المشاركة الأصلية بواسطة ابو محمد الذهبي
مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربِّ العالمين وأفضل الصلاة والتسليم على خير خلقه أبي القاسم محمدٍ وآله االطيبين الطاهرين
قال تعالى في كتابه العزيز:
" وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا 23 وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا24 رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا25"
أمنا بالله صدق الله العلي العظيم
بالرغم من أن العاطفة الإنسانية ومعرفة الحقائق، يكفيان لوحدهما لاحترام ورعاية حقوق الوالدين، إلا أن الإسلام لا يلتزم الصمت في القضايا التي يمكن للعقل أن يتوصل فيها بشكل مستقل، أو أن تدل عليها العاطفة الإنسانية المحضة، لذلك تراه يعطي التعليمات اللازمة إزاء قضية احترام الوالدين ورعاية حقوقهما، بحيث لا يمكن لنا أن نلمس مثل هذه التأكيدات في الإسلام إلا في قضايا نادرة أخرى.
وعلى سبيل المثال يمكن أن تشير الفقرات الآتية إلى هذا المعنى:
ألف: في أربع سور قرآنية ذكر الإحسان إلى الوالدين بعد التوحيد مباشرة، وهذا الاقتران يدل على مدى الأهمية يوليها الإسلام للوالدين.
ففي سورة البقرة آية (83) نقرأ: لا تعبدون إلا إياه وبالوالدين إحسانا.
وفي سورة النساء آية (36) نقرأ قوله تعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا.
أما الآية (151) من سورة الأنعام فإنها تقول: ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا.
وفي الآية التي نبحثها نقرأ قوله تعالى:
وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا.
ب - إن مسألة احترام الوالدين ورعاية حقهما من المنزلة بمكان، حتى أن
القرآن والأحاديث والروايات الإسلامية، تؤكدان معا على الإحسان للوالدين حتى ولو كانا مشركين، إذ نقرأ في الآية (15) من سورة لقمان: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم، فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا.
ج - رفع القرآن الكريم منزلة شكر الوالدين إلى منزلة شكر الله تعالى، إذ تقول الآية (14) من سورة لقمان: أن أشكر لي ولوالديك.
وهذا دليل على عمق وأهمية حقوق الوالدين في منطق الإسلام وشريعته، بالرغم من أن نعم الله التي يشكرها الإنسان لا تعد ولا تحصى.
تفسير الآية وقضى ربك ألا تعبد ألا أياه
فالآية - بعد أن تؤكد مرة أخرى على التوحيد - تقول:
وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا.
كلمة " قضاء " لها مفهوم توكيدي أكثر من كلمة " أمر " وهي تعني القرار والأمر المحكم الذي لا نقاش فيه. وهذا أول تأكيد في هذه القضية.
وبالوالدين أحسانا أما التأكيد الثاني الذي يدل على أهمية هذا القانون الإسلامي، فهو ربط التوحيد الذي يعتبر أهم أصل إسلامي، مع الإحسان إلى الوالدين.
أما التأكيدان الثالث والرابع فهما يتمثلان في معنى الإطلاق الذي تفيده كلمة " إحسان " والتي تشمل كل أنواع الإحسان. وكذلك معنى الإطلاق الذي تفيده كلمة " والدين " إذ هي تشمل الأم والأب، سواء كانا مسلمين أو كافرين.
إِحْسَانًا جاء في توضيح الإحسان عن أبي ولاّد الحنّاط ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام ، عن قول الله عزوجلّ : ( وبالوالدين احسانا ) ما هذا الاحسان ؟. فقال عليه الصلاة والسلام : الاحسان أن تحسن صحبتهما وأن لا تكلفهما أن يسألاك شيئا ممّا يحتاجان اليه ، وان كانا مستغنيين ، أليس يقول عزوجلّ : ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون )
إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا
قال ثم قال أبو عبدالله عليه أفضل التحيات ، وأما قول الله عزوجلّ : ( اما يبلغن عندك الكبر احدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما
). قال سلام الله عليه: ان اضجراك فلا تقل لهما أف ، ولا تنهرهما ان ضرباك. قال : ( وقل لهما قولا كريما ) قال عليه السلام : ان ضرباك فقل لهما : غفر الله لكما ، فذلك منك قول كريم قال : (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ) قال عليه السلام لا تملأ عينيك من النظر اليهما الاّ برحمة ورقّة ولا ترفع صوتك فوق اصواتهما ، ولا يدك فوق ايديهما ، ولا تقدم قدّامهما ...
وجاء في الأمثل إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما بحيث يحتاجان إلى الرعاية والإهتمام الدائم. فلا تبخل عليها بأي شكل من إشكال المحبة واللطف ولا تؤذيهما أو تجرح عواطفهما بأقل إهانة حتى بكلمة " اف ": فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وجاء في تفسير الامثل معنى أف : كلمة تدل على الضجر، أن هذه الكلمة هي في الأصل " اسم صوت " والمقصود بالصوت هنا ما يصدره الإنسان من فمه عندما يتذمر أو ينفخ لإزالة شئ ما. تقول الآية: فلا تقل لهما أف بمعنى لا تظهر عدم ارتياحك أو تنفرك منهم ولا تنهرهما ثم تؤكد مرة أخرى على ضرورة التحدث معهم بالقول الكريم، إذ اللسان مفتاح إلى القلب القرآن الكريم لا يسمح بأدنى إهانة للوالدين، ولا يجيز ذلك، ففي حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: " لو علم الله شيئا هو أدنى من أف لنهى عنه، وهو من أدنى العقوق، ومن العقوق أن ينظر الرجل إلى والديه فيحد النظر إليهما " وآداب الأسلام التي يجب أن يتبعها الأبناء أن يخاطبوا والديهم بصوت لطيف حسن جميل بل:
وقل لهما قولا كريما وكن أمامهما في غاية التواضع وأخفض لهما جناح الذل من الرحمة، وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا.
الأهمية الاستثنائية لاحترام الوالدين:
إن الآيتين السابقتين توضحان جانبا من التعامل الأخلاقي الدقيق، والاحترام الذي ينبغي أن يؤديه الأبناء للوالدين:
من جانب أشارت الآية إلى فترة الشيخوخة، وحاجة الوالدين في هذه الفترة إلى المحبة والاحترام أكثر من أي فترة سابقة، إذ الآية تقول: إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف.من الممكن أن يصل الوالدان إلى مرحلة يكونان فيها غير قادرين على الحركة دون مساعدة الآخرين، وقد لا يستطيعون بسبب الكهولة رفع الخبائث عنهم، وهنا يبدأ الاختبار العظيم للأبناء، فهل يعتبرون وجود مثل هذين الوالدين دليل الرحمة، أو أنهم يحسبون ذلك بلاءا ومصيبة وعذابا.. هل عندهم الصبر الكافي لاحترام مثل هؤلاء الآباء والأمهات، أم أنهم يوجهون الإهانات ويسيئون الأدب لهم، ويتمنون موتهم؟! فعلى الأبناء أذا كبرا والديهم في السن عليهم أن يتحملوا منهما كل شيء،
فمن الأداب التي يحث عليها السلام ويجب التعامل بها مع الوالدين أن لايمل منهما ولايتكاسل من خدمتهما ، وأن ينفذ مايريدون منه قبل أن يطلبوه ويتحمل مايقولون له لأنهم يريدون الخير له ، بل وحتى أبسط الأمور والتي كثير من الأباء أنفسهم لايعيرون لها أي أهتمام وهي أن الأسلام يحث الولد في أتباع الآداب مع الوالدين بنهيه أن يمشي الأبناء أمام الأباء ، وعدم النظر اليهم بحدة فعن الامام الصادق عليه السلام قال :ومن العقوق أن ينظر الرجل الى والديه فيحد النظر أليهما . ،وأن لايعمل الأبناء عملاً سيئاً أو يقول شيئاً قبيحاً فيسب الناس والديه ،
فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
سأل رجل ماحق الوالد على ولده ،؟
قال صلى الله عليه وآله لايسميه بأسمه ، ولايمشي بين يديه ، ولايجلس قبله ، ولايستسب له ( أي لايسب الناس فيسبوا والديه ، أو يعمل عملاً يسب الناس والديه بسبه)) إضافة إلى ما ذكرناه، فثمة ملاحظة لطيفة أخرى يطويها التعبير القرآني، هذه الملاحظة خطاب للإنسان يقول: إذ أصبح والداك مسنين وضعيفين وكهلين لا يستطيعان الحركة أو رفع الخبائث عنهما، فلا تنس أنك عندما كنت صغيرا كنت على هذه الشاكلة أيضا، ولكن والديك لم يقصرا في مداراتك والعناية بك، لذا فلا تقصر أنت في مداراتهم ومحبتهم
عن إبراهيم بن شعيب قال : قلت لأبي عبدالله الصادق عليه السلام :إن أبي قد كبر جداً وضعف فنحن نحمله إذا أراد الحاجة ،
فقال عليه السلام :إن أستطعت أن تلي ذلك منه فافعل ولقمه بيدك ، فإن الجنة لك غداً (( أي أن تلي ذلك بنفسك فإنه جنة من النار)
وقل لهما قولا كريما.
في هذا جانب الأخير تأمر الآية بالتواضع لهم، هذا التواضع الذي يكون علامة المحبة، ودليل الود لهم: واخفض لهما جناح الذل من الرحمة. وهذا التواضع يكون بالتذلل لهما وطاعتهما وبشكرهما وأن تظهر الود لهما ودليل الود لهم: واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا. ـ
قال الإمام الصادق عليه السلام : ( واخفض لهما جناح الذل من الرحمه ) قال : لا تملأ عينيك من النظر اليهما الاّ برأفة ورحمة ، ولا ترفع صوتك فوق اصواتهما ، ولا يدك فوق ايديهما ، ولا تقدّم قدّامهما
أخيرا تنتهي الآيات، إلى توجيه الإنسان نحو الدعاء لوالديه وذكرهم بالخير سواء كانا أمواتا أم أحياء، وطلب الرحمة الربانية لهما جزاء لما قاما به من تربية وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا.
وأن يستغفر لهما دائما ويعمل لهما الخيرات حيين كانا أو ميتين ،ويدعوا لهما ويطلب من الله تعالى أن يرحمهما كما ربياه صغيرا ،وأن يقضي عنهما دينهما سواء كان دين في العبادات أو الحقوق والأموال ،
فعن الامام الباقر عليه السلام قال : إن العبد ليكون باراً بوالديه في حياتهما ثم يموتان فلا يقضي عنهما دينهما ، ولايستغفر لهما ، فيكتبه الله عزوجل عاقاً، وإنه ليكون عاقاً لهما في حياتهماغير بار بهما فإذا ماتا قضى دينهما واستغفر لهما ليكتبه الله عزوجل باراً .
ومن بر الوالدين أبداء الأحترام لهما فعن الإمام الباقر عليه السلام قال : إن أبي نظر الى رجل ومعه ابنه يمشي والابن متكيءعلى ذراع أبيه ، فما كلمه أبي مقتاً حتى فارق الدنيا .
وقد يصدر هذا العقوق عن جهل في بعض الأحيان، وعن قصد وعلم في أحيان أخرى، لذا فإن الآية الأخيرة في بحثنا هذا تشير إلى هذا المعنى بالقول: ربكم أعلم بما في نفوسكم. وهذه إشارة إلى أن علم الله ثابت وأزلي وأبدي وبعيد عن الاشتباهات، بينما علمكم أيها الناس لا يحمل هذه الصفات! لذلك فإذا طغى الإنسان وعصى أوامر خالقه في مجال احترام الوالدين والإحسان إليهم، ولكن بدون قصد وعن جهل، ثم تاب بعد ذلك وأناب، وندم على ما فعل وأصلح، فإنه سيكون مشمولا لعفو الله تعالى: إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا.
ومنتهى الكلام هنا، أن الآية تريد أن تقول بعبارة قصيرة وفصيحة وبليغة. إن احترام الوالدين ورعاية حقوقهما مهمان للغاية، بحيث لا يجوز تجاوز الحدود أمامهما أو إيذاؤهما حتى بمستوى ما تحمله كلمة " أف " من معنى.
ثواب بر الوالدين :
عن الامام الصادق عليه السلام قال
من أحب أن يخفف الله عنه سكرات الموت فليكن لقرابته وصولاً، وبوالديه باراً، فإن كان كذلك هون الله عليه سكرات الموت ولم يصبه في حياته فقر أبداً.
احسنت اخي ابا محمد
لقد احسنت اذ فصلت الموضوع بهذا التفصيل الرائع
والذي يغني الموضوع ويعطيه حقه..
حثت تعاليم الدين الاسلامي على الاهتمام بالوالدين وقرن الله عز وجل رضى الوالدين برضاه عز وجل
لما لهما من اهمية عظمى في حياة النشئ والاجيال ..
وليس الدين الاسلامي فقط من حث على هذا الاهتمام فقد اولت بقية الديانات
هذا الموضوع اهمية كبيرة ..
وفي تراث شعوب العالم في كل دولة نرى كيف ان للام والاب قدسية في نفوس تلك الشعوب
والان في هذا الزمن الذي نعيشه نرى العجب العجاب من انواع العقوق التي لم نكن نسمع بها
او نراها فالابن لايتحمل مسؤولية والديه او احدهما ويلقيه في دار العجزة او رعاية المسنين
وهو لايعلم انه رمى بالرحمة التي جعلها الله له فكل دعوة من ام او من اب تساوي كنوز الدنيا وما فيها
نسأل الله الهداية للجميع ونسأله ان يمن على امهاتنا وامهات المؤمنين والمؤمنات بالصحة وطول العمر
وللامهات الاموات منهم الرحمة والغفران بحق محمد وال محمد
اللهم صل على حمد وال محمد
تعليق