سيرة المسلمين
لقد زخرت سيرة المسلمين على مر العصور بالتبرك والاستشفاع بآثار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته ، دون اعتراض أو انكار من الصحابة أو التابعين أو العلماء حتى جاء ابن تيمية في القرن الثامن الهجري ليعترض ويَتَهِم الناس بالشرك بسبب تبركهم واستشفاعهم بآثار النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مما أثار علماء المسلمين للرد على شبهاته، حتى سجن واستتيب من عقيدته المنحرفة. ولكن جاء بعده من أعاد القول بهذه الشبهات وأثار الفتنة بين المسلمين حتى هذا اليوم . وهنا نتعرف على سيرة المسلمين في التبرك والاستشفاع بآثار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته ..
1- أم المؤمنين أم سلمة تداوي الناس بشعرات النبي صلى الله عليه وآله .
[130] /1 – روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن موهب قال : (أرسلني أهلي إلى أم سلمة بقدح من ماء .. من فضة فيه شعر من شعر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان إذا أصاب الإنسان عين أو شيء بعث إليها مخضبه [أي وعاؤه] ..) [1]قال ابن حجر في شرح الحديث : (والمراد أنه كان من اشتكى أرسل إناء إلى أم سلمة فتجعل فيه تلك الشعرات وتغسلها فيه وتعيده فيشربه صاحب الإناء أو يغتسل به استشفاء بها فتحصل له بركتها )[2]
2- أسماء بنت أبي بكر تداوي الناس بجبة النبي صلى الله عليه وآله .
[131] /2 – روى مسلم في صحيحه عن عبدالله مولى أسماء بنت أبي بكر عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت له : (هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخرجت إلى جبة طيالسة كسروانية لها لبنة ديباج وفرجيها مكفوفين بالديباج. فقالت : هذه كانت عند عائشة حتى قبضت فلما قبضت قبضتها، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يلبسها فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها)[3].
قال القاضي عياض في شرح الحديث : (وقولها : "فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها" : لما في ذلك من بركة ما لبسه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو لمسه ، وقد جرت عادة السلف والخلف بالتبرك بذلك منه [صلى الله عليه وآله] ووجود ذلك وبلوغ الأمل من شفاء وغيره) [4].
3- التبرك بقبر النبي صلى الله عليه وآله .
[132] /3 – روى أحمد بن حنبل في مسنده عن داود بن أبي صالح , قال : أقبل مروان يومًا فوجد رجلاّ واضعا وجهه على القبر فقال: أتدري ما تصنع ! فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب ! فقال : نعم , جئت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ولم آتِ الحجر , سمعت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم يقول : "لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله , ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله") [5].
4- التابعون والعلماء والتبرك بآثار النبي صلى الله عليه وآله .
التابعي محمد بن سرين:
[133] /4 – روى البخاري في صحيحه عن ابن سيرين قال : (قلت لعبيدة :عندنا من شعر النبيّ صلى الله عليه [وآله] وسلم , أصبناه من قبل أنس أو من قبل أهل أنس . قال : لأن تكون عندي شعرة منه أحبّ إلىّ من الدنيا وما فيها)[6].
الإمام أحمد بن حنبل .
[134] /5 – سأل عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل والده عن تقبيل القبر ومسه وهذا نصه : (سألته عن الرجل يمس منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويتبرك بمسه ويقبله ويفعل بالقبر مثل ذلك أو نحو هذا يريد بذلك التقرب إلى الله عز وجل فقال لا بأس بذلك) [7].
ونقل الذهبي في سير أعلام النبلاء عن عبدالله بن أحمد أنه قال: (رأيت أبي يأخذ شعرة من شعر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيضعها على فيه يقبلها. وأحسب أني رأيته يضعها على عينه، ويغمسها في الماء ويشربه يستشفي به. ورأيته أخذ قصعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فغسلها في حب الماء، ثم شرب فيها ورأيته يشرب من ماء زمزم يستشفي به، ويمسح به يديه ووجهه) .[8]
ورغم شهرة فتوى الإمام أحمد التي ذكرها ابنه عبد الله والتي تناقلها العلماء بينهم إلا أن ابن تيمية قد ادعى اجماع العلماء على تحريم تقبيل القبر والتمسح به بقوله : (وأما التمسح بقبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقبيله فكلهم نهى عنه أشد النهي) وهذا الكلام غير صحيح، بل ما يدعونا للاستغراب أن فتوى الإمام أحمد قد عرضها الحافظ العلائي على ابن تيمية، ولكنه رفض إلا أن يدعي الإجماع على النهي [9].
إمام الحديث محمد بن اسماعيل البخاري (صاحب الصحيح)
[135] /6 – لقد أفرد البخاري باباً خاصاً في التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وآله وهذا قوله في صحيحه ( بَاب مَا ذُكِرَ مِنْ دِرْعِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَصَاهُ وَسَيْفِهِ وَقَدَحِهِ وَخَاتَمِهِ وَمَا اسْتَعْمَلَ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ قِسْمَتُهُ وَمِنْ شَعَرِهِ وَنَعْلِهِ وَآنِيَتِهِ مِمَّا يَتَبَرَّكُ أَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ بَعْدَ وَفَاتِهِ) [10].
[1] صحيح البخاري /كتاب اللباس/ص 1091/ح 5896
[2] فتح الباري - ابن حجر /ج10/ص353
[3] صحيح مسلم/ كتاب /ص 894/ ح 10 – (2069) .
[4] إكمال المعلم شرح صحيح مسلم - للقاضي عياض /ج6/ص 298 .
[5] مسند أحمد /مسند الأنصار / ج 5/ص224. علق عليه الذهبي في التلخيص : صحيح [المستدرك على الصحيحين للحاكم مع تعليقات الذهبي في التلخيص /ج4/ص 560/ ح 8571 ] وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد [ج5/ص 441/ح 9252 ] : رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط وفيه كثير بن زيد وثقه أحمد وغيره وضعفه النسائي وغيره.
[6] البخاري / كتاب الوضوء /ص50/ح170
[7] العلل ومعرفة الرجال /ج 2 / ص 492 .
[8] سير اعلام النبلاء / ج11 / ص 212.
[9] قال العيني في كتابه [عمدة القاري/ج9 /ص241 ] عن شيخه الحافظ زين الدين العراقي : (أخبرني الحافظ أبو سعيد بن العلائي قال : رأيت في كلام أحمد بن حنبل في جزء قديم عليه خط ابن ناصر وغيره من الحفاظ : أن الإمام أحمد سئل عن تقبيل قبر النبي عليه السلام وتقبيل منبره فقال : لا بأس بذلك ، قال : فأريناه للشيخ تقي الدين بن تيمية ، فصار يتعجب من ذلك ويقول : عجبت أحمد عندي جليل يقوله هذا كلامه أو معنى كلامه).
[10] صحيح البخاري /كتاب فرض الخمس/ص570/ باب (5) .
لقد زخرت سيرة المسلمين على مر العصور بالتبرك والاستشفاع بآثار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته ، دون اعتراض أو انكار من الصحابة أو التابعين أو العلماء حتى جاء ابن تيمية في القرن الثامن الهجري ليعترض ويَتَهِم الناس بالشرك بسبب تبركهم واستشفاعهم بآثار النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مما أثار علماء المسلمين للرد على شبهاته، حتى سجن واستتيب من عقيدته المنحرفة. ولكن جاء بعده من أعاد القول بهذه الشبهات وأثار الفتنة بين المسلمين حتى هذا اليوم . وهنا نتعرف على سيرة المسلمين في التبرك والاستشفاع بآثار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته ..
1- أم المؤمنين أم سلمة تداوي الناس بشعرات النبي صلى الله عليه وآله .
[130] /1 – روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن موهب قال : (أرسلني أهلي إلى أم سلمة بقدح من ماء .. من فضة فيه شعر من شعر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان إذا أصاب الإنسان عين أو شيء بعث إليها مخضبه [أي وعاؤه] ..) [1]قال ابن حجر في شرح الحديث : (والمراد أنه كان من اشتكى أرسل إناء إلى أم سلمة فتجعل فيه تلك الشعرات وتغسلها فيه وتعيده فيشربه صاحب الإناء أو يغتسل به استشفاء بها فتحصل له بركتها )[2]
2- أسماء بنت أبي بكر تداوي الناس بجبة النبي صلى الله عليه وآله .
[131] /2 – روى مسلم في صحيحه عن عبدالله مولى أسماء بنت أبي بكر عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت له : (هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخرجت إلى جبة طيالسة كسروانية لها لبنة ديباج وفرجيها مكفوفين بالديباج. فقالت : هذه كانت عند عائشة حتى قبضت فلما قبضت قبضتها، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يلبسها فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها)[3].
قال القاضي عياض في شرح الحديث : (وقولها : "فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها" : لما في ذلك من بركة ما لبسه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو لمسه ، وقد جرت عادة السلف والخلف بالتبرك بذلك منه [صلى الله عليه وآله] ووجود ذلك وبلوغ الأمل من شفاء وغيره) [4].
3- التبرك بقبر النبي صلى الله عليه وآله .
[132] /3 – روى أحمد بن حنبل في مسنده عن داود بن أبي صالح , قال : أقبل مروان يومًا فوجد رجلاّ واضعا وجهه على القبر فقال: أتدري ما تصنع ! فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب ! فقال : نعم , جئت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ولم آتِ الحجر , سمعت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم يقول : "لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله , ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله") [5].
4- التابعون والعلماء والتبرك بآثار النبي صلى الله عليه وآله .
التابعي محمد بن سرين:
[133] /4 – روى البخاري في صحيحه عن ابن سيرين قال : (قلت لعبيدة :عندنا من شعر النبيّ صلى الله عليه [وآله] وسلم , أصبناه من قبل أنس أو من قبل أهل أنس . قال : لأن تكون عندي شعرة منه أحبّ إلىّ من الدنيا وما فيها)[6].
الإمام أحمد بن حنبل .
[134] /5 – سأل عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل والده عن تقبيل القبر ومسه وهذا نصه : (سألته عن الرجل يمس منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويتبرك بمسه ويقبله ويفعل بالقبر مثل ذلك أو نحو هذا يريد بذلك التقرب إلى الله عز وجل فقال لا بأس بذلك) [7].
ونقل الذهبي في سير أعلام النبلاء عن عبدالله بن أحمد أنه قال: (رأيت أبي يأخذ شعرة من شعر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيضعها على فيه يقبلها. وأحسب أني رأيته يضعها على عينه، ويغمسها في الماء ويشربه يستشفي به. ورأيته أخذ قصعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فغسلها في حب الماء، ثم شرب فيها ورأيته يشرب من ماء زمزم يستشفي به، ويمسح به يديه ووجهه) .[8]
ورغم شهرة فتوى الإمام أحمد التي ذكرها ابنه عبد الله والتي تناقلها العلماء بينهم إلا أن ابن تيمية قد ادعى اجماع العلماء على تحريم تقبيل القبر والتمسح به بقوله : (وأما التمسح بقبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقبيله فكلهم نهى عنه أشد النهي) وهذا الكلام غير صحيح، بل ما يدعونا للاستغراب أن فتوى الإمام أحمد قد عرضها الحافظ العلائي على ابن تيمية، ولكنه رفض إلا أن يدعي الإجماع على النهي [9].
إمام الحديث محمد بن اسماعيل البخاري (صاحب الصحيح)
[135] /6 – لقد أفرد البخاري باباً خاصاً في التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وآله وهذا قوله في صحيحه ( بَاب مَا ذُكِرَ مِنْ دِرْعِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَصَاهُ وَسَيْفِهِ وَقَدَحِهِ وَخَاتَمِهِ وَمَا اسْتَعْمَلَ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ قِسْمَتُهُ وَمِنْ شَعَرِهِ وَنَعْلِهِ وَآنِيَتِهِ مِمَّا يَتَبَرَّكُ أَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ بَعْدَ وَفَاتِهِ) [10].
[1] صحيح البخاري /كتاب اللباس/ص 1091/ح 5896
[2] فتح الباري - ابن حجر /ج10/ص353
[3] صحيح مسلم/ كتاب /ص 894/ ح 10 – (2069) .
[4] إكمال المعلم شرح صحيح مسلم - للقاضي عياض /ج6/ص 298 .
[5] مسند أحمد /مسند الأنصار / ج 5/ص224. علق عليه الذهبي في التلخيص : صحيح [المستدرك على الصحيحين للحاكم مع تعليقات الذهبي في التلخيص /ج4/ص 560/ ح 8571 ] وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد [ج5/ص 441/ح 9252 ] : رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط وفيه كثير بن زيد وثقه أحمد وغيره وضعفه النسائي وغيره.
[6] البخاري / كتاب الوضوء /ص50/ح170
[7] العلل ومعرفة الرجال /ج 2 / ص 492 .
[8] سير اعلام النبلاء / ج11 / ص 212.
[9] قال العيني في كتابه [عمدة القاري/ج9 /ص241 ] عن شيخه الحافظ زين الدين العراقي : (أخبرني الحافظ أبو سعيد بن العلائي قال : رأيت في كلام أحمد بن حنبل في جزء قديم عليه خط ابن ناصر وغيره من الحفاظ : أن الإمام أحمد سئل عن تقبيل قبر النبي عليه السلام وتقبيل منبره فقال : لا بأس بذلك ، قال : فأريناه للشيخ تقي الدين بن تيمية ، فصار يتعجب من ذلك ويقول : عجبت أحمد عندي جليل يقوله هذا كلامه أو معنى كلامه).
[10] صحيح البخاري /كتاب فرض الخمس/ص570/ باب (5) .
تعليق