إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

صفاتٌ خَمس لنبينا (صلى الله عليه و آله) في القرآن، شاركه بها أئمة الهدى

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صفاتٌ خَمس لنبينا (صلى الله عليه و آله) في القرآن، شاركه بها أئمة الهدى


    )إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا(45)وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا( (الأحزاب/46-47).
    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صلى على محمد وال محمد

    صفاتٌ خَمس لنبينا (صلى الله عليه و آله) في القرآن، شاركه بها أئمة الهدى
    وصف الله سبحانه وتعالى نبيّه الكريم بهاتين الآيتين من سورة الأحزاب بخمس صفاتٍ جليلة، هنَّ مِن شؤون نبوتّه ورسالته، وحجيّته وولايته العامتين على أمته وعلى أهل الأرض جميعاً.

    الأولى: كونه(صلى الله عليه و آله) شاهداً
    الصفة الأولى كونه "شاهداً" يشهد على أمته يوم القيامة كما يشهد على الناس أجمعين من يهود ونصارى ومشركين وملحدين فيما يعتقدون ويعملون من إيمان أو كفر، وطاعةٍ أو معصية، يشهد لهم أو عليهم يوم القيامة حتّى يجازى كلٌ بما أعتقد وعَمِل طبق اعتقاده وعمله، وطبق شهادة الرسول(صلى الله عليه و آله) له أو عليه.
    وكون النبي(صلى الله عليه و آله) شاهداً على أمته وعلى الناس أجمعين هذهِ حقيقة قرآنية قد نصّ عليها القرآن في سور عديدة وآياتٍ كثيرة، منها الآية المبحوث عنها)إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا( وهكذا قال تعالى في سورة الفتح:)إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا( (الفتح/9).
    ومنها قوله تعالى:)إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً( (المزمل/16).
    بل يصرح القرآن المجيد بأنّ كلّ امةٍ من الأمم جعل الله عليها شهيداً منهم من نبيٍ أو رسول أو إمام، قال تعالى:)فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا( (النساء/42).
    وقال تعالى:)وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ( (القصص/76).
    وقال تعالى:)وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاَء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ( (النمل/90).
    وقال تعالى:) وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ( (النحل/85).
    وقال تعالى:)وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ( (الزُمَر/70).
    إلى غير ذلك من الآيات، ومن هنا جاءَ عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنه قال: لكلّ زمانٍ وامةٍ إمام، تُبعث كلّ امّةٍ مع إمامها(1)، وإنما تبعث كل أمةٍ مع إمامها ليشهد عليها.
    أمّا هذهِ الامّة الإسلامية التي هي آخر الأمم فشهيدها الأول وبالإجماع – بعد الله تعالى – هو رسول الله(صلى الله عليه و آله) ولكن هل هناك شهود عليها غير الرسول الأعظم؟ نعم، الشهود عليها بعد الرسول إنّما هم أهل بيته أئمة الهدى من بعده، يشهد كلّ إمام منهم على أهل زمانه.

    الأمة الوسط الشهيدة على الناس إنّما هم الأئمة من آل محمّد(صلى الله عليه و آله)
    وهذا أيضاً أشار إليه القرآن وذكره في عديدٍ من آياته، ومنها قوله تعالى:)وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا( (البقرة/144).
    لنقف قليلاً أو كثيراً عند هذهِ الآية الكريمة من سورة البقرة ونتدبّر في المراد من الأمة الوسط التي جعلها الله شهيدة على الناس.
    نعم هذهِ الآية - حسب نصها – تقول: إنّ الأمة الوسط هي الشهيدة على الناس، ولكن مَن المراد من الأمة الوسط هل هي الأمة الإسلامية بكاملها تشهد على الناس ويشهد بعضها على بعض؟ كما يصرح به إخواننا أهل السُنّة في تفاسيرهم، وبعض أخبارهم؟
    كالسيوطي في تفسيره (الدر المنثور)(2).
    والفخر الرازي في تفسيره (مفاتيح الغيب)(3).
    وابن كثير الدمشقي في تفسيره (القرآن العظيم)(4)، وغيرهم.
    نعم الفخر الرازي استثنى من مجموع الأمة ثلاث فرق حيث قال: دلّت الآية على أن من ظهر كفره وفسقه نحو المشبّه، والخوارج، والروافض فإنه لا يُعتدّ به في الإجماع، لأن الله إنّما جَعل الشهداء مَن وَصَفهم بالعدالة والخَيريّة …الخ(5).

    ليست الأمة كلها شهداء
    ونحن نرى أن تفسير الأمة الوسط بالأمة الإسلامية كلّها، وحتى لو استُني منها – برغم الفخر الرازي – المشبّهة والخوارج والروافض، نراه تفسيراً يخالف العقل والوجدان، والذوق، والمنطق السليم، والتحليل العلمي، كما يخالف النصوص القرآنية، من جهات عديدة.
    منها إنّ الشاهد يجب أنْ يكون عالماً بما يشهد به، إذ معنى "شهد فلان عند الحاكم، أو عند القاضي" أي بيّن له ما شهده وحضره، أو بيّن له ما علمه علم اليقين، أمّا إذا كان الشاهد غير عالمٍ بما يشهد به، أو غير مشاهدٍ لما يشهد به فلا يعتبر شاهداً، ولا تقبل منه الشهادة أصلاً، وإذا كان كذلك فمن أين للأمة وأفرادها العلم بما يشهدون به على الناس، مع أنهم يعيشون في أدوار متعاقبة لم يعاصر بعضهم بعضاً، كما يعيشون في الدور الواحد في الشرق والغرب قد لا يرى أحدهم الآخر، وعلى فرض أنهم يعيشون معاً في بلدٍ واحد وحتى لو كانوا في محلةٍ واحدة فهل يعلم أحدهم بكامل أعمال الآخر؟ قطعاً لا، وعلى فرض أنه يشهد ببعض ما شاهده من عمله، فهل يعلم هذا الشاهد بحقيقة ذلك العمل وما نوى به صاحبه مِن حقٍ أو باطل؟ مثلاً شاهدتني أصلي وشهدت لي بما عملت وشاهدت لكن هل تعلم أنّي صليت خالصاً لوجه الله أو كانت صلاتي رياءً؟ وهل علمت أن صلاتي – مثلاً- كانت جامعة لشرائط القبول أم لا؟ قطعاً لا تعلم ذلك، فكيف تشهد به؟ وكيف يقبل الله شهادتك؟
    هذا مع العلم انّ الله يحاسب الناس يوم القيامة بما كسبت قلوبهم وما انْطوت عليه ضمائرهم من الحقائق في الأعمال، ومن المعاني النفسانية من الكفر والإيمان والفوز والخسران كما قال تعالى:)وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ( (البقرة/226).
    وهذه الأمور النفسانية لا تدركها الحواس الخمسة الظاهرية، ولا يعلمها أحد إلاّ الله، أو مَن يعلمه الله ويتوّلى أمره ويكشف له ذلك بنفسه لأنه تعالى هو وحده العالم بما في الضمائر المطلع على ما في السرائر، وعلى كّلٍ لا بدّ من أن يكون الشاهد عالماً بما يشهد به، وليس ذلك باستطاعة الأمة بكاملها بحكم العقل والوجدان والذوق السليم والمنطق الحاسم، والتحليل العلمي.
    يجيب بعض المفسرين والمحدثين عن هذا الإشكال الحقيقي البيّن ببعض الأحاديث، وينسبونها إلى النبي(صلى الله عليه و آله) ومضمونها: أن هذه الأمة تشهد على الأمم الماضية كأمة نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، حيث ان هذه الأمم تنكر أن يكون قد جاءَهم نذير ورسول من الله، يقولون: ما آتانا من نذير، وما آتانا من أحدٍ، فيقال للرسول كـ (نوح وغيره): هل بلّغت؟ فيقول: نعم، فيقال له: من يشهد لك؟ فيقول: محمّد(صلى الله عليه و آله) وأمته، فيدعى بمحمّد وأمته فيقال لهم: هل بلّغ هذا قومه؟ فيقولون: نعم، فيقال: ما علمكم؟ جاءَنا نبينا فأخبرنا إن الرسل قد بلّغوا، فذلك قوله تعالى:)وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا( أي عدلاً(6).
    وأقول: على فرض صحة هذا الخبر، فالقرينة دالة على أنّ الأمة الشاهدة مع نبيها إنما هم أهل بيته أئمة الهدى الاثنى عشر، لا الأمة كلها يدعى بها لتشهد، فإن هذا غير معقول ولا مقبول، هذا من جهة.
    ومن جهةٍ ثانية إنّ الشاهد يجب انْ يكون عادلاً وإلاّ لا يصح الاستشهاد به في الدنيا فضلاً عن الآخرة، قال تعالى:)وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ( (الطلاق/3).
    والحال الأمة الإسلامية – بحكم الضرورة والبداهة – فيها العادل والظالم، والمؤمن والمنافق، والبر والفاجر، فكيف يستشهد الله تعالى بهم جميعاً؟ هذا ما لا يرتضيه العقل ويخالف الوجدان والذوق والمنطق السليم، والتحليل العلمي ويخالف أيضاً القرآن العظيم، يقول تعالى مخاطباً المؤمنين مِن هذهِ الأمة: )إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأْيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ( (آل عمران/141)، فقوله تعالى:)وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهدَاءَ( لفظة "منكم" هنا للتبعيض، أي يتخذ بعضكم شهداء، فلو أنّ الأمة تشهد لقال: (ويتخذكم شهداء) وهذا دليل قرآنيٌ واضح على أنّ الشهداء على الأمة الإسلامية بعضها لا كلها، فمن أولئك البعض؟:
    إنّما هم خلفاء النبي على أمته من بعده وهم أئمة الهدى، وهذه الجهة الثانية.
    ومِن جهةٍ ثالثة إنّ القرآن يُصّرِح بأن كل أُمّةٍ مِن الأمم يجعل الله عليها شهيداً واحداً كما في قوله تعالى:)فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ( وقوله تعالى:)وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شهِيدًا( وقوله تعالى)وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنفُسِهِمْ( وقوله تعالى:)وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا( إلى غير ذلك من الآيات الأخرى في هذا المعنى.
    إذاً كيف يجعل الله هذه الأمة كلّها شهداء؟ فهذا المعنى يخالف سنّة الله الجارية في الأمم، ومعلوم أنّ سنّة الله في خلقه لا تتحوّل ولا تتبدّل قال تعالى:)سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً( (الأحزاب/63).
    والخلاصة انّ الشهداء على هذه الأمة إنمّا هم الأئمة الاثنى عشر(عليهم السلام) كل واحدٍ منهم يكون شهيداً على أهل زمانه دون غيرهم.
    ​يتبع

  • #2
    الأمة الوسط في الأحاديث
    كما جاء هذا المعنى صريحاً في أحاديث أهل البيت(عليهم السلام) قال أبو جعفر الباقر(عليه السلام): إنّما أنزل الله تعالى: )وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا( يعني عَدلاً،)لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا( قال: "ولا يكون شهداء على الناس إلاّ الأئمة والرسل، وأمّا الاُمّة فإنه غير جائز أن يستشهدها الله وفيهم مَن لا تجوز شهادته على حزمة بقل(7).
    وقال الإمام الباقر(عليه السلام) أيضاً في قوله تعالى:)وَكَذَلكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ( قال: نحن الأمة الوُسْطى، ونحن شهداء الله على خلقه، وحججه في أرضه(8).
    وقال الإمام الصادق(عليه السلام) أيضاً في المراد من الأمة: هم الأئمة(9).
    إلى غير ذلك من الأخبار الصريحة في هذا المعنى وهي كثيرة جداً ومتواترة، حتى أن شيخنا المجلسي في (البحار) نقل في باب عرض الأعمال على النبي(صلى الله عليه و آله) والأئمة وأنهم الشهداء – خمسة وسبعين حديثاً في الشهادة على الناس، وان الشهداء هم الأنبياء والأئمة(عليهم السلام) (10).
    وهذا المعنى جاء في بعض روايات أهل السُنّة فقد روى الحاكم الحسكاني في كتابه (شواهد التنزيل) باسناده عن سُليم بن قيس عن علي(عليه السلام) انه قال: انّ الله تعالى إيانا عنى بقوله:)لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ( فرسول الله شاهد علينا، ونحن شهداء على خلقه، وحجته في أرضه، ونحن الذين قال الله فيهم:)وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا((11)
    ويؤيد هذهِ الأحاديث من أن الأمة الإسلامية كلّها لا يمكن أن تكون الأمة الوسط، والأمة الشهيدة على الناس ما جاء في ذم أكثر الأمّة في آيات كثيرة في القرآن المجيد، فتارة بأنهم لا يعقلون وأخرى بأنهم لا يعلمون، ومرة بأنهم لا يشكرون، وهكذا من أنهم لا يؤمنون، وأن أكثرهم الفاسقون وأكثرهم للحق كارهون(12).
    فإذا كانت حالة الأمة هكذا كيف يمكن أنْ تتصف بالخيار، والعدل، والشهادة على الناس، حكّم عقلك وشرعك؟!!

    علي أمير المؤمنين الشاهد الأول على الأمة بعد نبيها(صلى الله عليه و آله)
    ويؤيد كل ما مضى ما رواه جمهورٌ كبيرٌ من المفسرين والمحدثين في تفسير قوله تعالى:)أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ( (هود/18)، ورووا عن عدة من القرابة والصحابة كابن عباس، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وزاذان، وعمرو بن العاص وغيرهم عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) ، وعن أمير المؤمنين(عليه السلام): إن الذي كان على بينةٍ من ربهِ هو رسول الله(صلى الله عليه و آله) ويتلوه شاهد منه وهو علي أمير المؤمنين(عليه السلام) (13).
    فهذهِ الآية وما ورد في تفسيرها من طرق الجمهور تدل على انّ علياً شاهدٌ على الناس، وأنه من النبي الذي هو على بيّنةٍ من ربهِ، والنبي منه.
    وهذا ما صرّح به(صلى الله عليه و آله) بقوله الشهير المتواتر: عليّ منّي وأنا من علي(14).
    وهذا كلّه يؤيد أنّ المراد من الأمة التي تكون شهيدة على الناس إنما هي علي والأئمة من أبنائه(عليهم السلام) ، فإن قيل: كيف تُفسّر الأحاديث الأمة بالأئمة، ولِمَ عَبّر الله عنهم بالأمة وهم أفراد منها؟
    الجواب نقول:
    أن الله سمّى خليله إبراهيم(عليه السلام) وهو فرد واحد أُمّة في قوله تعالى:)إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ( (النحل/121).
    وإنمّا سّماه أُمّة لانه(عليه السلام) قد أتّصف بكل فضلٍ وفضيلةٍ إتّصفَتْ بها أمته وهو أفضلهم وأكملهم بكل ما للفضل والفضيلة والكمال من معنى، وهو المُقتَدى لهم والإمام عليهم، يقول الشاعر:
    ليس على الله بمستنكرٍ*** أنْ يجمع العالَم في واحدِ
    ويقول الجلالان في تفسيرهما:)إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً( إماماً قدوةً، جامعاً لخصال الخير(15).
    وهكذا أئمة الهدى هم المتحلّون بكلّ فضلٍ وفضيلة وكمال اتصفت بها الأمة الإسلامية بعد نبيها، وقد أتاهم الله ما لَمْ يؤتِ أحداً من العالمين، ولذلك عبّر عنهم بالأمة، إذ هم الممثلون لكل فضل اتّصفت به الأمة، وتفوّقوا عليها بكل ذلك، وهم القدوة في ذلك للجميع، وأئمة للكل.
    فإذاً تعبير الله عنهم(عليهم السلام) بالأمة أبلغ من التعبير بالأئمة، ويرى بعض المفسرين أن المراد بكون الأمة شهيدة عليهم أن هذهِ الشهادة تكون فيهم، لا أنّ كلهم فرداً فرداً يشهدون، ونظير ذلك والدليل عليه قوله تعالى: )وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ( (الجاثية/17).
    والمقطوع به هو أنّ المراد من إيتاء الكتاب والحكم والنبوة والتفضيل على العالمين لبني إسرائيل أن فيهم مَن يتصف بهذهِ الصفات، وإنمّا هم الرسل والأنبياء منهم، لا أن كل واحدٍ منهم متصف بتلك الصفات، أي نُسِبَ وصف البعض إلى الكل لكون البعض فيه ومنه، وهكذا كون الأمة شهيدة هو أن فيهم مَن يشهد على الناس، ويشهد الرسول عليهم، وهم خلفاؤه أئمة الهدى من بعده، وهو وجه وجيه(16).
    ويؤيد ذلك قوله تعالى:)وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ( ويؤيده أيضاً أن الآية وصفت الأمة بالوسط فقال:)أُمَّةً وَسَطًا( وما هو معنى الوسط في هذهِ الآية.

    معاني الوسط
    ذكر الفخر الرازي في تفسيره من معاني الوسط معنيين:-
    المعنى الأول: ان الوسط هو العدل، واستدل عليه بالكتاب والسُنّة والأدب واللغة.
    المعنى الثاني: الذي ذكره للوسط: أن الوسط من كل شيءٍ خياره، وقال: وقالوا: هذا التفسير أولى من الأول لوجوه، وذكر وجوهاً عديدة في ان الوسط هو الخيار(17).
    ومن جوامع كلمات نبينا(صلى الله عليه و آله) خير الاُمور أواسطها، وقال الشاعر مشيراً للحديث:
    خير الاُمور الوسط*** وغير هذا غلط
    وهذان المعنيان منطبقان على أئمة الهدى، إذ لا خلاف في عدالتهم، ولا ريب في أنهم أفضل الأمة وخيارها، كما صرّح بذلك الرسول الأعظم (صلى الله عليه و آله) في كثيرٍ من أحاديثه الشريفة ومنها:
    قوله(صلى الله عليه و آله): "ما خلق الله خلقاً أفضل مني، ولا أكرم عليه مني، قال علي: فقلت: يا رسول الله فأنت أفضل أم جبرئيل؟ فقال: يا علي إنّ الله تبارك وتعالى فضّل أنبياءه المرسلين على ملائِكته المقربين، وفضلني على جميع النبيين والمرسلين والفضل لك يا علي وللأئمة من ولدك…الخ(18).
    ولقد أجاد النبهاني حيث يقول:
    آل طاها يا آل خير نبيً*** جدّكم خيرة وأنتم خيارُ
    أذهب الله عنكم الرجس أهل*** البيت قدماً فأنتم الأطهارُ
    لم يسلْ جدكم على الدين أجراً*** غير ودِّ القربى ونعم الاجار(19)
    وذكر الأستاذ العلامة السيد محمّد حسين الطباطبائي في تفسيره (الميزان) معنىً آخر للوسط في قوله تعالى:)وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ( وهو أنهم(عليهم السلام) متوسّطون ومتخلّلون بين الرسول وبين الناس الذين يشهدون عليهم، وذلك باعتبار أن علومهم بعقائد الناس وأعمالهم عن الله عَزّ وجَلّ بواسطة الرسول(صلى الله عليه و آله) إذ هم خلفاؤه من بعده، فيما حصّلوا عليه من العلوم الإلهية وبواسطة الرسول كانت لهم منزلة الشهادة على الناس في العقائد والأعمال.
    وسنذكر – قريباً – بعض طرق تحصيلهم للعلوم الإلهية، ولذلك جعلت الآية كونهم(عليهم السلام) شهداء على الناس غايةً متفرعةً على جعلهم أمّةً وسطا، لكونهم متوسطون بين الرسول وبين الناس كانوا شهداء على الناس.

    تعليق


    • #3
      وكيفما يفسر الوسط بالعدل، أو الخيار، أو التوسـط فهو لا ينطبق – حقيقة – إلاّ على أئمة الهدى من آل محمّد(صلى الله عليه و آله) إذ هم أعدل الأمة وخيارها والمتوسطون بين الرسول وبين الناس بأمر الله عَزّ وجَلّ.
      قال الطبرسي في قوله تعالى)أُمَّةً وَسَطًا( الوسط العدل، وقيل: الخيار، قال صاحب العين: الوسط من كل شيءٍ أعدله أو فضله، أو الواسطة بين الرسول وبين الناس.
      )رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ( (آل عمران/54).
      شهادة الأئمة (عليهم السلام) على الناس بحق، وعَن عِلمٍ مستمدٍ عن الله تعالى، ومَنْ الشفعاء؟ ولِمَنْ يشفعون؟
      )وَلاَ يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلاَ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ( (الزخرف/87).
      نفت هذهِ الآية الكريمة من سورة الزخرف الشفاعة عن مخلوقين نفياً صريحاً، وأثبتتها لآِخرين منهم إثباتاً حقيقياً وواقعياً، فقوله تعالى:)وَلاَ يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ( أي أنّ الذين يدعون من دون الله والى عبادة غير الله من مطلق رؤساء الكفر والشرك والضلال، ومن كل معبودٍ دون الله من الأصنام وغيرها لا يملكون الشفاعة لأِتّباعهم لا ملكاً ذاتياً ولا بتمليكٍ من الله لهم، وقوله:)إِلاَ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ( هذا استثناء فيه إثباتٌ للشفاعة لِمَنْ شَهد بالحق، وكانت شهادته عن علمٍ ودراية، وهم المعبّر عنهم بشهداء العمال، وهم بين ملائِكة وبشر وآخرين.
      فمن شهداء الأعمال من البشر في الأمم الماضية الرسل والأنبياء وأوصياؤهم، وفي هذهِ الأمة النبي(صلى الله عليه و آله) وبعده أئمة الهدى من أهل بيته، فهم الذين يملكون حق الشفاعة بتمليكٍ من الله لهم، إذ أنّ أمر الشفاعة بيد الله عَزّ وجَلّ، والحكم له يوم القيامة وحده لا شريك له قال تعالى:)يَوْمَئِذٍ لاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَانُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً( (طه/110).
      ومن المعلوم المقطوع به أنّ في طليعة مَنْ يأذن لهم الرحمن بالشفاعة، ويرتضي قولهم هم محمّد وأهل بيته الأطهار، فهم الشفعاء بأذن الله.
      أمّا لمن يشفعون؟ فقد قال تعالى مجيباً على هذا التساؤل)وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَ لِمَنْ ارْتَضَى( (الأنبياء/29)، أي لا يشفعون إلاّ لِمن ارتضى الله دينه، والدين المرتضى لله هو الدين الإسلامي المشروط بولاية الله ورسوله وأوليائه قال تعالى بعد تبليغ النبي(صلى الله عليه و آله) ولاية علي أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم غدير خم)الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِْسْلاَمَ دِينًا( (المائدة/4).
      وقال النبي(صلى الله عليه و آله) بعد نزول هذِهِ الآية الكريمة: الحمد لله على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب بالإسلام ديناً للمسلمين بولاية علي أمير المؤمنين.
      فمن مات مسلماً مؤمناً بالله، وبدين الله ووعده ووعيده، وبأولياء الله، وكان قد والى أولياء الله وعادى أعداءه، وعليه بعض الذنوب والمعاصي التي لم يتب منها، ولم تغتفر له، فهؤلاء يستحقون الشفاعة من الشافعين من محمّد وآله الطاهرين(عليهم السلام) فهم الشفعاء إذاً بأمر الله كما هم الشهداء على الناس بأمره(20).
      وشهادتهم بحق، وعن علمٍ مستمدٍ من الله تبارك وتعالى.
      هذا ما أفادته هذه الآية الكريمة)وَلاَ يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلاَ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ( وهي بنصوصها مؤيدة لما حققناه فيما مضى من ان الشاهد يجب أن يكون عالماً بما يشهد به وإلاّ فلا تصح شهادته، كما يجب أن يكون عادلاً ليشهد بالحق لا بالباطل وإلاّ فلا تقبل شهادته، وأن الشهداء على الناس جميعاً يوم القيامة هم من كل أمة ومن كل دورٍ شهيد واحد من رسول أو نبي أو وصي لا ان الأمة كلها شهيدة على الناس، لعدم توفّر شرائط الشهادة لجميع الأمة.
      فالأمة الوسط في قوله تعالى:)وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا( إنما هم مِن الأئمة مِن آل محمّد(صلى الله عليه و آله).

      من أين جاء العلم للأئمة (عليهم السلام) بعمل الأمّة
      وهنا قد يأتي سؤال يفرض نفسه بنفسه فيقال: من أين جاءَ العلم للأئمة بكل أعمال الأمة وأعمال الناس جميعاً، وهم أفراد من الأمة حتى يشهدوا عليهم وعلى غيرهم بكامل أعمالهم وحقائقها؟ فنقول: ان علمهم باعمال الناس أجمعين مع حقائق أعمالهم وعقائدهم لا من عند أنفسهم، ولو قلنا أنهم(عليهم السلام) علموا ذلك من أنفسهم بأنفسهم لكان ذلك شركاً بالله وكفراً به، ولكنّ الله جلّ وعلا لما جعلهم حججاً على عبادهِ، وجعل لهم الولاية العامة على الناس بعد ولايته وولاية رسوله(صلى الله عليه و آله) بقوله:)إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ( (المائدة/56).
      وقد اجمع المفسرون ان هذهِ الآية المباركة كانت قد نزلت في علي أمير المؤمنين(عليه السلام) حينما تصدّق بخاتمه في الصلاة وهو راكع، وهي جارية في أبنائه من الأئمة الطاهرين من بعده(21).
      فهؤلاء الأئمة هم الذين تولى الله سبحانه تعليمهم بكامل أعمال الأمة والناس أجمعين بما آتاهم من العلم الواسع الغزير، وبما أطلعهم عليه من تصرفات الناس وسلوكها ونواياها، وأشار إلى ذلك في بعض الآيات القرآنية النازلة فيهم(عليهم السلام).
      ومن تلك الآيات قوله تعالى:)بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَ الظَّالِمُونَ( (العنكبوت/148).
      فقد صحّ عن أئمة الهدى منهم الإمام الباقر والصادق والرضا(عليهم السلام) العديد من رواياتهم التي ذكرها المحدثون والمفسرون كشيخنا الكليني في (الكافي)، والقمي في (تفسيره)، وفرات بن إبراهيم في (تفسيره)، وابن شهر آشوب في (المناقب)، ومحمّد بن الحسن الصفار في (بصائر الدرجات)، والطبرسي في (مجمع البيان)، والمجلسي في (البحار) وغيرهم كثير أنهم(عليهم السلام) فسّروا قوله تعالى:)بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ( بأنهم هم الأئمة من آل محمّد خاصة، أي بعد الرسول(صلى الله عليه و آله) وأنه مَن عيسى أن يكون غيرهم، وأنهم هم الراسخون بالعلم، وأنّ صدورهم هي الحاوية لتلك الآيات البيّنات فراجع(22).

      تعليق


      • #4
        طرق علومهم(عليهم السلام)ومنابعها
        أمّا طرق علومهم(عليهم السلام) بذلك وغير ذلك من أنواع العلوم الكثيرة وينابيعها الممنوحة لهم من الله تعالى فنذكر منها ما يلي:
        الطريق الأول
        الإلهام
        أولاً العلم الإلهامي: وهو أفضل طرق علومهم وأساسها الذي منه تتفرع جميع الطرق والجهات الأخرى، وذلك بأن يُلّهمهَم الله ما يشاء من العلوم، وهو المعبر عنه – في بعض أحاديثهم أنه – (نكت في القلوب) وفي بعضها (قذف في القلوب)(23).
        وقال الإمام الرضا(عليه السلام) في حديثه عن الإمامة وشؤونها – وقد مرّ حديثه في الفصل السابق قال(عليه السلام): وإنّ العبد إذا اختاره الله عَزّ وجَلّ لأِمور عباده شرح لذلك صدره، وأودْعَ قلبه ينابيع الحكمة، وألهمه العلم إلهاماً فلم يعي بعده بجواب ولا يحيد فيه عن الصواب، وهو معصوم مؤيد، موفق مسدد قد أمِن مِن الخطايا والزلل والعثار…الخ.

        التحليل والدليل على تلقي الفيوضات الإلهية للمخلصين
        وهذا المعنى وهو كونهم(عليهم السلام) مُلْهَمين العلم ومؤيدين من الله تعالى ليس بعجيب ولا غريب من قدرة الله الذي هو على كل شيءٍ قدير، كما أنه ليس ببعيد من تحقيق إرادته ومشيئته تعالى في إيتائهم العلم الإلهامي، وبيان ذلك هو أن الثابت بالأدلة القطعية أن العبد المؤمن بالله إذا ازداد إيماناً به عَزّ وجَلّ، وإخلاصاً له بأعماله، وصبراً وجهاداً في سبيله يكون ذلك العبد مستحقا وقابلاً لتلقي أنواع الفيوضات الإلهية، والمواهب الربانية بمقدار ما عنده من إيمان وإخلاص وصبر وجهاد، قال تعالى:)وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ( (العنكبوت/70).
        وقال تعالى:)وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ( (محمّد/18).
        ومعلوم انّ مَن كان مع الله كان الله معه، ومَن أصلح لله أمراً أصلح الله له أموره، وقال النبي(صلى الله عليه و آله) فيما رواه الخاص والعام كالصدوق في عيون أخبار الرضا، وابن عبد ربّه الأندلسي المالكي في (العِقد الفريد) وغيرهما(24).
        انه (صلى الله عليه و آله) قال ما اخلص عبدِ للهِ عَزّ وجَلّ أربعين صباحاً إلاّ جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه وفي نص آخر: مَنْ أخلص لله أربعين صباحاً انفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه، وقال(صلى الله عليه و آله): مَن عَمِلَ بما علم ورّثه الله علم ما لم يعلم(25).
        وقال(عليه السلام): مَنْ زهد في الدنيا، ولم يجزع من ذلها، ولم ينافس في عزها "أي لم يفاخر غيره تطاولاً عليه" هداه الله بغير هدايةٍ من مخلوق، وعلّمه بغير تعليم، وأثبت الحكمة في صدره، وأجراها على لسانه(26).
        ويقول النبي(صلى الله عليه و آله): ليس العلم في السماء فينزله عليكم، ولا في الأرض فيخرج إليكم، ولكنّه مودع في نفوسكم، تخلقوا بأخلاق الروحانيين يظهر لكم.
        فتذكر – أيها المطالع الكريم –في انّ أيّ مؤمنٍ من سائر المؤمنين جاهد في الله استحق الهداية الخاصة من الله تعالى، وأنه يكون مع المحسنين المجاهدين هادياً ومرشداً وناصراً ومعلماً، وأنّ منَ أخلص للهِ أربعين صباحاً انفجرت وظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه، ومَن عمل بما علم ورّثه الله علم ما لم يعلم، ومَن زهد في الدنيا ولم يجزع ولم يفاخر غيره تطاولاً هداه الله بغير هداية من مخلوق وعلّمه بغير تعليم، وأثبت الحكمة في صدره، وأجراها على لسانه، إذاً كيف بمن كان مجاهداً في الله حق الجهاد طيلة حياته بكل ما للجهاد من معنّى، ومخلصاً له عزّ شأنه في عباداته كافة وأنواع تصرفاته في كل أيامه ولياليه لا يريد بذلك إلاّ وجهه الكريم وطلب رضاه، وعاملاً بكل ما أوتي من علمٍ على الإطلاق من كلّي وجزئي، وزاهداً في الدنيا بكل ما للزهد من معنى، فهذا الإنسان المتصف بأعلى وارقى هذهِ الصفات من الجهاد والإخلاص والعمل الصالح مع الزهد، وقد علم الله ذلك منه أما يستحق أن يميزّه على غيره ويخصّه بما لم يخصّ به أحداً من العالم؟
        وبهذا يتضح لك السر في أن الله قد أتى نبيّه والأئمة من أهل بيته الأطهار ما لم يؤتِ أحداً من العالمين، ومن جملة ما آتاهم العلم الإلهامي الذي تفوّقوا به على الأمة كافة، وجعلهم خلفاءٍ في أرضه وحججاً على عباده، وشهداء على خلقهِ.
        قال إمامنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه: إنّ الله تبارك وتعالى طهرّنا، وعصمنا، وجعلنا شهداء على خلقه وحجّته في أرضه، وجعلنا مع القرآن، وجعل القرآن معنا، لا نفارقه ولا يفارقنا(27).

        شهادة القرآن لهم (عليهم السلام) بالإخلاص
        وقد شهد لهم القرآن بالإخلاص في الأعمال للهِ، وطلب رضاه ووجهه الكريم بآياتٍ عديدة قد أنزلها الله تعالى فيهم، وفي إكبار أعمالهم منها قوله تعالى في سورة (هل أتى) التي أنزلها في علي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام) حينما تصدّقوا بقوتهم على المسكين واليتيم والأسير)إِنَّ الأْبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا(5)عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا(6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا(7)وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا(8)إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا( (الإنسان/6-10).
        وقال تعالى في علي(عليه السلام) حين بات على فراش رسول الله(صلى الله عليه و آله) ليلة الهجرة فادياً له بنفسه:)وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ( (البقرة/208)، إلى غير ذلك من الآيات البينات(28).

        أقسام العلوم بالنسبة إلى طرق تحصيلها، وعلم الأئمة(عليهم السلام) اللدّني
        أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
        )قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأْلْبَابِ( (الزُمرَ/10).
        هذهِ الآية الكريمة من سورة الزُمر من الآيات القرآنية الكثيرة التي تُميّز بين صنفين من الناس، إذ على غرارها وأسلوبها آياتٌ أُخر، بعضها مثلاً تميزّ وتفرق بين المؤمن والفاسق كقوله تعالى:)أفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لاَ يَسْتَوُونَ( (السجدة/19) ، وبعضها تفرق بين المسلمين والمجرمين كقوله تعالى:)أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ(35)مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ( (القلم/36-37)، وبعضها تميّز بين الطيب والخبيث من الناس كقوله تعالى:)قُلْ لاَ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَاأُولِي الأْلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ( (المائدة/101)، وهكذا آيات كثيرة تعدّ بالعشرات تميّز بين أصناف الناس ومنها هذهِ الآية المبحوث عنها:)قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأْلْبَابِ( فقد ميزت هذهِ الآية الكريمة بين مَن يعلمون وبين مَن لا يعلمون، والعقل السليم يستقل في التمييز بين هذين الصنفين، فيجزم جزماً قاطعاً في أن الذين يعلمون أفضل وأولى من الذين لا يعلمون، واستناداً إلى حكم العقل قال تعالى في خاتمة الآية:)إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأْلْبَابِ( وأولوا الألباب هم أهل العقول، إذ الإنسان كالقشر، ولبه عقله.
        ولما كان العالمون مختلفين في درجات علمهم وأنواعه فبعضهم أعلم وأفضل من بعض نرى أن العقل يجزم قاطعاً بأن الأعلم بنوع من العلم أفضل من غيره، كما أنّ الأعلم بكلّ علمٍ يحتاجه الناس يكون أولى بأتّباع الناس له - بحكم العقل – في جعله مرجعاً عاماً لهم دون غيره، وخصوصاً علماء الدين.

        تعليق


        • #5
          أهل البيت أعلم الأمة، وفيهم نزلت الآية الكريمة
          وأعلم هذه الأمة – على الاطلاق – بعد نبيها هم أهل بيته الأطهار صلوات الله عليهم، وهم الذين نزلت هذهِ الآية الكريمة فيهم على ما روى الكليني في (الكافي) بسنده عن جابر الجعفي عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) في قوله تعالى:)قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُون(…الخ قال: نحن الذين يعلمون، وعدوّنا الذين لا يعلمون، وشيعتنا أولوا الألباب(29).
          ولقد احسن الأديب السيد محمّد نجل العلامة السيد رضا الهندي في تضمينه قسماً من الآية المبحوث عنها في أبيات من الشعر قال:
          يا سائلي عن علماءٍ حكماءٍ فضلا*** وعن رُعاعٍ هَمَجٍ بكل شيءٍ جُهلا
          أما قرأت قوله قُدِسّ شأنا وعُلا*** هل يستوي الذين يعلمون والذين لا؟ .
          وقد الحقت بها أبياتاً اُخرى فقلت:
          فالعقل يجري حكمه في هؤلا وهــؤلا*** بـــان مَن يعـــــلم لا يــــقاس فيمن جَهِلا
          والعالِمُون شِمْت فيهم فاضلاً وأفضلا*** والأفضلون قُدّموا بالعقل عند العقلا حبلاٍ
          والفخر للفضل والأكمل أنْ لا يوصـلا*** بــــــغير الله والإسلام إنْ رام العلا محمّد
          والـــفضـــل كل الفضل موصول إلى*** وآلــــه الأطــــهــــار ســـــــادات الـــملا
          نعم آل محمّد(صلى الله عليه و آله) هم أهل الفضل العميم، والكمال المطلق، وهم أعلم هذهِ الأمة بعد نبيها، وبيان ذلك بالدليل فنقول:
          يمكن أن يقال: إن العلم – بالنسبة إلى مصدر تحصيله وطرقه – ينقسم أولاً إلى قسمين لَدُني، وكسبي، واللدّني ينقسم إلى أقسام عديدة سنذكرها أن شاء الله تعالى، ولكن يمكن أن يقال: انّ أقسام العلوم اللّدنية ترجع أخيراً إلى قسمين إيحائي تشريعي وإلهامي إلهي. وعلى هذا تكون أقسام العلوم ثلاثة إيحائي تشريعي، وإلهامي إلهي، وكسبي.
          أمّا الإيحائي التشريعي فهو علم يوحيه الله إلى أنبيائه ورسله بواسطة أمينه من الملائِكة جبرئيل أو غيره في بعض المناسبات، ومن هنا قال عز من قائل بالنسبة إلى علم نبينا محمّد(صلى الله عليه و آله):)وَمَا يَنطِقُ عَنْ الْهَوَى(3)إِنْ هُوَ إِلاَ وَحْيٌ يُوحَى(4)عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى( (النجم/4-6).
          وأمّا الإلهامي الإلهي فهو علم يلهمه الله قلب مَن يشاء مِن عباده من رسل وأنبياء وأوصياء، وبعض المؤمنين الصالحين في بعض المناسبات الخاصة من باب:

          المؤمن ينظر بنور الله(30)
          وهذان العلمان الإيحائي التشريعي، والإلهامي كل منهما يقال له: لَدني، أي أنه مِن لَدّنِ الله سبحانه ومن هنا قال تعالى بالنسبة إلى علم الخضر الذي تفوّق به على كليم الله موسى بن عمران(عليه السلام) حيث أطلعه عليه دون موسى قال:)فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا( (الكهف/66)، وقال تعالى مخاطباً نبيّنا محمّد(صلى الله عليه و آله):)وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ( (النمل/7)، فهذا العلم اللّدني بقسميه.
          أمّا الكسبي فهو علم يكتسبه الإنسان من العلماء والمرشدين بعض من بعض، وهو علم من جهةٍ يقع فيه الخطأ والصواب والصحة والغلط، وغلط العالِم – ولا سيما إذا كان مرجعاً عاماً – يعود على العالم كلّه، لأن الناس أتّباع العلماء في الحلال والحرام، وفي جميع الأحكام.
          ومعلوم أنّ الله جلّ شأنه لا يريد – في تشريعاته – ويرضى إلاّ بالعمل طبق الشريعة التي أنزلها كما أنزلها من دون تغيير ولا تبديل، والأحكام التي شرّعها من دون زيادة ولا نقيصة، فلا بدّ إذاً من أن يكون في الناس عالم لا يخطأ ولا يغلط، ولا يسهو ولا ينسى لِيُرشد الناس إلى تلك الشريعة المنزلة منه تعالى تماماً وكمالاً، ولا يكون ذلك إلاّ إذا كان علم العالَم – المرجع للجميع – وحياً أو إلهاماً، لذلك شاء الله أن يكون علم الرسل والأنبياء وأوصيائهم من العلم الإيحائي أو الإلهامي صوناً وحفظاً لهم وللأمم من أتباعهم من الوقوع في المخالفة.
          ومن جهةٍ أخرى أنَّ صاحب العلم الكسـبي لا يمكنه – وبلا ريب – تحصيل كل ما يحتاجه وتحتاجه الأمة من العلم حتى لو عاش ما عاش من مئات السنين، واجتهد – فيها – كلّ الاجتهاد في تحصيله.
          ولقد أجاد الإمام الشافعي بقوله:
          ما حوى العلم جميعاً أحدٌ*** لا ولو مارسهُ ألف سنة
          إنمّا العلم بعيدٌ غوره.. *** فخذوا من كلّ شيءٍ أحسنه(31)
          بينما إذا كان العالم علمه لدنياً من الله العالِم بكل شيء، فحينئذٍ يمّده الله العليم الحكيم بكلّ ما يحتاجه وتحتاجه الأمة من العلم طبق مشيئته وأرادته، قال تعالى:)وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأْرْضَ( (البقرة/256).
          وبعد هذا البيان، أو هذهِ المقدمة نقول:
          أن علم أئمتنا الهداة – ومما لا ريب فيه – كان من العلم الإلهامي اللّدني، لأِنَ العلم الإيحائي التشريعي قد انتهى بوفاة النبي(صلى الله عليه و آله) إذ هو الذي شرّع الله له ولأمته الدين، وما قبضه الله إليه إلاّ بعد أن أكمل له ولأمته تشريع الدين، وأتمَّ لهم النعمة ورضي لهم الإسلام ديناً خالداً إلى يوم القيامة كما قال تعالى – بعد تبليغ النبي(صلى الله عليه و آله) أمتّه بولاية علي بن أبي طالب وخلافته، وولاية الأئمة الأطهار من ولده وخلافتهم يوم غدير خم)الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِْسْلاَمَ دِينًا( (المائدة/4).
          وأمّا العلم الكسبي فقد عَلِمنا أنه يقع فيه الخطأ والصواب، وصاحبه لا يمكنه الوقوف على كلّ ما تحتاج إليه الأمة، فالأئمة(عليهم السلام) من جهةٍ كانوا قد عصمهم الله من الخطأ والغلط بحكم الأدلة، راجع ما مرّ من هذا الكتاب ص37-38، تحت عنوان "تعريف العصمة لغة واصطلاحاً".
          ومن جهةٍ أخرى كانوا هم المرجع للناس بعد النبي(صلى الله عليه و آله) في مشاكلهم واحتياجاتهم كافة، فإذاً كان علمهم علماً إلهامياً لدنياً من الله تعالى، وبذلك تفوّقوا في علومهم على الأمة وأفرادها أجمعين، وكان إتبّاعهم – بحكم العقل – أولى من إتبّاع غيرهم.

          الأدلة على علم الأئمة الإلهامي
          أمّا الأدلة التي تدل على علمهم(عليهم السلام)إلهامي – بالإضافة إلى ما تقدم – فهي كثيرة منها هو انّ الناس كل الناس كانوا محتاجين إلى علمهم وحلّ المشاكل لهم، وكلما رجعوا اليهم في أمرٍ من الأمور وجدوا علمه حاضراً عندهم من دون تأخّر أو توقف أو تردّد.
          ومن هنا ورد عن عكرمة عن ابن عباس: انّ الخليفة الثاني عمر بن الخطاب قال ذات يوم لعلي(عليه السلام) يا أبا الحسن إنك لتعجل في الحكم والفصل للشيء إذا سُئلت عنه، قال: فأبرز علي كفّه وقال له: كَمْ هذهِ؟ فقال عمر: خمسة، فقال: عجلت يا أبا حفص، قال: لَمْ يخف عليّ،فقال علي: وأنا أُسرع فيما لا يخفى عليّ(32).
          والغرض ان الناس إذا رجعوا إليهم في أمورهم وجدوا الجواب الحاسم حاضراً عندهم، أمّا هم(عليهم السلام) ما احتاجوا إلى علم الناس أبداً، بل كل واحدٍ من الناس مفتقر إلى علمهم، وما جرت كلمة (لا أدري) على لسان أحدهم.
          فاحتياج الكل إليهم، واستغناؤهم عن الكل، دليل قاطع على أنهم أعلم الكل، وأئمة الجميع، وكونهم(عليهم السلام) ما احتاجوا إلى أحدٍ من سائر الناس وان الناس كانوا محتاجين إليهم هذهِ حقيقة واقعية يثبتها لهم التاريخ الثابت الصحيح عند الخاص والعام، ولا سيما أيام الخلفاء الثلاث أبي بكر، وعمر وعثمان، ورجوعهم إلى علي(عليه السلام) في حلّ المشاكل التي حلّت بهم، والأسئلة التي وجّهت إليهم ولم يكن فيها علم عندهم، وهكذا رجوع بقية الخلفاء من بني أمية وبنّي العبّاس وغيرهم إلى الأئمة(عليهم السلام) كلّه ثابت عند الجميع في التاريخ الإسلامي في حوادث كثيرة قد لا يستطيع الإنسان إحصاءَها لكثرتها(33).
          وممّا يدل على أن علم الأئمة إلهامي من الله هو انهم(عليهم السلام) طالما كانوا يخبرون عن وقوع حوادث قبل أن تقع، ثم تقع طبق ما أخبروا به، وهذا باب واسع وعليه شواهد كثيرة لا مجال لنا الآن إلى ذكرها لكثرتها وشهرتها في التاريخ عند الخاص والعام، وان شئت فارجع إلى كتاب (إحقاق الحق) ج8 الباب الخامس، باب ما اخبر به أمير المؤمنين(عليه السلام) من المغيبات من ص87-181.
          ومعلوم أنه لا يعلم الغيب إلاّ الله عَزّ وجَلّ وحده لا شريك له، أمّا أخبار غير الله عن أمورٍ غيبية من رسل وأنبياء وأئمة إنمّا هو تبليغ من الله تعالى، فلو لم يكن علم الأئمة مستمد من الله لما تمكنوا من معرفة الحوادث والملاحم قبل وقوعها.
          قيام الإمام الجواد(عليه السلام) بالإمامة وهو ابن ثمان سنين
          وممّا يؤكد لنا انّ علم الأئمة إلهامي من الله تأكيداً قطعياً لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه هو أن إمامنا محمّد الجواد(عليه السلام) انتهت إليه الإمامة بعد أبيه الإمام الرضا وهو ابن ثمان سنين كما صرح بذلك كثير من المؤرخين، بل عليه إجماعهم.
          ومع ذلك قام بأبي هو وأمي – بما قام به آباؤه من التعليم والإرشاد، وأخَذ العلماء منه – على اختلاف طبقاتهم – أنواع العلوم خاضعين له، مستفيدين منه، وما وجدوا في علومه – على صغر سنه – نقصاً عن علوم آبائه وأجداده لا كثيراً ولا قليلاً، بل كان علمه وهو ابن ثمان سنين – بلا مغالات ولا مبالغة – كعلم سميّه وجده محمّد بن عبد الله(صلى الله عليه و آله) وهو مستمدٌ منه.
          الأسئلة التي قُدِمّتْ إليه بحضور عمّه
          حتى انه لما قبض الإمام الرضا(عليه السلام) توجّه تلك السنة أكابر المسلمين من العلماء والفقهاء والمتكلمين من الشيعة وغيرهم إلى الحج، وتشرفوا بلقائه بالمدينة، فدخلوا عليه في داره للتعرف على صحة إمامته، هذا وقد حضر خلق كثير من الشيعة ومن كل بلد لذلك إذ دخل عمّه عبد الله بن موسى بن جعفر وكان شيخاً كبيراً نبيلاً، عليه ثياب خشنة وبين عينيّه سجّادة، أي أثر السجود، فجلس، وخرج أبو جعفر الجواد من الحجرة، وعليه قميص ورداء، وفي رجليه نعلان، فقام عمّه عبد الله وقبّل ما بين عينيه، وقامت الشيعة إجلالاً له، ثم قعد أبو جعفر على كرسي، وجلس الناس ينظر بعضهم إلى بعض تحيّراً لصغر سنه.
          فابتدر رجل من القوم فقال لعمه سائلاً منه: أصلحك الله ما تقول في رجلٍ أتى بهيمة؟ فقال: تقطع يمينه، ويضرب الحد، فغضب أبو جعفر(عليه السلام) ثم نظر إليه فقال: يا عم اتقِِ الله، اتقِِ الله انه لعظيم ان تقف يوم القيامة بين يدي الله عَزّ وجَلّ فيقول لك: لِمَ أفتيت الناس بما لا تعلم؟.
          فقال عمّه استغفر الله يا سيدي، أليس قال هذا أبوك صلوات الله عليه؟ فقال أبو جعفر(عليه السلام): إنّما سُئِل أبي عن رجل نبش قبر امرأةٍ فنكحها، فقال أبي: تقطع يمينه للنبش، ويضرب حدّ الزنا، فان حرمة الميتة كحرمة الحيّة، فقال عبد الله صدقت يا سيدي، وأنا استغفر الله، والظاهر أن عبد الله قد نسي، فتعجب الناس، وقالوا: يا سيدنا أتأذن لنا أن نسألك؟ قال: نعم، فسألوه في مجلسٍ واحدٍ عن ثلاثين ألف مسألة فأجابهم عنها وله يومئذٍ تسع سنين(34).
          وفي رواية أخرى عشر سنين(35).
          والظاهر لنا أن مراد الراوي من "المجلس الواحد" الذي سُئِل فيه الإمام(عليه السلام) عن ثلاثين ألف مسألة هو المكان المعّد لجلوسه فيه للناس، كما يقال مثلاً: ذهبت اليوم إلى مجلس زيد أو عمرو ورأيت كذا أو سمعت كذا…الخ، فالإمام سئل في مجلسه ذلك للناس، عن ثلاثين ألف مسألة، فالراوي عيّن نوعية المكان الذي سُئِل فيه الإمام، وأنه مكان واحد وهو الذي يستقبل به الناس دون غيره من الأماكن الأخرى، ولم يعيّن الوقت، والوقت يعرف من القرينة، والقرينة دالة على ان الناس كانوا يتوافدون على الإمام في موسم الحج من جميع النواحي والأقطار والأمصار ليتعرفوا عليه ويسألوه عما حملوا إليه من الأسئلة الكثيرة الكتابية والشفوية، فكان عدد تلك الأسئلة التي وجّهت إليه وأجاب عنها ثلاثين ألف مسألة، وذكر المجلسي في (البحار) وجوهاً أخرى بالإضافة إلى هذا الوجه وإلى ذلك أشار السيد صالح القزويني حيث يقول مخاطباً له:
          وأنت أجبت السائلين مسائلا *** ثلاثين ألفاً عالماً لا تعلّمُ

          تعليق


          • #6
            التعظيم للإمام الجواد، والشهادة له بالإمامة على صغر سنّه
            وهذا عليّ بن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) شيخ العلويين في عهد الإمام الجواد سناً وفضلاً، وكان إذا أقبل الجواد يقوم له ويقبّل يده، وإذا خرج يسوي له نعله، وسُئِل عن الإمام الناطق بعد الإمام الرضا مَن هو؟ فقال: هو أبنه أبو جعفر، فقيل له: أنت في سنّك وقدرك، وأبوك جعفر بن محمّد تقول هذا القول في هذا الغلام؟ فقال للسائل: ما أراك إلاّ شيطاناً، ثم أخذ بلحيته وقال: فما حيلتي إن كان الله رآه أهلاً لهذا (أي لمنصب الإمامة) ولَمْ يرَ هذهِ الشيبة لهذا أهلاً)(36).
            هذا وعلي بن جعفرٍ الصادق أخو الكاظم، والكاظم(عليه السلام) جدّ الجواد، فما ترى بينهما من السن، وعلي أخذ العلم من أبيه الصادق، وأخيه الكاظم، وابن أخيه الرضا، فلو كان علمهم بالتحصيل والكسب لكان علي أكثر تحصيلاً واكتساباً، ولو كانت الإمامة بالسن لكان علي أكبر العلويين سناً.
            على أن الجواد قد فارقه أبوه يوم سافر إلى خراسان وهو ابن خمس سنين، فمن الذي كان يؤدبه ويثقفه بعد أبيه حتى جعله بتلك المنزلة العلمية الرفيعة؟ وقبض الجواد وهو أبن خمس وعشرين سنة وأبن هذا السن لم يبلغ من العلم شيئاً كثيراً لو انفق عمره كله في الطلب، فكيف يكون عالم الأمة ومرشدها، ومعلم العلماء ومثقفهم؟ وقد رجعت إليه الشيعة وعلماؤها من يوم وفاة أبيه الرضا(عليه السلام).
            حتى ان بعضهم – ويقال له يونس بن عبد الرحمن – شكك في إمامته لصغر سنه، فردَّ عليه الريان بن الصلت قائلاً: إنْ كان أمره من الله جلّ وعلا، فابن يوم واحد أو ابن يومين مثل ابن مائة سنة، وان لم يكن من عند الله فلو عمّر ألف سنة، وفي نصٍ: خمسة الآف سنة ما كان يأتي بمثل ما يأتي به السادة أو بعضه، ويكون كواحدٍ من الناس(37).
            وعلى كّلٍ علم الأئمة(عليه السلام) إلهامي من الله تعالى.

            إعتراف المأمون بعلم الأئمة الإلهامي، واحتجاجه على العبّاسيين
            وقد اعترف بذلك المأمون العباسي كما جاء فيما رواه علماء التاريخ من أهل الشيعة والسُنّة، إنّ المأمون لما أراد أن يزوج ابنته أمّ الفضل أبا جعفر الجواد بلغ ذلك العباسيين فشقَّ عليهم، واستنكروه منه، وخافوا أن ينتهي الأمر معه إلى ما انتهى مع الرضا(عليه السلام) فخاضوا في ذلك.
            ثم اجتمع معه أهل بيته الأدنون فقالوا له: ننشدك الله يا أمير المؤمنين إلاّ ما رجعت عن هذهِ النية من تزويج ابن الرضا، فإنا نخاف ان يُخرَج به أمرٌ قد مّلكناه الله وُينزَع منا عزاً قد ألْبسناه الله، وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديماً وحديثاً، وما كان عليه الخلفاء قبلك من تبعيدهم والتصغير بهم، وقد كّنا في وهلةٍ "أي فزعة" من عملك مع الرضا وكفانا الله المهم من ذلك فالله الله انّ تردّنا إلى غمٍ قد انحسر عنا، وأصرف رأيك عن ابن الرضا، وأعدل إلى من تراه من أهل بيتك يصلح لذلك.
            فقال لهم المأمون: أمّا ما كان بينكم وبين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه، ولو أنصفتم القوم لكانوا أولى منكم، وأمّا ما كان يفعله مَن كان قبلي بهم فقد كان قاطعاً للرحم، وأعوذ بالله من ذلك، والله ما ندمت على ما كان مني من استخلاف الرضا(عليه السلام) ولقد سألته ان يقوم بالأمر وانزعه من نفسي فأبى، وكان أمر الله قدراً مقدوراً.
            وأمّا أبو جعفر فقد اخترته لتبريزه "أي تفوقه" على أهل الفضل كافة في العلم والفضل، مع صغر سنه، والأعجوبة فيه بذلك، وأنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه، فيعلموا ان الرأي ما رأيت فيه، فقالوا: ان هذا الفتى وان راقك منه هدية إلاّ انه صبي لا معرفة له ولافقه، فأمهله ليتأدّب ثم اصنع ما تراه بعد ذلك، فقال لهم: ويحكم إني أعرف بهذا الفتى منكم، وانّ أهل هذا البيت علمهم من الله، وموادّه وإلهامه، لم تزل آباؤه أغنياء في علم الدين، والأدب عن الرعايا الناقصة عن حدّ الكمال، فإن شئتم فامتحنوه بما يتبيّن لكم به ما وصفت من حاله، قالوا: قد رضينا لك يا أمير المؤمنين ولأنفسنا بامتحانه، فخلّ بيننا وبينه لننصب مَن يسأله بحضرتك عن شيءٍ من فقه الشريعة، فان أصاب في الجواب عنه لم يكن لنا اعتْراض في أمره، وظهر للخاصة والعامة سديد رأي أمير المؤمنين فيه، وان عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه، فقال لهم المأمون شأنكم وذلك متى أردتم.
            مساءَلة يحيى بن أكثم للإمام الجواد(عليه السلام)
            فخرجوا من عنده، وأجمع رأيهم على مساءَلة يحيى بن أكثم وهو يومئذٍ قاضي الزمان، على أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها، ووعدوه بأموالٍ نفيسة على ذلك.
            وعادوا إلى المأمون وسألوه أن يختار لهم يوماً للاجتماع، فأجابهم إلى ذلك، فاجتمعوا في اليوم الذي إتّفقوا عليه، وحضر معهم يحيى بن أكثم وأمر المأمون بأن يُفرش لأبي جعفر فراشاً حسناً وان يجعل له مسوّرتان، (أي وسادتان)، فَفُعِلَ له ذلك.
            وخرج أبو جعفر فجلس بين المسورتين، وجلس القاضي مقابله، وجلس الناس من خواص الدولة وأعيانها وحجّابها وقوّادها في مراتبهم وعلى قدر طبقاتهم ومنازلهم، والمأمون جالس إلى جنب أبي جعفر(عليه السلام) فقال يحيى بن أكثم للمأمون: أيأذن لي أمير المؤمنين أن أسأل أبا جعفر عن مسألة؟ فقال له المأمون: استأذنه في ذلك، فأقبل عليه يحيى وقال: أتأذن لي – جُعلت فداك – في مسألة؟ فقال أبو جعفر: سل إن شئت.
            قال يحيى: ما تقول – جُعلت فداك – في محرمٍ قتل صيداً؟ فقال أبو جعفر: قتله في حلٍ أو حرم، عالماً كان المحرم أم جاهلاً، قتله عمداً أم خطأً، حرّاً كان المحرم أم عبداً، صغيراً كان أم كبيراً، مبتدئاً بالقتل أو معيداً، من ذوات الطير كان أم مِن غيرها، من صغار الصيد أم من كبارها، مصراً على ما فعل أم نادماً، في الليل كان قتله للصيد أم في النهار، محرماً كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرماً؟
            فتحيّر يحيى بن أكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع وتلجلج حتى عرف أهل المجلس عجزه، فقال المأمون: الحمد للهِ على هذهِ النعمة والتوفيق لي في الرأي، ثم نظر إلى أهل بيته فقال لهم: أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه؟ وقال المأمون لأبي جعفر(عليه السلام) إن رأيت جعلت فداك ان تذكر الفقه الذي فصّلته من وجوه قتل المحرم للصيد لنعلمه ونستفيده؟ فقال أبو جعفر نعم، "ثم بيّن لهم تلك الوجوه بأجمعها" وما يترتب عليها من الأحكام في الشريعة الغراء، فراجع المصادر.
            وقال المأمون بعد ما سمع ومَن معه الجواب الحاسم: أحسنت يا أبا جعفر أحسن الله إليك، وأمر المأمون أن يكتب ذلك عنه.
            ثم قال: فإن رأيت أن تسأل يحيى عن مسألةٍ كما سألك؟ فقال أبو جعفر ليحيى: أسألك؟
            قال: ذلك إليك جُعلت فداك، فان عرفتُ جواب ما تسألني عنه وإلاّ استفدت منك، فقال أبو جعفر: أخبرني عن رجل نظر إلى امرأةٍ في أول النهار فكان نظره إليها حراماً عليه، فلمّا ارتفع النهار حلّت له، فلما زالت الشمس حرمت عليه، فلما كان وقت العصر حلّت له، فلما غربت الشمس حرمت عليه، فلما دخل العشاء الآخرة حلّت له، فلما كان وقت انتصاف الليل حرمت عليه، فلما طلع الفجر حلّت له.
            ما حال هذهِ المرأة؟ وبماذا حلّت له وحرمت عليه؟ فقال يحيى والله لا اهتدي إلى جواب هذا السؤال، ولا أعرف الوجه فيه، فأن رأيت أن تفيدنا به.
            فقال أبو جعفر هذهِ امرأة أمةٌ لرجل من الناس نظر إليها أجنبي في أول النهار فكان نظره إليها حراماً عليه، فلما أرتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلّت له، فلما كان عند الظهر اعتقها فحرمت عليه، فلما كان وقت العصر تزوجها فحلّت له، فلما كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه، فلما كان وقت العشاء الآخرة كفّر عن الظهار فحلّت له، فلما كان نصف الليل طلّقها واحدة فحرمت عليه، فلما كان عند الفجر راجعها فحلّت له. فعند ذلك أقبل المأمون على مَن حضر من أهل بيته فقال لهم: هل فيكم مَن يجيب عن هذهِ المسألة بمثل هذا الجواب؟ أو يعرف القول فيما تقدم من السؤال؟ قالوا: لا والله، إنّ أمير المؤمنين أعلم فيما رأى، فقال: ويحكم انّ أهل هذا البيت خصّوا من دون الخلق بما ترون من الفضل، وانّ صغر السن فيهم لا يمنعهم من الكمال.
            أمّا علمتم أنّ رسول الله(صلى الله عليه و آله) افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن ابي طالب(عليه السلام) وهو ابن عشر سنين، وقبل منه الإسلام وحكم له به، ولم يدعُ أحداً في سنه غيره، وبايع الحسن والحسين(عليهما السلام) وهما أبناء دون الست سنين، ولم يبايع صبي غيرهما، أو لا تعلمون ما اختص الله به هؤلاء القوم وانهم ذرية بعضها من بعض يجري لآخرهم ما يجري لأولهم، فقالوا صدقت يا أمير المؤمنين(38).
            وما انفضّ ذلك المجلس حتى عقد له(عليه السلام) على ابنته أم الفضل، ووزّع المأمون على الحاضرين الجوائز وأنواع الهدايا والطيب، وَوُضِعت الموائد فأكل كل الناس وانصرفوا.

            قيام الإمام علي الهادي(عليه السلام)بالإمامة وهو أبن ست سنين
            ومما يؤكد لنا تأكيداً بعد تأكيد هو أنّ الإمام علياً الهادي(عليه السلام) قام بأمر الإمامة وله من العمر ست سنين وخمسة أشهر، وماذا يُحسن مَن كان علمه بالكسب والتعليم من الآخرين في حين كان(عليه السلام) - عند قيامه - مقام أبيه من بعده – أعلم أهل زمانه على الإطلاق، وأعترف بذلك الخاصة والعامة.
            قال ابن حجر في (الصواعق المحرقة): وكان وارث أبيه علماً ومنحا، ونقله عن (الصواعق) الشبلنجي الشافعي في (نور الأبصار)(39).
            وثبت هذا حينما رجع الناس إليه من الراعي والرعية، والصديق والعدوّ، واختبروه بأنواع الاختبارات وسألوه عن مختلف العلوم والمعارف وإذا علمه(عليه السلام) – وهو أبن ست سنين واشهر – كعلم سميّه علّيٍ أمير المؤمنين باب مدينة علم الرسول الأعظم(صلى الله عليه و آله) وقام بالإمامة بعده أبنه الحسن العسكري، وأخيراً قبض الحسن(عليه السلام) مسموماً وعمره يومئذٍ ثمان أو تسع وعشرين سنة، والإمام بعده ابنه الحجة المهدي (عج) وعمره يومئذٍ خمس سنين، وآتاه الله ما آتى آباءه الطاهرين من العلم والفضل العميم.
            قال ابن حجر في (الصواعق المحرقة) بعد ذكره لأبيه الحسن العسكري، ووفاته بالسم بما نصّه قال:
            ولم يخلّف غير ولده أبي القاسم محمّد الحجّة، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين ولكن آتاه الله فيها الحكمة ويسمّى القائم المنتظر…الخ(40).
            وقال الشيخ سليمان الحنفي في (ينابيع المودّة) عند ذكر الإمام المهدي(عليه السلام) نقلاً عن كتاب (فصل الخطاب) للشيخ خواجة محمّد يا رسا قال: وقالوا: أتاه الله تبارك وتعالى الحكمة وفصل الخطاب في طفولته وجعله آية للعالمين، كما قال تعالى:)يَايَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا( (مريم/13)، وقوله تعالى:)قـَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا( (مريم/30-31)…الخ(41).
            وذكر هذا المعنى ابن الصبّاغ المالكي في كتابه (الفصول المهمة) في الفصل الثاني عشر(42)، نعم هكذا)إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ( (آل عمران/34-35).
            الطريق الثاني من ينابيع علم الأئمة
            عرض صحائف الأعمال عليهم(عليهم السلام)
            أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
            )وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ( (التوبة/105).
            هذهِ الآية الكريمة من سورة التوبة من الآيات القرآنية الكثيرة النازلة في شأنٍ من شؤون نبيّنا محمّد(صلى الله عليه و آله) وخلفائه أئمة الهدى الاثنى عشر من بعده، إذ هي تشير إلى ينبوع من ينابيع علمهم الذي تفوّقوا به على الأمة كافة وأفرادها كما ستعلم ذلك خلال بحوثها.

            تعليق


            • #7
              دلالة الآية الكريمة
              والآية بعموم خطابها، وصريح بيانها ونصوص ألفاظها تدّل على ان أعمال المكلفين من الناس أجمعين من مؤمنين وكافرين ومنافقين ستكون مشاهدة ومرئية – بعد صدورها منهم في حياتهم الدنيا – لله عَزّ وجَلّ أولاً، ولرسوله(صلى الله عليه و آله) ثانياً، وللمؤمنين ثالثاً، ثم تكون تلك الأعمال مشاهدة ومرئية لعامليها أنفسهم يوم القيامة رابعاً، سواءٍ صدرت منهم سراً أو علانية، خيراً أو شراً، طاعة أو معصية، فلا بدّ من مشاهدتها ورؤيتها للهِ ولرسوله وللمؤمنين في الدنيا، ولأربابها في الآخرة ليكون الجزاء لهم مناسباً لأعمالهم إن خيراً فخيرٌ، وإن شراً فشرٌ، هذا ما دلت عليه الآية الكريمة:)وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ( أمّا كيف تكون تلك الأعمال مشاهدة ومرئية للخالق جلّ وعلا، والمخلوق في الدنيا والآخرة، فهذا ما سنفصله باذن الله تعالى بدلائله الواضحة وبراهينه الجلية فنقول:

              مَعنى الغيب والشهادة، وعلم الله عَزّ وجَلّ بهما
              أمّا مشاهدتها لله عَزّ وجَلّ فالمراد من ذلك انه سيعلمها ويراها موجودة بعلم الشهادة، بعد أن علمها معدومة بعلم الغيب، وبيان ذلك:
              أولاً: انّ الله هو العليم الخبير بالأشياء كلها، ومنها علمه بعباده وحقائق أعمالهم ونيّاتهم علماً ذاتياً أزلياً قبل إيجادها، وهو المسّمى بعلم الغيب وإليه الإشارة بعدة آيات منها قوله تعالى:)عَالِمِ الْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأْرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ( (سبأ/4)، ومنها قوله تعالى:)وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأْرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ( (الأنعام/60).
              والظاهر لنا ان المراد من الغيب ومن مفاتحِه أي خزائنه، هو علمه الذاتي الأزلي بمطلق الحوادث قبل حدوثها مما سيكون، وما لا يكون مما شاء عدم إيجاده أو يشاء محَوه من الوجود.
              ثانياً: ان الله هو العليم الخبير بالأشياء كلها – ومنها علمه بعباده وحقائق أعمالهم ونيّاتهم – علماً حضورياً عند إيجادها وهو المسّمى بعلم الشهادة وإليه الإشارة بعدة آيات منها قوله:)إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ( (الحج/18)، وقوله تعالى:)أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ( (فصلّت/55).
              فلّلهِ علمان علم غيب وهو علمه بالمعدومات قبل إيجادها، أي أنه يعلم بما سيكون قبل أن يكون، وبما سيحدث قبل أن يحدث، وما لا يكون ولا يحدث.
              وعلم شهادة وهو علمه بالموجودات عند إيجادها، أي أنه يشاهد ويرى ويبدو له ما وُجد وحدث فعلاً، فهو عالم بما كان بالفعل، وبما سيكون في المستقبل بلا اختلافٍ بينهما، إذ إنّ علمه بالأشياء قبل وجودها كعلمه بها بعد وجودها، نعم علمه الغيبي أوسع من علمه المشاهد، لأن علمه الغيبي يشمل ما يكون وما لا يكون، والجدير بالذكر ان علم البداء المختلف فيه – بالنسبة إلى الله تعالى – هو علم الشهادة.
              وقد نصّ الله سبحانه على هذين العِلمين وَوَصف نفسه بهما بعشر آيات من القرآن المجيد بكونه "عالم الغيب والشهادة"(43).
              ومن تلك الآيات الآية المبحوث عنها بقوله تعالى:)وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(.
              ويؤيد ذلك ما رواه شيخنا الصدوق في كتابه (معاني الأخبار)، باب معنى الغيب والشهادة بأسناده عن أبي عبد الله (أي الصادق(عليه السلام)) في قول الله عَزّ وجَلّ:) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ( انه قال: الغيب ما لم يكن، والشهادة ما قد كان(44) قوله(عليه السلام):-
              "ما لم يكن" أي ما لم يكن بعد، وما لم يكن أصلاً، "ما قد كان" أي ما قد حدث بالفعل فقط.
              وعلى كلٍّ فالله سبحانه هو خالقنا ومالكنا ولا يخفى عليه شيء من أعمالنا وسرائرنا وهو المحيط بنا قال تعالى:)وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأْرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا( (النساء/127)، فلكونه محيطاً بكل شيء فهو يرى ويشاهد عباده وأعمالهم ونيّاتهم ويعلمها بلا حاسة إذ: )لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ( (الشورى/12)، وهو أقرب إليهم من حبل الوريد كما نصّت الآية الكريمة:)وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِْنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ( (ق/17).
              فقوله تعالى:)وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ( المراد بذلك كما ذكرنا سابقاً انه سيعلمها موجودة بعلم الشهادة بعد أن علمها وهي معدومة بعلم الغيب، قال تعالى:)ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأْرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ( (يونس/15).
              أمّا الرسول والمؤمنون فكيف يشاهدون أعمالنا ويرونها وهم قطعاً مخلوقون عاجزون بأنفسهم عن الإحاطة العلمية بأعمال الناس كلها؟ الجواب:-
              هو ان الله تعالى الذي هو على كلّ شيءٍ قدير هو الذي يُطلعهم على أعمال عباده خيرها وشرها بصورٍ خاصة وطرقٍ عديدة ذكرنا {أولاً} طريق الإلهام.
              {ثانياً} ومن تلك الصور والطرق أيضاً هي أن يطلعهم الله على صحائف أعمال عباده، وبواسـطتها يرون تلك الأعمال ويعلمونها بكاملها – إلاّ ما شاء الله منها – ليكونوا بذلك شهداء على الناس يوم القيامة.

              تسجيل الملائكة لأعمال المكلّفين ومثالُه
              وبيان ذلك هو ان كل إنسانٍ - ذكراً وأنثى – منذُ يُكلّف بالعبادة في هذه الحياة الدنيا إلى أن يأتيه أجله النهائي الذي يموت فيه، يوكل الله به حفظةً من ملائكته يسجلون عليه أعماله أفعالاً وأقوالاً، ملك يكون عن يمينه ووظيفته تسجيل الحسنات، وآخر عن شماله ووظيفته تسجيل السيئات وإلى ذلك أشارت عدةٌ من الآيات القرآنية منها قوله تعالى:)إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ(17)مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ( (ق/18-19)، وقال تعالى:)وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ(10)كِرَامًا كَاتِبِينَ(11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ( (الانفطار/11-13)، وقال تعالى:)هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ( (الجاثية/30).
              نعم هكذا تسجّل الملائكة على الإنسان أفعاله وأقواله وحركاته وسكناته كافة، في الخير والشر والسر والعلانية كما يسجل الشريط السينمائي الصور والأعمال والأقوال، وكما تسجل (الفيديو) و(التلفزيون) صورة المذيع أو المذيعة وتنقل للمشاهدين لها تلك الصورة كما هي، وهكذا المسجل الذي يسجل الخطب والأقوال في الشريط وتبقى محفوظة فيه تعاد متى شاء الإنسان إعادتها.

              تعليق


              • #8
                عنوان صحائف الأعمال للمؤمنين
                وقطعاً كل إنسان له صحيفته الخاصة به، وفيها أسمه وعنوانه مؤمناً كان أو كافراً محباً كان أو مبغضاً، ومن هنا ورد مسنداً عن انس بن مالك عن النبي (صلى الله عليه و آله) انه قال في الحديث الذي رواه الخاص والعام:
                عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب(45).
                فصحائف الأعمال هذهِ تعرض على رسول الله(صلى الله عليه و آله) أولاً وعلى المؤمنين ثانياً، فيرون تلك الأعمال ثابتة في تلك الصحائف، وهذا ما أشارت إليه الآية المبحوث عنها:)وَقُلْ اعْمَلُوا فَسيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ( والمراد من قوله)وَرَسُولُهُ( بالإجماع هو نبيّنا محمّد (صلى الله عليه و آله) تُعرض عليه أعمال العباد جميعاً في حياته وبعد وفاته إلى يوم القيامة.
                أمّا المراد من قوله)وَالْمُؤْمِنُونَ( فمن هم المؤمنون؟ هل هم كل المؤمنين من الأمة الإسلامية؟ كما يظهر ذلك من أقوال المفسرين من أهل السُنّة، وقد يُصرّح به الكثير منهم(46).
                والحال هذا يخالف ظاهر الآية الكريمة، كما يخالف أدلة الوجدان والعيان، إذ أن ظاهر الآية بأطلاق العمل وحذف متعلقة – يدل على عمومه، والمعنى: اعملوا ما شئتم من خيرٍ أو شر، بسرٍ أو علانية، فانه مشاهد مرئي لله ولرسوله وللمؤمنين.
                ويؤيد ظاهر الآية بعموم العمل نص الحديث الذي يرويه المحدثون والمفسرون من أهل السُنّة كالإمام أحمد بن حنبل، وأبي يعلي، وابن حبّان، والبيهقي(47)، والفخر الرازي، وابن كثير الدمشقي، والسيوطي وغيرهم(48)، عند تفسيرهم الآية المبحوث عنها بالإسناد عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) أنه قال: لو أنّ أحدّكم يعمل في صخرة صمّاء ليس لها باب ولا كوّة لأخرج الله عمله للناس كائناً ما كان، أي أيّ شيءٍ كان عمله فلا بدّ أن يخرج الله عمله للناس وهنا نتسائل هل يمكن ان يكون المراد من الناس في الحديث، ومن المؤمنين في الآية كلّ الناس وجميع المؤمنين، وانهم يشاهدون الأعمال كلّها؟ قطعاً لا، إذ الناس والمؤمنون لا علم لهم بعموم الأعمال، ولا يشاهدونها ولا يطلعهم الله عليها ولا يخرجها لهم، فإذاً لابدّ وأن يكون المراد من الناس والمؤمنون في الآية والرواية بعضهم لا كلهم، فمن آولئك البعض؟
                نعم إنما هم شهداء الأعمال، الناطقون الصادقون السابقون إلى الرغائب، المعصومون من الخطأ والزلل والمعائب، المزودون بالعلم من الله عَزّ وجَلّ، وهم الأئمة من آل محمّد(صلى الله عليه و آله) لذلك عطفهم – برؤيتهم أعمال العباد على رسوله الأعظم، وعطف رسوله – برؤيته لتلك الأعمال – على ذاته المتعالية ليبين بذلك عظيم مقامهم عنده وانهم خلفاؤه في أرضه وولاته على عباده وشهداؤه على بريته بعد رسوله(صلى الله عليه و آله) فهذا ما يستفاد من الآية الكريمة.
                ويؤيده أيضاً النصوص الكثيرة والصريحة الواردة عن النبي(صلى الله عليه و آله) وأهل بيته في ان المراد من المؤمنين في الآية إنما هم علي وأبناؤه المعصومون دون غيرهم(49).

                سبب نزول الآية الكريمة
                ومن تلك النصوص الحديث النبوي الذي يذكر سبب نزول الآية، وينقله المجلسي في (البحار) عن كتاب (محاسبة النفس)، للسيد الجليل علي بن طاووس نقلاً عن محمّد بن العباس باسناده عن طريق الجمهور عن أبي سعيد الخدري انه قال: ان عماراً قال: يا رسول الله وددّت انك عمّرت فينا عمر نوح(عليه السلام) فقال رسول الله(صلى الله عليه و آله) يا عمّار حياتي خير لكم، ووفاتي ليست بشرٍ لكم، أمّا حياتي فتحدثون واستغفر الله لكم، وأمّا بعد وفاتي فاتقوا الله واحسنوا الصلاة عليّ وعلى أهل بيتي فانكم تعرضون عليّ بأسمائكم وأسماء آبائكم وقبائلكم فان يكن خيراً حمدت الله، وان يكن سوى ذلك استغفر الله لكم"أو قال: استغفر الله لذنوبكم" فقال المنافقون والشكّاك والذين في قلوبهم مرض: يزعم ان الأعمال تعرض عليه بعد وفاته بأسماء الرجال وأسماء آبائهم وأنسابهم إلى قبائلهم، وإنّ هذا لهو الأفك، فأنزل الله جلّ جلاله)وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ( فقيل له: يا رسول الله ومَن المؤمنون؟ فقال: عامة وخاصة، أمّا الذين قال الله في الآية:)وَالْمُؤْمِنُونَ( فهم آل محمد منهم عليهم السلام، ثم قال:)وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ( من طاعة ومعصية(50).

                الأوقات التي تعرض فيها صحائف الأعمال
                هذا حديث واحد من عشرات الأحاديث الواردة عن النبي(صلى الله عليه و آله) وأهل بيته في هذا الموضوع، وتدل تلك الأحاديث – بمجموعها – على أنّ صحائف الأعمال تعرض عليهم في أوقاتٍ متعددة، ففي بعضها إنها تعرض عليهم كل يوم صباحاً(51).
                وفي بعضها كل يوم وليلةٍ وصباحاً ومساءاً(52).
                وفي بعضها كل خميس(53).
                وفي بعضها كل اثنين وخميس(54) أي في الأسبوع مرتين، وفي بعضها عند انتهاء أجل الإنسان(55).
                وفي بعضها لا تعين رقماً لعرضها عليهم(56).
                والذي يستفاد من مجموعها انها تعرض عليهم في كلّ هذهِ الأوقات.
                وعلى كلٍ المراد من المؤمنين في الآية، إنما هم الأئمة من آل محمّد (صلى الله عليه و آله) خاصة لا عامة المؤمنين، نعم المؤمنون الصالحون المتّبعون للهِ ولرسوله وللأئمة يسألون الله ويطلبون منه ان يجعلهم مع الشهداء من الأئمة الأطهار في الجنة كما أشار إلى هذا القرآن الكريم بقوله تعالى: )رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ( (آل عمران/54).
                وقد استجاب الله لهم دعاءَهم كما في قوله تعالى:)وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا( (النساء/70)(57).
                فنسأل الله تعالى أن يرحمنا بمحمّد وآله صلوات الله عليهم ويرزقنا شفاعتهم ويجعلنا من المهتدين بهداهم انه سميع مجيب.
                ولكن لا ادري إذا عُرضت عليهم صحائف أعمالنا ماذا يرون فيها؟ هل يرونها ملأى بالحسنات من العقائد الحقة، والأخلاق الفاضلة، والعبادات الصحيحة، والمعاملات السليمة، أم بالعكس، يرونها سوداء بأنواع المعاصي والسيئات من الكفر، والنفاق، والأخلاق السيئة من الاعتداء والظلم وقول الزور وعبادة النفس الأمارة بالسوء، والشيطان، والطواغيت...الخ.
                وقطعاً ان رسول الله(صلى الله عليه و آله) والأئمة(عليهم السلام) إذا رأوا صحائف أعمالنا وفيها الحسنات والأعمال الصالحة والكلام الطيب فإنهم يُسرّون بذلك، أما إذا رأوها بالعكس فيها أنواع السيئات والمعاصي فانهم يستاؤون بذلك، ومن هنا ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) انه قال لجماعةٍ من أصحابه: ما لكم تسؤون رسول الله(صلى الله عليه و آله) ؟! فقال له رجل منهم: جُعلت فداك فكيف نسوؤه؟ فقال: أما تعلمون ان أعمالكم تُعرض عليه؟ فإذا رأى فيها معصية ساءه ذلك، فلا تسوؤا رسول الله(صلى الله عليه و آله) وسرّوه(58).
                وإذا كان الأمر كذلك، وهو كذلك فإذن يلزم على العاقل المؤمن أن يندم ويتوب إلى الله ويستغفره من جميع ذنوبه ومعاصيه دائماً وأبداً فإن الله يتوب عليه ويغفر له، ويرزقه خير الدنيا والآخرة قال تعالى: )اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا(10)يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا(11)وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا( (نوح/11-13)، وورد في الحديث: طوبى لمن وُجِدَ في صحيفته تحت كل ذنبٍ استغفار، وورد أيضاً ان التائب من الذنب كمن لا ذنب عليه.

                تبديل سيئات التائب حَسنات
                والتائب الحقيقي بتوبةٍ صادقة عن ندمٍ على ما مضى، وعزمٍ على ترك العود إلى ما تاب عنه، يستحق ان يبدّل الله سيئاته حسنات كما قال تعالى:)إِلاَ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا( (الفرقان/71).
                أمّا إذا بقي الإنسان مصراً على معاصيه وسيئاته لم يندم ولم يتب حتى ينزل به الموت فانه يكون حينئذٍ رهين تلك المعاصي والسيئات، وينبّئهُ بها عالمُ الغيب والشهادة يوم رجوعه إليه عند قبض روحه، وعند الحساب يوم القيامة، كما نصّت الآية المبحوث عنها بقوله:)وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ( ولا يسع الإنسان يومئذٍ إنكار أعماله السيئة وجحودها لأنه يراها بحقيقتها كلّيها وجزئيها ثابتة عليه منكشفة له قال تعالى:)لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ( (ق/23).
                الشهود على الإنسان عند الحساب
                هذا من جهة، ومن جهة أخرى انه يشهد عليه – بعد الله تعالى – نبيُّه وأهل بيته المعصومون(عليهم السلام) بما اقترف من تلك السيئات. كما علمنا فيما مضى.

                تعليق


                • #9
                  من الشهود على الإنسان القرآن الكريم
                  ومن جهة ثالثة يشهد عليه القرآن الكريم الذي هو الخليفة الأول على الأمة بعد رسول الله(صلى الله عليه و آله) ، وقد صرّح النبي بذلك في آخِر خطبةٍ خطبها على الأنصار حينما حضرته الوفاة وقد أحضرهم عنده في بيتهِ نذكر منها محلّ الشاهد قال(صلى الله عليه و آله):
                  كتاب الله وأهل بيتي العمل مع كلّ واحدٍ منهما مقرون بالآخر إني أرى أنْ لا افتراق بينهما جميعاً، لو قيس بينهما بشعرة ما إنقاست(59).
                  مَن أتى بواحدة وترك الأخرى كان جاحداً للأولى ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، "أي لا يقبل الله منه عملاً لا مستحباً ولا واجباً"، ثم قال: فأن الكتاب هو القرآن، وفيه الحجة والنور والبرهان كلام الله جديد غضٌّ طري، شاهد عادل محكم، ولنا قائد بحلال الله وحرامه وأحكامه.
                  يقوم غداً فيحاج أقواماً فينزلّ الله به أقدامهم عن الصراط، واحفظوني معاشر الأنصار في أهل بيتي فان اللطيف الخبير أخبرني انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض(60).
                  ومن جهةٍ رابعة يشهد عليه الملكان الّلذان يسجلان عليه أعماله، وإلى هذا يشير قوله تعالى:)وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ( (ق/22)، أي تجيء كل نفسٍ من المكلفين في يوم الوعيد ومعها سائق يسوقها، أي يحثها على السير إلى الحساب، وشهيد من الملائكة يشهد عليها بما يعلم من حالها، وبما شاهده منها، وكتبه عليها، فلا يجد إلى الهرب ولا إلى الجحود سبيلا.
                  ومن جهةٍ خامسة تشهد عليه أيضاً جوارحه كلها بما اقترف بها من السيئات قال تعالى في سورة يس:)الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ( (يس/66)، أي تشهد عليه كلٌ من الأيدي والأرجل بما اكتسب بواسطتهما من المعاصي الخاصة بهما.

                  أعضاء الإنسان كلها تشهد عليه
                  ويظهر من مجموع الآيات التي تستعرض هذا الموضوع ان ذكر الأيدي والرجل فقط دون بقية الأعضاء من باب الأنموذج، وإلاّ فالأعضاء كلها تشهد عليه قال تعالى في سورة الإسراء:)وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً( (الإسراء/37).
                  ومعنى الآية: لا تتّبع ما ليس لك به علم في مجموع تصرفاتك واتّجاهاتك عقيدةً وعملاً، لأن الله سيسأل السمع والبصر والفؤاد، وهو النفس الإنسانية، عما اعتقدت به من العقائد وقامت به من الأعمال ويُسأل السمع هل كان ما سمعه معلوماُ مقطوعاُ به أنه حق أم لا؟ ويُسأل البصر هل كان حقاً بيّناً أم لا؟ ويُسأل الفؤاد هل كان ما اعتقده وفكّر به حقاً لا شك فيه أم لا؟ وهي بدورها لا محالة ستجيب بالحق وتشهد على ما هو الواقع، فإذا شهدت بما أعتقد وعمل من باطل وجهل يكون ماله حينئذٍ الخسران والعياذ بالله ولا يقبل منه عذرٌ أبداً.
                  وقال تعالى في سورة النور:)يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ( (النور/25)، وقال تعالى في سورة فصلّت السجدة:)يَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ(19)حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(20)وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(21)وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ(22)وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمْ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ( (فصلّت/20-24)، وقال إمامنا أمير المؤمنين(عليه السلام) في بعض خطبه يصف فيها هول يوم القيامة: "ختم على الأفواه فلا تكلم، وقد تكلمت الأيدي وشهدت الأرجل ونطقت الجلود بما عملوا فلا يكتمون الله حديثاً"(61).
                  فعلينا يا عباد الله أن نتوب إلى الله توبةً نصوحاً، ونسأله أن يهب لنا ما اقترفناه من الذنوب، وما خالفنا به من الحق ونتضرع إليه بما جاء في دعاء كميل بن زياد ونقول:
                  "إلهي وسيدي فأسألك بالقدرة التي قدّرتها وبالقضية التي حتمتها وحكمتها وغلبت مَن عليه أجريتها أن تهب لي في هذه الليلة وفي هذهِ الساعة كل جرمٍ أجرمته وكل ذنبٍ أذنبته وكل قبيح أسررته وكل جهلٍ عملته كتمته أو أعلنته أخفيته أو أظهرته، وكل سيئةٍ أمرت بأثباتها الكرام الكاتبين الذين وكلتهم بحفظ ما يكون مني وجعلتهم شهوداً عليّ مع جوارحي وكنت أنت الرقيب عليّ من ورائهم والشاهد لما خفي عنهم وبرحمتك أخفيته وبفضلك سترته…الخ".
                  نعم المؤمن بالمعاد يوم القيامة والحساب والثواب والعقاب، والذي إذا اقترف ما قترف من الذنوب يستغفر الله ويتوب إليه منها فانّ الله يستر عليه ذنوبه ويخفيها حتى على ملكيه، ويؤيد ذلك ما رواه المحدثون ومنهم شيخنا الكليني في الكافي بسنده عن معاوية بن وهب أنه قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا تاب العبد توبةً نصوحاً أحبّه الله فستر عليه في الدنيا والآخرة، فقلت كيف يستر عليه؟ قال(عليه السلام): يُنسي ملكيه ما كتبا عليه من الذنوب ويوحي إلى جوارحه: أكتُمي عليه ذنوبه، ويوحي إلى بقاع الأرض: أكتُمي ما كان يعمل عليك من الذنوب، فيلقى الله حين يلقاه وليس شيء يشهد عليه بشيءٍ من الذنوب(62).

                  ومن الشهود على الإنسان بقاع الأرض
                  قول الإمام الصادق(عليه السلام) في هذا الحديث: ويوحي إلى بقاع الأرض: أكتُمي عليه ما كان يعمل عليك من الذنوب، يدل بصراحةٍ على أنّ من الشهود على الإنسان يوم القيامة بقاع الأرض التي يُعمل عليها من الحسنات أو السيئات فتشهد له أو عليه، إلاّ المؤمن التائب من ذنوبه فإنها بوحيٍ من الله تعالى لها تكتم تلك الذنوب فلا تشهد عليه بها.
                  وقد جاء في حديثٍ آخر عن الإمام الصادق(عليه السلام) أيضاً أنّ رجلاً سأله فقال: يصلي الرجل نوافله في موضع أو يفرقها؟ قال: بل ههنا وههنا، فانها تشهد له يوم القيامة(63).
                  وشهادة بقاع الأرض على الإنسان يشير إليها القرآن المجيد بقوله تعالى:
                  بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
                  )إِذَا زُلْزِلَتْ الأْرْضُ زِلْزَالَهَا(1)وَأَخْرَجَتْ الأْرْضُ أَثْقَالَهَا(2)وَقَالَ الإِْنسَانُ مَا لَهَا(3)يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا(4)بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا(5)يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ(6)فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه( (الزلزال)
                  ذكر الله سبحانه وتعالى في هذهِ السورة المباركة القيامة، وصدور الناس في يومها للجزاء، بعد تزلزل الأرض، وتعجب الإنسان من ذلك الزلزال المتناهي في الشدة والهول، وانها أي الأرض تحّدِث يومئذٍ أخبارها بوحيٍ من الله لها أنْ تحدث.
                  يقول المفسرون: أن الأرض تشهد يومئذٍ على بني آدم وتحدث بما عمل العاملون على ظهرها من أعمال في الخير أو الشر، وتشهد عليهم كما تشهد الأعضاء، وكتّاب الأعمال من الملائكة وشهداء الأعمال من البشر وغيرهم.
                  وروى المفسرون في ذلك عدة أحاديث عن النبي(صلى الله عليه و آله) منها ما روي مسنداً عن أنس بن مالك انه قال: قرأ رسول الله(صلى الله عليه و آله) )بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، إِذَا زُلْزِلَتْ الأْرْضُ زِلْزَالَهَا( إلى قوله:)يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا( وقال أتدرون ما أخبارها؟ جاءَني جبرئيل وقال: خبرها، إذا كان يوم القيامة أخبرت بكل عملٍ عُمِلَ على ظهرها(64).
                  وعن ابي هريرة قال: قرأ رسول الله(صلى الله عليه و آله) هذهِ الآية:)يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا( قال: أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أخبارها أن تشهد على كل عبدٍ بما عمل على ظهرها، تقول: عمل كذا وكذا في يوم كذا وكذا فهذا أخبارها(65).
                  وفي حديثٍ آخر ان رسول الله(صلى الله عليه و آله) قال: تحفّظوُا من الأرض فانها أمكم، وانه ليس من أحدٍ عاملٍ عليها خيراً أم شراً إلا وهي مخبرة به(66).

                  الإدراك والشعور موجودان في كل مخلوق
                  والجدير بالذكر الذي يلزم إلفات النظر إليه هو ان المستفاد من ظاهر كلام الله سبحانه في موارد عديدة من القرآن المجيد، ومن السُنّة النبوية الغراء في بعض أحاديثها، أن الإدراك والشعور موجودان وساريان في كل مخلوقٍ وان كان ذلك المخلوق جماداً، فإنّا وإنّ كنّا في غفلةٍ من ذلك، ولا نفقة للجماد إدراكاً وشعوراً لكنهما بالفعل موجودان في الجمادات كافة، كما هما موجودان في النبات والحيوان وسائر المخلوقات عامة، نهاية الأمر انّ الإدراك والشعور في الإنسان أقوى منهما في سائر الحيوان وأبين، وفي سائر الحيوان أقوى منهما في النبات وأبين، وفي النبات أقوى منهما في الجماد وأبين، فكّلُ مخلوقٍ أوجده الله أعطاه إدراكاً وشعوراً يناسب حاله لا صلاحه، ولعلّ إلى هذا يشير قوله تعالى حاكياً على لسان كليمه موسى في جوابه إلى فرعون لمّا سأله:)قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَـى( أجاب )قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى( (طه/50-51)، أي أعطى كل شيءٍ هديه بما جعل له من الإدراك والشعور كما أعطاه إيجاده أولاً، كما ان جميع المخلوقات – ومنها الجماد – لها نطق يناسب حالها حسب اختلاف القوة في الإدراك والشعور، وهذا ما يستفاد من بعض الآيات القرآنية وهي كثيرة.

                  الآيات الدّالة على الإدْراك والشعور في كلّ مخلوق
                  فمن الآيات التي تدل على ذلك قوله تعالى:)يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا(4)بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا( والمعنى ان الأرض تحدث يوم القيامة أخبارها، بسبب ان ربّك أوحى إليها ان تحدث فهي شاعرة ومدركة لما وقع عليها من الأعمال خيرها وشرها، متحمّلة لها منذ صدر العمل عليها في الدنيا، ويؤذن لها يوم القيامة بالوحي أن تحدث أخبارها وتشهد بما تحمّلته.
                  ومنها الآيات التي تذكر شهادة أعضاء الإنسان يوم القيامة من الأيدي والأرجل والسمع والبصر والجلود وغيرها من الأعضاء والتي منها قوله تعالى:)حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ( ومعنى شهادة الأعضاء هو ذكرها واخبارها بما تحملته في الدنيا من معصية صاحبها فهي إذن شاهدة شهادة أداء لما تحملته عن إدراك وشعور، ولذلك لمّا يعترض أصحاب تلك الأعضاء المجرمون ويعتبون عليها، كما في قوله تعالى حاكياً عنهم قولهم:)وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا( مجيبين)أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ( فظاهر هذا النص القرآني ان شهادة الأعضاء على المجرمين كانت نطقاً حقيقياً عن إدراكٍ وشعور بما تحملته سابقاً أيام الحياة الدنيا، وان الله جل وعلا هو الذي أنطقها والجأها إلى الكشف عمّا كانت قد تحملته، وانّ النطق ليس مختصاً بالأعضاء فقط بل هو عام شامل لكلِ شيء، وان السبب الموجب لنطقهم هو الله سبحانه" لذا" قالوا )أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ(.
                  وهكذا آيات آخر كثيرة تدل دلالة واضحة على وجود الإدراك والشعور في المخلوقات كافة من نبات وجماد وغيرهما، كقوله تعالى:)ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأْرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ( (فصلّت السجدة/12)، وكقوله تعالى:)تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأْرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا( (الإسراء/45)، إلى غير ذلك من الآيات الآخر من هذا القبيل، كآية عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال…الخ.

                  تعليق


                  • #10
                    التحقيق في وجود الإدراك والشعور في كل مخلوق
                    فان قيل: لو كان غير الإنسان والحيوان، كالنبات والجماد لهما إدراك وشعور لبانت آثارهما؟ وظهر منهما ما يظهر من الإنسان والحيوان من الأعمال والانفعالات الشعورية؟ فالجواب عن ذلك يكون من جهات ثلاث.
                    الجهة الأولى هي: ان الله سبحانه قد حجب عنا ما أودع فيهما من إدراكٍ وشعور خصوصاً بالنسبة للجمادات، وإلى ذلك يشير قوله تعالى:)وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ( فهو جل وعلا يثبت تعميم التسبيح له مع الحمد مِن كل شيءٍ، أي كما يسّبحه تعالى وينزهه كذلك يحمده بالثناء عليه بجميل صفاته وجليل أفعاله بطريقته ولغته من لسان القال دون لسان الحال، ثم يخبر جل وعلا بانا لا نفقه تسبيحهم، أي إنا في غفلةٍ وحجاب عن ذلك التسبيح والتحميد له سبحانه فلو لم تكن السموات السبع والأرض، ومَن فيهن مدركة وشاعرة بأن لها خالقاً مدبراً غنياً، وهي مفتقرة إلى تدبيره لما سبّحته وحمدته على إيجاده وتدبيره لها.
                    وممّا يؤيد انّ تسبيحها بلسان القال دون لسان الحال ما جاء في دعاء اليوم الثاني عشر من كل شهر الوارد عن أمير المؤمنين علي(عليه السلام) في الصحيفة المنسوبة إليه قال: سبحان مَن تسبّح له الجبال الرواسي بأصواتها تقول: سبحان ربي العظيم وبحمده، سبحان مَن تسبّح له الأشجار بأصواتها تقول: سبحان الله الملك الحق المبين، سبحان مَن تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن يقولون: سبحان الله العظيم الحليم الكريم وبحمده…الخ(67).
                    وقد نقل شيخنا المجلسي في (البحار) عن بعض العارفين انه قال: خلق الله الخلق ليوحّدوه فأنطقهم بالتسبيح والثناء عليه والسجود، فقال: )أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأْرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ( (الحج/19).
                    ثم قال هذا العارف: وخاطب الله بهاتين الآيتين نبيّه الذي أشهده ذلك فقال تعالى:)أَلَمْ تَرَى( ولم يقل "ألَم تروا" فانا ما رأينا فهو لنا إيمان، ولمحمّد(صلى الله عليه و آله) عيان، فاشهده سجود كل شيءٍ وتواضعه للهِ، وكلّ مَن أشهده الله ذلك وأراه دخل تحت هذا الخطاب(68)…الخ.
                    أقول: وممّن دخل تحت هذا الخطاب، واراه الله تسبيح المخلوقات وحمدهم له أئمة الهدى من أهل بيته(عليهم السلام) كما أنّ قول هذا العارف: وخاطب الله بهاتين الآيتين نبيه الذي أشهده الله ذلك فقال تعالى:)أَلَمْ تَرَى( ولم يقل "ألَمْ تروا"…الخ، هو قول صحيح ذلك لأن ما حُجبت رؤيته وفقهه عن سائر الناس يأتي الخطاب – غالباً - خاصاً لنبيّه(صلى الله عليه و آله) وأما ما كان مشاهداً لسائر الناس من التسخيرات المادية المرئية فيخاطب بها الناس كلهم، كقوله تعالى في سورة لقمان:)أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأْرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُنِيرٍ( (لقمان/21)، وكقوله تعالى: )أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا(15)وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا(16)وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنْ الأْرْضِ نَبَاتًا(17)ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا( (نوح/16-17).
                    الجهة الثانية هي ان الله سبحانه إذا شاء أن يُظهر آثار تسبيح وحمد بعض الأشياء له، والدّالّين على شعورها وإدراكها أظهرهما من باب المعجز لبعض رسله الكرام، وسائر حججه العظام، ومن هنا قد استفاضت الروايات من طرق عديدة من الشيعة وأهل السُنّة في إظهار الله تسبيح بعض الأشياء للناس وإدراكها وان للأشياء تسبيحاً.

                    حنين الجذع، وتسبيح الحصى في كف النبي(صلى الله عليه و آله)
                    ومن ذلك ما اشتهر من تسبيح الحصى في كف رسول الله(صلى الله عليه و آله) وحنين الجذع الذي كان يخطب مستنداً إليه، فلما اتخذ منبراً وتحوّل عن الجذع حنّ الجذع لفراقه له، وسُمِعَ حنينه، فأخذه النبي وضمه إليه فسكن حنينه، وجاء إليه رجل وقال له: هل عندك من برهان نعرف به انك رسول الله؟ فدعا بتسع حصيات فسبحّن في يده فسُمِعَ نغمات التسبيح من جوفها(69).
                    وسأل الشيخ أحمد بن المبارك شيخه الشيخ عبد العزيز الدبّاغ عن تسبيح الحصى ونحوه، فقال: إنّ ذلك كلامها وتسبيحها دائماً، وإنما سأل النبي(صلى الله عليه و آله) ربّه ان يزيل الحجاب عن الحاضرين حتى يسمعوا ذلك(70).
                    وقال شاعر أهل البيت السيد مهدي الأعرجي في مدح النبي وبعض معجزاته:
                    خير البرية مَن رقى السبع العلى*** فوق البراق فحلّ اشرف موضعِ
                    من كلّمــــــته الـــجامدات كرامةً*** والجذع حنّ له حنين المرضعِ
                    أوما إلى القمر المـــــــنير فشقهُ*** نصفين في أفق السماء الرفعِ
                    لولاه ما خلق الوجود ولـــم تكن*** شمس ولا قمر يُرى في مطلعِ
                    لــــــولاه لم يُغفر لآدم ذنبـــــــه*** كلا ولا قد قيل: يا أرض أبلعي
                    هو خير مبعوثٍ من المولى أتى*** للناس بالدين الحنــيف الأنصحِ

                    إظهار تسبيح الجبال والطير مع داوُد(عليه السلام)
                    ومن هذا القبيل ما جعله الله لنبيه داوُد(عليه السلام) وذكره الله سبحانه في عدة آيات منها قوله تعالى:)وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ( (الأنبياء/80).
                    والمعنى كما يقول بعض المفسرين: ان الجبال والطير لهما تسبيح في نفسهما، وتسخيرهما أن يسبّحن مع داوُد بموافقة تسبيحه، لذا قال تعالى:)وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْن( أي معه حين يسبّح، وَ)الطَّيْرَ( معطوف على الجبال، وقرع تسبيحها وتسبيح داوُد أسماع الناس معجزةً له.
                    وهكذا قال تعالى في آيةٍ أخرى:)إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِْشْرَاقِ( (سورة ص/19)، والعشي آخر النهار والإشراق أوله وهو إشراق الشمس، والمعنى ان الله جلّ وعلا جعل تسبيح الجبال في موافقة ومواطأة تسبيحه، وإسماع الناس تسبيحها معاً في الوقتين.
                    وهكذا قال تعالى في آية ثالثة:)وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ( (سبأ/11)، والمعنى ان الله أعطى داوُد فضلاً منه بأن جعل الجبال تؤوِّب "أي ترجّع وتردد" معه الصوت بالتسبيح.
                    قال ابن كثير الدمشقي في تفسيره: وما أعطاه ومنحه " أي الله لداوُد" من الصوت العظيم الذي كان إذا سبّح به تسبّح معه الجبال الراسيات الصم الشامخات، وتقف له الطيور السارحات والغاديات والرائحات وتجاوبه بأنواع اللغات(71).

                    عدم تساوي آثار الإدراك والشعور في المخلوقات
                    الجهة الثالثة هي انّ الإدراك والشعور لم يكونا على سنخ واحد حتى تتشابه آثارهما المترشحة منهما وتكون متساوية، بل هما مختلفان باختلاف أربابهما، ولذلك تكون آثارهما مختلفة بحسب خِلْقة ذوي الشعور والإدراك، كما يقرر ذلك بعض الحكماء مثل الشيرازي حيث يقول في كتابه (الأسفار) في علم الحكمة:
                    إنّ هذا الوجود كلّه حي، ولا معنى للوجود بغير حياة، وان الحياة على مقدار اشراق أنوار الوجود الأعلى على المخلوق فللإنسان وللحيوان وللنبات حياة، أي هناك نوعاً من الشعور، وهكذا الجماد له من الشعور أقل، لأنه أفيض عليه من الحي(72).
                    وعلى كّلٍ للنبات وسائر الأنواع الطبيعية المعبّر عنها بالجماد آثار عجيبة متقَنة ومشهودة في عالمنا هذا مناسِبةً لخلقها، مثلاً نرى النبات ينمو في الجبال الصخرية، في حين لا يمكن للنبات ان يخترق الصخور، فالله سبحانه يجعل له من الإدراك والشعور في أن يسير إلى جهات لا تحجبه الصخور من النمو، وإذا علا نبات وكان، فوقه حاجب يحجبه من الصعود فهو – قبل أن يصطدم بذلك الحاجب – يشعر انّ هناك حاجباً سوف يحجبه عن الصعود فيميل عنه قبل اصطدامه به، وأمثال ذلك ما يشاهد في عالم النبات كثير.
                    وأمّا الجماد فلا تقصر آثاره عن ذلك ممّا نشاهد في السماء والأرض، والجبال من حدوث حمرة، أو زلزال، أو اضطراب واهتزاز وبركان وعواصف وكل ذلك لا يكون إلا بإذن الله لها، فتحركها وتغيّرها بأمر الله الذي له ملكوت كل شيءٍ وهو على كل شيءٍ قدير، والإنسان يشاهد ويرى تلك الآيات الإلهية في العالمين العلوي والسفلي ولا يعتبر بما يرى، قال تعالى:)وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأْرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ( (يوسف/106).

                    تعليق

                    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                    حفظ-تلقائي
                    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
                    x
                    يعمل...
                    X