الزهراء مع أبي بكر
والتاعت بضعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من أبي بكر، فقد سدّ عليها جميع نوافذ الحياة الاقتصادية، فخرجت سلام الله عليها غضبى، فلاثت خمارها، واشتملت بجلباتها، وأقبلت في لمّة من حفدتها ونساء قومها، تطأ ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية أبيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حتى دخلت على أبي بكر وهو في جامع أبيها، وكان في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم، فنيطت دونها ملاءة فوقفت مفخرة الإسلام فأنّت أنّه أجهش لها القوم بالبكاء، وارتجّ المجلس، فأمهلتهم حتى إذا سكن نشيجهم وهدأت فورتهم افتتحت خطابها الخالد بحمد الله والثناء عليه، وانحدرت في خطابها كالسيل، فلم يُسمع أخطب ولا أبلغ منها، وحسبها أنّها بضعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الذي أفاض عليها بمكرمات نفسه، وغذّاها بحكمة وآدابه.
وتحدّثت في خطابها عن معارف الإسلام، وفلسفة تشريعاته، وعلل أحكامه، وعرضت إلى الحالة الراهنة التي كانت عليها اُمم العالم وشعوب الأرض قبل أن يشرق عليها نور الإسلام، فقد غرقت الاُمم بالجهل والانحطاط خصوصاً (الجزيرة العربية) فقد كانت في أقصى مكان من الذّل والهوان، وكانت الأكثرية الساحقة تقتاد القِدَّ، وتشرب الطَّرْقَ، وترسف في قيود الفقر والبؤس إلى أن أنقذها الله بنبيّه محمّد (صلّى الله عليه وآله)، فرفعها إلى واحات الحضارة وجعلها سادة الاُمم والشعوب، فما أعظم عائدته على العرب والمسلمين!
والتاعت بضعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من أبي بكر، فقد سدّ عليها جميع نوافذ الحياة الاقتصادية، فخرجت سلام الله عليها غضبى، فلاثت خمارها، واشتملت بجلباتها، وأقبلت في لمّة من حفدتها ونساء قومها، تطأ ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية أبيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حتى دخلت على أبي بكر وهو في جامع أبيها، وكان في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم، فنيطت دونها ملاءة فوقفت مفخرة الإسلام فأنّت أنّه أجهش لها القوم بالبكاء، وارتجّ المجلس، فأمهلتهم حتى إذا سكن نشيجهم وهدأت فورتهم افتتحت خطابها الخالد بحمد الله والثناء عليه، وانحدرت في خطابها كالسيل، فلم يُسمع أخطب ولا أبلغ منها، وحسبها أنّها بضعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الذي أفاض عليها بمكرمات نفسه، وغذّاها بحكمة وآدابه.
وتحدّثت في خطابها عن معارف الإسلام، وفلسفة تشريعاته، وعلل أحكامه، وعرضت إلى الحالة الراهنة التي كانت عليها اُمم العالم وشعوب الأرض قبل أن يشرق عليها نور الإسلام، فقد غرقت الاُمم بالجهل والانحطاط خصوصاً (الجزيرة العربية) فقد كانت في أقصى مكان من الذّل والهوان، وكانت الأكثرية الساحقة تقتاد القِدَّ، وتشرب الطَّرْقَ، وترسف في قيود الفقر والبؤس إلى أن أنقذها الله بنبيّه محمّد (صلّى الله عليه وآله)، فرفعها إلى واحات الحضارة وجعلها سادة الاُمم والشعوب، فما أعظم عائدته على العرب والمسلمين!
وعرضت سيدة نساء العالمين في خطبتها إلى فضل ابن عمّها الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، وعظيم جهاده في نصرة الإسلام، وذبّه عن حياض الدين، في حين أنّ المهاجرين من قريش بالخصوص كانوا في رفاهية من العيش وادعين آمنين، لم يكن لهم أي ضلع في نصرة القضية الإسلامية والدفاع عنها. فلم يُؤثر عن أعلامهم أنّهم قتلوا مشركاً أو برزوا ببسالة وصمود إلى مقارعة الأقران في الحروب، وإنّما كانوا ينكصون عند النزال، ويفرّون من القتال - على حدّ تعبيرها- وكانوا يتربّصون الدوائر بأهل بيت النبوة ويتوقعون بهم نزول الأحداث.
وأعربت مفخرة الإسلام في خطابها عن أسفها البالغ على ما مُنِي به المسلمون من الزيغ والانحراف والاستجابة لدواعي الهوى والغرور وذلك بإقصائهم لأهل البيت عن مركز القيادة العامة، وتنبّأت عمّا سيحلّ بهم من الكوارث والخطوب التي تدع فيئهم حصيداً، وجمعهم بديداً من جرّاء إبعادهم لأهل بيت النبوة عن مقامهم الذي نصبهم فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
ثم عرضت إلى حرمانها من إرث أبيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقالت:
(وَأَنتُم تَزْعُمُونَ أَنْ لا إِرْثَ لِي مِن أَبِي، أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ تَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَومٍ يُوقِنُونَ..وَيْهاً أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ أَاُغْلَبُ عِلى تُرَاثَ أَبِي..).
ثم وجهت خطابها إلى أبي بكر
يَا بْنَ أبي قُحَافَةَ!! أَفِي كِتَابِ اللهِ أَن تَرِبَ أَبَاكَ وَلاَ أَرِثُ أَبِي؟ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً فَرِيّاً. أَفَعَلى عَمْدٍ تَرَكْتُمْ كِتَابَ اللهِ وَنَبَذْتُمُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ إِذْ يَقُولُ: (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ دَاوُدَ).

وَقَال فِيمَا اقْتَصَّ مِنْ خَبَرِ يَحْيى بن زَكَرِيّا، إِذْ يَقُولُ: 0فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَليّاً* يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً).
وَقَالَ: (وَاُولُوا الأَرحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىَ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ).
وَقَالَ: (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُم لِلْذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ).
وَقالَ: (إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالمَعْرُوفِ حَقاً عَلَى المُتَّقِينَ).
وَزَعَمْتُمْ أَنْ لاَ حَظْوَةَ لِي وَلاَ إِرْثُ مِنْ أَبِي، وَلاَ رَحِمَ بَيْنَنَا أَفَخَصَّكُمُ اللهُ بآيَةٍ أَخْرَجَ مِنْهَا أَبِي؟
أَمْ تَقُولُونَ: إِنَّ أَهْلَ مِلَّتَيْنِ لاَ يَتَوَارَثَانِ، أَوَ لَسْتُ أَنَا وَأَبِي مِنْ أَهْلِ مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ؟ أَمْ أَنْتُم أَعْلَمُ بِخُصوصِ الْقُرْآنِ وَعُمُومِهِ مِنْ أَبِي وَابْنِ عَمِّي؟).
وبعدما ما أدلت بهذه الحجج الدامغة المدعمة بآيات من القرآن الكريم التي فنّدت فيها مزاعم أبي بكر من أنّ الأنبياء لا يورثون، ثم التفتت إليه فوجّهت إليه هذه الكلمات اللاذعة قائلةً:
فدُونَكها مَرْحُولَةً مَزْمُومَة تَكُونُ مَعَكَ فِي قَبْرِكَ، وَتَلْقَاكَ يَومَ حَشْرِكَ، فَنِعْمَ الْحَكَمُ اللهُ، وَنِعْمَ الزَّعِيمُ مُحَمَّدُ، وَالمَوعِدُ الْقِيَامَةُ، وَعِنْدَ السَّاعَةِ يَخْسَرُ الْمُبْطلُونَ، ولِكُلِّ نَبأٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ، (مَن يَأتيهِ عَذَابُ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابُ مُقِيمُ).
ثم اتّجهت نحو فتيان المسلمين تستنهض هممهم، وتوقظ عزائمهم للمطالبة بحقها والثورة على الحكم القائم، قائلة:
(يَا مَعْشَرَ النَّقيبَةِ، وَأَعْضَادَ المِلَّةِ، وَحَضَنَةَ اٌلإِسْلاَمِ، مَا هذِهِ الْغَمِيزَةُ فِي حَقِّي وَالسِّنَةُ عَنْ ظُلاَمَتِي؟ أَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلّى الله عليه وآله): (الْمَرءُ يُحْفَظُ فِي وُلْدِهِ)؟ لَسَرْعَانَ مَا أَحْدَثْتُم! وعَجْلاَنَ ذَا إهالَةً!
أَتَقُولُونَ: مَاتَ مُحمَّدُ؟ لًعَمْرِي، خَطبُ جَليلُ، إِسْتَوْسَعَ وَهْبُةُ، وَاسْتَنْهَرُ فَتْقُهُ، وَفُقِدَ رَاتِقُهُ، وَأَظْلَمتِ الأَرْضُ لِغَيبَتِهِ، واكْتأَبَتْ خِيرَةُ اللهِ لمُصِيبَتِهِ، وَخشَعَتِ الْجِبَالُ، وَأَكْدَتِ الآمَالُ، واُضِيعَ الْحَرِيمُ، وَأُزِيلَتِ الْحُرْمَةُ، فَتلك نَازِلَةُ أَعْلَنَ بِهَا كِتَابُ اللهِ فِي أَفْنِيَتِكُمْ، مُمْساكُمْ وَمُصْبِحِكُمْ، هِتافاَ هِتافاً: (وَمَا مُحَمَّدُ إِلَّا رَسُولُ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرُّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ).
وأخذت سيّدة النساء تحفّز الأنصار، وتذكّرهم بجهادهم المشرق في نصرة الإسلام وحماية مبادئه وأهدافه وكفاحهم لأعدائه القرشيّين، طالبة منهم الثورة ضد الحكم القائم وإرجاع الحق إلى عترة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قائلة:
(أَيهاً بَنِي قِيلَةَ(9) أَأُهْضَمُ تُرَاثَ أَبِي وَأَنْتُمْ بِمَرْأى مِنِّي وَمَسْمَعٍ وَمُنْتَدى وَمَجْمَعٍ، تَلْبَسُكُمُ الدَّعْوَةُ، وَتَشْمَلُكُمُ الْخُبْرَةُ، وَأَنْتُمْ ذَوُو الْعُدَّةِ وَالْعَدَدِ وَالأَدَاةِ وَالْقُوَةِ، وَعِنْدَكُمُ السِّلاَحُ وَالْجُنَّةُ(10).تُوافِيكُمُ الدَّعْوَةُ فَلاَ تُجِيبُونَ، وَتَأتِيكُمُ الصَّرخَةُ فَلاَ تُغِيثُونَ وَأَنتُمْ مَوصُوفُون بِالكِفاحِ، مَعْرُوفُونَ بِالخَيْرِ وَالصَّلاَحِ، وِالنُّخْبَةُ الَّتِي انتُخِبَتْ، وَالْخِيَرَةُ الَّتِي اخْتِيرتْ لَنَا - أهل البيت - قَاتَلتُمُ اَلَعَرَبَ، وَتَحَمَّلْتُمُ الْكَدَّ وَالتَّعَبَ، وَنَاطَحْتُمُ الأُمَمَ، وَكَافَحتُمُ البُهَمَ، فَلاَ نَبْرَحُ أَوْ تَبْرَحُونَ، نَأْمُرُكُم فَتَأْتَمِرُونَ، حَتّى إِذَا دَارَتْ بِنَا رَحَى الإِسْلامِ، وَدَرَّ حَلَبُ الأَيَّامِ، وَخَضَعَتْ نُعرَةُ الشِّركِ، وَسَكَنَت فَوْرَةُ الإِفْكِ، وَخَمَدَتْ نِيرَانُ الْكُفْرِ، وَهَدَأَتْ دَعْوَةُ الْهَرَجِ، وَاسْتَوْسَقَ نِظَامُ الدِّينِ، فَأَنْى جرْتُمْ(11)بَعْدَ الْبَيَانِ، وَأَسْرَرتُمْ بَعْدَ الإِعْلاَنِ، وَنَكصْتُمْ بَعْدَ الإقْدَامِ، وَأَشرَكْتُمْ بَعْدَ الإِيمَانِ، بُؤسَاً لِقَوْمٍ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَونَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
ولما رأت وهن الأنصار وتخاذلهم عن إجابة الحق، وجّهت لهم أعنف القول وأشد العتب قائلة لهم:
(ألا وَقَدْ قُلْتُ هذَا عَلى مَعْرِفَةٍ مِنِّي بِالْجِذْلَةِ الَّتِي خَامَرْتُكُمْ، وَالْغَدْرَةِ الَّتِي اسْتَشْعَرَتْهَا قُلُوبُكُمْ، وَلكِنَّهَا فَيْضَةُ النَّفْسِ، وَبَثَّةُ الصَّدْرِ، وَنَفْثَةُ الَغَيْظِ، وَتَقْدِمَةُ الْحُجَّةِ، فَدُونَكُمُوهَا فَاحْتَقِبُوهَا دَبِرَةَ الظَّهْرِ، نَقِبَةَ الْخُفِّ، بَاقِيَةَ الْعَارِ، مَوْسُومَةً بِغَضَبِ اللهِ، وَشَنَارِ الْأَبَدِ، مَوْصُولَةً بـ(نَارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ إِنَّهَا عَلَيْهِم مُؤْصَدَةَ) عَيْنِ اللهِ مَا تَفْعَلُونَ (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)).
وَأَنَا إِبْنَةُ نّذِيرٍ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابُ شَدِيدُ، فَاعْمَلُوا إِنَّا عَامِلُونَ، (وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ)(12).
اترك تعليق: