الرّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مالِكِ يَوْمِ الدَّينِ، بَارِئِ الْخَلاَئِقِِ أَجْمَعِينَ، الَّذِي بّعُدّ فَارتَفَعَ فِي السَّماوتِ الَعُلى، وَقَرُبَ فَشَهِدَ النَّجْوىّ، نَحْمَدُهُ عَلىَ عَظَائِمِ الأُمُورِ، وَفَجَائِعْ الدُّهُورِ، وَأَلَمِ الْفَوَاجعِ، وَمَضَاضَةِ اللَّوَاذِعِ، وَجَلِيلِ الرُّزْءِ، وَعَظِيمِ الْمَصَائِبِ الْفَاظِعةِ الْكَاظَّةِ الْفَادِحَةِ الْجَائِحَةِ.
أَيُّهَا الْقَوْمُ، إِنَّ اللهَ تَعَالى وَلَهُ الْحَمْدُ ابْتَلاَنَا بِمَصَائِبَ جَلِيلَةٍ، وَثُلْمَةٍ فِي الإسْلامِ عَظِيمَةٍ: قُتِلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ(عليه السّلام) وَعِتْرَتُهُ، وَسُبِيَ نِسَاؤُهُ وَصِبْيَتُهُ، وَدَارُوا بِرَأْسِهِ فِي الْبُلْدَانِ مِنْ فَوقِ عَامِلِ السِّنَانِ، وَهذِهِ الرَّزِيَّةُ الَّتِي لاَ مِثْلُها رَزِيَّةُ.
أَيُّها النَّاسُ، فأَيُّ رِجالاَتٍ مِنْكُمْ يُسَرُّون بَعْدَ قَتْلِهِ؟! أَمْ أَيُّ فُؤادٍ لاَ يَحْزُنُ مِنْ أَجْلِهِ، أَمْ أَيَّةُ عَيْنٍ مِنْكُمْ تَحْبَسُ دَمْعَهَا وَتَضِنُّ عَنْ انْهِمَالِهَا؟!
فَلَقَدْ بَكَتِ السَّبْعُ الشِّدَأدُ لِقَتْلِهِ، وَبَكَتِ الْبِحَارُ بِأَمْوَاجِهَا، وَالسَّمواتُ بأرْكَانِهَا، وَالأرضُ بِأَرْجَائِها، وَالأشُجَارُ بِأَغْصَانِهَا، وَالْحِيتَانُ فِي لُجَجِ الْبِحَارِ، وَالمَلاَئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَأَهلُ السَّمواتِ أَجْمَعُونَ.
أَيُّهَا النَّاسُ، أَيُّ قَلْبٍ لاَ يَنصَدِعُ لِقَتْلِهِ؟! أَمْ أَيُّ فُؤَادٍ لا َيَحنُّ إلَيْهِ؟! أَمْ أَيُّ سَمْعٍ يَسْمَعُ هَذِهِ الثُّلْمَةَ الَّتِي ثُلِمَتْ فِي الإِسْلاَمِ وَلاَ يصَمُّ؟!
أَيُّهَا النَّاسُ، أَصْبَحْنَا مَطْرُودِينَ مُشَرَّدِينَ مَذُورِينَ شَاسِعِينَ عَنِ الأَمْصَارِ، كَأَنَّنَا أَوْلاَدُ تُرْكٍ أَوْ كابُلَ، مِنْ غَيْرِ جُرْمٍ اجْتَرَمْنَاهُ، وَ لاَ مَكْرُوهٍ ارْتَكَبْنَاهُ، وَلاَ ثُلْمَةٍ فِي الإِسلاَمِ ثَلَمْناهَا، مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّليِنَ، إِنْ هَذا إِلاَّ اخْتِلاَقُ.
وًاللهِ، لَوْ أَنَّ النَّبيَّ (صلّى الله عليه وآله) تَقَدَّمَ إِليْهِمْ فِي قِتَالنَا كَمَا تَقَدَّمَ إِليهِمْ فِي الْوصَايَةِ بِنَا لَمَا زَادُوا عَلىَ مَا فَعَلُوا بِنَا، فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِليهِ رَاجِعُونَ، مِنْ مُصِيبَةٍ مَا أَعْظَمَهَا وَأَوْجَعَهَا وأفْجَعَهَا وَأَكَظَّهَا وَأَفْظَعَهَا وَأَفْدَحَهَا،فَعِنْدَ اللهِ نَحْتَسِبُ فِيمَا أَصابَنَا وَأَبْلَغَ بِنَا، إِنَّهُ عَزِيزُ ذُو انْتِقَامٍ).
وعرض الإمام في خطابه إلى المحن السود التي عانتها الاُسرة النبوية، وما جرى عليها من القتل وسبي النساء، وغير ذلك ممّا تتصدّع من هوله الجبال، وانبرى إلى الإمام صعصعة فألقى إليه معاذيره في عدم نصرته للحسين فقبل الإمام عذره وترحّم على أبيه.
ثمّ زحف الإمام مع عمّاته واخواته وقد أحاطت به الجماهير وعلت أصواتهم بالبكاء والعويل، فقصدوا الجامع النبوي، ولمّا انتهوا إليه أخذت العقيلة بعضادتي باب الجامع، وأخذت تخاطب جدّها الرسول وتعزيه بمصاب ريحاينه قائلة:
(يا جدّاه، إنّي ناعية إليك أخي الحسين)(13).
وأقامت العلويات المأتم على سيّد الشهداء، ولبسن السواد، وأخذن يندبنه بأقسى وأشجى ما تكون الندبة.
- اقتباس
- تعليق
اترك تعليق:
-
إلى يثربولم تمكث سبايا أهل البيت زمناً كثيراً في دمشق، فقد خشي الطاغية من وقوع الفتنة ووقوع ما لا تحمد عقباه، فقد أحدث خطاب العقيلة زينب وخطاب الإمام زين العابدين (عليه السّلام) انقلاباً فكرياً في جميع الأوساط الشعبية والأندية العامة، وأخذ الناس يتحدّثون عن زيف وكذب الدعاية الاُموية من أنّ السبايا من الخوارج، وإنّما هم من صميم الاُسرة النبوية، وقد جوبه يزيد بالنقد حتى في مجلسه، ونقم عليه القريب والبعيد، وقد رأى الطاغية أن يسرع في ترحيل مخدرات الرسالة إلى يثرب ليتخلّص ممّا هو فيه، وقبل ترحيلهم أمر بانطاع من الأبريسم ففرشت في مجلسه، وصبّ عليها أموالاً كثيرة، وقدّمها لآل البيت لتكون دية لقتلاهم وعوضاً لأموالهم التي نهبت في كربلاء، وقال لهم:
خذوا هذا المال عوض ما أصابكم.
والتاعت مخدرات الرسالة، فانبرت إليه العقيلة أمّ كلثوم - وأكبر الظن - أنّها زينب، فصاحت به:
(ما أقل حيائك وأصلف وجهك، تقتل أخي وأهل بيتي وتعطيني عوضهم).
وقالت السيّدة سكينة:
(والله ما رأيت أقسى قلباً من يزيد، ولا رأيت كافراً ولا مشركاً شراً منه، ولا أجفا منه..)(1).
وباء الطاغية بالفشل، فقد حسب أنّ أهل البيت تغريهم المادة، ولم يعلم أنّهم من صنائع الله، فقد أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
السفر إلى يثرب
وعهد الطاغية إلى النعمان بن بشير أن يصحب ودائع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى يثرب ويقوم برعايتهن(2).
كما أمر بإخراجهنّ ليلاً من دمشق خوفاً من الفتنة، واضطراب الرأي العام(3).
وصول النبأ إلى يثرب
وانتهى نبأ الكارثة الكبرى بمقتل سبط الرسول (صلّى الله عليه وآله) إلى يثرب قبل وصول السبايا إليها، وقد حمل النبأ عبد الملك السلمي إليها بأمر من ابن مرجانة، وقد وافى به عمرو بن سعيد الأشدق حاكم المدينة، فاهتزّ فرحاً وسروراً، وقال:
واعية بواعية عثمان(4).
وأمر بإذاعة ذلك بين الناس فهرعوا وقد علاهم البكاء نحو الجامع النبوي، وأسرع الأشدق إلى الجامع فاعتلى أعواد المنبر وأظهر أحقاده وسروره بمقتل سبط الرسول(عليه السّلام) فقال:
(أيّها الناس، إنّها لدمة بلدمة، وصدمة بصدمة، كم خطبة بعد خطبة، حكمة بالغة فما تغني النذر، لقد كان يسبنا ونمدحه، ويقطعنا ونصله، كعادتنا وعادته، ولكن كيف نصنع بمن سلّ سيفه علينا يريد قتلنا إلا أن ندفعه عن أنفسنا..).
وقطع عليه عبد الله بن السائب خطابه، فقال له: لو كانت فاطمة حيّة، ورأت رأس الحسين لبكت عليه، وكان هذا أوّل نقد يجابه به حاكم المدينة، فصاح به:
نحن أحقّ بفاطمة منك، أبوها عمّنا، وزوجها أخونا، وأُمّها ابنتنا، ولو كانت فاطمة حيّة لبكت عليه، وما لامت من قتله(5).
لقد زعم الأشدق أنّ سيّدة النساء فاطمة (عليها السّلام) لو رأت رأس عزيزها لما لامت من قاتله ولباركته، لأن في ذلك دعماً لحكم الاُمويّين، وتشييداً لعروشهم، وبسطاً لسلطانهم الذي يحمل جميع الاتجاهات الجاهلية.
إنّ سيّدة النساء لو كانت حيّة ورأت فلذة كبدها في عرصات كربلاء، وهو يعاني من الخطوب والكوارث التي لم تجر على أي إنسان منذ خلق الله الأرض، لذابت نفسها حسرات، وقد روى عليّ عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال:
(تحشر ابنتي فاطمة يوم القيامة ومعها ثياب مصبوغة بدم ولدها، فتتعلّق بقائمة من قوائم العرش، فتقول: يا عدل احكم بيني وبين قاتل ولدي، فيحكم لابنتي وربّ الجنة)(6).
ويقول الشاعر:
لابـــــدّ أن تـــــرد القيامة فاطم وقميصـــها بدم الحسين ملطّخ
فجيعة بني هاشم
وفجع الهاشميون بقتل زعيمهم، وعلا الصراخ والعويل من بيوتهم، وخرجت السيّدة زينب بنت عقيل ناشرة شعرها وهي تصيح:
(وا محمداه، واحسيناه، وا اخوتاه، واخوتاه، وا أهيلاه). وجعلت تخاطب المسلمين قائلة:
مَــــاذَا تَـــــقُولُونَ إِذْ قــــَالَ النَّبِيُّ لَكُــمْ مَــــاذَا فَــــــعَلْتُمْ وَأَنْتُمْ آخِـــــرُ الاُمُــــَمِ
بِـــــعِتْرَتِي وَبِــــأَهْلِي بَـــــعْدَ مُفْتَقَـــدِي مِنْهُمْ أُسَـــــارىَ وَمِـــنْهُمْ ضُرِّجُوا بِـدَمِ
مَــــا كَانَ هَـــــذَا جَزَائي إِذْ نَصَحْتُ لَكُمْ أَنْ تَــــخْلُفُونِي بِسُوءٍ فِي ذَوِي رَحِمِي
فأجابها أبو الأسود وهو غارق في البكاء يقول:
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِن لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، وعلاه الجزع وراح يقول:
أقـــــول زادنــــــي حنقاً وغيظاً أزال الله مــــــلك بـــــني زيــاد
وأبعــــــدهم كما بعدوا وخافـوا كما بعـــــدت ثـــمود وقوم عاد
ولا رجــــــعت ركـــائبهم إليهـم إذا وقــــــفت يـــــوم التــنــــاد(7)
مأتم عبد الله بن جعفر
وأقام عبد الله بن جعفر زوج العقيلة زينب مأتماً على ابن عمّه سيّد شباب أهل الجنة، وجعل الناس يفدون عليه زرافات ووحداناً، وهم يعزّونه بمصابه الأليم، وكان عنده بعض مواليه يسمّى أبا السلاسل، فأراد أن يتقرّب إليه لأنّ عبد الله قد استشهد ولداه مع الإمام الحسين فقال:
ماذا لقينا من الحسين؟
ولمّا سمع ابن جعفر مقالته حذفه بنعله، وقال له:
(يا ابن اللخناء، تقول ذلك في الحسين، والله لو شهدته لأحببت أن لا اُفارقه حتى اُقتل معه، والله إنّه لما يسخى بنفسي عن ولدي، ويهونّ عليَّ المصاب بهما إنّهما اُصيبا مع أخي وابن عمّي مواسين له صابرين معه..).
وأقبل على حضار مجلسه فقال لهم:
الحمد لله، لقد عزّ عليَّ المصاب بمصرع الحسين أن لا أكون واسيته بنفسي، فقد واساه ولداي(8).
رأس الإمام في المدينة
وأرسل الطاغية يزيد رأس ريحانة رسول الله وسيّد شباب أهل الجنة إلى المدينة المنوّرة لإشاعة الرعب والخوف، والقضاء على كل حركة ضدّه، وجيء بالرأس الشريف إلى عمرو بن سعيد الأشدق حاكم المدينة، فأنكر ذلك وقال:
وددت والله أن أمير المؤمنين لم يبعث إلينا برأسه.
وكان في مجلسه الوزغ ابن الوزغ مروان بن الحكم فهزأ منه وقال:
بئس ما قلت: هاته.
وأخذ مروان رأس الإمام وهو جذلان مسرور، وجعل يهزّ أعطافه بشراً وسروراً ويقول بشماتة:
يـــــا حــــــبذا بردك في اليدين ولونـــــك الأزهــــر في الخدين
وجيء برأس الإمام فنصب في جامع الرسول (صلّى الله عليه وآله)، وهرعنّ نساء آل أبي طالب إلى القبر الشريف بلوعه وبكاء، فقال مروان:
عجـــــــت نـــــساء بني زبيد عجةً كعجـــــــيجِ نِــــسوتنا غّداةَ الأرنبِ
وجعل مروان يبدي سروره، وهو يقول:
والله لكأنّي أنظر إلى أيام عثمان..(9).
ثمَّ التفت إلى قبر النبيّ (صلى الله عليه وآله) فخاطبه:
يا محمّد، يوم بيوم بدر..(10).
لقد ظهرت الأحقاد الاُموية بهذا الشكل الذي ينمّ عن جاهليّتهم وكفرهم، وأنّهم لم يؤمنوا بالإسلام طرفة عين.
- اقتباس
- تعليق
اترك تعليق:
-
زلزلت الارضومضت السيدة زينب لربها قبل ان ترى ثمرات جهادها المضني ، و ثمرات دماء الشهداء من اهل بيتها .. ولكن متى كان عباد الله يجاهدون من اجل انفسهم ؟
ان الهدف الاسمى للمجاهد الحق رضوان الله وان يلقى ربه نقي الجانب من الخضوع للطغاة او السكوت عن الظالمين ، واما الفتح فانه هدف آخر يريده المجاهد لدينه ولأمته قبل ان يريده لنفسه .
بلى بعد وفاة الصديقة زينب بسنة واشهر ثارت المدينة المنورة بقيادة ابن غسيل الملائكة عبد الله بن حنظلة ، وبالرغم من ان يزيد استطاع اخماد الثورة بقسوة بالغة حيث اباح المدينة لقائده الزنيم الذي سمى بحق مسرفا بعد ان كان اسمه مسلم بن عقبة الا ان حصيلته من تلك الوقعة التي سميت بوقعة الحرة لم تكن سوى المزيد من الافتضاح واللعن .. حيث ان عدوه عبد الله بن الزبير قويت شوكته ، لان يزيد امر بعد تلك الواقعة التي كانت في نهاية العام (62) للهجرة بوضع المنجنيق ورمي الكعبة بالحجارة لاخراج ابن الزبير منها ، ففشلت حملته التي وقعت في السنة (63) للهجرة ، وهلك يزيد وغاص البيت الاموي في غمرات المشاكل .
لقد مضت الصديقة زينب الى ربها بعد ان زرعت في الكوفة ايضا بذور المعارضة ، فلم تمر الا بضع سنوات حتى اخضرت واينعت فاذا بانتفاضة التوابين بعد حوالي خمس سنوات من مقتل السبط الشهيد ، والتي كانت بقيادة الصحابي الجليل سليمان بن صرد الخزاعي والذي القى خطابا الهب حماس الجماهير فقال فيما قال : اما بعد فقد ابتلينا بطول العمر والتعرض لانواع الفتن فنرغب الى ربنا الا يجعلنا ممن يقول له غدا " اولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر " ( فاطر / 37) فان امير المؤمنين عليا قال : العمر الذي اعذر الله فيه الى ابن آدم ستون سنة وليس فينا رجل الا وقد بلغه .
ثم اضاف : فما عذرنا عند ربنا وعند لقاء نبينا وقد قتل فينا ولد حبيبه وذريته ونسله . لا والله ، لا عذر دون ان تقتلوا قاتله والموالين عليه او تقتلوا في طلب ذلك . (37)
كلمة يا لثارات الحسين اصبحت شعار كل ثائر ، وهكذا نسمع هذا الشعار في ازقة الكوفة ابتداء من السنة (65) للهجرة ، واذا بالالوف من الشيعة الذين اعتبروا انفسهم مقصرين تجاه السبط الشهيد يخرجون من الكوفة الى كربلاء حيث يستغفرون الله عند مزار ابي عبد الله الحسين عليه السلام ثم يتوجهون الى الشام للانتقام من دم الشهيد . وكانت تلك الحملة الفدائية شبيهة في كثير من الوجوه لذات الواقعة التي شهدتها كربلاء في يوم عاشوراء ، لا تهدف الانتصار بل الشهادة دفاعا عن الحق ، واستشهد الصحابي الجليل سليمان بن صرد وثلة من الفقهاء والقراء الصالحين ، وجرت دمائهم الزاكية في ذات القناة التي جرت فيها دماء شهداء الطف حيث روت شجرة الاسلام ، واحيت الضمائر ، واثارت الهمم ، وكانت مقدمة لثورة اخرى اعقبتها بقيادة المختار الثقفي ، والتي استهدفت قتلة الحسين سلام الله عليه واستأصلتهم وبعثت برؤوسهم الى المدينة عند الامام زين العابدين عليه السلام .
وتلاحقت الثورات واصبحت راية السبط الشهيد المصبوغة بالدم الثائر ، والتي رفعتها السيدة زينب اصبحت مرفوعة خفاقة تنضوي تحتها النفوس الابية ولا تزال .
تلك كانت من ثمرات جهاد الصديقة زينب ، فسلام الله عليها وعلى جدها وابيها وامها واخويها .
واليوم يقتدي بالصديقة الطاهرة مئات الملايين من البشر ، حيث يحيون كل عام شعائر السبط الشهيد والتي تزداد كل يوم تألقا وانتشارا .
- اقتباس
- تعليق
اترك تعليق:
-
ان هذه الصفات جعلت زينب الكبرى سلام الله عليها افضل من يحمل رسالة عاشوراء . لكي يوقظ الضمير السابت ، ويهز الوجدان الهامد ، ويفجر طاقات الرفض في امة التوحيد .. وقد قامت زينب بهذا الدور عبر ثلاثة محاور .
الف : الخطاب الجماهيري .
وسوف نستعرض باذن الله خطابات زينب (عليها السلام ) الجماهيرية ، والتي كانت ميثاق النهضة ومنشورا لرفض ، وقد ساهمت في اشاعة ادب الشهادة ، وثقافة التحدي في الامة .
باء : اللقاء المباشر .
في الكوفة والشام والمدينة ثم بمصر والشام قامت الصديقة بالتحدث الى الناس وتحريضهم على السلطة الاموية وبيان ما جرى عليهم في الطف ، وفلسفة قيام السبط الشهيد في مقاومة السلطة الغاصبة .
ولقد حفظ التاريخ بعض هذه اللقاءات لما فيه من اثارة معينة واعرض عن الباقي ، ونستشهد بما ذكره التاريخ على ما اغفل ذكره .
كانت زينب شريكة منذ بداية القيام الحسيني في التعبئة من اجله ؛ فمثلا يروي البعض انه في ليلة عاشوراء ، وحيث اوكل الامام الحسين مهمة المحافظة على المخيم الى اخيه البطل العباس عليهما السلام وقد كان العباس يراقب الوضع بكل حذر ، فاذا به يرى سوادا بين الخيم فنادى من انت ؟ فاذا به اخته زينب .
قال العباس : ما اخرجك في سواد هذا الليل يا أختاه ؟
قالت : جئت لكي احدثك بحديث ..
قال : الان حلى وقت الحديث .
ثم قصت زينب للعباس كيف ان اباها بعد وفاة امها الصديقة سلام الله عليها سأل اخاه عقيلا بان يدله على بنت ولدتها الفحولة من العرب ، فلما سأله ما تصنع بها ، قال لتلد لي شبلا ينصر ابني الحسين .
ثم اضافت زينب قائلة : " يا أخي الحرم حرمك .
وهنالك انتفض العرق الهاشمي بين عيني العباس وقال : او تشجعيني يا أختاه ، لا نعمن لك عينا .
وهكذا كانت تحرض بريرا حسب بعض الروايات ، واننا لنرى الصديقة زينب حاضرة في كل لحظة من لحظات الملحمة الكبرى الى جنب أخيها الامام الحسين عليه السلام .
وبعد الفاجعة وحينما اسكنت وأهل بيت الرسالة في دار قريبة من دار الامارة بالكوفة أمرت بان لا يدخل عليها الا امرأة سبيت من قبل ، لأنها ذاقت مرارة الاسر مثلها . وهناك قامت بدورها في بث الدعوة ، ولعل السبب في اختيار هذا النوع من النساء لانهن اقرب الى الاستجابة للدعوة ونقل وقائع المآساة الى الجماهـــير المحرومة ، وهكذا فعلت في الشام والمدينة .
جيم : النياحة .
بعد عودة السيدة زينب الى حرم جدها كتب والي يزيد على المدينة المنورة الى يزيد ما يلي :
ان وجودها بين أهل المدينة مهيج للخواطر ، وانها فصيحة عاقلة لبيبة ، وقد عزمت هي ومن معها على القيام للأخذ بثأر الحسين ، فكتب اليه فرق بينها وبين أهلها .
كيف قامت الصديقة بإثارة أهل المدينة ؟
بالنياحة حيث انها اقامت مجالس العزاء ، وكانت هذه المجالس التي لا زالت مستمرة في العالم الاسلامي حتى اليوم ، بمثابة مؤسسة اعلامية تتميز بالتعبئة العاطفية ، و التوعية الدينية الى جانب التزكية والتربية .
لقد كان بكاء السيدة زينب ذات هدف رسالي ، حيث انه لم يكن بكاءا ذليلا ، ولا ندما على ما مضى ولا جزعا من المصائب ، وإنما كان بكاء تحد وايقاظ . وهكذا كانت سائر افعالها التي تبدو في صورة جزع وهلع ك. ان ممارستها جميعا كانت هادفة ؛ مثلا حينما ضربت رأسها بمقدم المحمل لم يكن ذلك مجرد حالة عاطفية ساذجة ، ذلك لانها كانت تلهب حماس اهل الكوفة بخطابها الصاعق . وكانت جماهير اهل الكوفة التي صعقها هول الفاجعة تستمع اليها و تتفاعل معها ، فخشيت السلطة من انتفاضة عارمة فأمرت حامل رأسٍ الامام الحسين عليه السلام ان يقترب من محملها لعلها تسكت . فلما رأته اجهشت بالبكاء وضربت رأسها بمقدم المحمل فانفجر الدم من جبينها ، فاذا بأهل الكوفة يزدادون غضبا على يزيد وابن زياد .
ان زينب الصبورة التي كانت قد شاهدت كل تلك المأساة لم تكن لتجزع من رؤية رأسٍ اخيها بالرغم من هول المأساة على قلبها ، ولكنها كانت تثير اعمق المشاعر الانسانية في الناس ، وكأنها تقول لهم ان المأساة عظيمة وعظيمة الى درجة تستحق شق الرأٍس من اجلها ، او تقول لأعداءها نحن لازلنا مستعدون للتضحية من اجل الله ولا نأبه الموت .
هكذا كان لزينب سلام الله عليها في مقابل كل تصعيد من جانب العدو تحديا فريدا وتصعيدا جديدا ، فلما استخدموا اسلوب الاثارة العاطفية باستعراض الرأٍس الشريف استفادت من اسلوب الاستنهاض بضرب رأٍسها بمقدم المحمل ، وهي تقول :
ياهلالا لما استتم كمالا غاله خسفه فأبدا غروبا
ما توهمت يا شقيق فؤادي كان هذا مقدرا مكتوبا . (14)
ولعل الشيعة تعلموا من زينب سلام الله عليها الكثير من الشعائر الحسينية التي لا زالت تلهب حماس الامة ، وتبقي فاجعة الطف نابضة بالحياة حتى اليوم وكأنها تتجدد في كل عام ..
وفي مجلس الطاغية ابن زياد والطاغوت يزيد كلما تمادى الاعداء في صلفهم لجأت الصديقة زينب الى البكاء فأسكتت اعتى الاعداء ، واجتذبت عاطفة الجمهور .
---------------------------------------------------------------
(14) موسوعة بحار الانوار / ج 45 ص 115
- اقتباس
- تعليق
اترك تعليق:
-
- البلاغة : علم واسع ، وحكمة بالغة ، وخطاب فصل ، وشجاعة ربانية ، وادب نافذ ، وتعبير فصيح ، كل ذلك بشكل عناصر بلاغة الصديقة زينب .
لقد كانت بنت ثلاث سنوات حين اصطحبت امها الى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله حيث خطبت امها بذلك الخطاب الهام الذي جمعت فيه كل قيم الرسالة ومعاني الرفض ، ثم كانت زينب هي التي تروي لنا ذلك الخطاب العظيم .
وروي انه سألها ابوها عن مسألة قالت بكل ثقة : بلى امي قد علمتني اياها .
وقد بلغ من علمها بالله ومعرفته ان اباها امير المؤمنين علي عليه السلام اجلسها واخاها العباس الى جانبيه وهما صغيران فقال للعباس قل : واحد فقال واحد . فقال : قل اثنان ، قال استحي اقول باللسان الذي قلت واحد اثنان . فقبل علي عليه السلام عينيه ، ثم التفت الى زينب وكانت على يساره والعباس عن يمينه فقالت يا ابتاه اتحبنا ؟ قال : نعم يابني ، اولادنا اكبادنا . فقالت : يا ابتاه حبان لا يجتمعان في قلب ؛ حب الله وحب الاولاد وان كان لابد فالشفقة لنا والحب لله خالصا . فازداد علي بهما حبا . (12)
عرفان زينب بالله لم يشذ عن عرفان جدها وابيها وامها والسبطين ، انها عاشت في بيت الوحي ومن ذلك العرفان اوتيت بصيرة في الدين حتى شهد لها الامام بالعقول : انت بحمد الله عالمة غير معلمة ، وفهمة غير مفهمة .
وقد اوصى الامام الحسين عليه السلام الي زينب وكانت في مستوى تحمل اعباء الرسالة بدلالة ان اخاها الحسين اوصى اليها لتكون نائبة عن الامام زين العابدين في تلك الايام العصيبة .
اما حكمتها فكفى دليلا عليها قيادتها للمعارضة في تلك الظروف وبعد تلك الفاجعة العظيمة .
اما خطابها الفصل وكلماتها النافذة فسوف نستعرض معا خطاباتها ، وكفى شهادة على ذلك قول حذيم الاسدي عن خطابها في الكوفة ، فلم ار والله خفرة انطق منها كأنما تنطق وتفرغ عن لسان امير المؤمنين . (13)
----------------------------------------------
(6) مفاتيح الجنان دعاء اليوم الثالث من شهر شعبان
(7) موسوعة بحار الانوار / ج 45 - ص 3
(8) المصدر / ص 34
(9) موسوعة بحار الانوار / ج 45 - ص 179 - 180
(10) موسوعة بحار الانوار / ج 45 - ص 116
(11) المصدر / ص 156
(12) مستدرك الوسائل / ج 2 - ص 635 ، وايضا : الطفل بين الوراثة والتربية / ج 20 - ص 253
(13) موسوعة بحار الانوار / ج 45 - ص 162
- اقتباس
- تعليق
اترك تعليق:
-
2- الصبر : لم يشهد التاريخ امرأة اعظم صبرا مــن زينب سلام الله عليها .. لقد ذبح ابناءها عون ومحمد ، وقيل عبد الله (8) على مشهد منها فلم تجزع ، ثم استشهد عبر ساعات وامام عينها امامها الحسين واخوتها وابناء اخوتها فصبرت وكانت مثلا في رباطة الجأش والحكمة في تدبير الامور ، وقيادة الموقف الصعب .
انها كانت اسيرة وربما مكبلة ، وكانت قد انهكتها المصائب والمتاعب الروحية والجسدية ، ولكنها كانت تقود المعارضة من موقع الاسر ، كما تدبر شؤون الاسارى له فيا من صبر عظيم لا يمكن ان يناله بشر الا بفضل الله وحسن التوكل عليه .
في عشية عاشوراء حين احرقت بنو أمية خيام أهل البيت - عليهم السلام - وجاءت زينب الى الامام زين العابدين وكان قد اشتد به المرض فسألته باعتباره اماما مفترض الطاعة بعد الامام الحسين عليه السلام ، سألته عن واجبها فأمرها والنسوة بالفرار . فلما انتشر بقايا آل الرسول في اطراف وادي كربلاء عادت زينب الى خيمة الامام وانقذته من وسط النيران واطمأنت على سلامته ، ثم اخذت هي واختها ام كلثوم بالتفتيش عن النساء والاطفال وجمعتهم تحت خباء نصف محترق .. ان مثل هذا العمل العظيم لا يصدر من امرأة مفجوعة بعشرات المصائب العظيمة ، الا اذا كانت في قمة الصبر ، وما هذا الصبر الا بالله العظيم .
وعندما نودي بآل الرسول بالرحيل من وادي كربلاء ومروا بالاسرى على اجساد ذويهم نكاية بهم ، فألقى الامام زين العابدين نظرة وداع أليمة على جسد ابيه المقطع فاستبد به الحزن ، ورمقته الصديقة زينب واحست ان حجة الله وامام زمانها علي بن الحسين في خطر اذ يكاد الحزن يقضي عليه فادركت الموقف وتوجهت اليه قائلة :
مالي اراك تجود بنفسك يا بقية جدي وابي وأخوتي ؟
فقال الامام زين العابدين عليه السلام : وكيف لا اجزع وأهلع ، وقد ارى سيدي واخوتي وعمومتي وولد عمي واهلي مضرجين بدمائهم مرملين ، بالعراء مسلبين لا يكفنون ولا يوارون ، ولا يعرج عليهم احد ، ولا يقربهم بشر كأنهم أهل بيت من الديلم والخزر .
فقالت : لا يجزعنك ما ترى فوالله ان ذلك بعهد من رسول الله الى جدك وابيك وعمك ، وقد اخذ الله ميثاق اناس من هذه الامة لا تعرفهم فراعنة هذه الارض وهم معروفون في اهل السماوات انهم يجمعون هذه الاعضاء المتفرقة فيوارونها ، وهذه الجسوم المضرجة . وينصبون لهذا الطف علما لقبر ابيك سيد الشهداء لا يدرس اثره ، ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والايام ، ويجتهدن ائمة الكفر واشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد اثره الا ظهورا ، وامره الا علوا (9)
وهكذا بعثت السيدة زينب روح السكينة في قلب الامام سلام الله عليهما .
وعندما ادخل اسارى آل الرسول الى مجلس ابن زياد ، وهو العتل الزنيم ابن المرأة الفاجرة وابوه زياد الذي لم يعرف له اب فقيل زياد بن مرجانة او زياد بن ابيه .
هنالك دخلت زينب متنكرة حيث لبست ارثى ثيابها ، فلما توجه اليها ابن زياد قائلا من هذه المتنكرة ، قيل له انها زينب بنت علي . فأراد ابن زياد ان يتشفى منها فقال : الحمد لله الذي فضحكم وأكذب احدوثتكم .
فقالت : انما يفتضح الفاسق ، ويكذب الفاجر وهو غيرنا .
فقال ابن زياد : كيف رأيت صنع الله بأخيك واهل بيتك .
فقالت ما رأيت الا جميلا ، هولاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم ، فانظر لمن الفلج يومئذ ثكلتك امك يا ابن مرجانة .
فغضب ( ابن زياد ) وكأنه هم بها ، فقال له عمرو بن حريث : انها امرأة ، والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها .
فقال لها ابن زياد : لقد شفي الله قلبي من طاغيتك الحسين والعصاة المردة من اهل بيتك .
فقالت : لعمري لقد قتلت كهلي ، وقطعت فرعي ، واجتثثت اصلي ، فان كان هذا شفاؤك فقد اشتفيت .
فقال ابن زياد : هذه سجاعة ، لعمري لقد كان ابوك سجاعا شاعرا .
فقالت : يا ابن زياد ماللمرأة والسجاعة ، واضافت : وان لي عن السجاعة لشغلا ، واني لاعجب ممن يشتفي بقتل ائمته ، ويعلم انهم منتقمون منه في اخرته . (10)
انها رباطة جأش ، و صبر وعلم وحكمة ..
لقد كانت زينب تحس بأنها مسؤولة بالدرجة الاولى عن حفظ الامام علي بن الحسين عليه السلام ثم بقية الاسارى من آل بيت الرسول صلى الله عليه وآله ، وقد قامت بذلك خير قيام .
ففي مجلس يزيد الطاغية عندما طلب أحد الامراء منه فاطمة بنت علي - عليه السلام - وكانت وضيئة ، وقال : يا يزيد هب لي هذه الجارية فتعلقت باختها زينب ، فدافعت زينب سلام الله عليها عنها ، وتوجهت الى ذلك الشامي وقالت كذبت والله ولعنت ، ماذاك لك ولا له . فغضب يزيد وقال : بل كذبت والله لو شئت لفعلته .
قالت : لا والله ما جعل الله ذلك لك الا ان تخرج من ملتنا ، وتدين بغير ديننا فغضب يزيد ثم قال : اياي تستقبلين بهذا ؟ انما خرج من الدين ابوك واخوك .
فقالت : بدين الله ودين ابي واخي وجدي اهتديت انت وجدك وابوك .
قال ( يزيد ) : كذبت يا عدوة الله قالت : امير يشتم ظالما ويقهر بسلطانه فكأنه لعنه الله استحى فسكت ، فاعاد الشامي لعنه الله فقال : يا امير المؤمنين هب لي هذه الجارية فقال له : اعزب وهب الله لك حتفا قاضيا . (11)
هذه صور من صبر الصديقة زينب وشجاعتها وهي صور تعكس عمق ذلك القلب المؤيد بنور الايمان ..
وحين نقرء معا خطاباتها نعرف انها لا تصدر الا عن قلب مطمئن بسكينة الايمان ، واثق بالنصر الالهي موقن باستقامة طريقة وسلامة منهجه .
- اقتباس
- تعليق
اترك تعليق:
-
صفات الصديقة زينب (ع)ماالذي قلد زينب الصديقة هذا الدور العظيم ؟ انها صفاتها المثلى التي نذكرها تباعا :
1 - الصديقة :
عشية يوم عاشوراء نظرت زينب الى أرض طف فاذا بها مثخنة بالجثث الطواهر ، وهي تتناثر فوق مساحة واسعة كالأضاحي ، وقد فصلت الرؤوس وسلبت الاجساد الطاهرة ، وفي جانب اخر رمقت بقايا خيم محترقة ، وثلة من الاطفال المذعورين والنساء المفجوعات يتراكضون على غير هدى واصواتهم ترتفع تارة بالبكاء على ذويهم واخرى ينادون العطش العطش ..
وقد احاط بهذا الوادي جيش لجب انتشى بالنصر وتشبع بروح الهمجية .
ان مجرد تصور هذه الصورة الفجيعة تجعل اكثر الناس حلما ينهار ، ولكن زينب سلام الله عليها حمدت بقيت صامده .. ماذا فعلت ؟ لملمت الاطفال ، وهدأت النساء وصبرتهم ثم قامت لربها تصلي ولعلها كانت تدعوا الله بضراعة لكي يمنحها الصبر والاستقامة وان يتقبل من آل محمد صلى الله عليه وآله ذلك القربان ، كما كان دعاء اخيها الامام الحسين في اللحظات الاخيرة من حياته الكريمة حيث قال :
" اللهم انت متعالي المكان ، عظيم الجبروت ، شديد المحال ، غني عن الخلايق ، عريض الكبرياء ، قادر على ما تشاء ، قريب الرحمة ، صادق الوعد ، سابغ النعمة ، حسن البلاء ، قريب اذا دعيت ، محيط بما خلقت ، قابل التوبة لمن تاب اليك ، قادر على ما اردت ، و مدرك ما طلبت ، وشكور اذا شكرت وذكور اذا ذكرت . ادعوك محتاجا ، وارغب اليك فقيرا ، وافزع اليك خائفا ، وابكي اليك مكروبا واستعين بك ضعيفا واتوكل عليك كافيا احكم بيننا وبين قومنا بالحق فانهم غرونا وخدعونا وخذلونا وغرروا بنا وقتلونا ونحن عترة نبيك وولد حبيبك محمد بن عبد الله الذي اصطفيته بالرسالة وائتمنته على وحيك فاجعل لنا من امرنا فرجا ومخرجا برحمتك يا ارحم الراحمين " (6) .
ثم قال عليه السلام :
صبرا على قضائك يا رب ، لا اله سواك ، يا غياث المستغيثين " .
بلى .. هذا الايمان الخالص الذي تجلى في كلمات السبط الشهيد في تلك اللحظات الحاسمة ، وذلك الموقف الذي تجلى عند الصديقة زينب بعد الشهادة طبع المسيرة الحسينية بطابع توحيدي خالص .
ان ابرز صفات زينب كان تصديقها بما جاء في الكتاب وبينه الرسول ، وهكذا تحملت تلك المصائب العظيمة التي احتسبتها عند الله .. ثم عادت سلام الله عليها الى حيث كان المخيم فلما انتصف الليل اخذت تصلي نافلة الليل ، ورمقتها عينا سيد العابدين علي بن الحسين عليه السلام فسألها : عمة لم تصلي صلاتك عن جلوس . قالت زينب : يابن أخي ، ان رجلاي لا تحملانني .
قبل ايام حينما نزلت قافلة السبط في أرض الطف جلس الامام الحسين أمام خيمته وأخذ يصلح سيفه وهو يتمثل بابيات كانت العرب تنشدها عندما يحس الواحد بالخطر الداهم وهو يقول :
" يا دهر اف لك من خليل كم لك بالاشراق والاصيل
من صاحب وطالب قتيل والدهر لا يقنع بالبديل
وانما الامر الى الجليل وهي وكل هي سالك سبيلي الحياة .
فلما سمعت اخته الصديقة زينب ذلك فصاحت واثكلاه ليت الموت اعدمني .
ثم تجمعت في ذاكرتها مصائبها فقالت : اليوم ماتت أمي فاطمة وابي علي واخي الحسن . يا خليفة الماضين وثمال الباقــين فنــظر اليها الحسين وقال لها : يا أختاه لا يذهبن بحلمك الشيطان ، وترقرقت عيناه بالدموع وقال : لو ترك القطا لنام فقالت يا ويلتاه افتغتصب نفسك اغتصابا فذلك اقرح لقلبي واشد على نفسي ، ثم لطمت وجهها وهوت الى جيبها فشقته وخرت مغشية عليها .
فقال لها الامام الحسين عليه السلام بعد ان افاقت : يا اختاه اتقي الله وتعزي بعزاء الله ، واعلمي ان أهل الارض يموتون واهل السماء لا يبقون وان كل شيء هالك الا وجه الله تعالى الذي خلق الخلق بقدرته ، ويبعث الخلق ويعودون وهو فرد وحده .
ثم قال لها : يا أختاه اني اقسمت عليك فابري قسمي لا تشقي علي جيبا ، ولا تخمشي علي وجها ، ولا تدعي علي بالويل والثبور اذا انا هلكت . (7)
ومنذ تلك اللحظة حين عرفت زينب ان مسؤوليتها توجب عليها الصبر جلدت ، واحتسبت الله في صبرها .
- اقتباس
- تعليق
اترك تعليق:
-
زينب شاهدة النهضةوهلك يزيد ونهجه ، واستطال الحسين ونهجه ، وصدقت حكمه الصديقة زينب لابن زياد ، بعدما سألها كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك ؟ فقالت : ما رأيت الا جميلا ، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم فانظر لمن الفلج ( اي النصر ) يومئذ ثكلتك أمك يابن مرجانة (4)
وكانت زينب الشاهدة على نهضة السبط الشهيد لانها حملت رسالتها الى الآفاق ، ولان النهضة اساسا كانت تهدف بعث زلزال في الضمائر . فان دم الشهداء كان سيذهب سدى من دون دور الشاهدة العظيمة زينب ، ودور الشاهدين الاخرين معها .
وكانت تلك حكمة حمل الامام الحسين عليه السلام حرمه معه ، وقد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله في رؤياه الصادقة قبيل خروجه من المدينة لقد شاء الله ان يراهن سبايا .
لقد زعمت أمية ان تطواف آل الرسول اسارى في البلاد برفقة رأس السبط الشهيد ورؤوس اصحابه عليه وعليهم السلام انه يثير الرهبة في نفوس معارضيها ، وبالتالي يثبت سلطانها ولم تعرف ان الذي خطط للنهضة تعمد في ان يجعلها نهضة الدم الذي يقهر السيف ، والضمير الذي يغلب الدرهم والدينار . فكانت الرؤوس المقطوعة اكبر شاهد على ظلامة أهل البيت وتجردهم في الله ، وعظيم تضحيتهم في سبيل الدين . وكانت كلمات التقريع والتحدي التي فاضت بها خطب أهل البيت ، وما كان فيها من استهزاء بالطغيان الاموي ، والسخرية من سلطانهم أكبر ثورة ثقافية في الامة .
وهكذا نسمع الامام زين العابدين عندما يسأله ابراهيم بن طلحة ويقول له بعد شهادة ابيه : يا علي بن الحسين من غلب فيجيبه ؟ الامام ويقول : اذا اردت ان تعلم من غلب ودخل وقت الصلاة فأذن ثم اتم (5) .
بلى .. ان بقاء الصلاة وبقاء ذكر النبي في الاذان والاقامة دليل غلبة الاسلام على النفاق بفضل شهادة الامام الحسين عليه السلام .
والواقع ان القدر كان قد هيأ الصديقة زينب لهذا الدور ، وخلال عمرها القصير بعد واقعة الطف زرعت في كل افق من العالم الاسلامي بذور النهضة الحسينية ، وحفرت نهرا متدفقا من العواطف النبيلة تجاه أهل البيت حتى أصبحت لكلمة يالثارات الحسين جرصا خاصا في نفوس المسلمين ، ما ان تنطلق هذه الكلمة حتى يجتمع الناس للنهضة والاستعداد للشهادة .. واصبحت الشهادة في سبيل الله ولمقاومة الطغاة عادة مشروعة للبررة من ابناء الامة كما كان الجهاد في سبيل الله ضد الكفار .
كل ذلك بفضــل شهــادة الحسين عليه السلام وكلمات الصديقة زينب وسائر اسارى واقعة الطف .
__________________________________
(4) موسوعة بحار الانوار / ج 45 - ص 116
(5) موسوعة بحار الانوار / ج 45 - ص 177
- اقتباس
- تعليق
اترك تعليق:
-
لماذا خطبت السيدة زينب
في مجلس يزيد ؟
لقد شاهدت السيدة زينب الكبرى ( عليها السلام ) في مجلس يزيد مشاهد وقضايا ، وسمعت من يزيد كلمات تعتبر من أشد أنواع الإهانة والإستخفاف بالمقدسات ، وأقبح أشكال الإستهزاء بالمعتقدات الدينية ، وأبشع مظاهر الدناءة واللؤم .. في تصرفاته الحاقدة !!
مظاهر وكلمات ينكشف منها إلحاد يزيد وزندقته وإنكاره لأهم المعتقدات الإسلامية.
مضافاً إلى ذلك .. أن يزيد قام بجريمة كبرى ، وهي أنه وضع رأس الإمام الحسين ( عليه السلام ) أمامه وبدأ يضرب بالعصا على شفتيه وأسنانه ، وهو ـ حينذاك ـ يشرب الخمر !!
فهل يصح ويجوز للسيدة زينب أن تسكت ، وهي إبنة صاحب الشريعة الإسلامية ، الرسول الأقدس سيدنا محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟!
كيف تسكت .. وهي تعلم أن بإمكانها أن تزيف تلك الدعاوى وتفند تلك الأباطيل ، لأنها مسلحة بسلاح المنطق المفحم ، والدليل القاطع ، وقدرة البيان وقوة الحجة ؟!
ولعل التكليف الشرعي فرض عليها أن تكشف الغطاء عن الحقائق المخفية عن الحاضرين في ذلك المجلس الرهيب ، لأن المجلس كان يحتوي على شخصيات عسكرية ومدنية ، وعلى شتى طبقات الناس. فقد كان يزيد قد أذن للناس إذناً عاماً لدخول ذلك المجلس ، فمن الطبيعي أن تموج الجماهير في ذلك المكان وحول ذلك المكان ، وقد خدعتهم الدعايات الأموية ، وجعلت على أعينهم أنواعاً من الغشاوة ، فصاروا لا يعرفون الحق من الباطل ، منذ أربعين سنة طيلة أيام حكم معاوية بن أبي سفيان على تلك البلاد.
وعلامات الفرح والسرور تبدو على الوجوه بسبب إنتصار السلطة على عصابة عرفتهم أجهزة الدعاية الأموية بصورة مشوهة.
وقد تعود أهل الشام على مشاهدة قوافل الأسرى التي كانت تجلب إلى دمشق بعد الفتوحات.
أما ينبغي لحفيدة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن تنتهز هذه الفرصة ، وتجازف بحياتها في سبيل الله ، وتنفض الغبار عن الحق والحقيقة ، وتعرف الباطل بكل صراحة ووضوح ؟
بالرغم من أنها كانت أجل شأناً ، وأرفع قدراً من أن تخطب في مجلس ملوث لا يليق بها ، لأنها سيدة المخدرات والمحجبات !
ولكن الضرورة أباحت لها أن توقظ تلك الضمائر التي عاشت في سبات ، وتعيد الحياة الى القلوب التي أماتتها الشهوات ، وغمرتها أنواع الفجور ، والإنحراف عن الفطرة ، فباتت وهي لم تسمع كلمة موعظة من واعظ ، ولا نصيحة من ناصح.
- اقتباس
- تعليق
اترك تعليق:
اترك تعليق: