لقد كشف الإمام عمّا سيواجهه المسلمون من الأحداث المروّعة التي تعصف بالحلم وتميد بالصبر، الناجمة من الحكم المباد الذي عاث فساداً في الأرض، فقد أقام عثمان اُسرته حكّاماً وولاةً على الأقاليم الإسلامية، فاستأثروا بأموال المسلمين واحتكروها لأنفسهم، وإنهم حتماً سيقاومون كل من يريد الإصلاح الاجتماعي، فلذلك امتنع الإمام من إجابة القوم.
ثم عرض الإمام على القوات المسلحة، وعلى الصحابة وغيرهم منهجه فيما إذا ولي اُمورهم قائلاً:
(إنّي إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، وإن تركتموني فإنّما أنا كأحدكم ألا وإنّي من أسمعكم وأطوعكم لمن ولّيتموه..).
واستجاب الجميع لما عرضه الإمام عليهم قائلين: ما نحن بمفارقيك حتى نبايعك.
وأجّلهم الإمام إلى الغد لينظر في الاُمور، ولمّا أصبح الصبح هرعت الجماهير إلى الجامع الأعظم، فأقبل الإمام فاعتلى أعواد المنبر فخطب الناس، وكان من جملة خطابه:
(أيها الناس، إنّ هذا أمركم ليس لأحد فيه حقّ إلاّ من أمرتم، وقد افترقنا بالأمس، وكنت كارهاً لأمركم، فأبيتم إلاّ أن أكون عليكم ألا وإنّه ليس لي أن آخذ درهماً دونكم، فإن شئتم قعدت لكم وإلاّ فلا آخذ على أحد..).
وتعالى هتاف الجماهير بالتأييد والرضا قائلين:
نحن على ما فارقناك عليه بالأمس.
وطفق الإمام قائلاً: (اللّهمّ اشهد عليهم..).
وقد اتّجهت الناس كالموج صوب الإمام لتبايعه، وأوّل من بايعه طلحة فبايعه
بيده الشلّاء التي سرعان ما نكث بها عهد الله فتطيّر منها الإمام وقال:
(ما أخلفه أن ينكث..)(38).
اترك تعليق: