إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رائــــــــــــ زينب الكبــــــــــرى دة الجهـــــــ وبطلـــــــه كرـبلاء ـــــــاد

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عناصرها النفسية

    وما من صفةٍ كريمةٍ أو نزعةٍ شريفةٍ يفتخر بها الإنسان، ويسمو بها على غيره من الكائنات الحية إلاّ وهي من عناصر عقيلة بني هاشم، وسيدة النساء زينب (عليها السّلام)، فقد تحلّت بجميع الفضائل التي وهبها الله تعالى لجدّها الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله)، وأبيها الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، واُمّها سيدة نساء العالمين (عليها السّلام)، وأخويها الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة وريحانتي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقد ورثت خصائصهم، وحكت مميزاتهم، وشابهتهم في سموّ ذاتهم ومكارم أخلاقهم.

    لقد كانت حفيدة الرسول بحكم مواريثها وخصائصها أعظم وأجلّ سيدة في دنيا الإسلام، فقد أقامت صروح العدل، وشيّدت معالم الحق، وأبرزت قيم الإسلام ومبادئه على حقيقتها النازلة من ربّ العالمين، فقد جاهدت هي واُمّها زهراء الرسول كأعظم ما يكون الجهاد، ووقفتا بصلابة لا يعرف لها مثيل أمام التيارات الحزبية التي حاولت بجميع ما تملك من وسائل القوة أن تلقي الستار على قادة الاُمّة وهداتها الواقعيين، الذين أقامهم الرسول (صلّى الله عليه وآله) أعلاماً لاُمّته، وخزنة لحكمته وعلومه، فقد أظهرت زهراء الرسول بقوة وصلابة عن حقّ سيّد العترة الإمام أمير المؤمنين، رائد العدالة الاجتماعية في الإسلام، فناهضت حكومة أبي بكر في خطابها التأريخي الخالد، وسائر مواقفها المشرّفة التي وضعت فيها الأساس المشرق لمبادئ شيعة أهل البيت، فهي المؤسِّسة الاُولى بعد أبيها (صلّى الله عليه وآله) لمذهب أهل البيت(عليهم السّلام)، وكذلك وقفت ابنتها العقلية أمام الحكم الاُموي الأسود الذي استهدف قلع الإسلام من جذوره ومحو سطوره، وإقصاء أهل البيت(عليهم السّلام) عن واقعهم الاجتماعي والسياسي، وإبعادهم عن المجتمع الإسلامي، فوقفت حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) مع أخيها أبي الأحرار في خندق واحد، فحطّم أخوها بشهادته وهي بخطبها في أروقة بلاط الحكم الاُموي، ذلك الكابوس المظلم الذي كان جاثماً على رقاب المسلمين.
    وعلى أي حال، فإنا نعرض بصورة موجزة لبعض العناصر النفسية لحفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله)، وما تتمتّع به من القابليات الفذة، التي جعلتها في طليعة نساء المسلمين، وفيما يلي ذلك:

    اترك تعليق:


  • مصرع أبي الفضل


    وكان أبو الفضل العباس من أحبّ الناس وأخلصهم للإمام الحسين(عليه السّلام) فقد ربّاه وغذّاه بمكارم أخلاقه ومحاسن صفاته، وعلّمه أحكام الدّين حتى صار من أفاضل العلماء، وكان ملازماً لأخيه في حلّه وترحاله، وواساه في أقسى المحن والخطوب، وكانت اخوته لأبي عبد الله مضرب المثل عند جميع الناس، وكانت أسارير النور بادية على وجهه الكريم حتى لقّب بقمر بني هاشم، وكان من الأبطال البارزين في الإسلام، فكان إذا ركب الفرس المطهّم تخطّان رجلاه في الأرض، وقد أسند إليه الإمام الحسين(عليه السّلام) يوم الطفّ قيادة جيشه ودفع إليه رايته.


    وكان أبو الفضل هو المتعهّد لرعاية الصدّيقة سيّدة النساء زينب (عليها السّلام)، وقد احتلّ قلبها، فكانت تكنّ له أعمق الودّ والولاء.

    اترك تعليق:


  • مصارع آل البيت


    وبزرت الفتية من آل الرسول (صلّى الله عليه وآله) وهي تذرف الدموع على وحدة سيّدهم أبي الأحرار، وكان من بينهم القاسم بن الحسن، وكان كالقمر في بهائه وجماله وقد ربّاه عمّه وغذاه بمواهبه وآدابه، وأفرغ عليه أشعة من روحه حتى صار صورة عنه، وكان أحبّ إليه من أبناء إخوته وأعمامه وكان القاسم يتطلّع إلى محنة عمّه، وينظر إلى جيوش الكفر قد أحاطت به وقد ذابت به وقد ذابت نفسه أسىً وحسرات، وجعل يردد:


    لا يقتل عمّي وأنا أنظر إليه(23).
    واندفع بلهفة نحو عمّه يطلب منه الإذن ليكون فداءً له، فاعتنقه عمّه وعيناه تفيضان دموعاً، وجعل القاسم يقبّل يديه طالباً منه الإذن، فسمح له بعد إلحاحه وترجّيه، وبرز القاسم إلى حومة الحرب وهو بشوق عارم إلى الشهادة، ولم يضف على جسده لامة الحرب، وإنّما صحب معه سيفه، والتحم مع اُولئك القرود، فجعل يحصد رؤوسهم بسيفه، وبينما هو يقاتل إذ انقطع شسع نعله، فأنف سليل النبوة أن تكون أحد رجليه بلا نعل فوقف يشدّه متحدّياً تلك الوحوش الكاسرة التي لا تساوي نعله، واغتنم هذه الفرصة الوغد الخبيث عمرو بن سعد الأزدي، فقال: والله لأشدن عليه، فأنكر عليه حميد بن مسلم، وقال له:
    سبحان الله! وما تريد بذلك يكفيك هؤلاء القوم الذين ما يبقون على أحد منهم. فلم يعنِ به، وشدّ الخبيث عليه فعلاه بالسيف على رأسه الشريف، فهوى الفتى على الأرض صريعاً كما تهوي النجوم ونادى رافعاً صوته: يا عمّاه.
    وذاب قلب الإمام، وأسرع إليه فعمد إلى القاتل الأثيم فضربه بالسيف فاتّقاها بساعده فقطعها من المرفق وطرحه أرضاً، فحملت خيل أهل الكوفة لاستنقاذه إلّا أنّه هلك تحت حوافرها، وانعطف الإمام نحو ابن أخيه فجعل يقبّله، والفتى يفحص بيديه ورجليه، وهو يعاني آلام الاحتضار فخاطبه الإمام:
    (بُعداً لقوم قتلوك، ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدّك.. عزّ والله على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك فلا ينفعك صوته، والله هذا يوم كثر واتره، وقلّ ناصره..).
    وحمله الإمام والفتى يفحص برجليه كالطير المذبوح(24) وجاء به فألقاه بجوار ولده علي الأكبر وسائر الشهداء من أهل البيت، وأخذ يطيل النظر إليهم، وجعل يدعو على السفكة المجرمين قائلاً:
    (اللّهمّ أحصهم عدداً، ولا تغادر منهم أحداً، ولا تغفر لهم أبداً، صبراً يا بني عمومتي، صبراً يا أهل بيتي، لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم أبداً..).
    وكل هذه المناظر المفجعة التي تميد بالصبر وتعصف كانت بمرأى من عقيلة بني هاشم، فكانت تستقبل في كل لحظة فتى من الاُسرة النبوية، وهو مضرّج بدمائه، لها الله ولأخيها على هذه الرزايا التي تميد من هولها الجبال.

    اترك تعليق:


  • وأخذ لسانه فمصّه ليريه شدّة عطشه فكان كشقّة مبرد من شدّة العطش، يقول الحجّة الشيخ عبد الحسين صادق في رائعته:

    يشــــكو لخير أب ظمأه وما اشتكى ظمأ الحشا إلاّ إلى الظامي الصدي
    كل حـــشاشتـــــه كصـــالية الغضـا ولسانه ظــــــمأ كشـــــقة مـــــبـرد
    فــــانصاع يــــؤثره علــــيه بريقـه لــــو كـــــان ثــــمة ريقه لم يجمـد
    لقد كان هذا المنظر الرهيب لعليّ الأكبر من أفجع وأقسى ما رزئ به ابو الأحرار، فقد رأى ولده الذي هو من أنبل واشرف ما خلق الله، وهو في غضارة العمر وريعان الشباب قد أشرف على الهلاك من شدة العطش، وهو لم يستطع أن يسعفه بجرعة ماء ليروي عطشه.
    وقفل فخر الإسلام عليّ الأكبر راجعاً إلى حومة الحرب، قد فتكت الجراح بجسمه، وفتّت العطش فؤاده، وجعل يقاتل كأشدّ ما يكون القتال وأعنفه حتى ضجّ العسكر من كثرة ما قتل منهم، ولمّا رأى ذلك الوضر الخبيث مرّة بن منقذ العبدي قال: عليَّ آثام العرب إن لم أثكل أباه، وأسرع الخبيث الدنس إلى شبيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فطعنه بالرمح في ظهره وضربه ضربة منكرة على رأسه، ففلق هامته، واعتنق فرسه يظنّ أنّه يرجعه إلى أبيه إلّا أنّ الفرس حمله إلى معسكر الأعداء فأحاطوا به من كل جانب، ومزّقوا جسده الشريف بالسيوف، ونادى فخر هاشم ومجد عدنان رافعاً صوته: (عليك منّي السلام أبا عبد الله، هذا جدّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد سقاني بكأسه شربة لا أظمأ بعدها أبداً، وهو يقول: إنً لك كأساً مذخورة..).
    وحمل الأثير هذه الكلمات إلى أبيه الثاكل الحزين فقطعت قلبه ومزّقت أحشاءه، ففزع إليه وهو خائر القوى منهدّ الركن، فانكب عليه فوضع خدّه على خدّه، وهو جثة هامدة قد قطعت شلوه السيوف إرباً إرباً، وأخذ الإمام يذرف أحرّ الدموع على ولده الذي لا يشابهه أحد في كمال فضله، وجعل يلفظ شظايا قلبه بهذه الكلمات:
    (قتل الله قوماً قتلوك يا بني، ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة الرسول، على الدنيا بعدك العفا..)(22).
    وما كاد الخبر يبلغ الخيام حتى هرعت حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) زينب من خدرها، وكان ذلك أوّل ما خرجت إلى المعركة فأكبت بنفسها على ابن أخيها الذي كان أعزّ ما عندها من أبنائها وجعلت تضمّخه بدموعها، وقد انهارت قواها، وانبرى إليها الإمام وجعل يعزّيها بمصابها الأليم، وهو يردّد هذه الكلمات: (على الدنيا بعدك العفا).
    وأخذ الإمام بيد اُخته وردّها إلى الفسطاط، وأمر فتيانه بحمل ولده إلى الفسطاط.
    لقد كان علي بن الحسين الرائد والزعيم لكل حرّ شريف مات أبياً على الضيم في دنيا الإباء، فسلام الله عليه غادية ورائحة ونودعه بالأسى والحزن، ونردّد كلمات ابيه: (على الدنيا بعدك العفا..).

    اترك تعليق:


  • مصارع أهل البيت


    وبعدما نالت الشهادة الصفوة الطاهرة من أصحاب الإمام هبّ أبناء الاُسرة النبوية شباباً وأطفالاً إلى التضحية والفداء، فكانوا كالليوث وكالصاعقة على جيوش الكفر والضلال، وأخذ بعضهم يودّع البعض الآخر، وهم يذرفون الدموع على وحدة سيّدهم أبي الأحرار حيث يرونه وحيداً قد أحاطت به من كل جانب جيوش الاُمويّين ليتقرّبوا بقتله إلى ابن مرجانة، وفي طليعة الذين استشهدوا من آل البيت(عليهم السّلام):

    عليّ الأكبر


    وكان عليّ الأكبر شبيه جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في ملامحه وفي أخلاقه التي امتاز بها على سائر النبيّين، وكانت الاُسرة النبوية والصحابة إذا اشتاقوا إلى رؤية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) نظروا إلى وجه عليّ الأكبر، وكان دنيا من الفضائل والمواهب والعبقريات، فقد تسلّح بكل فضيلة وأدب، وكان أعزّ أبناء الإمام الحسين لعمّته العقيلة وسائر بني عمومته وأعمامه، وهو أوّل هاشمي اندفع بحماس بالغ إلى الحرب، وكان عمره الشريف ثماني عشر سنة(20)، وقد وقف أمام أبيه طالباً منه الرخصة لمناجزة أعداء الله، فلمّا رآه الإمام ذابت نفسه أسى وحسرات، وأشرف على الاحتضار فقد رأي فلذة كبده قد ساق نفسه إلى الموت، فرفع الإمام شيبته الكريمة نحو السماء، وهو يقول بنبرات قد لفظ فيها شظايا قلبه:

    (اللَّهُمَّ اشهد على هؤلاء القوم، فقد برز إليهم غلام أشْبَهُ الناس برسولك محمَّد (صلّى الله عليه وآله) خَلقاً وَخُلقاً ومنطقاً، وكنَّا إذا اشتقنا إلى رؤية نبيِّك نظرنا إليه.. أللَّهُمَّ امنعهم بركات الأرض، وفرّقهم تفريقاً، ومزّقهم تمزيقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترضي الولاة عنهم أبداً، وفإنّهم دعونا لينصرونا ثمّ عدوا علينا يقاتلوننا..).
    والتفت الإمام إلى المجرم الأثيم عمر بن سعد عبد ابن مرجانة، فصاح به:
    (ما لك قطع الله رحمك، ولا بارك لك في أمرك، وسلّط عليك من يذبحك بعدي على فراشك، كما قطعت رحمي، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وتلا قوله تعالى: (إِنَّ اللهَ اصْطَفَىَ آدمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِين ذرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍِ وَاللهُ سَميعُ عَلِيمُ) ).
    وشيّع الإمام ولده بدموع مشفوعة بالأسى والحزن، وخلفه عمّته العقيلة وسائر عقائل الوحي، وقد علا منهن الصراخ والعويل على شبيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
    وانطلق فخر هاشم إلى ساحة الحرب، وقد امتلئ قلبه حزماً وعزماً، ووجهه الشريف يتألق نوراً، فقد حكى بهيبته هيبة جدّه رسوله الله (صلّى الله عليه وآله)، وبشجاعته شجاعة جدّه الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، وتوسط حراب الأعداء وسيوفهم وهو يرتجز قائلاً:
    أنـــــا عـــــلي بن الحسين بن علي نحـــــن وربّ البيـــت أولى بالنبي
    تـــالله لا يحــــــكم فيــنا ابن الدعي
    ‌‌‌أنت يا شرف هذه الاُمة أوْلى بالنبيّ وأحق بمقامه من هؤلاء الأدعياء الذين سلّطتهم عليكم الطغمة الحاكمة من قريش التي أبت أن تجتمع الخلافة والنبوة فيكم.
    والتحم عليّ الأكبر مع أعداء الله، وقد ملأ قلوبهم خوفاً ورعباً، وأبدى من البسالة والشجاعة ما يقصر عنه كل وصف، فقد ذكّرهم ببطولات جدّه الإمام أمير المؤمنين، ومحطّم أوثان القرشيّين، وقد قتل مائة وعشرين فارساً(21) سوى المجروحين، وألحّ عليه العطش وأضرّ به، فقفل راجعاً إلى أبيه يشكو ظمأه القاتل قائلاً:
    (يا أبتِ، العطش قد قتلني، وثقل الحديد قد أجهدني، فهل إليَّ شربه ماء من سبيل أتقوى بها على الأعداء؟).
    والتاع الإمام، فقال له بصوت خافت، وعيناه تفيضان دموعاً:
    (واغوثاه ما أسرع الملتقى بجدّك فيسقيك بكأسه شربة لا تظمأ بعدها أبدأ).

    اترك تعليق:


  • مصارع أصحاب الإمام


    وشنّت قوات ابن سعد هجوماً عاماً وعنيفاً على أصحاب الإمام وخاضوا معهم معركة رهيبة، وقد ثبت لهم أصحاب الإمام، فهزموا جموعهم بقلوب أقوى من الحديد، وأنزلوا بهم أفدح الخسائر، وقد استشهد في هذه الحملة نصف اصحاب الإمام، ثم بدأت بعد ذلك المبارزة بين العسكرين، فكان الرجل من أصحاب الإمام يبرز ويقاتل ثمّ يُقتل، وهكذا حتى فنوا عن آخرهم، وقد أبلوا في المعركة بلاءً يقصر عنه كل وصف وإطراء، فقد خاضوا تلك المعركة الرهيبة، ولم تضعف لأي رجل منهم عزيمة ولم تلن لهم قناة، وقد سمت أرواحهم الطاهرة إلى الرفيق الأعلى وهي أنضر ما تكون تفانياً في مرضاة الله تعالى وطاعته، وأنّ أعطر ما نقدّمه لهم من تحية كلمات الإمام الصادق عملاق الفكر الإسلامي، في حقّهم قال مخاطباً لهم:


    (بأبي أنتم واُمّي، طبتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم، وفزتم فوزاً عظيماً).

    اترك تعليق:


  • الحرب


    وارتبك ابن سعد من التحاق الحر بالإمام، وخاف أن يحصل التمرّد في جيشه، فزحف الباغي الأثيم نحو معسكر الحسين، وأخذ سهماً فأطلقه صوب الإمام، وقد رفع صوته قائلاً:


    اشهدوا لي عند الأمير أنّي أول من رمى الحسين.
    وفتح ابن سعد من السهم الذي اطلقه باب الحرب، وطلب من الجيش أن يشهدوا له عند سيّده ابن مرجانة بأنّه أوّل من رمى معسكر ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وتتابعت السهام كأنّها المطر على معسكر الإمام الحسين، فلم يبق أحد منهم إلاَ أصابة سهم، فالتفت الإمام إلى أصحابه قائلاً:
    (قوموا يا كرام فهذه رسل القوم إليكم..).
    وتقدّمت طلائع الحق من أصحاب أبي الأحرار إلى ساحة الشرف والمجد وهي تعلن ولاءها للإسلام، وتفانيها في الذبّ عن إمام المسلمين وسيّد شباب أهل الجنة، وبذلك بدأت المعركة واحتدم القتال كأشدّه وأعنفه.
    ومن المقطوع به أنّه لم تكن مثل تلك المعركة في جميع الحروب التي جرت في الأرض، فقد تقابل اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً مع عشرات الألوف، وقد أبدى أصحاب الإمام من الشجاعة والبسالة ما يبهر العقول ويحيّر الألباب.

    اترك تعليق:


  • استجابة الحرّ


    واستيقظ ضمير الحرّ حينما سمع خطاب الإمام، وجعل يتأمّل ويفكّر في مصيره، وأنّه لا محالة يصير إلى النار خالداً فيها، واختار الدار الآخرة والالتحاق بآل النبيّ، وقبل أن يتوجّه إلى الإمام الحسين أسرع نحو ابن سعد فقال له:


    أمقاتل أنت هذا الرجل؟
    فأجابه بلا تردد ليظهر أمام قادة الفرق إخلاصه لسيّده ابن مرجانة قائلاً:
    إي والله قتالاً أيسره أن تسقط فيه الرؤوس وتطيح الأيدي.
    فقال له الحرّ برنّة المستريب:
    أفما لكم في واحدة من الخصال التي عرضها عليكم رضاً؟
    فأجابه ابن سعد:
    لو كان الأمر لي لفعلت، ولكن أميرك أبى ذلك.
    وأيقن الحرّ أنّ القوم مصمّمون على حرب ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فمضى يشقّ الصفوف، وقد سرت الرعدة بأوصاله، فأنكر عليه ذلك المهاجرين أوس، وهو من شرطة ابن زياد فقال له:
    والله إنّ أمرك لمريب، والله ما رأيت منك في موقف قطّ مثل ما أراه الآن، ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك.
    وكشف له الحرّ عن عزمه فقال له:
    إنّي والله أخيّر نفسي بين الجنة والنار، ولا أختار على الجنة شيئاً ولو قطّعت واُحرقت.
    ولوى بعنان فرسه صوب الإمام(18)، وهو مطرق برأسه إلى الأرض حياءً وندماً على ما فرّط في حقّ الإمام، ولمّا دنا منه رفع صوته قائلاً:
    اللّهم إليك اُنيب، فقد أرعبت قلوب اُوليائك وأولاد نبيّك.. يا أبا عبد الله، إنّي تائب فهل لي من توبة؟
    ونزل عن فرسه، ووقف قبال الإمام، ودموعه تتبلور على سحنات وجهه قائلاً:
    جعلني الله فداك يا بن رسول الله، أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع، وجعجعت بك في هذا المكان، ووالله الذي لا إله إلاّ هو ما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضت عليهم أبداً، ولا يبلغون منك هذه المنزلة أبداً، فقلت في نفسي: لا اُبالي أن اُطيع القوم في بعض أمرهم، ولا يرون أنّي خرجت من طاعتهم، وأمّا هم فيقبلون بعض ما تدعوهم إليه، ووالله لو ظننت أنّهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك، وإنّي قد جئتك تائباً ممّا كان منّي إلى ربّي، مواسياّ لك بنفسي حتى أموت بين يديك، أفترى لي توبة؟
    واستبشر به الإمام، ومنحه الرضا والعفو، وقال له:
    (نعم يتوب الله عليك ويغفر..)(19).
    وانطلق الحرّ بعد أن منحه الإمام العفو وقبل توبته، فخطب في أهل الكوفة ودعاهم إلى التوبة، ونُغّب عليهم حصارهم للإمام، ومنعه مع أهل بيته وأصحابه عن ماء الفرات الذي هو حق مشاع للجميع، ولم يستجيبوا له، ورموه بالنبال.

    اترك تعليق:


  • ورفع يديه بالدعاء على اُولئك السفكة المجرمين قائلاً:
    أَللَّهُمَّ احْبِسْ عَنْهُمْ قَطَرَ السَّمَاءِ، وَابْعَثْ عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنَيْ يُوسُفَ، وَسَلِّطْ عَلَيْهِمْ غُلاَمَ ثَقِيفٍ يَسُومُهُم كَأُساً مُصْبَرَةً، فَإِنَّهُمْ كَذَّبُونَا وَخَذَلُونَا، وَأَنْتَ رَبُّنَاعَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِليْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيكَ الْمَصِيرُ)(17).
    لقد انفجر أبو الأحرار في خطابه كالبركان، وأبدى من صلابة العزم وعزّة النفس ما لم يشاهد مثله، فقد استهان بالموت، ولا يخضع لاُولئك الأقزام الذين سوّدوا وجه التأريخ، وكانوا سؤة عار لمجتمعهم.

    اترك تعليق:


  • خطاب الإمام الحسين (عليه السلام)


    ولمّا تهيّأت عساكر ابن سعد لحرب الإمام(عليه السّلام) رأى من الواجب أن يعظهم، ويرشدهم حتى يكونوا على بصيرة من أمرهم، فخطب فيهم خطاباً مؤثراً، وقد نشر كتاب الله العظيم، واعتمّ بعمامة جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ولبس لامته، فقال لهم:


    (تَبّاً لَكُمُ أَيَّتُهَا الجمَاعَةُ وَتَرْحاً حِينَ إِستَصْرَ خُتُمُونَا وَالِهِينَ فَأَصْرَ خْنَاكُمْ مُوجِفِينَ(10)
    ، سَلَلْتُمْ عَلَيْنَا سَيْفاً لَنا فِي ايمَانِكُمْ، وَحَشَشْتُمْ(11)
    عَلَينَا نَاراً إِقْتَدَحْنَاهَا عَلىَ عَدُوِّنَا وَعَدُوِّكُمْ، فَأَصْبَحْتُمْ أُلبّاً(12)
    لأَعْدَائِكمْ عَلى أَوْلِيَائِكُمْ بِغَيْرِ عَدْلٍ أَفْشَوْهُ فِيكُمُ وَ لاَ أَملٍ أَصْبَحَ لَكُمْ فِيهِمْ.


    مَهلاً - لَكُمُ الْوَيْلاَتُ - تَرَكْتُمُونَا وَالسَّيْفُ مِشيَمُ(13)
    . وَالْجأشُ طَامِنُ وَالرَّأي لَمَّا يَسَتَحْصـــِفُ، وَلَـــكنْ أَسرَعْـــتُم إِلَيهـــَا كَطَيْرَةِ الدِّبَا(14)
    ، وَتَدَاعَيْتُمْ إِلَيْهَا كَتَهَافَتِ الْفَرَاِش.


    فَسُحْقاً لَكُمْ يَا عَبِيدَ الأُمَّةِ، وَشِذَاذ الأَحزَابِ، وَنَبذَةَ الكِتَابِ، ومُحَرِّفِي الْكَلِمَ، وَعَصَبَةَ الآثَامِ، وَنفَثَةَ الشَّيطَانِ، وَمُطْفِئِ السُّنَنِ.
    أَهَؤُلاءِ تَعضُدُونَ، وَعَنَّا تتَخَاذلُونَ؟! أَجَلْ وَاللهِ غَدرُ فِيكُمُ قَدِيمُ وَشجَتْ إِليْهِ أُصُولُكُم وَتأَزَّرَتْ(15).
    عَلَيهِ فُروعُكمْ، فَكُنْتُمْ أَخبَثَ شَجِرٍ شَجاً للِنَّاظرِ وَأُكلَةُ للْغَاصِبِ.


    أَلا وَأنَّ الدَّعِيْ ابْنَ الَّدعي قَد رَكَزَ بَيْنَ اثنتَيْنِ: بَيْنَ السِّلَّةِ(16)
    وَالذِّلةِ، وَهيْهَاتَ مِنَّا الذِّلَّةُ، يَأبَى اللهُ لَنَا ذَلِكَ وَرَسولُهُ وَالمُؤمِنُونَ وَحُجًورُ طَابتْ وَطَهُرتْ وَأُنُوفُ حِمِيَّةُ وَنُفُوسُ أَبيَّةَ: مِنْ أنْ تُؤْثِرَ طَاعَةَ اللِّئامِ عَلىَ مَصَارِعِ الْكِرامِ.


    أَلاَ وَإِنِّى زّاحِفُ بِهذِهِ الأُسْرَةِ مَعَ قِلَّةِ الْعَدَدِ وَخَذْلَةِ النَّاصِرِ).
    ثم أنشد أبيات فروة بن مسيك المرادي:
    (فَـــــإِنْ نَـــهْزِكْ فَهَزَّامُونَ قِدْماً وَإِنْ ُنــــغْلَبْ فَــــغَيْرُ مُــــغَلِّبِينَا
    وَمَـــــا إِنْ طِــــــبُّنَا جُبنٌ وَلـَكِنْ مَنَــــايَانَـــــا وَدَوْلـَـــــة آخَرِينـَا
    إِذا مَــــاالمَوتُ رَفَّــعَ عَنْ أُنَاسٍ كَلاَكِلَهُ أَنَــــــاخَ بِـــــآخـِرِيــــنـَا
    فَــــأَفْنىَ ذَلِكُمْ سَـــرَوَاتِ قَوْمـِي كَمَا أَفْنـــــىَ الْقُرُون الأَوَّلِيـــــنَا

    فَـــلَوْ خِــــــلْدَ الْمُلُوكُ إِذاً خُلِدْنـَا وَلَوْ بَقـِـــــي الكِــــرَامُ إذاً بَقِينَا
    فَـقُلْ لِـــــلشَّامِتِينَ بـــِنَا: أَفِيقُـوا سَيَلْقىَ الشَّــــامِتُونَ كَـمَا لَقِينَا)
    أَمَا واللهِ لاَ تَلْبَثُونَ بَعْدَهَا إلاَّ كَرَيْثِ مَا يُركَبُ الْفرَسُ حَتّىَ يَدورَ بِكُمْ دَوْرَ الرَّحىَ وَتَقْلَقَ بِكُمْ قَلَقَ الْمِحْورِ، عَهْدُ عَهْدَهُ إِلَيَّ أَبِي عَنْ جَدِّي، فَأجْمَعُوا أَمْركُم وَشُرَكَاءَكُم، ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيكُمْ غُمَّةُ، ثُمَّ اقْضُو إِلَيَّ وَلاَ تُنْظرُونَ. إِني تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبّي وَرَبِّكُمْ، ما مِنْ دابَّةٍ إِلاّ هُوَ آخِذُ بِناصِيَتها، إِنَّ رَبّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقيمٍ

    اترك تعليق:

المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X