مكيدة رفع المصاحف
ولم تكن مكيدة رفع المصاحف وليدة الساعة ولم تأت عفواً، وإنّما كانت نتيجة مؤامرة سرّية بين عمرو بن العاص وبعض قادة الجيش العراقي وعلى رأسهم الخائن العميل الأشعث بن قيس.
لقد رفع أهل الشام المصاحف على أطراف الرماح وهم يدعون الجيش العراقي إلى تحكيم كتاب الله، فاندفعت كتائب من عسكر الإمام وهم يهتفون:
لقد أعطاك معاوية الحقّ، دعاك إلى كتاب الله فاقبل منه.
لقد استجاب لهذه الدعوة الكاذبة السذّج والسائمون من الحرب والطامعون في الحكم وعملاء الحكم الاُموي، وجعل الأشعث بن قيس يشتدّ كالكلب رافعاً صوته ليسمع الجيش:
ما أرى الناس إلاّ قد رضوا، وسرّهم أن يجيبوا القوم إلى ما دعوهم إليه من حكم القرآن، فإن شئت أتيت معاوية فسألته ما يريد.
وأخذ الأشعث يلحّ على الإمام وهو يمتنع من إجابته وكثرة إلحاحه، وقد استجابت له فرق من الجيش فلم يجد الإمام بُداً من إجابته، فمضى مسرعاً نحو معاوية فقال له:
(لأيّ شيء رفعتم هذه المصاحف؟..).
والأشعث يعلم لِمَ رفعوا المصاحف ولاذوا بها فأجابه معاوية:
لنرجع نحن وأنتم إلى أمر الله عزّ وجلّ في كتابه، تبعثون منكم رجلاً ترضون به ونبعث منّا رجلاً، ثم نأخذ عليهما أن يعملا بما في كتاب الله لا يعدوانه، ثم نتّبع ما اتّفقنا عليه.
وهل ابن هند يؤمن بكتاب الله ويتّبع ما حكم به؟! أو ليس خروجه على السلطة الشرعية مجافية لتعاليم القرآن.
وعلى أي حال فقد انبرى الخائن الأشعث يصدّق مقالة معاوية قائلاً: هذا هو الحقّ.
وانبرى الإمام فزيّف دعوة التحكيم، وعرّف الجماهير أنّها خدعة ومكيدة، وأنّ معاوية وحزبه لا يؤمنون بالقرآن، وأنّهم على ضلالهم القديم، وأصرّ جيش الإمام على الاستجابة لدعوة معاوية وهدّدوه بالقتل إن رفض ما أرادوه، فاستجاب(عليه السّلام) مرغماً مكرهاً على ذلك، وقد أشرفت بعض قطعات جيشه بقيادة الزعيم الكبير مالك الأشتر على الفتح، ولم يبق بينها وبين القبض على معاوية إلاّ مقدار حلبة شاة، فطلب منه الإمام في تلك الساعة الحرجة أن يسحب الجيش ويوقف القتال، فلم يستجب أوّلاً إلى ذلك، فأمره الإمام ثانياً بالانسحاب؛ لأنّ جيشه قد أحاط به وأعلنوا العصيان وهدّدوه بالقتل، فاستجاب الأشتر وانسحب عن ميدان القتال.
وعلى أي حال فقد أوقف القتال، وكان ذلك فوزاً ساحقاً لمعاوية، فقد سلم من الخطر المحدق به، ومُني جيش الإمام بالتمرّد والعصيان، وشاعت في جميع قطعاته التفرقة والخلاف.
تعليق