إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رائــــــــــــ زينب الكبــــــــــرى دة الجهـــــــ وبطلـــــــه كرـبلاء ـــــــاد

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • في أنها عليها السلام عالمة غير معلّمة
    العلم من أفضل السجايا الإنسانية، وأشرف الصفات البشرية، به أكمل الله أنبياءه المرسلين، ورفع درجات عباده المخلصين، قال تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)(1).
    وإنما صار العلم بهذه المثابة لأنه يوصل صاحبه إلى معرفة الحقائق، ويكون سببا لتوفيقه في نيل رضاء الخالق، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة من أهل بيته (عليهم السلام) يحثون الأمة على طلب العلم، وكانوا يغذّون أطفالهم العلم كما يغذّونهم اللبن.
    أما زينب (عليها السلام) المتربية في مدينة العلم النبوي، المعتكفة بعده ببابها العلوي، المتغذية باللبان الفاطمي من أمها الصديقة الطاهرة (سلام الله عليها)، وقد طوت عمراً من الدهر مع الإمامين السبطين يزّقانها العلم زّقاً، فهي من عياب علم آل محمد (عليهم السلام) وعلى فضائلهم التي اعترف بها عدوهم الألد يزيد الطاغية بقوله في الإمام السجاد (عليه السلام): (إنه من أهل بيت زقوا العلم زقاً)(2).
    وقد نص لها بهذه الكلمة ابن أخيها علي بن الحسين (عليهما السلام): (أنت بحمد الله عالمة غير معلمة، وفهمة غير مفهمة)(3).
    وهذا اللقب منحها الإمام زين العابدين (عليه السلام) ووصفها به، وذلك حينما أراد تسليتها وتعزيتها وتكريمها وتزكيتها (عليها السلام) على مرأى من الناس ومسمع، ليعلمهم:
    أولا: بالمقام الرفيع الذي وهبه الله تعالى لها (سلام الله عليها)، وليهون من وقع المصائب العظيمة عليها.
    ثانياً: فإن الإمام زين العابدين(عليه السلام) لما رأى عمته زينب (عليها السلام) وهي في أسرها تخطب على الجماهير المتجمعة من أهل الكوفة، الذين قد خرجوا للتفرج عليهم، والتفت إلى أنها (عليها السلام) قد استعادت في ذاكرتها كل المصائب العظيمة التي جرت عليها واستعرضت كل انتهاكات القوم أمام مخيلتها، خاف عليها أن تموت حسرة وغصة، فخاطبها قائلا: (أنت بحمد الله عالمة غير معلمة، وفهمة غير مفهمة…)(4).
    ثم إنه يمكن أن يستفاد من كلام الإمام السجاد(عليه السلام) المزبور في حق عمته زينب (عليها السلام) أموراً:
    1: أن السيدة زينب (عليها السلام) كانت قد بلغت هذه المرتبة العظيمة والمقام الرفيع عند الله تعالى وأن مادة علمها من سنخ ما منح به رجالات بيتها الرفيع أفيض عليها إلهاما، لا بتخرج على أستاذ وأخذ عن مشيخة، وإن كان الحصول على تلك القوة الربانية بسبب قابليتها وتهذيبات جدها وأبيها وأمها وأخويها، ولانتمائها إليهم واتحادها معهم في الطينة، فأزيحت عنها بذلك الموانع المادية، وبقي مقتضى اللطف الفياض الإلهي وحده وإذ كان لا يتطرقه البخل بتمام معانيه عادت العلة لإفاضة العلم كله عليها بقدر استعدادها تامة، فأفيض عليها بأجمعه، سوى ما اختص به أئمة الذين (عليهم السلام) من العلم المخصوص بمقامهم الأسمى.
    ولولا ذلك لما نعتها ابن أخيها الإمام السجاد (عليه السلام) وهو معصوم بهذا النعت، ولما وصفها بهذه الصفة.
    2: إن الإمام (عليه السلام) أراد بكلامه المذكور في حق عمته زينب (عليها السلام) بيان شأنها وإظهار عظمتها.
    3: إن الإمام (عليه السلام) أراد أن يشكر عمته زينب (عليها السلام) بكلامه هذا، على ما أسدته (عليها السلام) إليه في كربلاء من خدمة كبرى حيث رأته يجود بنفسه من عظم المصاب فعزته بمصابه وصبرته عليه، فقام(عليه السلام) في الكوفة بعمل مماثل لما قامت به (عليها السلام) تجاهه، إضافة أن من أهم الكمالات النفسية، والمقامات الإنسانية، هو مقام العلم، فإن العلم هو قمة كل شرف، وأفضل كل الملكات، وغذاء الروح، وبه استمرار الحياة المعنوية، وشرفه ذاتي، وهذا ما لا يستطيع أحد إنكاره، إذ علو مقام العلم لا يخفى على أحد.

    اترك تعليق:


  • وكذلك كانت الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) تصلي عامة الليل، فإذا اتضح عمود الصبح أخذت تدعو للمؤمنين والمؤمنات.

    وكان الأئمة من ولدها (صلوات الله عليها) يضرب بهم المثل في العبادة.
    أما زينب (صلوات الله عليها) فلقد كانت في عبادتها ثانية أمها الزهراء (عليها السلام)، وكانت تقضي عامة لياليها بالتهجد وتلاوة القرآن.
    وإنها (صلوات الله عليها) ما تركت تهجدها لله تعالى طول دهرها، حتى ليلة الحادي عشر من المحرم.
    فقد روي عن زين العابدين(عليه السلام) أنه قال: (رأيتها تلك الليلة تصلي من جلوس).
    وعنه (عليه السلام) أنه قال: (إن عمتي زينب مع تلك المصائب والمحن النازلة بها في طريقنا الى الشام ما تركت نوافلها الليلية).
    وفي مثير الأحزان: قالت فاطمة بنت الحسين(عليه السلام): (وأما عمتي زينب فانها لم تزل قائمة في تلك الليلة ـ أي: العاشرة من المحرم ـ في محرابها تستغيث الى ربها، فما هدأت لنا عين، ولا سكنت لنا رنة).
    وروى بعض عن الإمام زين العابدين(عليه السلام) أنه قال: (إن عمتي زينب كانت تؤدي صلواتها من قيام الفرائض والنوافل عند سير القوم بنا من الكوفة الى الشام، وفي بعض المنازل كانت تصلي من جلوس، فسألتها عن سبب ذلك فقالت: أصلي من جلوس لشدة الجوع و الضعف منذ ثلاث ليال، لانها كانت تقسم ما يصيبها من الطعام على الأطفال، لان القوم كانوا يدفعون لكل واحد منا رغيفا واحدا من الخبز في اليوم و الليلة).
    فاذا تأمل المتأمل إلى ما كانت عليه هذه الطاهرة من العبادة لله تعالى والانقطاع إليه لم يشك في عصمتها (صلوات الله عليها).
    فاعلم: ان العصمة وسام عظيم، ودرجة راقية، ومقام شامخ، اختص به خواص عباد الله من الأنبياء والاوصياء، علما بأن العصمة لغة: الحفظ والوقاية، والمنع والإباء، واصطلاحا: قوة معنوية، وملكة ربانية يهبها الله من يشاء من عباده يحفظه بها من الخطأ و الزلل، والسهو و النسيان، وذلك على وجه لا يسلب منه الاختيار الذي هو من لوازم التكليف.
    وحكمة منح العصمة ـ هذه الموهبة الإلهية ـ للأنبياء و أوصياء الانبياء، ان الله تعالى لما خول أنبيائه و أوصيائهم حقه، وفوض إليهم ولايته، وجعلهم بالمؤمنين أولى من أنفسهم، وامر الناس باطاعتهم والانقياد لهم، كان من اللازم تزويدهم بالعصمة، وحفظهم بها من الخطأ و الزلل، والسهو و النسيان، فاذا لم يكن النبي أو الإمام حائزا على العصمة، لاحتمل الاشتباه والنسيان، والزيادة والنقصان فيما يبلغه النبي عن الله تعالى، والإمام عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبذلك تنعدم الثقة والاطمئنان، وتبطل الشرائع والأديان، وحاش لله تعالى ان يُخلّ بدينه و يُبطل آياته و حججه.
    واعلم: ان العصمة على مراتب ودرجات، وقد جعل الله تبارك وتعالى اعلى درجات العصمة واسمى مراتبها خاصا برسوله الكريم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطيبين الطاهرين(عليهم السلام) حيث قال تعالى:
    (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا)(4).
    ولما كانت السيدة زينب (عليها السلام) عقيلة خدر الرسالة من سلالة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وذريته، وقد هذّبت نفسها وروضتها على العبادة والتقوى، والخير والإحسان، تأهلت لان تنال حظاً من العصمة المعبر عنه بـ: العصمة الصغرى، وقد أشار الى ذلك الإمام زين العابدين (عليه السلام) في بعض كلامه لها، كما وأشارت هي (عليها السلام) الى ذلك في بعض خطبها.
    ______________________________

    1 - بحار الأنوار ج41 ص14 ب101 ح4.


    2 - سورة طه: الآية 1-2.
    3 - بحار الانوار ج10 ص 40 ب2 ح 1.

    4 - سورة الأحزاب: الآية 33.

    اترك تعليق:


  • في أنها (ع) العابدة والمنقطعة إلى الله تعالى
    العبادة: من العبودية وهي غاية الخضوع والتذلل، وإن من أسرار تشريع العبادة وعللها: الشكر لله تعالى على نعمه الكثيرة التي لا تحصى، ومواهبه العظيمة التي لا تعدّ ولا تدرك عظمتها.

    فإنه تعالى هو المنعم المطلق الذي خلق الإنسان بقدرته، ومنحه نعمة الوجود بعد أن لم يكن شيئا مذكوراً، ورزقه من النعم ما لا يعد ولا يحصى، فهو تعالى أهل لأن يعبد، وإنما يعبده الأحرار لأنه أهل للعبادة كما قال الإما م أمير المؤمنين(عليه السلام): (الهي ما عبدتك خوفاً من عقابك ولا طمعاً في ثوابك ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك)(1) وتلك هي عبادة الأحرار.
    نعم، بالعبودية لله تعالى يتحرر الإنسان من عبودية ما سوى الله، كما أن بالعبودية لله تعالى ينال الإنسان المقامات الرفيعة والجاه العظيم عند الله سبحانه، وأن مقام كل مقرب عند الله يكون بقدر عبوديته وعبادته لله تعالى.
    وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصلي الليل كله، ولقد قام (صلى الله عليه وآله وسلم) عشر سنين على أطراف أصابعه حتى تورمت قدماه و اصفر وحهه، فأنزل الله عليه: (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى)(2).
    فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (أو لا أكون عبدا شكورا)(3).
    وكان أمير المؤمنين(عليه السلام) يصلي كل يوم وليلة ألف ركعة، ولم يترك النافلة حتى في الحروب، كما روي عنه في صلواته ليلة الهرير بصفين.

    اترك تعليق:


  • 1 - المرعى الوبيل: هو الطعام الوخيم الذي يخاف وباله.
    2- تاريخ ابن عساكر 74:13، من مصوّرات مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام.

    3 - الأخبار الطوال: 253.
    4 - مرآة الزمان في تواريخ الأعيان: 89.

    اترك تعليق:


  • الإمام مع ابن سعد


    وطلب الإمام من ابن سعد الاجتماع به، فأجابه الباغي اللئيم -على كره- وعقد الإمام معه اجتماعاً مغلقاً حضره أبو الفضل العباس وعلي الأكبر، ومع ابن سعد ابنه حفص وغلام له، فقال له الإمام:
    (يا بن سعد، أتقاتلني أما تتقي الله الذي إليه معادك، فإنّي ابن من قد علمت، ألا تكون معي وتدع هؤلاء فإنّه أقرب إلى الله تعالى..).
    وألقى ابن سعد معاذيره الواهية قائلاً:
    أخاف أن تهدم داري.
    (أنا أبنيها..).
    أخاف أن تؤخذ ضيعتي.
    (أنا أخلف عليك خيراً منها..).
    إنّ لي بالكوفة عيالاً، وأخاف عليهم من القتل من ابن زياد).
    ولمّا رأى الإمام إصراره على الغيّ والعدوان، ولا ينفع معه النصح والإرشاد راح يدعو عليه قائلاً:
    ( ما لك ذبحك الله على فراشك، ولا غفر لك يوم حشرك، فوالله إنّي لأرجو أن لا تأكل من برّ العراق إلاّ يسيراً..).
    وولّى ابن سعد، وهو يقول للإمام بسخرية: إنّ في الشعير كفاية.
    واستجاب الله دعاء الإمام المظلوم في هذا الوضر الخبيث، فقد ذبحته جنود البطل العظيم المختار بن يوسف نضّر الله مثواه وهو على فراشه، وسيقت روحه الخبيثة إلى نار جهنم خالداً فيها مع أمثاله من المجرمين وأسياده الاُمويّين.
    وكانت العقيلة على علم بجميع ما يجري من الأحداث، وأيقنت أنّ أخاها سيلاقي حتفه على يد هذه العصابة المجرمة التي لم تؤمن بالله، والتي ساقتها الأطماع إلى اقتراف أفظع جريمة في الأرض.
    _________________________________________

    اترك تعليق:


  • انتخاب ابن سعد للقيادة العامة


    وانتخب الوغد الأثيم عبيد الله بن زياد عمر بن سعد قائداً عامّاً لقوّاته المسلّحة، وكان ابن سعد من أخسّ الناس ومن أرذلهم، ولا يملك أيّ رصيد من الشرف والكرامة، وكان ضعيف النفس خائر العزيمة، لقد انتخبه ابن زياد لأفظع جريمة منذ خلق الله الأرض، فقاد الجيوش لحرب ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأحاط به من كل جانب، وفرض عليه الحصار فاستولى على جميع الطرق مخافة أن يصل إليه أي إمداد من الخارج، كما عهد إلى أربعة آلاف فارس بقيادة المجرم عمرو بن الحجاج فاحتلوا نهر الفرات وجميع الشرائع والأنهر المتفرّعة منه، وقد حيل بين الإمام الحسين وبين الماء قبل قتله بثلاثة أيام(4). وقد عانت العقيلة أعظم المحن، فقد أحاطت بها الأطفال وحرائر الرسالة وهم يعجّون من ألم الظمأ، وهي تصبرّهم وتمنّيهم بوصول الماء إليهم، لقد ذاب قلبها رحمةً وحناناً على أطفال أخيها الذين ذبلت شفاههم وذوى عودهم،
    يقول أنور الجندي:
    وذئـــــاب الشــــــرور تـــــنعم بــالـماء وأهـــل الـــــنبي مــــــن غيـــــر مــاء
    يـــــا لــــظلم الأقـــــدار يـــظمأ قـــــلب الليـــــث والليــــث مــــوثـق الأعضاء
    وصغار الحسين يبكـــون في الصحراء يــــــا رب أيــــــن غــــــوث القـــضاء
    إنّ جميع الشرائع والمذاهب لا تبيح منع الماء عن الأطفال والنساء، فالناس جميعاً شركاء فيه، ولكن شريعة آل أبي سفيان التي تحكي طباع الاُسر القرشية التي أبت أن تجتمع الخلافة والنبوة في بيت واحد هي التي حرّمت الماء على آل الرسول (صلّى الله عليه وآله).

    اترك تعليق:


  • خطبة ابن مرجانة


    وحينما انتهى النبأ بنزول الإمام في كربلاء، وإحاطة الحرّ به، دعا ابن مرجانة الناس إلى الجامع الأعظم فامتلأ منهم، فقام فيها خطيباً فقال:
    إيّها الناس، إنّكم بلوتم آل أبي سفيان فوجدتموهم كما تحبّون، وهذا أمير المؤمنين يزيد قد عرفتموه، حسن السيرة، محمود الطريقة، محسناً إلى الرعية، يعطي العطاء في حقّه، وقد أمنت السبل على عهده، وكذلك كان أبوه معاوية في عصره، وهذا ابنه يزيد يكرم العباد، ويغنيهم بالأموال، وقد زادكم في أرزاقكم مائة مائة، وأمرني أن أوفّرها عليكم، واُخرجكم إلى حرب عدوّه الحسين، فاسمعوا له وأطيعوا(3).
    لقد منّاهم بالأموال التي يعبدونها من دون الله فاستجابوا له، وخرجوا كالكلاب لحرب ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وسيّد شباب أهل الجنة.

    اترك تعليق:


  • ثمّ خاطب أصحابه قائلاً:

    (أما بعد: فقد نزل بنا ما قد ترون، وأنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت، وأدبر معروفها، ولم يبق منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل(1).

    ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به، وإلى الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله، فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برماً..)(2).
    والتاعت سيدة النساء زينب حينما سمعت خطاب أخيها، وهو مصمّم على الموت فقد اعتبره سعادة، واعتبر الحياة والعيش مع الظالمين برماً.
    وحينما أنهى الإمام خطابه هبّ أصحابه وأهل بيته، وهم يعلنون الدعم الكامل له، ويهزئون بالحياة، ويسخرون من الموت من أجله، فشكرهم الإمام وأثنى عليهم.

    اترك تعليق:


  • في كربلاء
    وذاب قلب الصدِّيقة الطاهرة زينب أسى وحسرات، واستولى عليها الألم العاصف، فقد أيقنت أنّها ستشاهد في هذه الأرض مصرع أخيها وأهل بيته، وستجري عليها من النكبات والخطوب ما تذوب من هولها الجبال، وقد خلدت إلى الصبر، وسلّمت أمرها إلى الله تعالى.

    وحينما استقرّ الإمام الحسين في كربلاء جمع أهل بيته وأصحابه فألقى عليهم نظرة حنان وعطف، ورفع يديه بالدعاء يناجي ربه، ويشكو إليه ما ألمّ به من المحن والخطوب قائلاً:
    (اللّهمّ إنّا عترة نبيّك محمّد (صلّى الله عليه وآله) قد اُخرجنا وطردنا وأزعجنا عن حرم جدّنا، وتعدّت بنو اُميّة علينا، اللّهمّ فخذ لنا بحقّنا وانصرنا على القوم الظالمين).
    ثمّ أقبل على تلك الصفوة فقال لهم:
    (الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معائشهم، فإذا محّصوا بالبلاء، قلّ الديّانون..).
    وحكت هذه الكلمات الذهبية واقع الناس واتّجاهاتهم فهم في جميع مراحل التأريخ عبيد الدنيا، أمّا الدين فإنّما يجري على ألسنتهم فإذا محّصوا بالبلاء مالوا عنه وتنكّروا له.
    ثمّ خاطب أصحابه قائلاً:
    (أما بعد: فقد نزل بنا ما قد ترون، وأنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت، وأدبر معروفها، ولم يبق منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل(1).
    ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به، وإلى الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله، فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برماً..)(2).
    والتاعت سيدة النساء زينب حينما سمعت خطاب أخيها، وهو مصمّم على الموت فقد اعتبره سعادة، واعتبر الحياة والعيش مع الظالمين برماً.
    وحينما أنهى الإمام خطابه هبّ أصحابه وأهل بيته، وهم يعلنون الدعم الكامل له، ويهزئون بالحياة، ويسخرون من الموت من أجله، فشكرهم الإمام وأثنى عليهم.

    اترك تعليق:


  • اترك تعليق:

المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X