لوعة الزهراء
ونخب الحزن قلب بضعة الرسول، وبرح بها الألم القاسي وذهبت نفسها شعاعاً حينماً علمت أن أباها مفارق لهذه الحياة، فقد جلست إلى جانبه وهي مذهولة كأنها تعاني آلام الاحتضار وسمعته يقول:
(وا كرباه..).
ونخب الحزن قلب بضعة الرسول، وبرح بها الألم القاسي وذهبت نفسها شعاعاً حينماً علمت أن أباها مفارق لهذه الحياة، فقد جلست إلى جانبه وهي مذهولة كأنها تعاني آلام الاحتضار وسمعته يقول:
(وا كرباه..).
فأسرعت وهي تجهش بالبكاء قائلة:
(وا كربي لكربك يا أبتي..).
وأشفق الرسول (صلّى الله عليه وآله) على بضعته، فقال لها مسلّياً: (لا كرب على أبيك بعد اليوم..)(28).
وهامت زهراء الرسول في تيارات مروعة من الأسى والحزن فقد أيقنت أنّ أباها سيفارقها، وأراد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أن يسلّبها ويخفّف لوعة مصابها فأسرّ إليها بحديثٍ، فلم تملك نفسها أن غامت عيناها بالدموع، ثم أسرّ إليها ثانياً، فقابلته ببسمات فيّاضة بالبشر والسرور، فعجبت عائشة من ذلك وراحت تقول:
ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن..
وأسرعت عائشة فسألت زهراء الرسول عما أسرّ إليها أبوها، فأشاحت بوجهها الكريم عنها وأبت أن تخبرها، ولكنها أخبرت بعض السيّدات بذلك، فقالت: (أخبرني أنّ جبرئيل كان يعارضني بالقرآن في كلّ سنة مرّة, وأنّه عارضني في هذا العام به مرتين، ولا أراه إلّا قد حضر أجلي..).
وكان هذا هو السبب في لوعتها وبكائها، أمّا سبب سرورها وابتهاجها، فقالت: (أخبرني أنّكِ أوّل أهل بيتي لحوقاً بي، ونِعْمَ السلف أنا لك، ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء هذه الاُمّة..)(29).
ونظر إليها النبي (صلّى الله عليه وآله) وهي خائرة القوى، منهدة الركن، فأخذ يخفّف عنها لوعة المصاب، قائلاً: (يا بنية لا تبكي، وإذا متّ فقولي: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، فإنّ فيها من كل ميّت معوضة..).
وأجهشت بضعة الرسول بالبكاء قائلةً: (ومنك يا رسول الله...).
(نعم ومنّي...)(30).
واشتدّ المرض برسول الله (صلّى الله عليه وآله) والزهراء إلى جانبه وهي تبكي وتقول لأبيها:
(يا أبت، أنت كما قال القائل فيك:
وأبيــــــض يستسقى الغمام بوجهه ثــــمال اليــتامى، عصمة الأرامل)
فقال لها رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (هذا قول عمّك أبي طالب، وتلا قوله تعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئأً وسيجزي الله الشاكرين)(31).
وتقطّع قلب زهراء الرسول ألماً وحزناً على أبيها، فانكبّت عليه ومعها الحسنان، فألصقت صدرها بصدره وهي غارقة في البكاء، فأجهش النبي بالبكاء، وهو يقول:
(اللّهمّ أهل بيتي، وأنا مستودعهم كل مؤمن..).
وجعل يردّد ذلك ثلاث مرات حسبما يرويه أنس بن مالك(32).
أمّا حفيدة الرسول زينب، فقد شاركت اُمّها في لوعتها وأحزانها، وقد ذابت نفسها حزناً وموجدة على اُمّها التي هامت في تيارات مذهلة من الأسى والشجون على أبيها الذي هو عندها أعزّ من الحياة.
اترك تعليق: