لايدهشني الموالين حين بتعبيرهم عن حبهم لأميرهم يبدعون
ما يدهشني حقا من لم يكونوا شيعة ولم يكون مسلمين
كيف استطاعوا أن يكتبوا روائع في أمير المؤمنين عليه السلام إن لم تكن سطورهم إلهام من رب العالمين؟
فمن يعرف علي عليه السلام وهو منصف كيف لا يشهد بأنه حق مبين؟
و اسمحوا لي أن أضع بين أيديكم جزءا اقتصصته مما جاء في مقدمة الملحمة الخالدة (عيد الغدير )
أول ملحمة عربية وتعد بما ينيف عن 3500 بيت
وقد مدح فيها الشاعر والأديب والفيلسوف والمفكر المسيحي العبقري المنصف بوليس سلامه
أهل بيت النبي الأكرمين وخصوصا الإمام علي عليه السلام
و ستبقى ملحمته جوهرة مشعة في جبين الأدب العربي ما بقي هذا الأدب لأنها تزينت بذكر النبي وآله الأطهار
ورب قارئ يحسبني متحاملا على بني أمية, ويعلم الله أني لم أقل فيهم إلا ما أجمعت عليه السير النبوية, ومؤرخو الإسلام كأبي الفداء, والمسعودي, والطبري, وابن الاثير, وابن خلكان وما أقره الأدباء المعاصرون, وقد أشرت إلى المراجع في الهوامش ليكون الكلام عن بينة ولا ريب ان الامويين شادوا في الشرق والغرب حضارة لها مكانتها الشامخة في عين من ينظر إلى الدنيا ولكنني قست بالمقاييس الروحية, وان قصور العالم جميعا لا تعادل في كفة الفضيلة جناح بعوضة.
فإن سقراط الفيلسوف الخيّر الذي كان يمشي حافيا في أسواق آثينا لأجلّ قدرا في ميزان القيم الروحية من الإسكندر على عرشه ومن كسرى أنوشروان في إيوانه .
ولرب معترض يقول: ما بال هذا المسيحي يتصدى لملحمة إسلامية بحثة؟ أجل أنني مسيحي ولكن التأريخ مشاع للعالمين.
أجل أني مسيحي ينظر من أفق رحب لا من كوة ضيقة فيرى في غاندي الوثني قديسا. ومسيحي يرى (الخلق كلهم عيال الله) ويرى أن (لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى)
مسيحي ينحني أمام عظمة رجل يهتف باسمه مئات الملايين من الناس في مشارق الأرض ومغاربها خمس مرات كل يوم.
رجل ليس في مواليد حواء أعظم منه شأنا, وأبعد أثرا, وأخلد ذكرا, رجل أطل من غياهب الجاهلية فأطلت معه دنيا أظلها بلواء مجيد, كتب عليه بأحرف من نور: لا إله إلا الله . الله أكبر.
قد يقول قائل : ولم آثرت عليا دون سواه من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله بهذه الملحمة ؟
ولا أجيب على هذا السؤال إلا بكلمات فالملحمة كلها جواب عليه, و سترى في سياقها بعض عظمة الرجل الذي يذكره المسلمون فيقولون: (رضي الله عنه وكرم وجه والسلام عليه) ويذكره النصارى في مجالسهم فيتمثلون بحكمه ويخشعون لتقواه , ويتمثل به الزهاد في الصوامع فيزدادون زهدا وقنوتا, وينطر إليه المفكر فيستضيء بهذا القطب الوضاء, ويتطلع إليه الكاتب الألمعي فيأتم ببيانه, ويعتمده الفقيه المدره فيسترشد بأحكامه.
أما الخطيب فحسبه أن يقف في السفح, ويرفع الرأس إلى هذا الطود الشامخ لتنهل عليه الآيات من علي, وينطلق لسانه بالكلام العربي المبين الذي رسخ قواعده أبو الحسن إذ دفعها إلى أبي الأسود الدؤلي فقال: أنح هذا النحو. وكان علم النحو.
ويقرأ الجبان سيرة علي فتهدر في صدره النخوة وتستهويه البطولة. إذ لم تشهد الغبراء, ولم تظل السماء أشع من أبن أبي طالب, فعلي ذلك الساعد الأجدل اعتمد الإسلام يوم كان وليدا, فعلي هو بطل: بدر وخيبر والخندق وحنين ووادي الرمل والطائف واليمن.
وهو المنتصر في صفين, ويوم الجمل, والنهروان, والدافع عن الرسول يوم أحد وقيدوم السرايا ولواء المغازي.
واعجب من بطولته الجسدية بطولته النفسية, فلم يُرَ أصبر منه على المكاره. إذ كانت حياته موصولة الآلام منذ فتح عينيه على النور في الكعبة حتى أغمضهما على الحق في مسجد الكوفة.
وبعد فلم تجادلني في أبي الحسن؟ أو لم تقم في خلال العصور فئات من الناس تؤله الرجل؟ ولا ريب أنها الضلالة الكبرى, ولكنها ضلالة تدلك على الحق إذ تدلك على مبلغ افتتان الناس بهذه الشخصية العظمى.
ولم يستطع خصوم الرجل أن يأخذوا عليه مأخذا فاتهموه بالتشدد في احقاق الحق أي أنهم شكوا كثرة فضله فأرادوه دنيويا يماري ويداري و أراد نفسه روحانيا رفيعا يستميت في سبيل العدل, لا تأخذه في سبيل الله هوادة . وإنما الغضبة للحق وثورة النفوس القدسية التي يؤلمها أن ترى عوجا. أو لم يغضب السيد المسيح وهو الذروة في الوداعة والحلم يوم دخل الهيكل فوجد فيه باعة الحمام والصيارف والمرابين فأخذ بيده السوط وقلب موائدهم وطردهم قائلا: بيتي بيت الصلاة يدعى وأنتم جعلتموه مغارة للصوص .
بقي لك بعد هذا أن تحسبني شيعيا. فإذا كان التشيع تنقصا لأشخاص, أو بغضا لفئات, أو تهورا في المزالق الخطرة فلست كذلك. أما إذا كان التشيع حبا لعلي وأهل البيت الطيبين الأكرمين, وثورة على الظلم وتوجها لما حل بالحسين وما نزل بأولاده من النكبات في مطاوي التأريخ فأنني شيعي.
فيا أبا الحسن! ماذا أقول فيك, وقد قال الكتّاب في المتنبي : (أنه مالئ الدنيا وشاغل الناس) وإن هو إلا شاعر له حفنة من الدر إزاء تلال من الحجارة. وما شخصيته حيال عظمتك إلا مدرة على النيل خجلى من عظمة الأهرام.
حقا إن البيان لسفّ وإن شعري لحصاة في ساحلك يا أمير الكلام, ولكنها حصاة مخضوبة بدم الحسين الغالي, فتقبل هذه الملحمة وانظر من رفارف الخلد إلى عاجز شرّف قلمه بذكرك.
بيروت 9 حزيران سنة1948
بوليس سلامه
ما يدهشني حقا من لم يكونوا شيعة ولم يكون مسلمين
كيف استطاعوا أن يكتبوا روائع في أمير المؤمنين عليه السلام إن لم تكن سطورهم إلهام من رب العالمين؟
فمن يعرف علي عليه السلام وهو منصف كيف لا يشهد بأنه حق مبين؟
و اسمحوا لي أن أضع بين أيديكم جزءا اقتصصته مما جاء في مقدمة الملحمة الخالدة (عيد الغدير )
أول ملحمة عربية وتعد بما ينيف عن 3500 بيت
وقد مدح فيها الشاعر والأديب والفيلسوف والمفكر المسيحي العبقري المنصف بوليس سلامه
أهل بيت النبي الأكرمين وخصوصا الإمام علي عليه السلام
و ستبقى ملحمته جوهرة مشعة في جبين الأدب العربي ما بقي هذا الأدب لأنها تزينت بذكر النبي وآله الأطهار
ورب قارئ يحسبني متحاملا على بني أمية, ويعلم الله أني لم أقل فيهم إلا ما أجمعت عليه السير النبوية, ومؤرخو الإسلام كأبي الفداء, والمسعودي, والطبري, وابن الاثير, وابن خلكان وما أقره الأدباء المعاصرون, وقد أشرت إلى المراجع في الهوامش ليكون الكلام عن بينة ولا ريب ان الامويين شادوا في الشرق والغرب حضارة لها مكانتها الشامخة في عين من ينظر إلى الدنيا ولكنني قست بالمقاييس الروحية, وان قصور العالم جميعا لا تعادل في كفة الفضيلة جناح بعوضة.
فإن سقراط الفيلسوف الخيّر الذي كان يمشي حافيا في أسواق آثينا لأجلّ قدرا في ميزان القيم الروحية من الإسكندر على عرشه ومن كسرى أنوشروان في إيوانه .
ولرب معترض يقول: ما بال هذا المسيحي يتصدى لملحمة إسلامية بحثة؟ أجل أنني مسيحي ولكن التأريخ مشاع للعالمين.
أجل أني مسيحي ينظر من أفق رحب لا من كوة ضيقة فيرى في غاندي الوثني قديسا. ومسيحي يرى (الخلق كلهم عيال الله) ويرى أن (لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى)
مسيحي ينحني أمام عظمة رجل يهتف باسمه مئات الملايين من الناس في مشارق الأرض ومغاربها خمس مرات كل يوم.
رجل ليس في مواليد حواء أعظم منه شأنا, وأبعد أثرا, وأخلد ذكرا, رجل أطل من غياهب الجاهلية فأطلت معه دنيا أظلها بلواء مجيد, كتب عليه بأحرف من نور: لا إله إلا الله . الله أكبر.
قد يقول قائل : ولم آثرت عليا دون سواه من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله بهذه الملحمة ؟
ولا أجيب على هذا السؤال إلا بكلمات فالملحمة كلها جواب عليه, و سترى في سياقها بعض عظمة الرجل الذي يذكره المسلمون فيقولون: (رضي الله عنه وكرم وجه والسلام عليه) ويذكره النصارى في مجالسهم فيتمثلون بحكمه ويخشعون لتقواه , ويتمثل به الزهاد في الصوامع فيزدادون زهدا وقنوتا, وينطر إليه المفكر فيستضيء بهذا القطب الوضاء, ويتطلع إليه الكاتب الألمعي فيأتم ببيانه, ويعتمده الفقيه المدره فيسترشد بأحكامه.
أما الخطيب فحسبه أن يقف في السفح, ويرفع الرأس إلى هذا الطود الشامخ لتنهل عليه الآيات من علي, وينطلق لسانه بالكلام العربي المبين الذي رسخ قواعده أبو الحسن إذ دفعها إلى أبي الأسود الدؤلي فقال: أنح هذا النحو. وكان علم النحو.
ويقرأ الجبان سيرة علي فتهدر في صدره النخوة وتستهويه البطولة. إذ لم تشهد الغبراء, ولم تظل السماء أشع من أبن أبي طالب, فعلي ذلك الساعد الأجدل اعتمد الإسلام يوم كان وليدا, فعلي هو بطل: بدر وخيبر والخندق وحنين ووادي الرمل والطائف واليمن.
وهو المنتصر في صفين, ويوم الجمل, والنهروان, والدافع عن الرسول يوم أحد وقيدوم السرايا ولواء المغازي.
واعجب من بطولته الجسدية بطولته النفسية, فلم يُرَ أصبر منه على المكاره. إذ كانت حياته موصولة الآلام منذ فتح عينيه على النور في الكعبة حتى أغمضهما على الحق في مسجد الكوفة.
وبعد فلم تجادلني في أبي الحسن؟ أو لم تقم في خلال العصور فئات من الناس تؤله الرجل؟ ولا ريب أنها الضلالة الكبرى, ولكنها ضلالة تدلك على الحق إذ تدلك على مبلغ افتتان الناس بهذه الشخصية العظمى.
ولم يستطع خصوم الرجل أن يأخذوا عليه مأخذا فاتهموه بالتشدد في احقاق الحق أي أنهم شكوا كثرة فضله فأرادوه دنيويا يماري ويداري و أراد نفسه روحانيا رفيعا يستميت في سبيل العدل, لا تأخذه في سبيل الله هوادة . وإنما الغضبة للحق وثورة النفوس القدسية التي يؤلمها أن ترى عوجا. أو لم يغضب السيد المسيح وهو الذروة في الوداعة والحلم يوم دخل الهيكل فوجد فيه باعة الحمام والصيارف والمرابين فأخذ بيده السوط وقلب موائدهم وطردهم قائلا: بيتي بيت الصلاة يدعى وأنتم جعلتموه مغارة للصوص .
بقي لك بعد هذا أن تحسبني شيعيا. فإذا كان التشيع تنقصا لأشخاص, أو بغضا لفئات, أو تهورا في المزالق الخطرة فلست كذلك. أما إذا كان التشيع حبا لعلي وأهل البيت الطيبين الأكرمين, وثورة على الظلم وتوجها لما حل بالحسين وما نزل بأولاده من النكبات في مطاوي التأريخ فأنني شيعي.
فيا أبا الحسن! ماذا أقول فيك, وقد قال الكتّاب في المتنبي : (أنه مالئ الدنيا وشاغل الناس) وإن هو إلا شاعر له حفنة من الدر إزاء تلال من الحجارة. وما شخصيته حيال عظمتك إلا مدرة على النيل خجلى من عظمة الأهرام.
حقا إن البيان لسفّ وإن شعري لحصاة في ساحلك يا أمير الكلام, ولكنها حصاة مخضوبة بدم الحسين الغالي, فتقبل هذه الملحمة وانظر من رفارف الخلد إلى عاجز شرّف قلمه بذكرك.
بيروت 9 حزيران سنة1948
بوليس سلامه
تعليق